لعل السؤال الذي لم يُطرح بصورة مباشرة بعد هو: هل الإنقاذ الأوروبي لليونان - المتداعية اقتصاداً ـ مصلحة يونانية أم أوروبية؟ ويستتبع هذا السؤال سؤال آخر هو: هل تستطيع منطقة اليورو الخروج من الأزمة اليونانية من دون أضرار تمس بنية المنطقة السياسية ـ الاقتصادية, بل المصيرية؟ فهذه الأزمة (في النهاية) أوروبية الهموم وإن كانت عالمية المحن. ألمانيا (المتكدر الأكبر من خطة الإنقاذ) لا ترغب في تقديم صك على بياض لليونان قبل أن يتقشف هذا البلد بصورة صارمة وبشكل يقنع حكومة برلين. فرنسا تبدو أنها مع الإنقاذ (بصرف النظر عن التفاصيل) خوفاً على مستقبل اليورو ومنطقته, وحرصاً على عدم ترك مساحة لبريطانيا (الجالسة على حافة المنطقة) للتشفي بالعملة الأوروبية, التي لا تزال منبوذة سياسياً ـ قبل اقتصادياً - في المملكة المتحدة. اليونان وسط كارثتها لا تريد أن تكون بمثابة كرة للعبة السياسة الأوروبية ولا ترغب بِذلٍ ألماني يصعب هضمه. إنها معركة (غير معلنة) بين الكبار حول صغير هش يسعى بالفعل إلى التقشف من التقشف!
قد تكون الفرصة مواتية الآن لأولئك الحريصين على استمرار حياة اليورو ومنطقته لـ تسويق الضرورة الحتمية لهذا التجمع الأوروبي الكبير. وقد تكون هذه الفرصة (في الوقت نفسه) المناسبة الأولى منذ إطلاق اليورو عام 1999 لإعادة رسم سياسات اقتصادية إقليمية تأخذ المسألة اليونانية كعامل أساسي والأزمة الاقتصادية العالمية كعامل تاريخي. وفي هذه النقطة تحديداً يصب كلام جان كلود يونكر رئيس مجموعة اليورو يوروجروب, الذي طالب بضرورة إصلاح المعاهدات الأوروبية لإنشاء آلية خاصة بمنطقة اليورو لتسوية مشكلات مشابهة في المستقبل, فهو يرغب في وجود آليات تجنب أوروبا الغوص في بحار الديون والمشكلات المستعصية. وإذا أراد الأوروبيون صيانة منطقتهم التي يفخرون بها فعليهم أن يأخذوا هم زمام المبادرة في الأزمة اليونانية لا أن يسلموها خالصة إلى صندوق النقد الدولي. وتكفي الإشارة إلى انتقادات دومينيك ستراوس المدير العام لصندوق النقد الدولي لفكرة إنشاء صندوق نقد أوروبي لمساعدة الدول في منطقة اليورو في حال تعرضت لأزمات اقتصادية, التي أطلقها أوروبيون يرغبون في جسد أوروبي عالمي النشأة, لكنه محلي التكوين, فأوروبا ـ في نظر هؤلاء ـ ليست إفريقيا ولا آسيا. وكي يواصل مقاومة فكرة الصندوق أسرع ستراوس إلى القول: إنه ينبغي عدم النظر إلى الصندوق الأوروبي على أنه مفتاح الحل للأزمة اليونانية.
المشكلة التي يواجهها المنقذون الأوروبيون لليونان هي أنهم في وضع مالي هش للغاية, ووصل العجز في ميزانياتهم إلى مستويات خيالية, فضلاً عن أنهم في حالة عدم توازن بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية. لكن الحالة اليونانية تستحق عند الخائفين على منطقة اليورو أولاً والاتحاد الأوروبي ثانياً أن يقتطعوا من رزق بيوتهم (إن بقي منه شيء) ويقدموه إلى ولدهم المتداعي. ويبدو أنه لا يوجد مخرج آخر لهذه الأزمة. حتى ألمانيا المتشرطة لا تقوى على مشاهدة منطقتها تتداعى سمعةً وتاريخاً, وهي في النهاية ستقبل بدفع الأموال لسد العجز اليوناني الهائل, ولا بأس مع موجة من التوبيخ! ستصل المبالغ إلى 45 مليار يورو بصرف النظر عن الشروط واللوائح. وستتقشف اليونان أكثر وأكثر لأن القضية اليونانية إذا ما تفشت أكثر مما هي متفشية الآن لن تظل في النطاق الأوروبي, وهذه مسألة لا تقوى عليها أي دولة مهما بلغ حجمها ومهما علت هامتها. وقتها ستتحول القضية إلى أزمة عالمية أخرى ستجعل من المنادين بوجود صندوق نقد أوروبي ينادون بقوة صندوق النقد الدولي للإنقاذ الشامل, هذا إذا استطاع ذلك الصندوق أن ينجح في عملية الإنقاذ الشاملة أصلاً.
منقول من الاقتصادية