رد: مصر 22 نوفمبر
حديث كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة
وَلَهُ عَنْ عبد الله بنِ عَمرو بن العاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم: « كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَان يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ يُغَرْبَلُ اَلنَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً. تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ اَلنَّاسِ, قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا, فَكَانُوا هَكَذَا وَهَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِه. قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ اَلزَّمَانُ؟! قَالَ: تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ, وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ, وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُمْ, وَتَدَعُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ »1 .
هذا كذلك من أحاديث الفتن « كيف بكم وبزمان »1 إذا كان، يعني إذا وجد إذا حصل إذا جاء هذا الزمان الذي يغربل الناس فيه غربلة. الغربلة هو، يعني تصفية الشيء بالغربال. الغربال هو المنخل، لعله الكبير، غربال. يُغَربل الناس. وهذا الزمان يصفي، يعني ما يجري فيه يصفي الناس، يتبين الطيب فيه من الخبيث، وهكذا الشدائد. الشدائد يتبين فيها، أرأيتم وقعة الأحزاب؟ ماذا كان من أثرها؟
? إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ?2 وفي آخر السياق ? وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا?3 .
فيه غربلة. الأحداث تغربل الناس تميز، و ? مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ?4 فيها فحص. الابتلاء فيه. يبتلى الناس، يغربل الناس فيه غربلة. أيش بعده؟ فتكون؟ قال يا شيخ: « يُغَرْبِلُ اَلنَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً , تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ اَلنَّاس »5 فتبقى بعد هذه الغربلة. وقد تكون الغربلة لها معنى آخر لعله يأتي ما يشهد له. يغربل الناس يعني يطلع الصالح بحيث يذهبون ويموتون. يذهب الصالحون الأول فالأول كما سيأتي، وتبقى حثالة من الناس « قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا »6 .
هذه صفة أولئك الحثالة « مرجت عهودهم »7 أو مَرِجت كما ضبطها المحقق عندكم مَرِجت مرج يمرج « مرجت عهودهم وأماناتهم »7 يعني أنها فسدت. كأنها فسدت عهودهم بالنقص والخيانة بالنقص والخيانة؛ فلا عهود ولا أمانات. مثل الذين جاء في الحديث حديث القرون المفضلة . « ثم يجيء قوم يخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون »8 فهؤلاء يقول: « مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا »7 نعم بعده. انتهى اللفظ.
يقول: « فكانوا هكذا »9 عندكم التصويب مرة واحدة « فكانوا هكذا »9 وعندكم من أصل المخطوطة « فكانوا هكذا وهكذا »9 « فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه »9 .
هذا تعبير عن الاختلاف. واختلفوا حتى صاروا -يعني مشتبكين، ولعل هذا كناية عن شدة الاختلاف وشدة يعني اللبس والقتال الذي يكون بينهم، كما قال سبحانه وتعالى: ? قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ?10 « واختلفوا حتى كانوا هكذا وشبك بين أصابعه »11 وكثيرا ما يصور الرسول عليه الصلاة والسلام الأمر ويمثله يعني لتقريب الحقائق المعقولة بصورة محسوسة. أيش اللي بعده؟
قال: كيف بنا يا رسول الله؟ نعم. أيش بعده؟ قال: إذا كان ذلك الزمان قال: تأخذون ما تعرفون . نعم قال: كيف بكم إذا كان هذا الزمان؟ قال: « تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون »11 يعني اعتصموا بالحق في عندما تعصف الفتن ويختلف الناس اعتصموا بالحق. خذوا من أعمال الناس وأقوالهم واقبلوا منهم ما تعرفون بما آتاكم الله من العلم والبصيرة. خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون. وهذا لا يتأتى إلا بالعلم؛ ولهذا العلم بكتاب الله وسنة رسوله هو عصمة من الفتن؛ فكتاب الله هو المعتصم كما تقدم « خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون »12 من الذي يستطيع ذلك؟. لا يستطيعه إلا من كان على نور ومعه نور يمشي به في الناس يمشي به في الناس.
أعد سياق الحديث.. نعم.
وله عن عبد الله بن عمرو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ »13 « يوشك أن يأتي »14 يعني قريب، يعني أوشك تأتي، يعنى تدل على القرب يوشك، هذا الأمر موشك أي قريب. نعم. « يوشك أن يأتي يُغَرْبِلُ اَلنَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً, تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ اَلنَّاسِ, قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ, وَاخْتَلَفُوا, فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ اَلزَّمَان؟. قَالَ: تَأْخُذُونَ ِبمَا تَعْرِفُونَ, وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ, وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُمْ, وَتَدَعُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ »14 .
« تقبلون على خاصتكم »14 هذا من حيث يعني يشير إلى العزلة تقبلون على شأنكم وتدعون أمر العامة؛ أولئك المختلفين أولئك الأقوام الذين مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا، والتبس بعضهم ببعض والتبس الأمر عليهم. وأقبلوا على خاصتكم ودعوا عامتكم أو أمر عامتكم. هذا فيه التعبير عن الاعتزال، عن اعتزال أولئك الحثالة نعم.
1 : أبو داود : الملاحم (4342).
2 : سورة الأحزاب (سورة رقم: 33)؛ آية رقم:10 - 12
3 : سورة الأحزاب (سورة رقم: 33)؛ آية رقم:22
4 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:179
5 : أبو داود : الملاحم (4342).
6 : أبو داود : الملاحم (4342).
7 : أبو داود : الملاحم (4342).
8 : البخاري : الشهادات (2651) , ومسلم : فضائل الصحابة (2535) , والترمذي : الفتن (2222) , والنسائي : الأيمان والنذور (3809) , وأبو داود : السنة (4657) , وأحمد (4/427).
9 : أبو داود : الملاحم (4342).
10 : سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:65
11 : أبو داود : الملاحم (4342).
12 : أبو داود : الملاحم (4342).
13 : أبو داود : الملاحم (4342).
14 : أبو داود : الملاحم (4342).
حديث إذا رأيت الناس مرجت عهودهم
وَلَهُ: مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَمْرٍو نَحْوُهُ وَقَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَع؟. قَالَ: « اِلْزَمْ بَيْتَكَ, وَأَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ, وَخُذْ مَا تَعْرِفُ, وَدَعْ مَا تُنْكِرُ, وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِك, وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ اَلْعَامَّة »1 وَأَوَّلُهُ: « إِذَا رَأَيْتَ اَلنَّاسَ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ, وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ , وَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ »2 فَقُمْت إِلَيْهِ فَقُلْت إِلَى آخره.
هذا الحديث هو نفسه. الراوي هو هو الراوي لكن هذه الرواية فيها التصريح « الزم بيتك »1 وكف لسانك. هذه هي الزيادة، والباقي مثل الأول. نعم.. والله أعلم. وصلى الله على محمد.
الأسئلـــة
سائل سأل الشيخ يقول: بعض الناس يقول: إن فتنة الدهيماء قد وقعت قبل أعوام، وقيل: إنها تتكرر.
الله أعلم. الفتن كلها أمور مستقبلية. يعني في أكثر الأحيان لا يتأتى الجزم. أنا قلت: إن هذا في العام الماضي ما يتأتى الجزم على التعيين؛ لأنه يصعب يعني التطبيق. إن هذا تماما يحتمل. قد يقول قائل: لعلها كذا، يحتمل أن تكون كذا؛ لأن أكثر ما يأتي من هذا هي أوصاف، والأوصاف قد تكون منطبقة أو ينطبق بعضها؛ فيحصل لبعض الناس أنه يجزم أن هذه هي الفتنة الفلانية نعم بعده.
سائل يقول: ما علاقة الخشوع بحصول الفتن؟ هل يفهم منه أن لهذه الفتن تأثيرا على القلب؟
ما ظهر السؤال. ما علاقة الخشوع بحصول الفتن؟ وين المناسبة؟ هذا السؤال ما أجد له مناسبة.
أحسن الله إليكم. يقول: في سنن أبي داود « إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد الإمامة، فلا يجدون إماما يصلي بهم »3 فهل ينطبق هذا على حال كثير من طلاب العلم اليوم؟
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينطبق على بعض ما هو على كثير. ينطبق على بعض طلاب العلم. يقول: « إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد الإمامة فلا يجدون إماما يصلي بهم »3 هذا قد يكون. ما هو من النوع اللي الأخ يسأل. الناس يتدافعون أحيانا كل واحد يريد؛ مثل امتناعهم عن الفتوى، كل واحد يريد أن يحيل يعني الأمر إلى صاحبه.
يعني كل واحد ما يريد أن يتقدم على الآخر، وأنك يا فلان أولى. وأحيانا يحصل التدافع بتأويل. بعض الناس يكون عنده يعني حالة يرى بسببها أن غيره أولى بالإمامة. هذا احتمال، وهذا هو الذي يقع من بعض طلاب العلم.
والمعنى الثاني أنهم يتدافعون، ما يرضون عنه يعني: كلهم غير مؤهلين... .. إذا.. لا يجدون من يصلى بهم، كلهم ما يحسنون يقرأون، يعني يكون كناية عن غلبة الجهل. وراجع كلام شراح الحديث وأخبروني بعد ذلك.
نعم. راجعوا لفظ الحديث في شروح أبي داود. نعم
المعني الراجح هو الراجح عندي والمفضل عندي وذلك بعد انتشار الجهل والقتل بين الناس
حديث إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صل على نبينا محمد.
قال رحمه الله تعالى: و َلِلتَّرْمِذِيِّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَنْ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ, مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ, وَيَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا »1 وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
في هذا الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حسن غريب في التحقيق عندكم تنبيه على أن الترمذي لم يحسنه، وإنما قال فيه: غريب، وضعفه بعض أهل العلم. والحديث له وجه. معناه « إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر به هلك، ويأتي على الناس زمان من عمل فيه بعشر ما أمر به نجا »2 معناه إنكم في زمان قد ظهر فيه الحق، وقامت فيه الحجة. يأتي على الناس زمان يخفى فيه يدرس الإسلام، وتخفى المعالم ويقل المعين ويكثر الأعداء.
ولا شك أن من كان في الزمان الأول؛ فإنه لا يعذر فيما يفرط فيه كما يعذر من كان في الزمان الآخر؛ لأنه كلما قامت حجة الله على العباد وظهر فيه دين الله وقوي فيه جانب الحق؛ كلما كان الواجب من الاستقامة وامتثال الأمر آكد وألزم. وهذا من لطف الله بعباده ورحمته. وهل يتصور. ويقرب هذا المعنى؛ يعني مثلا العالم، المعصية من العالم ليست كالمعصية من الجاهل؛ لأن العالم عنده من العلم والبصيرة ما يجب أن يكون مانعا له عن المعصية، بخلاف الجاهل فهو وإن كان عاصيا لكن إثم الأول أكبر وأكثر. فهذا تقريب هذا المعنى. وهذه يجري يعني في الأفراد كما في المثال، ويجري في المجموعات في سائر الأحوال والزمان نعم.
حديث لتنتقون كما ينتقى التمر من أغفاله
وَلِابْنِ ماجه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « لَتُنْتَقَوُنَّ كَمَا يُنْتَقَى اَلتَّمْرُ مِنْ أَغْفَالِهِ, وَلَيَذْهَبَنَّ خِيَارُكُمْ, وَلَيَبْقَيَنَّ شِرَارُكُمْ, فَمُوتُوا إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ »1 . .
في هذا الحديث خبر يشبه الحديث المتقدم. المتقدم أظن ثماني وخمسين « يأتي بين أيديكم زمان يوشك أن يغربل فيه الناس غربلة حتى لا يبقى إلا حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا »2 الحديث. هنا « لَتُنْتَقَوُنَّ كَمَا يُنْتَقَى اَلتَّمْرُ مِنْ أَغْفَالِهِ, وَلَيَذْهَبَنَّ خِيَارُكُمْ, وَلَيَبْقَيَنَّ شِرَارُكُمْ, فَمُوتُوا إِنْ اِسْتَطَعْتُم »1 هذا معنى الحديث؛ الحديث ثابت في الصحيحين كما لعله سيأتي: « يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حثالة من الناس كحثالة الشعير أو التمر »3 ونحو ذلك.
وهذا يشبه الحديث الذي ذكرت: « يغربل الناس فيه غربلة »4 الغربلة يقصد منها الغربلة استعمال الغربال والمنخل من أجل التنقية؛ تنقية الجيد عن الرديء. هنا « لتنتقون كما ينتقى التمر من أغفاله »1 ؛ يعني من رديئه. الأغفال جمع غُفْل، والغُفْل من الناس كل من لا خير فيه، وكذلك من الأطعمة الغفل الشيء الرديء. « وتنتقون كما ينتقى التمر من أغفاله »5 ؛ يعني بالموت، فـ « يذهب الصالحون الأول فالأول »3 .
والجملة الثانية تكون مفسرة « وليذهبن خياركم ويبقى شراركم فموتوا إن استطعتم »6 الموت ما هو بيد الإنسان حتى يموت، ولا يحل له أن يقتل نفسه، لكن فسر بأن الموت في هذه الحال خير. إذا غلب الشر الموت خير من الحياة. إذا غلب الشر وأهل الشر وخشي الإنسان على نفسه وعظمت الفتنة؛ ولهذا جاء في الدعاء « وإذا أردت بخلقك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون »7 نعم.
حديث يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما
بَابُ اَلتَّعَرُّبِ فِي اَلْفِتْنَة.
وَلَهُ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ اَلْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتبع بِهاِ شعف اَلْجِبَالِ, وَمَوَاقِعَ اَلْقَطْرِ, يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ اَلْفِتَنِ »1 .
يقول في الترجمة: "بَابُ اَلتَّعَرُّبِ فِي اَلْفِتْنَةِ". التعرب يعني الصيرورة إلى البدو. الأعرابي هو البدوي، والتعرب التبدي في الفتنة، يعني النزوح والخروج إلى البادية وإلى منازل الأعراب، ولا يلزم من ذلك أن يكون الإنسان أعرابيا؛ لأنها أمر عارض.
وذكر حديث أبي سعيد في الصحيحين النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يوشك أي يقرب أن يكون خير مال الرجل غنما يتبع بها شعف الجبال -جمع شعفة وهي رأس الجبل- ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن »2 هذا يتضمن أنه قد تأتي أيام يغلب فيها الشر وتعظم الفتنة؛ بحيث يخشى الإنسان على نفسه، يُدعى إلى الباطل ويحمل عليه ويجبر عليه. يجبر أن يتكلم بالباطل، يجبر أن يفعل الحرام، يعني سواء كان من فتن القتال، أو فتن البدع والمحدثات « يفر بدينه »3 .
قال: يريد سلامة دينه ليسلم دينه « يفر بدينه »3 ؛ لأنه بسبب ما حل من الفتنة يخاف على دينه من الزوال أو النقص، وذلك بالعزلة، وهنا تختلف أحوال الناس فمن الناس من تكون العزلة أصلح له؛ لأن وجوده بين الناس ضرر عليه. وجوده بين الناس ضرر؛ لأنه لا يستطيع أن يقاوم هذا الباطل بالإنكار والبيان والتبصير؛ فهذا خير له العزلة.
ومن الناس لا، من يكون عنده من القوة في علمه وبيانه وعزيمته وشجاعته ما يقاوم ويقارع فيه الباطل وأهله؛ فهنا الخلطة خير له. إذن فقوله: « يوشك أن يكون خير مال الرجل »4 ما يلزم أن يكون ذلك لكل رجل فالذي كما جاء في الأثر الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، يخالطهم ويصبر على أذاهم، ولا يتضرر بذلك في دينه بقطع النظر عن ضرره الشخصي؛ لأنهم يؤذونه ويصبر على أذاهم. الرسل صبروا ? وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ?5 نعم يا شيخ.
حديث إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي فيها
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ اَلْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلْمَاشِي فيها, وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلسَّاعِي إِلَيْهَا. أَلَا إِذَا نَزَلَتْ , أَوْ وَقَعَتْ, فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ, فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ, وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ, وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ, فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِه. فَقَالَ رَجُل:ٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ, وَلَا غَنَمٌ, وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حده بِحَجَرٍ, ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اِسْتَطَاعَ اَلنَّجَاةَ. اَللَّهُمَّ هل بَلَّغْتُ, اَللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ, اَللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت !! فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّه، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَق بِي إِلَى أَحَدِ اَلصَّفَّيْنِ, أَوْ إِحْدَى اَلْفِئَتَيْنِ, فَضَربَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ, أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ, وَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّارِ »1 .
صدر هذا الحديث قد تقدم إنها « ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي »1 لكن فيه زيادات أيضا تؤكد ما سلف. الشيخ أورده هنا لما فيه. « فإذا وقعت فمن كانت له إبل فليلحق بإبله »1 من كانت له إبل في الصحراء فليلحق بإبله، يشرب من ألبانها ويعيش في الصحراء. « ومن كانت له غنم فكذلك فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض يزدرعها فليلحق بأرضه »1 هذا كله كناية عن من كان له ملجأ فليهرب يهرب عن الفتنة إذا وقعت.
هذا تماما يتطابق مع قول: « يوشك أن يكون »1 "يوشك" هذا يتضمن أنها ستكون أحداث وفتن يصير خير مال الرجل هنا غنما يتبع بها شعف الجبال فمن كانت له غنم أو إبل أو أرض فليلحق فلينج بنفسه. فقال رجل: يا رسول الله من لم تكن له أرض ولا شيء يذهب إليه، قال: « يعمد إلى سيفه فيضربه حتى ينقطع »1 .
هذا معناه أيضا متقدم، يعني المهم أنه يعتزل الفتنة. وهذا يشعر بأن هذه الفتن أكثر يعني المراد منها فتن القتال التي تدور رحاها بين الناس، ويخفى فيها المحق من المبطل أو يكون كل من المقتتلين مبطلا يقاتل للدنيا ويقاتل عصبية. وقال في الحديث: أرأيت إن أُتيت وذهب بي إلى أحد الصفين بالإكراه بالقوة، بالقوة لا بد من الدخول في المعمعة وفي الحرب في هذه الفتنة فضربني رجل بسيفه أو أصابني سهم.
نعم. اقرأ النص الأخير « فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقُ بِي إِلَى أَحَدِ اَلصَّفَّيْنِ, أَوْ إِحْدَى اَلْفِئَتَيْنِ, فَضْربَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ, أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟. قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ, وَيَكُون مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّار »1 .
نعم. يقول: إن ذهب بك إلى أحد الصفين فقتلك واحد من هؤلاء المقاتلة في هذه الفتنة باء بإثمه وإثمك، وهذا شاهد لما تقدم من الأحاديث. كل هذا يؤكد:
أولا: اعتزال الفتنة إما بلزوم البيت « كونوا أحلاس بيوتكم »2 أو بالانطلاق إلى مال الإنسان من غنم أو مزرعة أو إبل. وإن ابتلي الإنسان وأتاه آت يد ظالمة فلا يقاومه بل يكون « كخير ابني آدم »3 ؛ كما تقدم.
فمن اعتزل الفتنة وأتاه من يقتله أو ذهب به حتى يقتل؛ فإن قاتله يبوء بالإثم ويكون من أصحاب النار. وهذا وعيد عام؛ يعني لا يشهد به لمعين لأن المقاتلين في الفتنة أحيانا يكون كل منهم متأولا؛ يكون متأولا كما جرى بين الصحابة، ومعهم من التابعين. أبو بكرة يروي يعني من حجته في اعتزاله تلك الحروب قوله صلى الله عليه وسلم: « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار »4 .
هذا هو الأصل أنه إذا اقتتل المسلمان « فالقاتل والمقتول في النار »4 لكن قد يدفع عنه هذا الوعيد التأويل الذي تأوله والشبه التي عرضت له؛ حتى يظن أن القتال في هذه الواقعة يعني واجب عليه. يعني قد يتصور أنه واجب، والأصل أنه حرام. لكن من ظهر له أن هذا قتال فتنة وأنه باطل؛ فليعتزل. لا يشارك نعم.
باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا
حديث بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ
بَابٌ بَدَأَ اَلْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا.
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « بَدَأَ اَلْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ »1 .
هذا الحديث في صحيح مسلم تضمن خبرا عن واقع قد شهده الناس وخبر عن مستقبل غيبي يقول: « بدأ الإسلام غريبا »1 بدأ -يعني- ابتدأ الإسلام غريبا والمراد غربة أهله قلة الواحد والاثنان والثلاثة والخمسة -يعني- أول ما بعث النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن معه إلا نفر يسير، ولم يزالوا يكثرون شيئا فشيئا فبدأ غريبا والغربة -يعني- فيها معنى الندرة والقلة كما أن الغريب غريب الوطن يكون -يعني- متفردا في نفسه في بلاد الغربة ليس عنده من أهله وعشيرته وأصحابه فهذه غربة الوطن.
والتي في الحديث هي غربة الدين غريب في دينه هذه غربة ظاهرة عرف شهدها الناس عرفها وشهدها الصحابه فزالت هذه الغربة زالت بدخول الناس في دين الله أفواجا وقامت دولة الإسلام وانتشر الإسلام في الجزيرة ثم انتشر الإسلام في أقطار الأرض -يعني- بما وفق الله من رفع راية الجهاد قال عليه الصلاة والسلام: « وسيعود غريبا »1 سيعود غريبا وينحسر من الأرض حتى يقل أهله ويكون أهله ندرة في البشرية « وسيعود غريبا كما بدأ »1 فلا يصير على هذا الدين إلا القليل من الناس.
والذي يظهر إن الغربة تتفاوت الغربة التامة إنما تكون في آخر الزمان أو إنه عليه الصلاة والسلام يريد -يعني- يخبر عن حال من الأحوال ولا يمنع من ذلك أن يعود للإسلام أيضا قوته بعد الغربة -يعني- بدأ غريبا ثم زالت تلك الغربة ثم يعود غريبا ثم قد تزول هذه الغربة الله أعلم لأن قوله: « وسيعود غريبا »1 لا ينفي أن يعود أيضا -يعني- قويا ظاهرا وأهله كثيرون.
والغربة من الأمور النسبية فيها الغربة التامة والغربة النسبية وقد يكون الإسلام غريبا في أرض وليس غريبا في أرض في بعض البلاد يكون أهل الإسلام غرباء قلة يعدون بالأصابع ويشار إليهم وقد يكنون أيضا كما كان المسلمون في أول أمرهم -يعني- يختفون يكتمون إيمانهم وهذا يشهد به الوقت فالمتأمل لتأريخ الناس وتأريخ المسلمين وأحوال المسلمين يجد هذا التفاوت العظيم سبحان الله.
وهذا من وجهة نظري بداء الاسلام غريب الكل يتبرص بالاسلام والمسلمين في مكه المكرمه وهاجر المسلمين الي ملك الحبشه وهاجر المسلمين الي المدينه المنوره
واجتماع اعداء الاسلام في غزوة الخندق بالفتك بالاسلام والمسلمين وهكذا
واليوم من يصلي او يعمل سنه او يحافظ علي صلاه المكتوبه بعتبر نشاذ علي المجتمع وعن عرف المجتمع والامر سوف يشتد علي الاسلام والمسلمين
حديث طوبى للغرباء
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَفِي آخِرِهِ: « فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ »1 آخِرُهُ: « قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ! وَمَنْ اَلْغُرَبَاءُ قَالَ: اَلنُّزَّاعُ مِنْ اَلْقَبَائِل ِ »2 .
حديث ابن مسعود هو بمعنى الحديث المتقدم لكن فيه « فطوبى للغرباء »1 هذه الزيادة طوبى للغرباء تحتمل أنها دعاء يحتمل أنها خبر طوبى -يعني- الحالة الطيبة والعاقبة الطيبة لأولئك الغرباء فطوبى لهم كما قال سبحانه وتعالى: ? الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ?3 فطوبى فعلى من الطيب وهي تعم كل ما وعد الله به المؤمنين الصالحين من العواقب الطيبة فهم الطيبون وعواقبهم طيبة وحياتهم طيبة ? مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ?4 ? الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ?5 .
طوبى لهم « فطوبى للغرباء »1 فيه تحريض على الغربة تحريض على -يعني- لزوم الدين والاستقامة عليه في وقت الإعراض إعراض الأكثرين عنه « فطوبى للغرباء قيل وما الغرباء يا رسول الله قال النزاع من القبائل »1 وجاءت روايات بعدها « الذين يصلحون إذا فسد الناس »6 وفي اللفظ الآخر « يصلحون ما أفسد الناس »7 وكلها معاني متطابقة أما النزاع فهو جمع نازع وهو الذي يخرج من بين قومه ويتفرد كما كان المهاجرون نزاعا المهاجرون كانوا نزاعا من هذه القبيلة واحد اثنين ثلاثة ومن هذا البلد كذا كانوا يتفلتون من ديارهم ومن أقوامهم ومن عشائرهم ويهاجرون إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- نزاع.
وهذه الصورة تتكرر -يعني- في الوقت الذي يضعف فيه سلطان -يعني- الإسلام ويكثر فيه الشر يكون هناك أفراد يتفردون ويتغربون يتفردون عن عشائرهم وقبائلهم وأهل أوطانهم « النزاع من القبائل »8 وهؤلاء صالحون في الوقت الذي غلب فيه الفساد على الناس، ومن شأن الصالح أن يصلح من شأن الصالح أن يصلح، لا يكون صالحا ولا يصلح وهو قادر من كان صالحا فإنه يجب عليه أن يصلح إذا قدر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله يدعو إلى دين الله يدعو إلى السنة يحارب البدعة فيصلح، ولهذا جاء وصفهم بالصلاح والإصلاح جاء وصفهم في الروايات التالية بالصلاح والإصلاح فهم صالحون ومصلحون كما هو شأن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم نعم
ومن وجهة نظري
ما يحدث في الدول العربيه والرسول صلي الله عليه وسلم لم يقل جزيرة العرب فالكلام هناك عام علي كل العرب والقتل وسفك الدماء واضاح في الدول العربيه
والحديث لم يتكلم عن العجم او الفرس او الروم الحديث مخصص بشكل عام علي العرب
حديث يتقارب الزمان وينقص العمل
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَتَقَارَبُ اَلزَّمَانُ وَيَنْقُصُ اَلْعَمَلُ، وَيُلْقَى اَلشُّحُّ وَتَظْهَرُ اَلْفِتَنُ, وَيَكْثُرُ اَلْهَرْجُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ: مَا هُوَ؟ قَالَ: اَلْقَتْلُ اَلْقَتْلُ. »1 .
هذا الحديث أيضا اشتمل على جملة أمور مما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعده يقول: « يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: القتل القتل. »2 هذه هي الخصال أربع تقارب الزمان هذا مشكل عند كثير من الشراح.
« يتقارب الزمان »1 مما قيل فيه: يتقارب بمعنى أنه يتسارع الزمان بسبب الغفلة غفلة الناس تسرع الأيام؛ تذهب بسرعة كما يشغل الناس الآن في هذا الوقت مع -يعني- توافر اللذات والشهوات والمتع تذهب الليالي والأيام بسرعة الآن الناس يشكون، وفي أزمان ماضية أيضا يحدث هذا فبعض الأمور التي نسميها أو يقال عنها: إنها أشراط الساعة بعضها يتكرر مثل: « وترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان »3 -يعني- تحضر البادي حدث ويحدث ويتكرر رعاء الشاة يحلون المدن ويتطور أمرهم فيتنافسون في البنيان يتطاولون؛ فبعض الأمارات تتكرر تقارب الزمان -يعني- تسارع الزمان فيصبح -يعني- السنة كأنها شهر الشهر كأنه أسبوع الأسبوع كأنه يوم؛ اليوم كأنه ساعة هذا مما لعله من أقرب ما قيل فيه.
بعض المعاصرين قال: لعل هذا كناية عن تقارب المكان بسبب وجود هذه المواصلات المكان الذي كان الناس يقطعونه المسافات التي كانت تقطع بشهر صارت تقطع بساعة لا إله إلا الله أمور عجيبة قال: « وينقص العمل »4 ينقص العمل بماذا؟ العمل بدين الله -يعني- يكثر هذا الأمر، وهذا في الجملة في جملة الناس وفي عموم الناس ينقص العمل ينقص ويكثر التقصير فيما أوجب الله وينقص العمل.
« ويلقى الشح »5 "الشح": هو شدة البخل ? وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ?6 ? وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ?7 فالشح من طبائع النفوس، ولكن بالمجاهدة يتخلص الإنسان من طبع الشح، بالمجاهدة والاستعانة بالله مع الاستعانة بالله يتخلص من الشح الذي يؤدي إلى ارتكاب ما حرم الله من قطيعة الأرحام، وسفك الدماء، فإن الشح يفضي لأنه يحمل على طلب الإنسان ما ليس له، ومنع ما يجب من الحقوق، ويلقى الشح يلقى في الناس وبين الناس ويلقى الشح.
« وتظهر الفتنة »8 هذا شاهد لما تقدم أنها ستكون فتن، والأحاديث التي فيها الإخبار عن كثرة الفتن كثيرة، وهذا منها تظهر الفتن فتن -يعني- فتن الشهوات فتن الشبهات البدع تظهر. ظهرت فتن عظيمة وبدع، ويتفرع عنها أيضا فتن أخرى ومنها « ويكثر الهرج »8 وكثرة الهرج من الفتن فربما قلنا: إن عطف الفتن الهرج على الفتن من عطف الخاص على العام « قيل: وما الهرج؟ قال: القتل القتل. »9 يكثر القتل -يعني- يكثر القتل بغير حق بأشكال من ظلم المتسلطين من كفار ومسلمين يكثر، وكذلك المعتدين يكثر القتل بغير حق ظلما وعدوانا.
أما القتل الذي هو بحق هذا ليس من الأمور التي تذكر -يعني- هذه الأمور المذكورة كلها مذمومة، وكلها شرور قيل الهرج -يعني- ليست هذه الكلمة عربية الأصل؛ بل هي من لغة الحبشة. الهرج في لغتهم القتل في لغتهم يقال له: الهرج وهناك كلمات يقال: إنها معربة وأن أصلها يعني بعضها حبشية وبعضها فارسية دخلت وتداولها -يعني- العرب، وكأنها غير مشهورة كأنها غير مشهورة هذه الكلمة ولهذا قالوا: « ما الهرج يا رسول الله؟ »10 نعم.
حديث: ستكون فتنة صماء بكماء عمياء
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَال:َ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ, اَللِّسَانُ فِيهَا كَوَقْعِ اَلسَّيْفِ »1 .
هذا من جنس ما قبله, ستكون فتنة صماء, بكماء, عمياء؛ هذه الكلمات عبارة عن أنها فتنة مظلمة, ما لا يعنى لا يتبين فيها وجه الحق, مظلمة من كل وجه؛ يعني: ليس فيها منفذ لهدى, صماء, بكماء, عمياء؛ تعبير يفهمه المخاطب. إنها فتنة مظلمة من كل وجه, لا يهتدى فيها إلى خير ولا صواب, اللسان فيها كوقع السيف, -يعني- كما تقدم أن المشاركة فيها بالكلام يعني: أثره كوقع السيف, فالحذر.. الحذر. في هذا تحذير من الإعانة في هذه الفتن بالكلام. نعم.
حديث: إن الله زوى لي الأرض
بَابُ هَلَاكِ اَلْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ:
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ اَللَّهَ زَوَى لِي اَلْأَرْضَ, فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا, وَأُعْطِيتُ اَلْكَنْزَيْنِ اَلْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ »1 . (قَالَ اِبْنُ مَاجَهْ: -يعني- اَلذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) « وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَلَّا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ, وَأَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ, فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ, وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إني إذا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ, وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَلَّا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ, وَأَلَّا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ, فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ, وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا, أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا , وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا »2 .
هذا حديث ثوبان؛ هذا الصدر رواه مسلم وآخره رواه الترمذي كما سيأتي، ورواه البرقاني كما ذكر الشيخ محمد رحمه الله في كتاب التوحيد. الشيخ محمد بن عبد الوهاب ذكر هذا الحديث بطوله في باب إن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، وهذا الحديث قد اشتمل على أمور من أعلام النبوة. « إن الله زوى لي الأرض. »1 -يعني- طواها وقربها « فرأيت مشارقها ومغاربها. »3 متى هذا وكيف هذا الله أعلم به، المهم أن الرسول أخبر بأن الله قرب له الأرض وأطلعه على مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما في يدي منها، وقد امتدت الدولة الإسلامية شرقا وغربا بالفتوح.
« وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض »4 فسرا الكنزان بكنوز كسرى وقيصر والأحمر الذهب والأبيض الفضة « وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض »5 ولهذا جاء في الحديث في شأن فارس والروم: « ولتنفقن كنوز فارس والروم في سبيل الله »6 يعني يغنمها المسلمون ويفتحون بلادهم وينفقون أموالهم في سبيل الله « أعطيت الكنزين »7 يقول: « وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكهم بسنة بعامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: إني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم »8 -يعني- أن الله أجاب دعائه في هاتين المسألتين قال حتى يقول: « وإن اجتمع عليهم من بأقطار الأرض »9 من بأقطارها وجوانبها « حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا. »10 هذا هو الشاهد من الحديث؛ الشاهد من الحديث أن هذه الأمة يجري بينها القتال قتال الفتنة القتال بغير حق ظلما وعدونا وتأويلا. هذا هو الشاهد من الحديث « حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا »10 .
ولهذا المعنى شواهد كثيرة سيذكر المؤلف بعضها، ومن شواهده الحديث الثابت في الصحيح أنه « لما أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ. »11 قال -صلى الله عليه وسلم:- أعوذ بوجهك ? أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ?12 قال أعوذ بوجهك ? أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. ?12 قال هذا أهون لأن الأول والثاني يتضمن -يعني- هو من نوع عذاب الإستئصال الذي قد رفع عن هذه الأمة عذاب الإستئصال الذي هو إهلاك الجميع كما أهلك الله قوم نوح بالغرق وقوم عاد بالريح العاتية وقوم صالح بالصيحة إلى آخره نعم.
حديث: كيف أنت إذا أخذ الناس موت
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: من أحاديث النهي عن السعي في الفتنة.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخَذَ اَلنَّاسَ مَوْتٌ, تَكُونُ اَلْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ , يَعْنِي: اَلْقَبْرَ: قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ قَالَ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ أَوْ قَالَ: تَصْبِرُ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ! إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ اَلزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ قُلْتُ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي قَالَ: شَارَكْتَ اَلْقَوْمَ إِذًا قَالَ: قُلْتُ: فَمَاذَا تَأْمُرُنِي قَالَ: تَلْزَمُ بَيْتَكَ قُلْتُ: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي قُالْ: فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يُبْهِرَكَ شُعَاعُ اَلسَّيْفِ, فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ, يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وإثمه »1 .
زَادَ اِبْنُ مَاجَهْ: « كَيْفَ أَنْتَ وَجَوَائِحُ تُصِيبُ اَلنَّاسَ, حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدَكَ, فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فِرَاشِكَ, وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالْعِفَّةِ »2
الحمد لله, وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله وعلى آله وصحبه.
مضمون هذا الحديث قد تقدم؛ وهو النهي عن السعي في الفتنة, والمشاركة في الفتنة.
« قال: كيف بك يا أبا ذر إذا أخذ الناس موت يكون البيت فيه الوصيف »3 الوصيف: الخادم. يعني: يكون البيت بوصيف,. + بوصيف, يعني يكون, فسر البيت بالقبر, وفسر بالبيت المعروف بالمسكن فسر بهذا، -يعني- يقع إذا أخذالناس موت يكون البيت بوصيف -يعني- يكون القبر يشترى بوصيف؛ لأنها تضيق الأرض بكثرة الموتى, فلا يحصل الإنسان على قبر يدفن فيه ميته؛ إلا بوصيف. هذا قول في تفسير هذه العبارة, وقيل: بل هو البيت.. المسكن. ومعناه: يعنى أن البيت.+ المساكن حتى يشترى البيت العالي المسكن بوصيف؛ لكثرة -يعني- بسبب كثرة الموت يزهد الناس في البيوت, ويقل الطلب عليها -على المساكن-. فهذان قولان متقابلان -يعني- فسر البيت بالغلاء, بغلاء البيت الذي يسكنه الميت في القبر, أو بكساد البيوت التي يسكنها الناس.
« قال: قلت: الله ورسوله أعلم »4 أو قال:يعني « ما يختار الله لي ورسوله »5 . يعني: ما يختار الله لي ورسوله. قال: فاصبر. هذا هو الواجب على الإنسان عند المصائب العامة والخاصة, الواجب الصبر, والتسليم لأقدار الله, والإيمان بأن ما يجري هو بقدره سبحانه وتعالى. هذا هو الواجب. يقول: ثم قال: « كيف بك إذا غرقت أحجار الزيت بالدم »6 فسرت أحجار الزيت بأحجار الحرة التي في المدينة, أحجار الزيت كأنها معروفة بهذا الاسم, وهذا كناية عن كثرة القتل, والذي يؤدي إلى أن تغرق هذه الأحجار بالدم -يعني- الأمر عظيم. فسر ذلك فسره بعضهم بوقعة الحرة, موقعة عظيمة دامية, وذلك في خلافة يزيد بن معاوية, عندما كان من أهل المدينة -يعني- خروج عليه أو عدم طاعة له, فأرسل إليهم جيشا استباح المدينة -نسأل الله السلامة-, وهذا مما يستدل به على أن الخروج عن الأئمة له آثارعصيبة وشديدة وأخطار كبيرة, وشواهد هذا في التاريخ كثيرة. « قال: قلت: الله ورسوله أعلم, أو قال: ما يختار الله لي ورسوله »4 أي: ما اختار الله لي ورسوله. ثم قال: « آخذ سيفي وأحمله على عاتقي؟ قال: إذاً شاركت القوم »7 لاقت سيفك, فيوشك أن تقتل به, قال: « فما تأمروني؟ قال: تلزم بيتك »8 هذا الشاهد شاهده ما تقدم, كونوا أحلاس بيوتكم, الزم بيتك؛ حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية -فيما سبق- تلزم بيتك. قال: « فإن دخل علي بيتي؟ »9 قال: دعه أو كما قال: « يبوء بإثمه وإثمك »10 حتى قال: « فإن بهرك شعاع السيف فألقي ثوبك على وجهك »11 يعني: أصبر ولا تقاتل ولا تقاوم, وتقدمت الإشارة إلى أن هذا -يعني- يشرع في الفتنة. أما في الفتنة فإنه يجوز للإنسان أن يدفع عن نفسه كما جاء في الحديث الصحيح « قلت: يا رسول الله.. أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك. قال: إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: إن قتلته؟ قال: هو في النار »12 أما في الفتنة فالأفضل هو الكف وعدم الدفع, والمعروف عند أهل العلم إن هذه الأوامر يعني محمولة على الاستحباب والأفضلية؛ وإلا فمن دفع وإلا فيجوز أن يدفع الإنسان عن نفسه يجوز؛ لكن الأفضل في الفتنة ألا يدافع ويسلم ويصبر. نعم.
اقرأ الحديث مرة ثانية.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَال رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْت:ُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخَذَ اَلنَّاسَ مَوْتٌ, تَكُونُ اَلْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ , يَعْنِي: اَلْقَبْرَ »13 .
يعني: القبر. هذا تفسير لعله من أحد الرواة, ولعل هذا يرجحه إذا كان, وهو محتمل. نعم.
« قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ قَالَ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ أَوْ قَالَ: تَصْبِرُ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ! إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ اَلزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّم قُلْتُ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ »4 .
يجوز في الجواب أن يقول الإنسان لداعيه الذي يحترمه أن يقول له: لبيك, أو لبيك وسعديك. هذا جواب, جواب يتضمن -يعني- المبادرة, والطاعة, والاستجابة. نعم.
« قُلْتُ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي »14
. « قال: عليك بمن أنت منه »15 أو « بمن أنت فيه »16 يعني: كن مع أهلك وعشيرتك, ولا تشارك في الفتنة؛ ولا تشارك المقاتلة في قتالهم. نعم. « قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي قَالَ: شَارَكْتَ اَلْقَوْمَ إِذًا قَالَ: قُلْتُ: فَمَاذَا تَأْمُرُنِي قَالَ: تَلْزَمُ بَيْتَكَ قُلْتُ: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي قُال: فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يُبْهِرَكَ شُعَاعُ اَلسَّيْفِ, فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ, يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ »17 .
زَادَ اِبْنُ مَاجَهْ: هذا يشهد له ما تقدم, قال: « فإن جاءني ودخل علي بيتي؟ قال: كن كخير ابني آدم »18 وهنا قال: « فألق ثوبك على وجهك, يبوء بإثمك وإثمه »19 فهذه الأحاديث متطابقة الدلالة على أنه يشرع الكف في الفتنة والاعتزال والصبر. نعم. زَادَ اِبْنُ مَاجَهْ:
« كَيْفَ أَنْتَ وَجَوَائِحُ تُصِيبُ اَلنَّاسَ, حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدَكَ, فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى بيتكَ, وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالْعِفَّةِ »20 .
هذا اللفظ في الحقيقة فإنه متضمن معنى أيضا الكف في قال: وكيف بك إذا أصباب الناس جوائح. الجوائح: هي المهالك, والآفات المبيدة التي تجتاح الناس. بحيث يقول: لا تستطيع أن تنهض من فراشك لمسجدك, أو كنت بمسجد لا تستطيع أن تنهض إلى فراشك -يعني- يسقط في أيدي الناس, هل يصبح الإنسان ما يستطيع من شدة الهول, وشدة المصاب وعظم المصاب. قال: « فما تأمرني؟ قال: عليك بالعفة »21 العفة تشمل الكف -يعني- معناها: الكف عن الحرام, وفي هذا السياق عليك بالعفة -يعني- تفعل مشاركة أهل الباطل في باطلهم, وأهل الفتنة في فتنتهم, فيعود هذا السياق أو هذا المعنى إلى ما سبق. والله أعلم. نعم
موقف المؤمن من الفتنة
« وَفِي حَدِيثٍ عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ: وَذَكَرَ اَلْفِتْنَةَ قَالَ: اِلْزَمْ بَيْتَكَ قِيلَ: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: فَكُنْ مِثْلَ اَلْجَمَلِ اَلْأَوْرَقِ اَلتُّفَال, اَلَّذِي لَا يَنْبَعِثُ إِلَّا كَرْهًا »1 .
قال: تكون مثل الجمل الأورق التفال. التفال بالتاء؟ المصوبة بالثاء ثفال. نعم
. « قَالَ: فَكُنْ مِثْلَ اَلْجَمَلِ اَلْأَوْرَقِ اَلتُّفَال, اَلَّذِي لَا يَنْبَعِثُ إِلَّا كَرْهًا, وَلَا يَمْشِي إِلَّا كَرْهًا »1 رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
وهذا فيه نفس المعنى المتقدم في هذا الحديث أنه إذا وقعت وحصلت الفتنة؛ فليلزم الإنسان بيته، ويكون مثل الجمل الذي لا يستطيع النهوض؛ مثل الجمل التفال الذي لا يقوم إلا كرها. إذا أريد منه أن يثور ما يثور إلا بالكره مثل الجمل الثفال؛ يسمونه الجمل الثاوي الهزال. الجمل إذا كان هزيلا لا يثور إلا بالخشب, والرجال الذين ينهضونه من نحره وبذيله ينهضون -يعني- الزم بيتك، وكن مثل هذا الجمل لا يتحرك ولا ينهض إلا كرها.
كل هذه الأحاديث متطابقة الدلالة على وجوب الصبر والكف عن المشاركة في الفتنة. نعم.