القطيع الجذاب

إن للإنسان رغبة عاتية في أن يمتثل للنظام الاجتماعي المحيط به. لا يرغب في أن يخرج عن الخط الأبيض المرسوم وسط الطريق، فيسير فوقه بكل أمانة ومهنية. وكلما هبت ريح عاتية أو هادئة محاولةً إخراجه من على الخط، جهد نفسه من أجل البقاء هناك.
تخيل لو كنت في مجلس ما، ووقف الجميع بلا سبب، ما ردة فعلك؟ دعني أشرح لك وأنا أعلم أنك تعلم. ستتقلص معدتك، وتتصلب شرايينك وستشعر كأن عصا سحرية انتصبت خلف ظهرك تجبرك على الوقوف.
لن تحتمل الغرف الأربعة فرضية أن تجلس أنت والكل واقف. إن هذا فوق طاقتها ولهذا تضخ دماء عنيفة إلى دماغك لتساعده على التغلب على صراعه ضد التيار.
يسميها البعض ثقافة القطيع، أي حب الإنسان أن يكون ضمن مجموعة ما. تخيل نفسك أيضا في حفلة مسائية، والكل حولك يتحلق في حلقات على الأرجل، يتجاذبون (أو يتراشقون كما أحب أن أسميها) أطراف الحديث وبيد كل واحد منهم كأس فيها عصير أو مياه غازية. أنت الوحيد الذي يقف وحيدا، ماذا ستفعل؟ سيكون أمامك خياران لا ثالث لهما: الأول، أن تتقدم بلطف من مجموعةٍ دون أن تكترث إذا ما كانوا سيعتبرونك عبيطا جديدا أو متطفلا سمجا يريد أن ينضم إلىهم. سترتخي عضلاتك وتتجشأ سرورت. أما الخيار الثاني: أن تطلب يد العون والمساعدة من متمردي نيكاراغوا “الكونترا لو كنت من جيل السبعينات” من أجل اقتحام المكان بالمدافع الرشاشة وحصار المكان وتأمين مجموعة مناسبة لتنضم إليها. الخيار الأول أكثر سهولة، أو هكذا يخيل لعقلي الذي يسبح في بحيرة تفكير راكدة.

رغم أن الأنظمة الاجتماعية نحن من نبنيها، إلا أنها تسيطر علينا سيطرة تامة. تفعل ذلك في البيت، في العمل، في الشارع، على الشاطء، في كل مكان. تخيل أن تصحو من نومك، ثم تذهب إلى الشارع ثم ترسم خطا على طول الطريق، ثم تعود إليه في اليوم الثاني وأنت تعتقد أنه يجب عليك أن تمشي فوق ذلك الخط والويل لك إن لم تفعل! من أجبرك على ذلك؟ لا أحد يعلم.

فكر في نفسك وأنت صغير، هل كنت تفضل المشي فوق الخطوط التي تفصل بين بلاطات الرصيف؟ أم لعلك كنت تفضل المشي فوق البلاطة متجنبا المشي فوق الخطوط الفاصلة؟ هل ذهبت إلى مناسبة اجتماعية ما ووجدت الجميع يرتدون ملابس رسمية سواك أنت؟ كيف كان شعورك؟ إنه مثل ذلك الشعور الذي ينتابك حينما تجلس في المسجد حينما يكون الجميع جلوسا بينما كنت تقف قبل دخول كل هؤلاء المصلين! تشعر أن ثمة ضرورة اجتماعية لكي تجلس

لكن معظمنا يزعم أنه يجب أن يكون مختلفا، أو أنه مختلف بالفعل! هل حقا هم كذلك؟ الحقيقة أن الذين يريدون أن يكونوا مختلفين هم أشخاص انتقائيون، بمعنى أنهم ينتقون الظروف والمواقف التي تتيح لهم أن يكونوا مختلفين، لكن حينما يجد الجد يعودون إلى الصف الذي انزاحوا عنه قليلا.

فكرة الإثم والخطئية المترتبة على مغادرة المجموعة تجذبك من شعرك أو قفاك لتعود إلى مجموعتك. فكثير ممن شذ عن مجموعته تأكله ألسنة اللهب المتصاعدة من الشعور بالندم والحنين. حينما ترغب في السفر بشدة ويصبح همك الشاغل، وتلعن كل ما يربطك ببلدتك الكئيبة، ثم فجأة تسافر. ستمر أيام ثم تبدأ أشباح الإثم والخطيئة تلاحقك مشفوعة برقصات ندم على ظلال الشموع. تشتاق إلى بلدتك، إلى الغبار وعوادم السيارات وسباب السائقين وبصاق بائعي المشروبات الغازية المتجولين ونظرات الاحتقار المتصاعدة من أعين ذلك الرجل الذي يركب السيارة الفارهة. كل ذلك العرق المقزز يغدو عذب المذاق.

المصدر : [عذراً, فقط الأعضاء يمكنهم مشاهدة الروابط ]

سبحان الله

النفس البشرية مخلوق عجيب

اجدت الاختيار واحسنت النقل اخي برستيج الراقي

فعلياً ما تم نقله في هذا الموضوع يحدث الان

قطعآآآن جذابة من كل صوب $$$