• 5:00 صباحاً




روايات كامله منتدى عبير

إضافة رد
عضو نشيط جدا
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 726
معدل تقييم المستوى: 12
UoZa is on a distinguished road
08 - 06 - 2012, 03:28 PM
  #1
UoZa غير متواجد حالياً  
افتراضي روايات كامله منتدى عبير



روايات كامله منتدى عبير

الحب المنسي


روايات عبير

منتديات ليلاس


الملخص
-أما زلت تعتقدين بأنه لم يكن هناك شخص خاص في حياتك؟
- لقد قلت لك .. ليس عندي أية فكرة ....ولكني متأكدة من انه لو كان هناك شخص كما تقول لما نسيته بهذه السهولة..
- ربما ....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه
....او ربما عليك الاعتراف بعدم وجوده على الأطلاق..
- نعم اظن ذلك
الا ان تلك الفكرة جلبت الحزن الى قلب فينيلا ..
فقد كانت تشعر انها فقدت شيئا هاما .. شيئا كان عزيزاعليها..
أختلست نظرة الى روبرت وألى تفاصيل وجهه وجسمه..
انا آسفة. قالت بصوت منخفض:
-أظن أنك تجدني ميالة الى الحزن خاصة وانه لا يحق لي ذلك فأنا في كامل صحتي وأستطيع الوقوف والحركة بينما انت ....
- يجب الا تقولي هذا قاطعها بشده..






الفصل الأول

كانت لعبة لم تكن فينيلا قد شاهدت مثلها من قبل .. نعم هذا ما كانت تعرفه على الأقل .. وهذا ما تستطيع ان تتذكره..
اللاعبون من مختلف النوعيات .. خاصة ذلك الرجل الأسمر ذي العيون الرمادية والذي كان يرميه بنظرات حادة كلما مرت بالقرب منه ركزت على اللعب .. كان ذلك الرجل يلعب بمهارة فائقة انتبهت الى نفسها تحدق فيه
وكأنها تدعوه الى النظر اليها على الرغم من الأضطراب الذي كانت تثيره هذه النظرات في قلبها , هل يعقل انها قابلته من قبل ؟ هل التقيا في يوم من الايام .. هل عرفا بعضهما؟
كيف كانت ستعرف ذلك؟
واذا كانت قد التقته من قبل ....كيف حدث وأن نسيته؟
كيف كان لها ان تنسي تأثير هاتين العينين؟ كيف كان لها ان تنسي سحره ؟
كيف كانت ستنسى ذلك الأنجذاب الذي تشعر به نحوه؟
لا....هذا مستحيل فكل الذكريات يمكن ان تمحى من ذاكرتها الا ذلك الرجل كانت متأكدة من ذلك....
مررت فينيلا يدا مرتجفه فوق جبهتها.. خيل اليها انها تستطيع ان تتذكر.. الا ان الذكريات مازالت بعيده..
متى سينتهي كل هذا؟
متى تستطيع مجابهة العالم مرة اخرى؟
أحكمت قبضتي يديها .. ما هي تلك المشاعر وتلك المخاوف التي كانت تنتابها؟
كانت متأكدة انها تعاني من أزمة صعبه لا تستطيع منها فكاكا..
عادت لمراقبة اللاعبين .. مشاعرها كانت قوية .. لاحقت عيناها الرجل ذي العينين الفضيتين ..
بدأت تشعر بأن المستشفى الذي نقلها اليه الدكتور سام أخذ يتبدل في نظرها .. فهو اكبر من المصحة التي قضت فيه فينيلا الاسابيع القليلة الماضيه .. لاحظت منذ قدومها التنوع الكبير للمرضى .. فمنهم على العجلات والبعض الآخر يمشون بأطراف صناعيه..
شعرت بالخجل عندما نظرت اليهم .. كيف شعرت بالحزن والخيبة وهي القوية السليمه الجسم.. وهي تملك السمع والبصر
والنطق .. بينما كان الاخرون يحاولون مواجهة حياتهم وقد فقدوا أجزاء هامه من اجسادهم..
تجول الدكتور معها في مختلف المناطق المحيطه بالمستشفى .. سارا في الحدائق وشاهدت بعينها المرضى يسيرون بسرعة وهم جلوس على الكراسي المتحركة ..نظرت الى وجوههم ....لم تشاهد اليأس وخيبة الامل .. بل التصميم على مواجهة الحياة الجديده التي فرضت عليهم ....ذلك التصميم الذي لم تحاول حتى التفكير فيه..حاولت التركيز مره أخرى في اللعبة.. تلك اللعبة التي لايمكن القول انها لعبة كرة القدم.. ولكنها تعتمد على نفس القواعد والقوانين فكل اللاعبين يجلسون على كراسي ذي عجلات يحاولون الامساك بالكره وتمريرها الى بعضهم البعض .. كان البعض مقدرا له الجلوس على الكرسي المتحرك مدى طوال حياته..
وجدت فينيلا نفسها تبحث مره اخرى عن الرجل الأسمر .. لابد وأنه سيكون طويلا لو قدر له الوقوف على قدميه .. مر من أمامها محاولا الأمساك بالكره .. نظر اليها بأصرار.. نظره اثارت فيها الأضطراب .. ولكنها لم تبعد عينيها عنه .. رأت في عينيه شيئا أحيا فيها بعض الأهتمام وشيئا من الذكريات..
مالذي حدث له ؟....كيف اتى الى هذا المكان؟
هل تعرض لحادث ما؟ او هل حدث له مكروه اثناء بعض التمارين كتسلق الجبال مثلا او التزحلق على الثلج؟
مهما يكن فليس من العدل ان يصاب ولماذا هو..؟
شعرت بالدموع تحرق مقلتيها .. عضت على شفتيها بقوه..
ماذا هناك فينيلا ؟ سألها الدكتور سام
حركت رأسها نفيا ومسحت دموعها..
- كنت اتساءل فقط ..لماذا تصرفت هكذا طوال الأسابيع الماضيه .. بينما لا اشكو من شئ البته الا من الخوف ..الخوف من مواجهة الحقيقة..
كانت تتكلم بغضب
- هؤلا الناس يواجهون حقيقتهم .. ويتابعون حياتهم.. ولماذا ليس بأستطاعتي ان افعل مثلهم ؟ لماذا لا أستطيع ات اتذكر أي شئ لأرميه وراء ظهري وأتابع حياتي..
- هناك حالات غريبه للعقل فلا تحاولي المواجهة بهذه الطريقه يا فينيلا ولكن هذا لا يعني الا تتابعي حياتك..
فأنا متأكد انك تستطيعين مواجه هذه المحنه .. اليس كذلك؟
- نعم..
عادت لمراقبه الاعبين .. لتفاجأ بالرجل ذي العينين الرماديه متوقفا في فناء الملعب ينظر اليها بأصرار..
- نعم اظن انني استطيع..
عندما عادت الى المصحة توجهت الى غرفتها ووقفت بجانب النافذة تنظر الى الحدائق .. حيث يتمشى المرضى او يجلسوا تحت أشعة الشمس الدافئة.. البعض منهم على وشك مغادرة المصحة والبعض الأخر ينتظر ذلك بفارغ الصبر .. بينما لم يمض على وجود بعضهم يوم او يومان .. تعرفت فينيلا على الكثير منهم وعرفت قصة حياتهم وسبب مرضهم..
ولكن من يعرف شيئا عنها أي شئ؟
لا احد....شعرت بالحزن..
أبتعدت عن النافذة وحاولت التفكير في اشياء أخرى .. اشياء أكثر بهجة على الرغم من انها قليلة ونادرة في حياتها فذكرياتها قليلة ومختصرة وكلها تتركز على حياتها في المستشفى.. بدا لها وكنها قضت عمرها كله في مكان ما لم تعد تستطيع تذكر أي شئ عنه.. بدا لها وكأنها ولدت في هذا المستشفى منذ ستة اسابيع.. نظرت الى وجهها في المرآة رأت عينين رماديتين ووجها متعبا .. جسم رقيق.. عرفت
من الممرضات انها فينيلا سو وعمرها سته وعشرون عاما..
لم يعرف الأطباء في البدايه فقدانها للذاكرة الى ان فتحت عينيها واستعادت وعيها .. كانت قد قضت في المستشفى فترة لا بأس بها الى ان شفيت من الجروح الخارجيه ما ان فتحت عينيها فنظرت حولها حتى انتبهت الى انها مستلقية على فراش ضيق في غرفة بيضاء ذات ستائر ناعمة لم يسمح لها في البداية بمغادرة الفراش فيما بعد بدأت الممرضة بطرح بعض الأسئلة عليها .. وسألتها هي بدورها:
- أين انا؟
كان هذا السؤال الطبيعي بالنسبة للمرضة .. تسمعه كثيرا من المرضى عندما يستعيدون وعيهم .. لم تجبها بسرعة وأنما تابعت أخذ درجة الحرارة ....اقتربت منها وابتسمت لها بعد ذلك قائلة
- في المستشفى .. كيف تشعرين الآن ؟
نظرت اليها فينيلا لم تستطع ان تفهم أي شئ تحركت قليلا وقالت..
- أظن انني بخير .. ولكن لماذا انا في المستشفى؟ ترددت الممرضة قليلا:
- لقد تعرضت لحادث.. هل تريدين كوبا من الشراب؟
لا تحاولي الكلام فهذا يضر بك ....ستأتي رئيسة الممرضات في الحال وتجيب على كل تساؤلاتك..
ولكن تلك الرئيسة لم تجب على ايه تساؤلات .. كان لدي فينيلا الأحساس بأنها فقدت وعيها منذ وقت طويل .. ولكن كم من الوقت ؟ ساعة ....يوما....أسبوعا لا ....لم يستطع أحد ان يخبرها..
عندما اتى الطبيب لزيارتها في اليوم التالي جلست بجانب سريرها مقربا كرسيه اليها.. من الواضح انه سيجري معها حديثا مطولا .. كانت فينيلا قد استردت الكثير من قواها ولكنها كانت مشوشة ومضطربة فخلال اليومين الماضيين رأت الكثير من القلق على وجوه الممرضات على الرغم من محاولتهن الفاشلة في اخفاء ذلك..
- لا أستطيع تذكر أي شئ....من انا؟
بادرته فينيلا بتلك الكلمات وقد بدأ القلق والأضطراب عليها تابعت:
- لا استطيع ان اتذكر أي شئ عن نفسي .. اشعر وكأنني قد هبطت الى الأرض في هذه اللحظة .. استطيع ان اتكلم وان افكر وأعرف ما علي فعله ولكن لا شئ آخر أشعر وكأنني قد ولدت لتوي!!!
حدق الطبيب فيها لفترة وضع يده على ذراعها .. كانت ترتعش من الأنفعال مثل العصفور الصغير الذي وقع في براثن القط .. نظرت اليه محاولة فهم الحقيقة .. محاولة التقاط أي بارقة أمل في عينيه .. ولكنها لم تجد الا التعاطف وهذا ما اخافها اكثر..
- ماالذي حدث لي؟ لماذا لا استطيع التذكر؟....من انا..؟


أشار الى الممرضة بترك الغرفة أحتضن يدها بكلتا يديه أحست بالدفء يغمرها .. كان يحاول امدادها بالقوة .. بالقوة لمواجهة الآلام الكامنه في اعماق عقلها.. ولكنها لم تكن تريد ذلك .. لم تكن بحاجة في الوقت الحاضر الا معرفة أسمها ومن هي وما هي حياتها..
-قولي ....مالذي تتذكرينه سألها..
- لا شئ....انالا اعرف أي شئ ....لقد قلت لك اشعر وكأن حياتي قد بدأت فوق هذا السرير .. تصور انني لا اعرف اسمي او عمري..
- بالتأكيد....الممرضات....؟
-آه..نعم أخبروني عدة اشياءنعم....اسمي فينيلا سو عمري ستة وعشرون عاما.. عيد ميلادي يصادف في
شهر آيار ولكن هذا كل شئ .. بالأضافة الى انني غير متأكدة من أي شئ فبأستطاعتهم ان يخبرونني انني الملكة فيكتوريا او ميريل ستريب ولن اعرف الفرق..
- ولكنك تعلمين انك لست أيمنهما..
نظرت اليه والتقت عيناها بعينيه .. حدقت فيه لفترة بعد ذلك شعرت بالهدؤيعود اليها..
- نعم اعرف ذلك .. أخبروني انني لست اولئك ولكن كيف اعرف انني فينيلا ومن هي فينيلا تلك..
- ولكن ما يحدث لك ليس حدثا غير عادي .. فعندما جئت الينا كان هناك جرح بليغ في رأسك.. فقد كنت في وضع صعب لهذا ووفقا لتلك الظروف كان من الصعب عليك معرفة اية تفاصيل عن حياتك .... وعلى كل حال وكما ارى فأن ذاكرتك لم تتأذى الى حد كبير فأنت تعرفين الملكة فيكتوريا وميريل ستريب..
- شكرا لك....وهل هذا ما تظنه كافيا لمتابعة حياتي..
- انا آسف..انا لم اقصد هذا..أعرف ان الوضع صعب ولكني متأكد انك ستتحسنين..
- هل هذا صحيح؟
بدا الألم على وجهها..
- بالتأكيد ....فكثيرا من الحالات المشابهه كحالتك يستعيد المريض فيها ذاكرته ولكن هذا يحتاج الى وقت..
- وقت....وماذا تعني بالوقت؟ بضعة ايام؟ سنه؟ اكثر من ذلك؟
حدقت فيه بعيون واسعه ووجه شاحب تابعت قائلة:
- وهل سأتذكر كل شئ..كل شئ؟
أعادت كلماتها الأخيرة همسا..
نظر اليها الطبيب وقد لاحظ مدى ارتباكها وارتجافها اخيرا قال:
هذا يعتمد على سبب فقدانك الذاكرة....من المحتمل ان السبب لا يمت بصلة الى الجروح التي وجدناها عليك .. الا يحتمل انك لا تريدين التذكر..
ولكن كيف يمكن هذا .. فأنا اريد ان اعرف من انا ؟
ابتسم قائلا:
- العقل .. جزء معقد من جسم الأنسان .. وهو لا يقوم دائما بتنقية الأفكار.. فأذا حدث وان حصلت بعض الأشياء غير المستحبة يفضل العقل نسيانها بشتى الطرق وفي هذه الحالة يقوم بنسيان أشياء أخرى عاديه حصلت قبل ذلك..فينيلا افضل ما تقومين به الآن هو اخذ بعض الراحة .. حاولي الا تقلقي فأنت لا
تستطيعين استحضار الأفكار ولا الذكريات فهي ستأتي من تلقاء نفسها وبالتدريج ..
- ومن المحتمل الا تأتي على الأطلاق ..
رأت في عينيه الأجابة.. استدار وخرج من الغرفة ..
انتبهت عندها انه لم يخبرها عن اسمه..
من المحتمل انه قدر وضعها فهي لا تعرف أي شئ عن نفسها ولا حتى اسمها ومازالت كذلك....كانت ماتزال تنظر من نافذة غرفتها الى الحديقة وتحدق في المرضى الموجودين هنا وهناك .. عادت الى افكارها....
لقد قيل لها بعض الأشياء عن حياتها.. هل كان من الأفضل ان ترمي بماضيها وراء ظهرها وتنسى كل شئ؟
ولكن هذا ما لاتستطيع عمله او القيام به فيوم ما لابد لها من ان تتذكر ولو اشياء صغيرة ستساعدها بالتأكيد على ازاحة الظلمة من عقلها..
استعادت المعلومات التي اصبحت لديه الآن عن نفسها على أصابعها أسمها فينيلا سو عمرها سته وعشرون عاما تعيش في شقة تقع في شمال لندن .. اشترته منذ ثلاثة اشهر مضت تعمل كسكرتيرة لأصدقاء لها وليس لها من معارف يعلمون عنها اكثر من ذلك..
لم يكن هناك اية معلومات عن المكان الذي قدمت منه قبل شرائها لشقة لندن..
اذا استطاعت ان تعلم مالذي حدث لها كيف تعرضت للحادث.... هل هذا سيساعدها على التذكر؟
كان الدكتور سام والذي اعتاد ان تناديه ينظر اليها بصبر كبير .. نصحها بألا تفكر كثيرا ولا تركز على اتجاه واحد لأنه اذا لم يكن العقل مستعدا لهذا الضغط وهذا التركيز فسيأتي بالنتيجة العكسية..
- ان هذا الأمر بأمكانه ان يكون مريحا لك..فأنت لست الشخص الذي يشعر انه لا ماض له.. ولايمكنك ان تتصور الوضع الذي اعاني منه..
كان صوت فينيلا ضعيفا وهي تحدثه بينما انهارت دموعها ..
-ربما ولكني كنت سأحاول .. فأنت لاتريدينني ان اخبرك عما حدث لك ..اليس كذلك؟
انتظر قليلا لكي تستجمع نفسها وتفكر بما قاله لها.. رأي الخوف والقلق على وجهها..
-ارأيت ؟ لاتزيدي الأمر صعوبة .. أتركي الأمور تسير
ببطء
- ولكن لنفرض انني لم اتذكر أي شئ؟
كانت تصرخ من الألم واليأس .. امسك الطبيب يدها مرة اخرى محاولا مدها بالقوة والثقة بالنفس..
- اعتقد انه يجب التفكير في هذا ايضا .. ولكن ليس أمامك الآن الا ان تبدأي حياتك من جديد وليس هناك من طريق آخر..
ولكن اؤكد لك ان ذلك لن يدوم طويلا..فيوم ما ستتذكرين كل شئ وذلك عندما يصبح عقلك قادرا على استيعاب....
- استيعاب ماذا ؟
حدقت فيه متآملة في أجابته.. الا انه مكث صامتا .. بعد قليل أجابت على السؤال بنفسها ولنفسها..
قادرة على استيعاب ماحدث لي .. هذا ماتقصده اليس كذلك؟
ولكنها تعرف انها ليست قوية بالشكل الكافي لمواجهة تلك الحقيقة ولن تكون ابدا .. على الأقل في الوقت الحاضر..
اما الآن فأنها ستبدأ في عمر السادسة والعشرين .. بدون أهل بدون اصدقاء .. بدون ذكريات وبدون ماض .. ابتعدت فينيلا عن النافذة .. فالناس الذين كانت تراقبهم بدوا لها وكأنهم يقضون عطلة ما.. فهم يتحسنون وينتظرون اللحظة التي سيخرجون فيها
من هذ المكان ليتابعوا حياتهم.. قاومت بشدة الشعور بالرثاء على نفسها فلم تكن لتسمح لهذا الشعور باجتياح حياتها والسيطرة على كيانها .. عادت للتفكير في حياتها والطريقة التي كانت تعيشها طبعا لتفكر بما قالوه عنها وما اخبروها به..
لابد ان هناك شيئا ما سيساعدني على التذكر؟
اخبروها انها ترعرت في قرية صغيرة تدعى سوفولك انتقل والدها في تلك القرية عندما اصبح عمرها ثمانية عشر عاما وبعد ان اتمت المرحلة الثانوية ....عملت كموظفة الى ان قتل والدها في حادث سيارة في كندا..
مالذي فعلته فينيلا بعد ذلك....هذا ما لم يخبرها عنه احد كان من الصعوبة ايجاد أصدقاء لها .. فقد ظهر أنها لم يكن لديها أصدقاء محددون ..
- في الحقيقة لايبدو أنني تركت أي اثر في حياة أي أنسان ويمكن ان اكون مرشحه الوحيده للزوال بدون أي اثر ..
- لا تقولي ذلك..فأنت شابة جذابة فينيلا .. المشكله أنك أنتقلت الى لندن منذ فترة وجيزة .. من المؤكد أنك
عملت في اماكن كثيرة فكما علمنا من الوكالة التي كنت تعملين فيها انك من اكفأ الموظفات
توقف قليلا وتابع: أظن ان من الأفضل ان تتركي هذه التساؤلات جانبا وكما قلت لك قبلا .. دعي الأمور تسير بطريقة طبيعية انها الطريقة المثلى..
- ولكن....ينقصني بعض الأصدقاء..أني اتساءل لم لا يسأل عني أحد؟ لم لا يأتي أحد الى شقتي للسؤال عني مثلا؟ هل يعقل الا يكون عنواني بحوزة أحد؟
-من المحتمل ان تكون تلك رغبتك ..فينيلا ....أن تقطعي علاقتك بالماضي .. قاطعته بشدة قائلة:
- ارغب في ذلك؟هل هذا ممكن؟واذا كان كذلك ....لماذا؟
كانت تلك احاديثها مع الطبيب .. فقد اعتادت ان تجلس
اليه وتحدثه .. ماهو السر الذي يكتنف حياتها .. ماالذي يدفعها الى قطع كل صلتها بالماضي ؟ لاحظت ان ذلك السر له دور كبير في فقدانها لذاكرتها حتى انها تود ان تخفيه عن نفسها..
هل هو شئ فعلته.. او هو شئ فعله أحدهم معها؟
شعرت مرة اخرى انها ترتعد من الخوف والقلق..
تذكرت كلمات الطبيب .. صحيح..لم لا تترك كل شئ للزمن عليها الا تسأل نفسها مثل تلك الأسئلة..
عليها ان تترك الماضي وتنظر الى المستقبل..لوحدها..
كانت على وشك ترك المستشفى .. فجروحها قد شفيت وما زالت تحاول البحث داخله عن أية ذكرى.. أتاها الطبيب وطلب منها الخروج ومرافقته لزيارة مريض في مستشفى آخر.. سألته في قلق:
- وهل تعتقد أنني سأرى شيئا يعيد لي ذاكرتي.... أنا لست متأكدة....
- لا تبدأي بالقلق مرة أخرى..فأنا لا أدري مالذي يمكن ان يحدث .. فلا تفكري في ذلك كثيرا .. اعتبري خروجنا من المستشفى عبارة عن نزهة....اتفقنا؟ فأنا اود ان أقابل أحدهم هناك .. ولكن لادخل لك بالموضوع.. ماعليك الا ان تتمتعي بالمشوار وبالغداء .. فأنا اود ان اطمئن عليه وأرى كيف تواجهين العالم الخارجي..
نظرت اليه في شك الا ان نظراته كانت مطمئنة..
- حسنا ....هذا اذا كنت متأكد انه لن يحدث أي شئ..
- انا متأكد..
ولكنها لم تكن متأكدة .. شعرت ان هناك شيئا ما سيحدث ولكنها لم تقل له شيئا فقد وضعت ثقتها فيه منذ اللحظة الأولى منذ ذلك الصباح الذي اتى فيه اليها وجلس قربها ممسكا يدها وهي الآن تثق فيه ايضا الآن....وهي تحدق من خلال النافذة تذكرت مباراة الكرة وشعرت مرة اخرى ان ل هدفا آخر من وراء طلبه في اصطحابها تذكرت مرة اخرى ذلك الرجل المقعد ذي الشعر الأسود والذي سيطر بحضوره على الملعب كله.. ذلك الرجل المقعد ذو الجسم القوي الكامل الحيوية والذي بدا لها انه من الصعب متابعة حياته على ذلك الكرسي المتحرك..
لابد وأن تلك الزيارة ستكون ذات شأن بالنسبة لها.. كانت متأكدة من ذلك.. ولابد وانها ستؤثر على حياتها في المستقبل..
في اليوم التالي أخبرها عن العمل كان ذلك اثناء جلوسها في غرفة المكتب في ذلك المستشفى الذي تتعالج فيه .. لذلك اخذ حديثها الطابع الرسمي والعملي.. عكس ما اعتادت عليه اثناء جلوسها معه فخلال الأسابيع القليلة الماضية كانت قد تولدت بينها وبين الطبيب صداقة فقد تكررت لقاءتها وأخذت طابع الصداقة وليس طابع العمل العلاجي..
جلست أمامه وواجهته .. شعرت انه مايزال هناك الجانب الرسمي في علاقتهما..
وشعرت من خلال حديثه انه يتوق الى الأخذ بنصيحته في ترك المستشفى وذلك ليرتاح من مشكلتها..
- عمل؟ ....ولكني لا ادري ما الذي يمكنني عمله..
- انت سكرتيرة جيدة نحن نعرف ذلك كما انه لديك الخبرة في اعمال المكتبات وبذلك ستكونين المساعدة في الأبحاث وفي الكثير من الأشياء بدأت فينيلا تهتم بالموضوع .. سكرتيرة وأبحاث نعم ..ولما لا..
- وهل هذا ماتعرضه علي من عمل ؟ هل تفكر في الاتفاق مع الوكالة التي كنت اعمل بها؟
- في الحقيقة ليس هناك شئ من هذا.. لقد عرفت وبالصدفة من المريض الذي أعالجه – وهو في نفس الوقت صديق قديم لي – انه على وشك مغادرة المستشفى ولكن لسوء الحظ لم يشف تماما فهو غير قادر على السير ..آسف بالطبع انت تفهمين..
كان يتحدث بسرعة وكأنه يود ان يخفي شيئا ما نظرت فينيلا اليه بفضول وشك .. وفكرت ان هناك شيئا يخفيه عنها لذا لا يستطيع مواجهة عينيها تابع قائلا..
- على كل حال .. هذا الرجل مؤرخ..يكتب في تاريخ اوروبا ويحتاج الى شخص اذا صح التعبير يقوم مقام رجليه ويتضمن ذلك السكن معه فهو يعيش في منزل جميل في الواقع انا ارى ان هذا العمل قد خصص لك .. فهو يتيح لك الرجوع الى الحياة بعيدا عن مشاكل الوظائف ومضايقاتها بالنسبة لك ولوضعك.. توقف لبرهة ونظر اليها .. حسنا يمكنك التفكير في هذا العرض.. لست في حاجة لسماع ردك الآن خذي وقتك بالتفكير..
حدقت فيه فينيلا لبرهة .. فكما هو ظاهر يعتبر هذا العرض أفضل الحلول لمشكلتها ولكنها كانت متأكدة ان هناك خفايا لم تعرفها بعد ..


عادت وسألته مرة اخرى:
- صديقك هذا الذي تتحدث عنه هل تتم معالجته في ذلك المستشفى الذي ذهبنا اليه البارحة؟
- حسنا....نعم....بالفعل انه كذلك....
بداعليه الارتباك وعدم الارتياح ..
- هل تعرف ..أراك شفافا لقد أخذتني الى هناك لكي يلقي علي نظرة ويشاهدني اليس كذلك؟ وهكذا يقرر فيما اذا كان سيوافق على انتقالي للعيش معه والقيام بالعمل اللازم ؟ الا تظن انه بحاجة الى انسان آخر يضع فيه ثقته؟شخص يضمن ان يعود الى البيت اذا ما خرج الى مكان ما ( قررت مرة اخرى)
انت شفاف جدا دكتور واني ارى اشياء اخرى لم تحدثني عنها ..
- حسنا..أعترف انني خططت لكلهذا ..ولكني متأكد انه بحاجة الى شخص ما وانا اعرفك انت واعرف انك ملائمة لهذا العمل....اذن لم لا أساعدكما ؟ اما اذا لم تكن لديك الرغبة في هذا العمل .. فما عليك الاان تقولي ..
- وكيف لي ان اعرف انني لا ارغب ؟ فأنا بحاجة الى مقابلة ذلك الرجل قبل ان اقرر .. بالتأكيد يمكنك ان تدبر لهذا اللقاء ؟ شعر بالراحة..
- بالتأكيد ..فينيلا بأمكانك مقابلته في أي وقت تشائين الآن اذا اردت..
الآن ؟ ....هل تقصد انه هو؟
- بالفعل ....طلب مني القدوم الى هنا لمقابلتك ولكني طلبت منه بعض الوقت لأضعك بالصورة .. لقد رفض في البداية لأنه اذا فكرت بالموضوع فلا بد وانك سترفضين عرضه .. انه في الخارج وبأمكانك رؤيته الآن اذا رغبت في ذلك..
حدقت فيه لبرهة نهضت وعبرت الغرفة لتنظر من النافذة استقرت عيناها على الكرسي المتحرك .. كان الرجل ينظرالى الحقول المترامية بالقرب من المستشفى .. ظهره لها لذا لم تستطع رؤية وجهة ..ولكنها عرفته.. نعم عرفته وبدون ان تنظر الى وجهة عرفته من شعره الأسود وجسمه القوي لابد وأن عينيه رماديتين وفمه قوي.. شعرت برعشة تجتاح جسمها تذكرت أحساسها لدىرؤيتها له في الملعب البارحة..
نسيت وجود .. فتحت الباب وخرجت الى الشرفة حيث الرجل سارت عبر الشرفة الى ان أصبحت بجانبه .. شعر بها لدى اقترابها منه استدار اليها وواجهها ..
توقفت فينيلا والتقت عيونهما حدقا في بعضهما لفترة..
" لا....هذا الرجل لم يعتد المرض ابدا"
هكذا فكرت فينيلا بينما عيناه تنشران موجات مغناطيسيه حولها وتأسرانها .. شعرت بالخوف لو كانت حكيمة لاستدارت على عقبيها وابتعدت عن ذلك المكان وعن ذلك الرجل
تنهدت واقتربت منه الا ان الكلمات لم تخرج من شفتيها ..
انا روبرت ميلبورن
بادرها الرجل كانت في كلماته نبرة لم تستطع فهمها تابع قائلا:
فهمت من انه اخبرك عن الوظيفة التي اعرضها عليك هل..هل فكرت فيها؟
ترددت فينيلا في الأجابه كانت تنظر اليه .. تساءلت كيف لمثل هذا الجسم ان يفقد القدرة على الحركة .. بينما تراه بكامل صحته وقوته..
- على الأقل (تابع) يمكن ان تحاولي..
كان هناك شئ ما حرك مشاعرها .. شئ ما في صوته اثر على عقلها.. شئ جاء كاالبرق ومن ثم اختفى ..أحست في صوته بالألفة .. وكأنها عرفت هذا الرجل من قبل .. ولكن كيف.. هذا مستحيل .. انه ينظر اليها الآن بدون اية مشاعر وبعيون باردة .. هل يمكن لهذه العيون الباردة ان تخفي شيئا..
بللت فينيلا شفتيها الجافتين بلسانها .. كان قلبها مايزال يخفق بشدة .. وضعت يدها على خدها كانت اصابعها ترتجف .. ارادت ان تقول "لا" ولكنها قالت ..
- نعم..سآتي اليك في اقرب وقت..
فكرت انه مهما كان الخطر عظيما بالقرب منه فهذا امر لابد لها من مواجهته..


الفصل الثاني

منزل روبرت ميلبورن لم يكن منزلا باالمعنى المجرد للكلمة فقد بدا لها وكأنه قلعه وسط غابة وقريب جدا من الحديقة القديمة حتى يهيأ للقادم اليه أنه بعيد جدا عن المدينة أو كأنه في أقاصي الريف.
وصلت فينيلاالى المنزل برفقة سام في أواخر شهر حزيران أبدى لها سام سروره من وضعها ووضع روب الجديد فقد كان يتوق الى رؤيتها بعيدا عن أجواء المستشفيات.
كان سام قد رافقها قبلا الى شقتها في لندن وذلك لجلب بعض الملابس وراقبها وهي تتحرك بارتباك في ارجاءالغرفة. لم تكن لديها ادنى فكرة عن الملابس الموجودة. اختارت بعضا منها على الرغم من انها لم تكن رأتها من قبل. والغريب في الأمر أنها شعرت بتأنيب الضمير شعرت وكأنها تفتش في أشياء فتاة أخرى.
_ أشعر وكأنها ستأتي بين لحظة وأخرى.
نظرت الى الدكتور الذي كان يراقبها بصبر بالغ.
_ أقصد الفتاة التي تعيش هنا.. فلة الحقيقية.
- أنت لاتقصدين أنك فينيلا الحقيقية أليس كذلك.
_لا أدري...لقد قلتلي أنني فينيلا وأنا أثق بك أذن لابد وأنها الحقيقية . ولكن في داخلي. لا أشعر بذلك بل لا أشعر بما تقول ولا أعتبر فينيلا الا اسما من الأسماء.
_ صحيح. أسم اعتدت عليه وعشت معه ستة وعشرين عاما. أنه زمن طويل.
_ أعتقد أنني سأعتاد عليه..حزمت حقيبتها قائلة لا أظن أنني سأحتاج الى أكثر من هذا . ولا أعتقد أن البرفسور ميلبورن يقيم الكثير من الحفلات أليس كذلك?
نظرت الى ثوبي السهرة المعلقين في الخزانةقائلة:
_ أعتقد أنني كنت امارس حياة اجتماعية حافلة. نظرت اليه بتساؤل. أذن لملا يتذكرني أحد? الم يكن لدي أصدقاء?
- ربما كان لديك ولكن قبل مجيئك الى لندن.
_ أظن ذلك. تابعت بحزن: كنت أعتقد أنني سأجد صندوق بريد ورسائل أو أي شئ عندما آتي الى هنا. حتى المسؤول عن البناء قال انه لم يعرف أي شئ عن فينيلا سو قبل مجيئها للسكن في هذه الشقة .. يبدو لي وكأنني اتيت من مكان مجهول انا لا افهم ذلك وكأنني قد فقدت سنين عمري التي تلت وفاة والدي الآن وهما يقتربان من منزل روبرت ميلبورن ذلك المنزل المغمور بالأشجار والحدائق .. شعرت فينيلا بالتوتر تساءلت مرةأخرى .. ماالذي جعلها توافق على القيام بهذه المهمة وكيف وافقت على المجئ الى هذاالمكان ؟
تذكرت مرة اخرى تلك الأمسية التي قضتها مع روبرت ميلبورن في حديقةالمستشفى الذي كانت تتعالج فيه .. تحدثا كثيرا عن نفسيهما .. بدا لها وكأنه يعرفالكثير عنها .. لم يسألها عن أي شئ .. وقد كان ذلك السبب الرئيسي لموافقتها للعمل معه.. فقد كانت تخشى مواجهة الناس واسئلتهم عنها وعن فقدانها لذاكرتها
وكان عليها بدورها ان تشرح لهم مشكلتها .. اما روب فقد قبل بها واعتبرها انسانة تعاني من اعاقة تشبه اعاقته والحالة واحده .. تحدث اليها عن نفسه وبأنه خريج كلية الأكسفورد .. بنىلنفسه مكانه واسما في عالم التاريخ .. تاريخ اوروبا بالتحديد.. وكتبه تتحدث عن الحياة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وعن الحروب والدمار الحاصل في القرن العشرين .. اماالآن فهو مرتبط بكتابة بحث يهتم بعدة مواضيع وخاصة الثورات التي بدلت العالم..
- احتاج الى احد يساعدني في بحثي (قال لها) لقد حصلت على العديد من الكتب الضروريه ..ولكن مازلت بحاجة لزيارة المكتبة البريطانيه وأماكن اخرى ايضا.. هل تعتقدين ان بأستطاعتك القيام بذلك ..
" المكتبة البريطانية" بدت لها هذه الكلمات مألوفة..
انه مكان قامت بزيارته كثيرا من قبل.. انها متأكدة من ذلك..
- نعم....أظن انه بأستطاعتي القيام بذلك .. كما اعتقد انه سيسرني جدا القيام بهذا العمل ولكن....
- انا لا اتوقع منك القيام بأي عمل لا تجدين نفسك
قادرة على القيام به..
كان ينظر في عينيها يبحث فيهما عن شئ لم تعرف فينيلا ماهو ..
ولكنها لاحظتان عينيه رماديتين او فضيتان أحست بالدوار التقط عقلها ذكرى ما .. ولكن سرعان مااختفت..
نظرت اليه علها تلك الذكرى الا انها كانت قد اختفت انتابها الأحساس القديم بالخوف والأنجذاب في الوقت ذاته ولكن....لماذا تخاف منه ؟ ولماذا تشعر نحوه بتلك الألفة؟
- كيف حدث وأنك تعرف الكثير عني ؟(سألته فجأة)وما الذي جعلك متأكداانني سأنفع لهذا العمل ؟
- كنت اتحدث مع سام في احد الأيام .. طبعا هذا قبل ان اكتشف كم انا محظوظ فقد علمت ان هناك امراضا اصعب وحالات اخطر من حالتي .. فكرت انهيوجد الكثير من الأشخاص الذين لايعرفون كيف يبدأون حياتهم وكيف يتأقلمون مع وضعهم الجديد على كل حال .. سألت سام اذا كان بأمكانه مساعدتي على الحصول على زوجين من الأرجل لأستعمالهما الى ان اشفى تماما فكر فيك واقترح اسمك ..
نظرت اليه....كانت تفكر بكلماته " قال: الى ان اشفى تماما "
قالت له:
- قلت الى ان تشفى انت ست..
- سأتحسن ؟ بالطبع هذا ما انويه بالفعل
اللعنة اذا كنت سأقضي بقية حياتي حبيسة هذا الكرسي سأمشي مرة اخرى وفي غضون سنة..
فوجئت بعزمه وتصميمه على الشفاء لاشك انه سينفذ ما قاله ففي غضون سنة سيصبح باستطاعته الوقوف والمشي من جديد تماما كما قال في غضون سنة سيتسنى له الوقوف من جديد وفرد طوله الفارع وجسمه الرياضي ربما سيتسنى له تسلق الجبال ايضا او التزلج على الثلج .. لقد كانت متأكدة انما يقوله هذا الرجل لابد وانه سينفذه..
أذن....هل سيصبح باستطاعتها تذكر كل شئ اذا ما صممت على ذلك .. هل سيصبح باستطاعتها أخراج ماهو مخبأ في عقله وأسترجاع ذاكرتها..
أنها اللحظة التي محت وأزالت كل الشكوك لدي فينيلا فروبرت ميلبورن بأمكانه ان يشكل خطرا من نوع ما ولكنه في نفس الوقت يمكن ان يشكل واقعا لها لاسترجاع مافقدته وذلك من خلال تصميمه على استرجاع قدراته..
باختصار انها فرصة قد لاتتكرر مرة اخرى..
لم يكن باستطاعتها تصور اليوم الذي سيشفى فيه روبرت..
اليوم الذي لن يكون فيه بحاجة اليها.. لقد تعودت ومنذ ان فتحت عينيها في المستشفى على التفكير فقط في اليوم الذي تعيش فيه كما تعودت ان تنسى الماضي ولاتهتم بما حدث فيه وان المستقبل مجهول..
لم يكن لديها الآن الا الحاضر..
مساء الخير يا آنسة وسيدي..
بدت المرأة التي فتحت لها الباب ذكية ذات وجه سموح وشعر رمادي .. تابعت..
-دكتور وايتمان.. لطيف ان نراك مرة اخرى .. وانت لابد وأنك الآنسة سوتكليف..
ابتسم سام للمرأة .. وساعد فينيلا على النزول من السيارة..
- يسرني ان اقدم لك السيدة بينيت مديرة بيت روبرت....أعتقد انه هنا اليس كذلك سيدة بينيت..؟
- نعم ياسيدي....انه يأخذ بعض العلاج الفيزيائي ولكنه قارب على الأنتهاء سأقدم لكما الشاي في غرفة الجلوس .. تفضلا سأخذ الآنسة سوتكليف الى غرفتها اولا..
قادتهما الى الداخل اجتازا بهوا واسعا .. دخلا الى غرفة الجلوس كانت غرفة مريحة فيها مقاعد مريحة وأنيقة أخبرتهما السيدة بينيت انها غرفة الجلوس الصغيرة " يا الهي" فكرت اذا كانت تلك غرفة الجلوس الصغيرة فكيف ستكون الكبيرة ولم يحتاج السيد روبرت الى غرفتي جلوس..
- غرفتك في الطابق الأول..
استدارت هي والطبيب ولحقا بها الى الطابق الأعلى..
في الواقع لم يكن البيت ضخما جدا.. الا ان فينيلا وجدته كبيرا ذلك المساء أعجبتها غرفتها كثيرا منذ النظرة الأولى فقد كانت تطل على الوجهة الأمامية للبيت وتطل أيضا على الغابة الكثيفة ووراءها أسطحة البيوت الرمادية للبلدة .. كانت غرفة كبيرة مطلية بالأخضر الشاحب والذهبي اما السرير العريض فهو مغطى بغطاء ابيض مطرز وكان هناك باب في الزاوية يؤدي الى الحمام الخاص بها ..
حسنا....سترتاحين كثيرا هنا .طمأنها سام وهو ينظر حولهارى ان روبرت يعاملك بشكل جيد..
توجه الى السيدة بينيت قائلا:
- دعينا نتوجه الى الأسفل لنرى ماهي أخبار الشاي .. أظن أن الآنسة سوتكليف تحتاج الى بعض الدقائق لتعتاد على الغرفة..
بقيت فينيلا لوحدها .. وبقيت لفترة لابأس بها جامدة تنظر حولها لم تتوقع شيئا كهذا .. ولم تتوقع ان يقدم روبرت لموظفة مثل هذه الغرفة بالأضافة طبعا الى الأجر العالي .. لقد توقعت غرفة صغيرة مهملة لاتصح الا لأستعمال أهل البيت .. اما هذه الغرفة فهي تليق بضيف عزيز وعالى المستوى .. مرة اخرى شعرت بأن هناك مايزعجها ويقلقها .. كانت تشعران في الأمر لغزا تمنت لو انها تستطيع ان تضع يدها على طرف الخيط..
او لو انها تستطيع ان تتذكر....تتذكر أي شئ ..


تنبهت فجأة الى يدها التي مازالت تقبع بين يديه .. حاولت سحبها ولكنه أحكم قبضته عليها..
-بروفسور ميلبورن
- روبرت:صحح بسرعة. خلال الفترة القادمة سنعيش معا في هذا البيت .. وعليك ان تناديني بروبرت..
- روبرت:قالت بصعوبة. أرجوك ..أريد ان اشرب الشاي..
أطلق يدها في الحال .. تصاعد الدم الى وجه فينيلا التقطت فنجانها بعصبيه..كان احساسها بأصابعه على يدها مازال قائما .. كان لديها شعور قوي انه في يوم من الايام وفي موقف من المواقف قد أمسك يدها ولفترة طويلة راودها هذا الأحساس مرة أخرى عندما خلت الى نفسها في ذلك اليوم .. ولكن كيف يكون هذا .. وهي لم تلتق بروبرت قبل اليوم..
شعرت بقشعريرة في جسمها .. ماهو السر في ذلك الرجل الذي يدفعها للمكوث الى جانبه .. ماهو سر انجذابها اليه واحساسها نحوه؟....لو كانت تعرف ....لو كانت تستطيع التذكر..
انتفضت من هذه الفكرة لانها لم تكن معقولة .. فأين لها ان تقابل روبرت....خاصة وانه كان قد تعرض لحادث ما هو ايضا....
صحيح انها لا تعرف الكثير عن الحادثة التي جرت له وأي الحادثين حصلت في البداية وعلى كل حال هذا لا يؤثر على المسألة الأساسية وهي الشعور الكبير بالألفة الذي تشعر به نحو روبرت .. كانت تشعر وكأنها بين ذراعيه..
عادت بذاكرتها الى جلستها معه قبل قليل ..
كانت قد وضعت كوب الشاي ومكثت لفترة تحدق في الفنجان الفارغ .. سألها:
- هل صحيح انك لا تتذكرين أي شئ عن حياتك قبل.... قبل الحادث؟:سألها بهدؤ.
حبست فينيلا انفاسها .. كانت تلك المرة الأولى التي تشعر فيها باهتمامه الجاد .. هزت رأسها نفيا .. أخفضت نظرها..
شعرت لفترة من الوقت باقترابه منها وقربه ايضا .. كان باستطاعتها الأحساس بأنفاسه قريبا من وجهها .. سألها:
- الا يمكنك ان تتذكري ولو نكتة واحدة .. ولو ذكرى واحدة شارك فيها انسان ما الا تشعرين بفقدانك وشوقك الى انسان ما .. انسان كنت تحبينه في يوم من الأيام؟
رفعت فينيلا رأسها وحدقت فيه.. امتلأ قلبها بالحزن والصداع اللذين تصاعدا الى عينيها .. تساءلت
"لماذا لاتشعر بالكره نحو روبرت ميلبورن خاصة وأنه يضعها وجها لوجه أمام ما يزعجها وما تحاول عدم التفكير فيه "
مرة اخرى هزت رأسها نفيا .. لكن ارتجفت شفتاها من تأثير التعابير التي ظهرت على وجهه..
- انا لا تذكر أي شئ:صرخت في وجهه:لا اتذكر أي شئ .. حتى اني لا اعرف ان كنت على علاقة حب مع احد .. ولكن لابد وانه كان لدي حبيب ..ففتاة في السادسة والعشرين لابد وانها تعرضت لمثل هذه التجربة .. ولكن رغم ذلك نسيته تماما كما نسيت كل شئ ..
غطت وجهها بيديها ورددت عليه ما رددت لسام مرارا وتكرارا..
- ولكن لا..لايمكن ان يكن هناك من احد والا سأل عني وبحث عني في كل مكان .. بل كان سيصر على مقابلتي وحتى وان لم اتعرف عليه . أخفضت رأسها قليلا ومن نظرت اليه:اظن انني كنت سأتعرف عليه في الحال .. اليس كذلك؟ كانت هناك فترة من الصمت ومن ثم ثال روبرت بهدؤ ..
- لا أدري يا فينيلا .. ربما ..وربما لا..أنا آسف لأنني فتحت هذا الحديث من الواضح انه يؤلمك جدا ومع ذلك..:انحنى اليها مرة اخرى ممسكا بيدها بين راحتي يديه لدرجة أحساسها بدفء يديه يجتاح جسمها كله .. تابع قائلا
- عندما تشعرين بأنك على استعداد للتكلم تذكري انني سأستمع اليك ..اتفقنا..
حدقت فيه محاولة قراءة التعبير الذي رأته في عينيه السوداوين ..
- حسنا سأتذكر..
نظر اليها لبرهة ومن ثم أطلق يدها قائلا بنعومة كبيرة .. جلبت الدموع الى عينيها ..
- لما لا تصعدين الى غرفتك وترتبي حقائبك .. لابد وأنك متعبة ؟صمت قليلا ثم تابع. ليس من واجبك المكوث الى جانبي بشكل دائم.. عيشي حياتك فينيلا .. كوني صداقات جديدة فلن تكوني مشغولة معي الا لساعات قليلة خلال اليوم .. تسارعت أنفاسها من مجرد التفكير تصورت نفسها تخرج الى العالم الخارجي .. تسير في الشوارع وحيدة ....لا لم تكن مستعدة لمثل هذه المغامرة .. تمنت لو انه يستطيع مرافقتها ولكن ذلك مستحيل..
- الا تود الخروج..ربما تستطيع..
- لا..كان صوته حادالن اخرج الى الشارع مدفوعا على كرسي متحرك تماما كالطفل ..سأخرج عندما أستطيع الأعتماد على قدمي وليس قبل ذلك .. ولكن هذا لايمنعك من الخروج واستكشاف المكان .. ستكتشفين انه رائع..
- نعم ..شعرت انها لم تعد تستطيع تحمل التغير السريع لمزاجهأعتقد انني سأصعد الى غرفتي لترتيب ثيابي..
ومن ثم سأذهب في نزهة حول المكان..متى تقدم السيدة بينيت العشاء؟
- العشاء؟ . نظر اليها وكأنه لم يسمع في حياته مثل هذه الكلمة:آه ..حوالي السابعة والنصف ..أعتقد ذلك ..
كان روبرت يتكلم وكأنه يعيش في البيت كضيف..
تساءلت فينيلا هل يعقل انه لايهتم اطلاقا بما يجري في البيت .. تابع قائلا:
- لما لا تسأليها بنفسك لابد وانها في المطبخ..
- أذن سآخذ معي ادوات الشاي:رفعت الفناجين ترددت قليلا وسألته:هل يمكنني ان اقدم لك اية خدمة قبل ان اذهب؟
- لا....شكرا..
نظر اليها مليا .. استطاعت من خلال هذه النظرة ان تشعر بأحساسه الداخلي .. ذلك الأحساس الذي تجلى واضحا .. كان يحاول ان ينقل اليها رسالة ما لكنها لم تكن لتعرف ماهي ..
ارتجفت يداها واهتزت الفناجين.. استدارت بسرعة وغادرت الغرفة..
ما ان اصبحت في الخارج حتى استندت على الجدار في محاولة للتخفيف من التوتر الذي كانت تعانيه .. ما ذلك الشعور الذي كان ينتابها نحو روبرت ؟ لماذا تشعر بأنها تعرفه منذ زمن طويل.. وليس معرفة سطحية وأنما معرفة عميقة .. كان هناك شعور عميق يكمن داخلها ..
ولكن ذلك غير ممكن .. فأذا كانا قد التقيا .. لم لم يقل لها أي شئ ؟ فلابد وانه سيساعدها كثيرا على استعادة ذاكرتها..
تابعت فينيلا طريقها الى المطبخ .. استغربت من نفسها معرفتها للطريق اليه .. تذكرت كلمات الطبيب لقد نبهها الى تلك النقطة من قبل..أذن..لابد وأنها قد عاشت في هذا البيت او على الأقل أتت اليه..
أنتابها شعور غريب وهي تدخل الغرفة الواسعة المضيئة كان المطبخ أليفا ....تذكرت انها شعرت بنفس الأحساس من خلال عيني روبرت وهو ينظر اليها..


الفصل الثالث

- هل ترغبين في ايام قليلة للتأقلم مع الوضع؟
سألها روبرت اثناء تناول العشاء.او انك تودين مباشرةعملك في الحال ؟
نظرت اليه فينيلا .. كان قد قاد كرسيه المتحرك وتصدر طاولة العشاء والى جانبه جلست تقابلها النافذة المطلة على الحديقة المليئة بالزهور..
- انا على استعداد لمباشرة العمل في أي لحظة .. ولكني لست متأكدة تماما مما هو مطلوب مني سمعتك تتحدث عن بعض البحوث..
- نعم ..على كل حال ليس لدي الكثير منها في الوقت الحاضر ..فالعمل الجاد سيأتي فيما بعد .. أما الآن أعتقد أنني سأعمل في بعض الأوراق والكتب التي جلبتها معي وستعملين معي لكي تتعرفي على طريقتي في العمل وماهي المعلومات التي يمكن ان اكون بحاجة اليها.. أظن انها ستكون في البداية أعمال سكرتارية هذا اذا لم يكن لديك مانع..
كانت لهجته رسمية وجادة وكأنه قد قرر عدم السماح لأي علاقة أخرى للنمو بينهما .. كالصداقة مثلا.. كان واضحا انه حدد الأسس التي ستكون عليه هذه العلاقة.. مبدأ الرئيس والمرؤوس ..
" هل هذا يناسبك" حسنا هنا مايناسبني أيضا"
هكذا فكرت فينيلا خاصة عندما تذكرت النظرة التي رمقها بها أثناءمقابلتها له في الزيارة الأولى .. فهي غير مستعدة لمثل هذه الأشياء في الوقت الحاضرعلى الأقل..
شعرت فجأة بالضياع..لم تكن تستطيع التحمل أكثر من ذلك استعادت في ذاكرتها الليلة الأولى التي وصلت فيها الى هذا البيت .. واستعادت السؤال الذي بقى يلح عليها طوال الليل .. هل يعقل انها كانت واقعة في الحب في حياتها الماضية ؟
هلهناك رجل يهتم ويعتني بها وهي تحبه بدورها؟
اذا كان ذلك .. اين هو الآن ؟ لماذالا يبحث عنها ؟ او يكتب لها او يراسلها ؟ لماذا لايأتي الى شقتها في لندن لزيارتها؟
الأجابة التي لم تستطع الهروب منها كانت مرة وصعبة ليس هناك من احد....انها وحيدة.. لاعائلة..لا اصدقاء ..لاحبيب ..ولكن لماذا؟
" لا اعتقد انني من النوع الذي يحب الوحدة:فكرت
فينيلا.
فأنا أحب الناس ..أنا متأكدة منذلك"
لاحظت ان روبرت يراقبها تصاعد الدم الى وجهها .. حاولت ان تتذكر السؤال والحديث الذي كان يوجهه اليها منذ برهة..
لقد كان شيئا حول اعمال السكرتارية التي كان عليها القيام بها ..
- لا ....ليس لدي أي مانع .. اعتقد انها فكرة جيدة .. ماهي الساعات المفضلة لديك للعمل ؟
- كأي كاتب آخر ..طوال اليوم .. فكتابة الكتب كأي عمل آخر وخاصة بالنسبة لي .. فأنا لا انتظر الألهام لكي أكتب فنوعية كتبي لاتحتاج الى الكثير من الأحاسيس فهي كتب تاريخية كما تعلمين اما من ناحية اخرى .. فأنا اتناول فطوري لوحدي لأنني لا استسيغ التحدث الى احد قبل تلك الساعة .. لذا بأمكانك القيام ببعض الترتيبات مع السيدة بينيت وحسب راحتك بعد التاسعة اقوم ببعض التمارين والعلاج الفيزيائي مع جون .. وبهذا لن يكون بأمكاني البدء بالعمل قبل العاشرة .. سنعمل حتى الواحدة .. بعد ذلك نتناول غداء خفيفا وفيما بعد نتابع حتى الرابعة او الخامسة اعتقد انه خلال الأيام الأولى يمكنك قضاء الوقت في قراءة كتبي لتتعرفي على اسلوبي في العمل والكتابة .. أظن انك ستجدينها مملة نوعا ما (ابتسم لها بمرح )..
- انا متأكدة انني لن امل منها..فأنا احب التاريخ..
توقفت فجأة فهذه المعلومة لم تكن معروفة لديها الا الآن وبعد ان نطقتها أظن انني سأحب قرأة كتبك..
- الم تقرأي بعض الكتب التاريخيه من قبل ؟
- لا ادري وكيف أستطيع ؟ فأنا لا اعرف ماهي الكتب التي قرأتها حتى الآن ..أنا لا اعرف أي شئ عن نفسي .. لقد فقدت كل شئ..
وضعت يدها على جبهتها بألم ..
- هل هذا صحيح .. دعني ارى ..ماذا تذكرين عن أليس ؟
- "أليس في بلاد العجائب" ولكن
- الشيخ والبحر ..
- ارنست همنغواي .. ولكن روبرت..هذا لايعني أي شئ لقد قرأت هذه الكتب وانا صغيرة ..
- وهذا يفسر أنك بدأت تتذكرين شيئا ما .. وكما هو معروف تبدأ الذاكرة بالرجوع منذ الطفولة ومن ثم المراهقة .. وهناك شئ آخر فأنت بأ ستطاعتك الطباعة على الآلة الكاتبه ....ارى ان هناك أشياء كثيرة قد تذكرتها أذن لم الخوف؟
حدقت فيه فينيلا قائلة:
-الأشياء ولكنها غير مفيدة .. لقد فقدت الكثير من ذكرياتي .. والداي مثلا انا لا اتذكرهما ابدا ذكريات الطفولة معهما .. عطلاتنا التي قضيناها معا .. نصائحهما لي حياتي معهما كلها ذهبت .. هل تستطيع ان تفهم ماذا يعني هذا ..
نظرت الى صحنها لبرهة شعرت بالدموع تحرق مقلتيها تابعت ..
- وخلال الفترة التي تلت وفاتهما .. هل من المعقول الا يكون لدي أي انسان حبيب او صديق انا خائفة من هذا الوضع وهذه الوحدة..
ترددت كلماتها في الغرفة الهادئة .. وجهت فينيلا نظرها الى النافذة .. لم تكن ترغب في النظر الى الرجل الجالس على الكرسي المتحرك على بعد خطوتين منها .. انها المرة الأولى التي تحدث فيها احد حول تلك الأحاسيس التي تنتابها .. شعرت بالتوعك..
- هل مازلت تعتقدين انه لم يكن هناك انسان خاص في حياتك ؟
- لقد قلت لك .. ليس لدي ادنى فكرة ..ولكني متأكدة انه لو كان هناك من احد .. لم اكن لأستطيع نسيانه بسهولة..
- ربما....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه او ربما عليك الأعتراف بعدم وجوده على الأطلاق..
- ولكنني لا اتذكر أي شئ ....صحيح انني اتذكر بعض الأشياء..
- نعم اظن ذلك..
ولكن تلك الفكرة جلبت الحزن الى قلبها شعرت وكأنها فقدت شيئا مهما .. شيئا كان غاليا عليها ..
أختلست نظرة الى روبرت والى تفاصيل وجهه والى جسمه الذي كانت متأكدة من طوله اذا ما تسنى له الوقوف على قدميه..
- انا آسفة:قالت بصوت منخفض:أظن انك تعتبرني ميالة الى الحزن قليلا .. خاصة وانه لا يحق لي ذلك .. فأنا في كامل صحتي وأستطيع الوقوف والحركة بينما انت....
- لا يجب ان تقولي هذا .. فالشيئان مهمان .. ولا يمكن ان نخضعهما للمقارنه .. ولكن الأكيد في الموضوع انه كل واحد منا يجب ان يجد للآخر حلا ومواساة .. وان يعتاد على ما حصل له..
- لقد قررت ان تمشي من جديد ولكني لا استطيع ان اقرر استرجاع ذاكرتي .. مشكلتي تختلف ..
- هذا صحيح..:نظر اليها بأمعان تلك النظرة النفاذة الحارقة والمربكة في آن واحد..:انظري .. لقد حدث لك شئ تودين لو ان عقلك لايتذكره ابدا وقد قررت ان ترفضي تذكره .. ولكن لسوء الحظ محيت من ذاكرتك تلك الحادثة وحوادث أخرى ايضا..
هذا في عقلك الباطن .. فأنت تفضلين عدم معرفة أي شئ تفاديا من تذكر تلك الحادثة .. اذن لماذا لا تقرين بهذا وتبدأين حياتك من جديد .. هنا ....في هذا المكان .. الم ينصحك بذلك الدكتور سام..؟
- نعم..ولكن..
- اذن ....لم لاتأخذي بنصيحته؟
- ولم لا تأخذ انت ايضا بنصيحته .. وفي النهاية من انت وماذا تكون بالنسبة لي حتى تقرر عني اشياء تخص حياتي؟

رأت الأنزعاج على وجهه واضحا ..انتبهت الى انها ذهبت بعيدا في تهجمها عليه الا انه لدهشتها ابتسم لها قائلا:
- هذه فينيلا....قال بصوت منخفض هذه روحها استدار بعد ذلك .. لكنها استطاعت انترى قبل ذلك تعابير الألم على وجهه .. لم تفهم سببا لهذه المشاعر ....فكرت هل رأت تلك التعابير ام انه تخيلتها ..
- اذن ماذا قررا ....في البداية عليك قضاء بعض الوقت في عملية تآلف مع محيطنا هنا ومع عملي خلال ساعات العمل فقط .. ماعدا ذلك انت حرة في التنزه وقضاء الوقت خارج المنزل اذا أردت ..
انتهوا من تناول وجبتهم .. بعد ذلكتحدثوا حول التاريخ وحول أعمال روبرت .. شعرت من خلال الأحاديث تلك بالراحة والهدؤ ..خاصة وانه غي الحديث حول ذاكرتها وفقدانها لها لدرجة انها استمتعت بالحديث وشعرت بالأسترخاء
وبدأت تستعمل اللهجة الأليفة معه ..
عندما اصطحبه جون الى غرفةالتمارين الفيزيائية .. خرجت فينيلا الى الحديقة وبدأت بالتفكير.. من هو روبرت ميلبورن وماهو السر الذي يجذبها اليه .... ولكن من هو في حقيقة الأمر هل يعقل الاتكون هناك امرأة في حياته .. امرأة أحبها واحبته ولكن اين هي الآن .. جعلتها هذه الفكرة تجلس متعبة مرهقة على كرسي في الحديقة .. لما لم تفكر في هذا قبل الآن ؟ هليعقل انها كانت مشغولة في حياتها والكابوس الذي يتهددها لدرجة انها لم تفكر اطلاقاان هناك اناسا آخرين يعيشون حولها لهم حياتهم ومشاكلهم .. تذكرت كلمات روبرت .. صحيح لايمكن ان تكون هي فقط محور الحياة .. لابد وان يظهر اصدقاءوه وصديقاته الذين كانوا جزء من حياته قبل الحادث..
بدون ارادة منها اعترفت فينيلا ان روبرت وبرغم الوضع الذي فيه مايزال يمتلك جاذبية مميزة والحقيقة التي ازعجتها اكثر انه لابد وان هنا كنساء في حياته على الرغم من انه لم يأت على ذكر أي منهن .. ولابد وان هناك امرأةخاصة جدا وستأتي قريبا لزيارته ..
وقفت بانزعاج .. هذا ما كان ينقصها ان تترك للشعور الذي كان ينمو داخلها ان يؤثر عليها .. ان تسمح لجاذبية روبرت ان تغير من مجرى تفكيرها وكأنها مراهقة غرة..
ولكن لم يكن شعورها مجرد انجذاب حسي .. كان لديها الأحساس الأكيد انها مرت بتلك الحالة من قبل .. لقد قابلت روبرت قبل الآنفلمساته لم تكن غريبة عنها .. والأنجذاب الحسي الذي كانت تشعر به نحوه ليس جديداعليها..
ولكن مالها وهذا التفكير .. لاحظت ان هذه الأحاسيس ستجلب لها المتاعب خاصة وانها لاتدري حتى الآن اذا كان هناك رجل في حياتها..
ترددت الا تخوض مثل هذه المسائل الا بعد ان تسترد ذاكرتها وصلت لذلك القرار ولكنها شعرت بالحزن يغمر قلبها..
استدارت وعادت الى غرفتها ..
قضت فينيلا الأيام القليلة التالية تنفذ ما اقترحه عليها روبرت تقرأ كتبه .. تكتشف الحديقة والبيت .. تتعرف على بقية الخدم والقائمين على البيت السيدة بينيت وجون ووالتر الذي يهتم بالحديقة..
- كلنا نناديه هكذا لأن اسمه بينيت ايضا وأخاف ان يعتقد الناس اننا متزوجان وهذا مالا اودان يحدث ابدا ..
قالت لها مدبرة المنزل وهما جالستان في المطبخ تشربان قهوة الصباح..
الا ان والتر كان يقنعها دائما بالعكس ويشجعها على قبوله كزوج كان يقول:
- تزوجيني على الأقل لن تضطري لتغيير اسمك ..
- ولكنك ستضطر الى تغييراسلوب حياتك .. فأنا لا اتزوج رجلا يلبس قمصانا غير نظيفة والثقوب منتشرة هناوهناك..
- ولكن لن البسها حين نتزوج .. اعني ....انك لن تقبلي بذلك بل ستقومين على اصلاحها لي وستحافظين على نظافتي ووسامتي:كانت فينيلا تخفي ابتسامتها وهيتستمع اليهما:لقد خلقت لتكوني زوجة صالحة لرجل محظوظ .. لما لا يكون هذا الرجلبينيت والتر بينيت..
- هل اقول لك شيئا .. اذا لم يكن لديك عمل فأنا لدى الكثير:وقفت السيدة بينيت معلنة انتهاء تلك المناقشة:واذا كنت انتهيت من تناول قهوتك ضع فنجانك وفتش عن شئ تفعله:نظرت الى فبه قائلة:
- كيف وجدت الغداءاتساءل اذا كان لديك من يطهو لك الطعام في شقة لندن.. او ربما كنت معتادة على تناول طعامك في المطعم .. اظن هذا مايفعله الناس هناك ..
ابتسمت فينيلا .. فكما عرفت من السيدة بينيت انها لم تزر لندن الا مرة او مرتين في حياتها احدى هذه المرات عندمازارت لندن لحضور المهرجان البريطاني منذ اربعين عاما لقد كانت بعيدة عن الحياة التي تعيشها فينيلا.. هذا ما فكرت به فينيلا ....كيف لها ان تعرف حياتها والنمط المحيط بهاولكنتها من المؤكد انها لم تستطع ان تخبر السيدة بينيت عن طريقة تأمين وجباتها..
لحسن الحظ لم تنتظر السيدة بينيت اجابة بل اتجهت لتواصل عملها استدارت هي الأخرى الى الغرفة المخصصة لها ستكون اكثر حرصا في المستقبل لم تكن تريد ان يعرف الجميع عن فقدانها لذاكرتها..
- قلت لك انه لا يتحتم عليك قراءة كتبي اثناء اوقاتراحتك:توجه اليها روبرت على كرسيه المتحرك
- ولكنني اريد ذلك .. فهذا الكتاب مثلا ممتع جدا وسهل الفهم يبدو لي وكأنني....
- وكأنك قرأتيه من قبل؟
- لا ادري ..قالت ببطءاعتقد انه ربما فأنا كما ابدو احب الكتب التاريخيه .. واعتقد انني كنت دائما هكذا .. اذن ربما كنت في يوم من الايام مهتمة بكتبك او قرأت جزءا منها..
نظرت اليه بعيون واسعة ورمادية كالبحر الهائج ولكن لم لا اتذكرها بسهولة كما اتذكر ابطال القصص او مؤلفي بعض الكتب ؟
- ربما لأنك قرأت كتبي مؤخرا اما الكتب الأخرى فقد قرأتها منذ الطفولة ولكن على كل حال يسرني جدا انك اعجبت بكتبي . توقف قليلا ثم تابع الا ترغبين بالخروج بين فترة واخرى لم تخرجي عن محيط البيت والحديقة منذ ان اتيت أي منذ اسبوع لماذا؟
- لأنني مسرورة هنا .. يوجد هنا حديقة كبيرة..
- ولكنك لا تشاهدين احدا ولا تكونين اية صداقات ..
بالتأكيد انت بحاجة الى صحبة احد..
نظرت اليه فينيلا بحدة وشيئا في صوته بدا لها غير حقيقي شعرت انه يقول ما يجب ان يقال وليس ما يشعر به في الحقيقه:انه لايريدني ان اخرج على الأطلاق هكذا فكرت فينيلا بل يريدني ان اعتقد بذلك .. ولكن لماذا ؟" سألت نفسها..
- قلت لك..أنا أشعر بالسعادة هنا .. انا لا اريد .... أقصد لا اشعر بالحاجة الى صحبة احد او لقاء اناس أخرين .. ارجوك لا تضغط علي ياروبرت ..
- ولم لا ....فأنا من واجبي ان اقوم بذلك وفي نفس الوقت أضغط على نفسي ..
كان ذلك صحيحا .. فروبرت كان يقوم بجهود جبارة للمواظبة على التمارين الفيزولوجية وعلى تقوية عضلاته للوقوف على قدميه مرة اخرى ..
- ولكن هذا يختلف .. انت تريد السير من جديد ولكني بحاجة الى استرداد ذاكرتي..
- وانا اعتقد انك تخطئين في محاولاتك الحثيثة في استرجاعها يحتمل ان تسترديها او لا تسترديها ولكن يجب ان تحاولي بناء حياتك من جديد..
- لماذا ؟ . سألته بيأسلم لا أستطيع العيش بهدؤ؟
روبرت اذا بدأت في مقابلة الناس فأنني سأكون مضطرة لشرح مشكلتي بأستمرار وعلي ان اعترف انني لا يمكنني تذكر أي شئ هذا مالا أستطيع مواجهته .. واحب الشرح ومشاهدة الشفقة على وجوههم ....لا....لا استطيع ان اقوم بذلك..
نظر اليها لفترة ليست بالقصيرة ومن ثم أمسك بيدها وضغط على أصابعها المرتجفة..
- حسنا فينيلا .... لا تقلقي ..لن اجبرك على أي شئ....
ففي يوم ما ستجدين نفسك مجبرة على ذلك..
اعرف ذلك.. ولكن ليسقبل ان اكون مستعدة ..
تقابلت عيونهما .. كانت عيناه رماديتان كعينيها.. شعرت مرةاخرى بصدمة .. صدمة تذكر شئ ما لا تستطيع تحديده.. ولكنها بالتأكيد تعرف ان هذا الأحساس ليس غريبا عليها .. هل هذا انجذابا جسديا فقط بين امرأة ورجل يجلسان متقاربان كما كانا جالسين؟
....ولكن هذا يحصل كثيرا في اماكن العمل وفي الباص " فكرت فينيلا..لقد شعرت بهذا الأنجذاب لأنها تمر بمرحلة نفسية صعبة هكذا اقنعت نفسها والا لكانت مريضة وقعت في حب طبيبها ..
على كل حال لم تستطع المكوث اكثر من ذلكالى جانبه ويدها في يده وعيناها تنظران الى عينيه .. لا ....لا يمكنها ان تخفي شعورها نحوه ..
- انا آسفه روبرت ..:كانت ترتجف عليان ادخل فالشمس:سحبت يدها بسرعة او كادت ان تسقط الكتاب من يدها استدارت وولت هاربة الى البيت:في غرفتها ..اتجهت الى النافذة ونظرت الى الأسفل حيث الحديقة....أنبت نفسها على تصرفها الأرعن.. ماذا فعل روبرت لكي تركض هكذا وتهرب منه؟....ماذا سيفكر فيها الآن ؟ اتجهت الى المرآة وكلمت نفسها..
اذا لم تكوني شديدة الانتباه .. فسيعمد الى الاستفادة منك للعمل من اجله .... عليك العودة الى لندن وهناك ستبنين حياتك من جديد..
عكست لها المرآة وجها شاحبا وعينين يكسوهما الحزن..
تلك الفكرةلم تجلب لها الراحة شعرت بالجمود يجتاح كيانها اذا غادرت روبرت فلابد وان حياتها ستنتهي اما اذا بقيت فمن المؤكد انها ستبدأ حياتها من جديد اذن هل هي بحاجة الى هذا البيت البعيد عن لندن:هل هي بحاجة الى الهدؤ المسيطر على ذلك المكان ؟ ام انها بحاجة الى روبرت ؟
بعد اسبوعين من مكوثها في بيت روبرت .. انتهت فينيلا من قراءة كتابين وبدأت بالثالث .. تساءلت اذا كانت قد قرأت تلك الكتب من قبل .. حيث انها معروفة جدا.. احد تلك الكتب اعتبر من افضل الكتب المباعة في الفترة الأخيرة وكان لديها شعور غريب بأنه ليس غريبا عنها .. بل شعرت وكأنها كانت تعرف مضمونه قبل ان يدون على الورق .. شعرت وكأن روبرت قد تكلم اليها عنه مطولا .. ذلك الشعور اثار فيها الأضطراب .. أغلقت الكتاب واتجهت بنظرها الى الخارج وكأنها تود ان تسأل الطبيعة عن كل ما يقلقها ويثير اضطرابها .. لكنها لم تكن تدري كيف تصيغ اسئلتها تلك..
وكيف كان للطبيعة ان تجيبها؟
- تبدين شديدة القلق والتفكير ....
قفزت من المفاجأة ..وقع الكتاب من يدها نظرت الى الأعلى لتفاجأ بوجه غريب لشاب ذي شعر بني وعيون زرقاء كان يبتسم لها ويدعوها الى الابتسام ايضا.. حدقت فيه..توقف الرجل عن الضحك .. وبدالاهتمام على وجهه..
- هل ....هل اخفتك....انا شديد الاسف.. لماذا هذا الخوف ؟ لن اتسبب لك بالأذى..
جلس بجانبها وأمسك يدها قائلا :
- هل استطيع ان اقدم لك أي شئ ؟ لقد اصابك الشحوب صدقا لم اقصد ذلك ابدا....
- لابأس:رفعت فينيلا يدا مرتجفه الى رأسها:سأكون بخير خلال لحظات .. انها ليست غلطتك ..:اجبرت نفسهاعلى الابتسام:لقد كنت مريضة ولهذا تراني متوترة قليلا انني حمقاء..
- لا..لست حمقاء:كان صوته مريحابل انا الأحمق .. لأنني اخفتك بتلك الطريقة انااندرو بينيت .. على فكرة السيدة بينيت خالتي .. سأبقى في القرية لعدة اسابيع لذلكأتيت لزيارتها ..
- السيدة بينيت.. خالتك؟
- شئ من هذا ....ليست خالتي تماماولكنها قريبة لي منذ وفاة والدتي وانا اعتبرها كذلك .. لقد دبرت لي مكانا عند صديقة لها اثناء أقامتي من اجل عملي....المكان هنا جميل وساحر الا تعتقدين ذلك؟
هزت فينيلا رأسها نفيا كانت مستغربة من تصرفات القادم الجديد..
- لا ادري في الحقيقة لم ار المكان بعد..
- لم تشاهدي ايا من الأماكن الجميلة التي تحيط بهذا البيت ولكن كم مضى عليك في هذا المكان؟
- حوالي ..:فكرت فينيلا قليلا في محاولة للتركيز:حوالي الأربعة عشر يوما ..
- ولم تشاهدي شيئا حتى الآن ؟ آه ....صحيح قلت انك مريضة .. اليس كذلك..نظر اليها بتمعن.ولكنك تبدين بصحة جيدة الآن ..خاصة بعد الصدمة التي تسببت لك فيها..
ولكن ماذا كان المرض هل هو خطير؟
- لا....انه حادث لقد اصبحت افضل الآن .. ولكن ....
- حسنا من واجبي ان اريك الجوار ..انا نفسي لم اقض هنا اكثر من اسبوعين ولكني اعرف المكان جيدا .. لما لا نذهب لتناول فنجان من الشاي.. هناك مكان رائع في وسط البلدة تستطيع....
- اعتقد انك اتيت الىهنا لمشاهدة خالتك ؟
- آه .. صحيح ولقد فعلت .. حسنا .. لا اريد ان اجرح مشاعرخالتي فلنؤجلها الى الغد..
- انا لست متأكدة ..فأنا لا اقضي العطلة في هذا المكان فأنا اعمل كمساعدة للسيد روبرت ..
- ولكن لابد وانه لديك وقتا للراحة اليس كذلك ؟اعني انه لا يجعلك تعملين طوال اليوم..
- نعم ..هذا صحيح .. ولكن لم ارغب في..
- ولكنك تريدين ان تعرفي المكان الآن .. وهناك الكثير من المشاهد والأماكن التي تستحق المشاهدة.. القلعة....هل تعرفين الملك هنري الثامن حسنا .. لقد عاشت معظم زوجاته في هذا المكان .. كاترين بار على سبيل المثال .. تلك التي جعلت لهذا المكان قيمته الجمالية ..هل تحبين السير..
- لكن..نعم.. انما..
- انظري ..ارجو انتطلبي مني الأنصراف اذا كانت رفقتي تزعجك فأنا لا اود ان أقحم نفسي على احد..
نظرت فينيلا اليه ..لماذا تتصرف معه بهذه الطريقة .. انه يقدم لها خيارا....شعرت فجأة بالخجل من نفسها ومن رفضها المتوالي لصداقته وصحبته ..
- اناآسفة..لقد كنت قاسية .. لقد أصبحت هكذات بعد الحادث .. لم تعد عندي الرغبة في الخروجكثيرا .. لقد تعرضت لضربة في الرأس ..وقد.. وقد أثرت على كثيرا....اعني لقد فقدتالثقة ..اعرف انني يجب ان احاول استعادة الأصدقاء ولكن ليس من السهل ان ابدأ منجديد ..
- افهم ....ولكن لم لا تبدأي بالتدريج:نظر اليها بودمثل ....انتأخذي القهوة معي ونزهة ناعمة ولطيفة حول الكنيسة .. هل تعملين لساعات محددة مع السيد روبرت؟
نظرت اليه بدهشة سألته :
- هل تعرفه ؟
- اعرف عنه بعض الشئ ..فقد اخبرتني عمتي بعض الأشياء واسمه معروف جدا..تبدين مستغربة ..
- لا..ولكن لمابدأ العمل بعد وفق ساعات محددة انا اقوم الان بالتعرف على كتاباته. اشارت الىكتاب في يدها...
- اذن ليس هناك من مانع في الخروج معي لساعة او لساعتين اليسكذلك.. خاصة وانك لم تخرجي حتى الآن .. هل نتفق منذ الآن على القهوة غدا؟
نظرت الىمسحة القلق التي كانت ظاهرة على وجهه ترددت قليلا ولكنها قررت ان تواجه العالم من جديد ان تواجه الناس مرة اخرى والتعرض لأسئلتهم ومع هذا الرجل بالذات..
- اود ذلك..شكرا لك..
استرخى وجه اندرو وقال:
- هذا رائع .. سأقابلك في العاشرة والثلث .. هل هذا مناسبا؟ فأنت لاتعرفين البلدة على الأطلاق .. لذلك سآتي لآخذك من هنا .. لن يستغرق الوقت كثيرا .. سنتناول القهوة معا وسأريك الكنيسة .. والآن على ان اذهب الى خالتي لابد وانها تتساءل الآن اين اختفيت ..
ابتسم لفينيلا بسرور وغادر المكان باتجاه المطبخ ..
- من هو:ظهر روبرت على كرسيه المتحركمن كان ذلك الرجل الشاب؟
قفزت فينيلا مرة اخرى من المفاجأة .. شعرت بالذنب هذه المرة وكأنها كانت على وشك القيام بعمل ممنوع..
- انه..انه اندرو..ابن اخت السيدة بينيت .. حسنا ليس ابن اختها بالتحديد ولكنه قريب لها .. انه يسكن في القرية..توقفت عن التكلم بعد ان لاحظت نظرة السخرية التي ظهرت على وجه روبرت .. وفي عينيه الرماديتين الجليديتين..
- يبدو انك تعرفين الشئ الكثير عنه..
- ليس كثيرا:اعترضت وقد احمر وجهها:فقط ما قاله لي جاء لزيارة خالته ليس لديك اعتراض اليس كذلك؟
- لا ....اطلاقا .. فالسيدة بينيت تعيش هنا ومن حقها استقبال الضيوف الذين ترغب فيهم.. ولماذا لا يفعل ..فهو يزور خالته على كل حال..
- تقصد ان يزور خالته عوضا عن التحدث الي:شعرت فينيلا بالغضب:حسنا كان متوجها اليها ولاحظني .. ولانه لطيف قليلا توقف ليلقي التحية ويعرفني بنفسه .. لم اكن اعتقد ان لديك أي اعتراض فيما يخصني لابد وان لديك اسبابا اخرى..
- عزيزتي الصغيرة ارجوك لاتضجريني بحديثك ..ابعد نظره عنها:اعتقد ان هذا الشاب فعل شيئا آخر غير القاء التحية .. فكما عرفت منك لقد روى لك تاريخ حياته .. وفي النهاية هذا ليس من شأني ..:توقف قليلا ثم تابع:سيبقى في القرية تقولين؟
- هذا صحيح..
- هذا يعني اننا سنراه لاحقا هنا؟ طبعا لزيارة خالته او ماذا تكون السيدة بينيت بالنسبة له ؟
نعم خالته.. واظن انك محقا في هذا..
- اذن لاتدعيه يقترب كثيرا منك فينيلا .. لاتنسي انت مازلت في حالة صعبة .. ولا اريد ان يؤذيك احد..
" يؤذيني احد" فكرت فينيلا بتلك الكلمات ماذا يقصد ؟ ماذا يظنها ؟
- انظر روبرت لقد تحدثت الى اندرو بينيت لدقائق قليلة فقط .. كان لطيفا ومؤدبا لاشئ اكثر من ذلك .. ماهو العيب في هذا ؟ اعتقدت انك طلبت مني ان اقابل الناس وان اكون اصدقاء ..
- نعم..نعم.. هذا صحيح ..:تكلم بعصبية وصبر نافذ:ولكن هذا الشاب بالذات....اظن انه من النوع اللعوب واللاهي.. لاتنسي انني درست في الجامعه واعرف النوعية من الشباب انهم لاهون يقضون الصيف مع فتيات جميلات ومن ثم يرحلون وفي النهاية تكون الضحية تلك الفتيات الجميلات ..
- اتفهم ذلك.. ولكن بما انني في السادسة والعشرين من عمري وقد نضجت كفاية وبدون ان اتعرض الى مثل ما ذكرت....
توقفت قليلا .. كيف كان لها ان تعلم ذلكفأظن انني استطيع الأعتناء بنفسي .. انه لطف منك ان تهتم بي ولكن بما انني اكبر من اندرو بسنتين على الأقل اعتقد انني استطيع مواجهة أي خطر اذا وجد.. والآن اسمح لي سأذهب لتناول بعض الشاي .. اعتقد ان السيدة بينيت قد اعدته..
نهضت واتجهت الى امطبخ .. متمنية الا يكون روبرت قد لاحظ دقات قلبها وارتجاف يديها .. لم يكن باستطاعتها ان تدعه يحدثها بهذا الشكل وبتلك الطريقة الآمرة المسيطرة..
لم يتغير شئ فنظرة واحده من عينيه او لمسة من يديه كانت كافية لجعلها تضطرب وتفقد السيطرة على نفسها فمجرد وجوده بقربها يجعلها تنسى مئة شاب مثل اندرو بينيت..
فكرت فينيلا بالتخلص من هذا التأثير .. ولم تجد غير افكارها تلك فهي التي ستساعدها على ابعاده عنها..
فهي لم ترغب في أي حال من الأحوال ان يعرف روبرت اين يكمن الخطر بالنسبة الى قلبها..

الفصل الرابع

اتجهت فينيلا عبر الغابة وحاولت الوصول الى الطريق العام ..
لم تكن قد قالت شيئا لروبرت عن ترتيبها مع اندرو للخروج .. فقد كانت ماتزال تشتعل غضبا من محادثتها بالأمس معه في الحديقة .. لم تعدالى ذكر اسم قريب السيدة بينيت الشاب امامه .. ولكنها ايضا لم تخبره عن عزمها الخروج معه .. وعلى كل حال هذا ليس من شأنه هكذا قالت لنفسها وهي في طريقها للقاء اندرو ..لقد اختارت ان تستطلع المكان وليكن برفقة اندرو ..
وماذا يمكن ان يحدث؟ ولكنلماذا ذلك الشعور الذي ينتابها ؟ ذلك الشعور بالذنب؟ هل هو من عدم اخبار روبرت بالأمر؟
فقد قررت منذ الصباح ان تخرج للقاء اندرو بدلا من مجيئه الى البيت لاصطحابها .. لمحته من بعيد وقد بدأ يلوح لها بيده ..
والابتسامة الواسعة على شفتيه ..
هل هذه الابتسامة اثارت في قلب روبرت المخاوف ؟
- اهلا..اليس صباحا رائعا ..انه افضل صيف مر علي في هذه البلدة ومن الصعب البقاء في البيت ..
وصلت الى جانبه وبادرته قائلة:
- لم اكن اريد الخروج هذا الصباح .. ولكن روبرت يعمل في الوقت الحاضر لوحده ولا اظنه بحاجة الى مساعدتي.. يجب الا ننسي انه صاحب عملي..
- هل صحيح ما قلته لي .. انك لم تتجاوزي حدود الحديقة منذ اتيت الى هنا؟
- نعم:تذكرت ما قالته لروبرت عن خوفها من مواجهه اسئلة الاخرين اذا ما خرجت
- اذنلم تشاهدي أي شئ في وينكشومب .. هناك الكنائس والبوابات والتي يمكنني ان اريك اياهاالأن ..الا ترين انك محظوظة بلقائك معي ؟
- آه..هذا صحيح .. والأفضل من كل هذاانه لايحيط بك مجموعة من السياح .. يمطرونك اسئلة وتوجيهات..
ولكن هذا مستحيلا ..فهنا الكثير من السياح الامريكيين الاغنياء الذين يحبون رؤية مباهج هذه المناطق الانكليزية ولديهم السيارات الفاخرة..
- هذا طبيعي وينزلون في افخم الفنادق..
- هذا صحيح ولكني لا افضلها على المنزل الذي انزل فيه حيث الجو العائلي والفطورالبسيط .. ولكن هذا لايمنع انه يمكنني القيام بعمل جيد اذا ما قررت ذلك..
كان قداجتازا بوابة القلعة ووصلا الى صف من الأكواخ الخشبية والتي تحيط بها الورود..تقابلها جدران الكنيسة توقفا الى يمين الكنيسة حيث قادها اندرو فهو مكان صغير يقدم بعض الحلويات والشاي ويحيط به حديقة صغيرة..
- دعنا نجلس في الحديقة ..الم نقللتونا انه من الصعب ان نبقي داخل البيوت..
- هل ستنفذ ما فكرت فيه في الطريق يااندرو..
- تعنين عمل الدليل السياحي..؟ لا..لا اعتقد ذلك فأنا افضل ان اكون دليل السائح واحد فقط:نظر اليها بمرح:اظن ان هذا امتع..
ابتسمت له فينيلا..
- اذن حدثني عن عملك لقد قلت لي انك هنا من اجل العمل..
- هذا صحيحولكن هذا ممل خاصة الحديث عن العمل في مثل هذا الصباح المشرق..هاهي القهوة والحلويات ..الم اقل لك انها لذيذة ؟:نظر الى المضيفةسارة من افضل الطباخات هنا فهي تقوم بطهي وأعداد المأكولات اللذيذة..
كم سيكون محظوظا زوجك ياسارة !!!
احمرت المضيفة خجلا وانطلقت هاربة من امامه..
- لقد اربكتها بكلامكهذا..
- لا.. انا وسارة متفاهمان جدا .. الآن..مارأيك في تناول القهوة..
بعد ذلك تجولا في البلدة واتجها الى الكنيسة تمشيا خارج الكنيسة وحولها ..
- تعالي وانظري الى هذا المنظر..
كانت الخضرة المحيطة بالكنيسة رائعة شعرت فينيلا بالراحة والسرور ولكنها تنبهت الى الوقت .. نظرت الى ساعتها..
- ياللسماء انظر الى الساعة.. لم يكن لدي ادنى فكرة عن تأخر الوقت.. علي ان اعود الآن .. سيتساءل روبرت عن مكان وجودي..
- ولكنك لست مضطرة للعودة .. كنت اتمنى ان تتناول الغذاء معي..
- اناآسفة يا اندرو .. ولكني لم اقل لأحد انني خارجة واذا لم اكن على الغداء سيقلقون علي.. فلنؤجل ذلك الى يوم آخر..
لقد تمتعت كثيرا بالخروج معك ..
- الى اللقاء غدا اذن..
ترددت فينيلا قليلا:
- احب الخروج معك مرة اخرى .. حقيقة احب ذلك ..ولكني لا استطيع ان اقوم بأية ترتيبات الآن .. لما لا تتصل تليفونيا....اما الآن فعلي ان اسرع..
- حسنا .. اذن:اصطحبها الى بوابة البيت:ارى انه من الافضل اناتركك الآن .. ولكن سأتصل بك تليفونيا مع الوعد بالخروج معي لتناول الغداء في مكانما..
- اتمنى ذلك ايضا .. سأحاول ان ارتب لهذا قريبا جدا.. لا اظن ان روبرت سيمانعولم يمانع؟
لم....؟ هذا صحيح فكرت وهي متجهه الى البيت .. ليس هناك من سبب لذلك ..ولكنها كانت تشعر بأنه سيعارض..
- اين كنت بحق السماء؟:بادرها روبرت عندمااطلت على الشرفة التي اعتادو ا فيها تناول وجباتهم في الايام الصحوهة..
جونوالسيدة بينيت بحثا عنك في كل مكان .. اعتقدنا ان مكروها قد اصابك..
- مثلماذا؟
انتاب فينيلا الغضب اتجهت الى كرسي من الكراسي ورمت نفسها فيه .. صبت لنفسها كأسا من الماء المثلج..
انا آسفه لقد تأخرت....ولكني لم اكن اعتقد انك ستكون على الغداء .. فأنت لا تلتزم بمثل هذه المواعيد ومن ثم لم اكن اعتقد انكم ستقلقون علي .. وليس هناك من داع لهذا القلق ..
- هذا صحيح ولكن انت نفسك اعربت عن تخوفك من مواجهه العالم الخارجي وكرهك للخروج وحيدة الى أي مكان .. اذن ماذا تعتقدين اننا سنفكر ونحن نعرف انك خرجت وحيدة وبقيت في الخارج لفترة طويلة ؟ انا....
- انا لم اكن وحيدة:قالت تلك الكلمات فجأة الا انها تنبهت بسرعة الى الخطأ الذي وقعت فيه ولكن ماالعيب في الخروج مع صديق لها .. لم لم تقل انها كانت مع اندرو .. قررت ان تهدئ من ثورة اعصابها قالت بهدؤ:لقد كنت مع صديق..- صديق ..؟:رفع حاجبيه استغراباحسب اعتقادي ليس لديك اصدقاء هنا..
- لم يكن لدي .... اما الآن فلدي اندرو بينيت .. واذا اردت ان تعرف ماذا فعلنا..لقد تناولنا القهوة معا ومن ثم ذهبنا في جولة الى الكنيسة:رفعت رأسها ونظرت الى عينيه مباشرةهل هذا كافي ام ان هناك أي اعتراض؟ بدا لها منزعجا ومفكرا..
- فينيلا....انت لست مجبرة على اعطائي كل تلك التفاصيل..
لا..بل فعلت ماشعرت انني يجب ان افعله..
- لا تكوني سخيفة ! فكل ما اردته....
- ان تعرف اين كنت ؟ وماذا كنت افعل خلال اليوم؟
بدت عصبية وثائرة:اهذا كل شئ ؟ هل في رأيك انه من الافضل ان اكون دائما تحت ناظريك ....حسنا اريد ان انبهك انني لا احب ان اكون مسجونة ولن اسمح لأحد بأن يعاملني هكذا ..ماذا كان لي ان اعمل هنا يا بروفسور ميلبورن..اود ان تخصص لي وقتا اقوم به بما يحلو لي..وقتا حرا..

فينيلا .. هذا من حقك ..وانا لم اقل غير هذا..
- هذا صحيح ولكن اود ان يكون وقتي بالفعل ..ان اقضيه كيفما اشاء والا اكون مضطرة للشرح ..:توقفت عن التكلم ونظرت اليه .. تنبهت الى انها كانت قد رفعت صوتها كثيرا....
حاولتان تهدأ من اعصابها وتابعت اعتقد انه عندما كنت اعمل في مكتبك لم تكن لتقلق عليكل هذا القلق وما كنت لتسأل وتلح على مثل هذه التفاصيل كانت هناك لحظة صمت..نظرخلالها روبرت اليها.. كان هناك تعبير مختلف على وجهه ..تعبير ظنت ان روبرت سيفصح عنه بعزم .. الا انه قال بهدؤ وببساطة:
- لا....ربما لم اكن لاهتم ولكن الوضع هنا يختلف اليس كذلك؟ ..انت تعيشين في بيتي....واشعر ببعض المسئولية نحوك.. خاصة وانني اعلم..وضعك الست محقا في قلقي ؟ ومن جهة اخرى انت لست معتادة على الخروج خارج اسوارالحديقة..
قابلت فينيلا عينيه بخجل..
- لا..اقصد لا اعتقد بأنك تبالغ ..فأنتمحق كان علي ان اعلمك بأنني سأخرج..
مرة اخرى شعرت وكأنه يود ان يخبرها بشئ..كان يريد ان ينقل اليها خبرا ما او ملاحظة ما.. وكأنه لم يكن غريبا عنها اقشعر جسمها ..اخفضت نظرها ووقعت عيناها على يده فوق الطاولة .. كانت اصابعه قريبة من يدها ..تصاعدت المشاعر لديها ..هل هذا حلم انه تصور هل من المعقول انها قد عرفته في يوم من الايام ..نظرت الى الحديقة وسرحت بأفكارها .. تمنت من قلبها لو انها عرفت روبرت ميلبورن قبلا وفي حياتها الماضية .. لانها لو صح ذلك .. لكانت عرفت الامان والحب بالتأكيد..
ولكن الأن ..ليس لديها الأمان ولا الحب .. ليس لديها الا الألم وفقدان شئ ربما لم تكن تملكه في يوم من الأيام.. ملأت الدموع الحارقة مقلتيها.. اعتذرت منه ونهضت متجهة الى البيت تاركة روبرت ميلبورن حبيس كرسية على الشرفة تماما كما تشعرهي بفقدان لذاكرتها ولكنه افضل منها على الأقل..
خلال ذلك الاسبوع قرر روبرت البدء في تأليف كتابه .. وجدت فينيلا نفسها مشغولة طوال الأيام تدون معلومات او تبحث في المكتب لذلك كانت تقضي معظم الوقت في المكتبة الضخمة التي شغلت غرفة كبيرة منالبيت .. وسرعان ما اندمجت في العمل لدرجة انها لم تعد تفكر في اندرو بينيت وفي خططه للخروج معها..
وفي المساء وعندما يقرر روبرت التوقف عن العمل .. كانت تقضي الأمسية في نقاش معه حول العمل المنتظر في الغد اوالعمل الذي انجز خلال ذلك اليوم..
- لابد وان الناس كانوا يتعذبون خلال الحصار:قالت وهما يتناولان احدى الأطعمة التي اعدتها السيدة بينيت:تصور نفسك وانت تأكل حيواناتك الأليفة .. او اسوأ مثل التقاط الفئران:اشمأزت من الفكرةآه ولكني افضل هذه الأكلة اللذيذة فالسمك اكلتي المفضلة..
تلا الغرفة صمت نظرت خلالها الى روبرت .. كيف عرفت ان السمك هوطعامها المفضل ..
- انت تعرفين ذلك اليس صحيحا ؟:كان يردد كلماتها:لقدعرفت الأكلة قبل ان تريها ومن رائحتها:انحنى اليها قليلا أصبح صوته اكثر رقة:كيف عرفت ذلك فينيلا ؟ هل تتذكرين انك تناولت هذه الوجبة من قبل وفي مكانما..ربما..من انسان خاص جدا بالنسبة لك ؟
حدقت فيه فينيلا..كانت عيناه تحملان عاطفة واضحة شعرت بالتوتر الذي كان يعانيه .. حبست انفاسها..هل يعقل انه عرف ما كانت تفكر فيه....ولكن كيف ؟ ولماذا؟
كيف يمكن لذلك الرجل الذي لم تعرفه من قبل انيفهم ماتفكر فيه او ما تحس به؟
اخفضت نظرها وابعدتهما عن وجهه قبل ان تخونها افكارها وكلماتها فلم تكن ترغب في قول ما لايجب ان يقال ..
- لقد كانوا يأكلونالحيوانات الموجودة في حديقة الحيوانات في باريس اثناء الحصار:همست اخيرا فذلك الفيل المسكين....
لم تعد تستطيع الاستمرار في الحديث لحسن الحظ اخذ روبرتعنها دفة الحديث وتابع.. ربما لأنه كان يود ان يخرج من دائرة التوتر والارتباك اللذين كانا يحسان بهما..
- ليس فقط اثناء الحصار.. فالناس يتصرفون تصرفات همجية اثناء المجاعات .. تصرفات لا يمكن ان تتصوريها الا اذا قرأتيها في الكتب..
- هناك اشياء كثيرة وغريبة .. فالمواضيع التي قرأتها اليوم حول الاساليب التي كان يستخدمها الجنود اثناء الحروب للأتصال مع الوحدات القيادية والطريقة التي كانوا يرسلون فيها رسائلهم الى اصدقائهم واقربائهم....
توقفت عن الكلام..لماذا كانت تتحدث بتلك الطريقة؟ هل لأنها كانت تخاف من التوقف:هل كانت تخاف من الكلمات التي يمكن انتقال فيما اذا عن الصمت بينهما ؟ مالذي كان يحدث لها؟
وماذا عن روبرت ..هل كان لديه نفس الأحساس .. او انها توهمت تلك النظرة في عينيه وذلك التوتر الذي كان ينتابه وتلك الرسالة التي كان يحاول جاهدا ان يوصلها اليها .. لم يعد لديها ما تقوله ولميحاول روبرت ان يقول شيئا تصاعد التوتر بينهما وملأ الغرفة ..
رفعت فينيلا اليه نظرها وحدقت فيه.. كانت عيناه تتكلمان معها.. يداه على الطاولة وقريبتان جدا من يديهاكانت تستطيع ان تشعر بالدفء الذي ينبعث منهما ..
- انا ....بدأت بالحديث مرةاخرى ولكنها نسيت ماذا كانت تريد ان تقول .. اخذت نفسا عميقا وابعدت يديها ونهضت بسرعة قائلة:سأنقل هذه الأشياء الى المطبخ..
وبدون ان تعاود النظر اليه بدأتفي جمع الأطباق الفارغة ونقلها الى المطبخ ةما ان أصبحت خارج الغرفة حتى اسندت ظهرها على الحائط علها تستطيع التقاط انفاسها ماالذي كان يحدث لها؟ وما الذي كان يحدث لهما؟
شعرت وكأنهما كان يعيدان تمثيل مشهد ما حدث في الماضي في مكان وزمتنما حتى الطعام الذي تناولاه والمواضيع التي تحدثا فيها.. كلها كانت مألوفة لديها....هذا مستحيل ..
ولكن ما هذا الذي كانت تفكر فيه فحتى الأشخاص الذين لم يفقدواذاكرتهم من قبل يشعرون بهذا الأحساس..وما الغرابة في ذلك؟ تابعت طريقها الى المطبخ..فما هي بحاجة اليه في الوقت الحاضر هو الهدؤ والحديث العادي مع السيدةبينيت فتحت باب المطبخ لتفاجأ بأندرو يتناول طعامه .. بادرها قائلا:
اهلابالغريبة .. تعالي وانظري كيف يعيش النوع الآخر من الناس..
تنفست فينيلا الصعداء ..ولكنها لم تستطع ان تظهر سرورها برؤيته وضعت الصحون وابتسمت للسيدة بينيت..
لقدكان العشاء لذيذا قضيت معظم الوقت اشفق على اولئك الناس الذين لايستطيعون تناول وجباتك..
مثلي ؟:سألها آندرو بحزن مصطنعبينما يتناول الأسياد هذاالطعام اللذيذ اتناول انا في المطبخ الحساء مع قطعة من الخبز..
- لاتكن سخيفااندرو ..انبته خالته بشدةالآن آنسة فينيلا .. هناك الكيك والقهوة....هل تستطيعين اخذهما الى السيد روبرت..
- او هل اكون انا النادل لهذه الليلة ؟:قاطعها اندرولقد عملت في احدى المطاعم الفخمة واستطيع ان احمل الصحون على يدي وذراعي..هل اريكما....؟
- لا تقلق فالأنسة فينيلا يمكنها ان تتصرف بدون مساعدتك الآن..اجلس واكمل عشاءك....لاتبالي به آنسة فينيلا..نظرت السيدة بينيت بغضب الىاندروابتسمت فينيلا وهي ترفع الأطباق..
- هاي....الى اين..لاتذهبي بهذه السرعة لقد اتيت خصيصا لأراك ..اين كنت خلال الأسبوع الماضي ؟ اعتقدت اننا اتفقنا على القيام بنزهة طويلة؟
- انا اسفة .. لقد كنت مشغولة .. ولكن اعتقد انه مازال بأمكاني تخصيص يوم العطلة الاسبوعية .. ربما يمكننا ان نذهب غدا اذا كان الجو مناسبا..
- بل سيكون مناسبا ..سأرتب لهذا النزهة غدا صباحا او انك تفضلين ان نخرج بعدالظهر..
ارتفع حاجباه من الدهشة عندما رأى ترددها
- ياللسماء يافتاة هل يلزمكهذا التفكير الطويل .. ماذلك السيد المستبد الذي تعملين لديه البرفسور ميلبورن؟
- انه ليس مستبدا على الاطلاق:دافعت عنه بحماسحسنا في الصباح ..سأقابلك عندالبوابة..
- العاشرة والنصف:سارع الى القول عندما رأها قد توقفت قليلا:واذا تأخرت سآتي الى هنا واخذك بالقوة لقد تم تحذيرك!!
- العاشرة والنصف:وافقت فينيلا:والان علي ان اعود لابد وان السيد ميلبورن يتساءل عن سبب تأخري ..شكرا سيدة بينيت تبدو الكعكة لذيذة..
اثناء عودتها الى غرفة الجلوس شعرت بغصةوثقل في قلبها ..
تساءلت هل ستستطيع التخلص من شعور التردد والانزعاج الذي كانتتعاني منه منذ قليل .. توقفت قليلا عند الباب .. استعادت ثقتها بنفسها ومن ثم دخلتوالابتسامة مازالت على وجهها..
- يبدو انك كنت تقضين وقتا ممتعا في المطبخ .. هلال حديث مع السيدة بينيت سبب هذا ؟
- لا..بالطبع لا..:قالت فينيلا:لقد قابلت ابن اختها اندرو وقد رتبنا لنزهة في الغد..
- نزهة ..على الأقدام.. والى اين؟
نزهة عادية.. هذا ما اعتقده على الاقدام لابد وانها ستكون بالجوار:توقفت فجأة عضت شفتهاانا اسفة لم اكن افكر ..لم اقصد..
التفتت الى الكعكة وقسمتها واضعة قطعتين منها في صحن روبرت ..
- نعم .. هذه الطريقة المثلى للنزهة:قال هل بهدؤ:النزهة التي لايمكنني القيام بها الان:رفع نظرة اليها وعيناه تلمعان:ولكني سأتمكن من ذلك قريبا..
حدقت فيه لفترة شعرت بتأنيب الضمير والتعاطف في آن واحد كم اصبحت انانية في الاونة الاخيرة هل يعقل انها لاتفكر الا في نفسها وفي مشاكلها ؟ هل يعقل انها لاتستطيع ان تعطي أي مشاعر او احاسيس لاحد آخر للذين يعيشون معها ؟


على الرغم من ذلك .. كانت عزة نفسه وشجاعته وثقته بنفسه هي التي جذبت انتباهها اليه في البداية .. لقد كان يضرب الارض بعصاه وهو يلعب متحركامن مكان الى آخر بواسطة الكرسي المتحرك..
- نعم اعتقد انك ستتمكن من ذلك:انحنت قليلا لتضع يدها على يده:لا ..لايمكن ان تفشل في ذلك .. بل ستتمكن من السير مرة اخرى .. وستقوم بكافة الاعمال التي تحب القيام بها ..
التسلق التزلج علىالجليد .. السباحة .. كل الاشياء..
- كل الشياء ..:ردد كلماتها ببطءتركزتعيناه على اصابع يدها المحكمة حول يده:اتساءل ..فينيلا هل سأستطيع يوما؟ هل سأتمكن من القيام بكافة الاعمال التي اريد القيام بها والتي احب القيام بها ..الاشياء التي كنت امارسها من قبل؟
رفع رأسه فجأة والتقت عيونهما شعرت وكأنها ستخلص من تلك النظرة جميع الافكار التي كانت داخلها حتى تلك التي لم ترغب في الافصاح عنها حتى لنفسها ..
لدهشتها ابقت يدها بين يديه لفترة طويلة كانت خفقاتقلبها تتسارع وتكاد تسبب لها الألم.. شعرت وكأنه يوصل اليها رسالة من خلال هذاالتقارب .. انتابها الخوف وسارعت الى سحب يدها بسرعة..
انقطعت الرسالة مباشرة ..اخفض روبرت نظره وتابع تناول قطعة الحلوى..
-انا آسف..لقد انتابتني الشفقة على نفسي ..اذن ستقضين يوم الغد مع الشاب اندرو .. اليس كذلك..
للحظة شعرت فينيلا انه الا تستطيع ان تتذكر الموضوع الذي كان يتحدثان بها قبل اللحظة الحرجة التي مرت عليهما..
الا انها وافقت على كلامه بأيماءة من رأسها ولكنها في حقيقة الأمر كانت قد فقدت كل رغبه بالخروج مع اندرو وبدأت تعتقد انها ستكون أكثر سرورا فيما اذا قضت اليوم مع روبرت.
- نعم ...هذا اذا لم يكن لديك اعتراض.
القى اليها نظرة خاطفة..لاحظت مدى التعب الذي يعانيه.
ماالذي حدث للألفة بينهما? فكرت بحزن. هل الألفة والتقارب مقدر لهما الا يأتيا الا للحظات خاطفة. هل قدر لألفة التي حدثت بينهما الا تعيش. الا ان هذا الشعور مازال يعيش داخلها وبقوة تمنت لو انها تستطيع أزالة كل الحواجز التي تفصلها عنه.
- لا..قال روبرت بصوت منخفض.ليس لدياي اعتراض وكيف له ان يكون? يمكنك الخروج مع آندرو بينيت أذا كانت لديك الرغبة فيذلك كما يمكنك قضاء الوقت الذي ترغبين به خارج المنزل.:ازاح صحنه.لاأستطيع ان آكل أكثر من ذلك. قولي للسيدة بينيت ان الكعكة كانت لذيذة. ولكني أكلت كثيرا على العشاء. وأظن أنني لن أتناول القهوة هذا المساء . فقد طلبت من جون أن يأخذني الىالسرير.
قال كلماته تلك بحزن ويأس عارم وجعلت فينيلا تمتلئ حزنا عليه هل قدرلهذا الشخص المفعم بالحيوية أن يقضي وقته حبيس ذلك الكرسي المتحرك. وربما لما تبقىله من الحياة. هل قدر له أن يحرم من السير. في جلب كتاب أذا أراد أو من الذهاب الىسريره بدون مساعدة أحد. إذن من الطبيعي أن تدخله الغيرة من وجود شاب مثل آندرو ملئبالمرج والنشاط والصحة آندرو الذي يستطيع الذهاب والإياب إذا اراد. إذن لاعجب منردة فعله تلك التي أصابت أقرب الناس أليه وصدف أن تكون فينيلا.
" ليس هناك مندافع شخصي في كل ما حصل " هذا ما حاولت فينيلا ان تقنع نفسها به وهي تتمنى ليلةسعيدة لرئيسها في العمل بينما يقوم جون بمساعدته للأنتقال الى غرفته..
تساءلت فينيلا اذا كان روبرت قد اعتبرها شخصا له كيانه واحاسيسه في يوم من الايام ..فيالنهاية
لم تكن الا موظفة لديه سكرتيرة او مساعدة .. وعندما ينهي كتابه ويستعيد القدرة على السير فلن تكن لفينيلا
فائدة في حياته.. ومن الطبيعي عندها انها ستحاول البحث مرة اخرى عن وظيفة وستبدأ من جديد في بناء حياتها وبناء أصدقاء اوعائلة .. اعترفت فينيلا بينها وبين نفسها ان التجربة الثانية لابد وانها ستكون قاسية عليها خاصة وانها بدأت تميل لروبرت وستفتقد دعمه لها وستشعر بالوحدة من جديدلفراقه..
-اعتقد ان هذا يكفي ....لقد عملنا بما فيه الكفاية اليوم .. قال روبرت هذه الكلمات بشكل جدي بعد عمل يوم كامل جمعت فينيلا اوراقها بتنهيدة خفيفة .. فمنذ يومالسبت الماضي وهو يعاملها بجفاء وبرود ظاهرين .. وكأنها لم تعد موظفة تعمل لديه..وعلى كل حال لم تشعر في يوم من الايام انها موظفة لديه فقد مرت لحظات أحست بقربهامنه وكان لهما معا لحظات حميمه عندما استرجعتها في ذاكرتها انتاب قلبها وحدة باردةامتدت الى سائر جسمها..
لم تكن قد رأته ذلك الصباح الذي خرجت به معاندرو..
رافقتها كلماته طوال اليوم حتى تلك اللحظات التي قضتها بين الحقول بصحبةاندرو وبصحبة نكاته التي هي جزء من شخصيته ماالذي يحدث لها لماذا لاتشعر بالحياةتدب من حولها عندما تكون مع روبرت ؟ ولماذا تشعر ان ليس للحياة معنى اذا ما غابعنها؟
لم تجرؤ على مقابلته بعد عودتها في المساء الى البيت شعرت بالخوف من لقائه ومن لقاء تلك العينين الرماديتين .. ولكنها لم تجده في أي مكان .. اخذت حماما سريعاونزلت الى غرفة الطعام لكنها فوجئت بروبرت وقد امضى اليوم في غرفته وتناول عشاءه وحيدا وأوى الى فراشه باكرا .. شعرت ذلك المساء بالهزيمة والراحة في آن معا وكانت ليلة لانهاية لها..
الآن وفي نهاية العمل أحست بأنها بالفعل تقوم بدور الموظفةوبدون أدنى فرصة او بادرة لتطوير هذه العلاقة بينها وبين روبرت ..
فطول اليوم دأبعلى معاملتها بأدب بالغ .. وطوال اليوم شعرت بكتلة ضخمة تنم وتجثم فوق صدرها وليس هناك من شئ يمكنها ان تفعله او تقوله..
- في الواقع..ليس لدي مانع من العمل لفترةأخرى:تقدمت اليه بذلك العرض فلم تبلغ الساعة الخامسة بعد..
- قلت ان ذلكيكفي:كان هناك غضب ظاهر في صوتهأجمعي أوراقك فينيلا .. فلقد اكتفيت وان لم تكوني قد اكتفيت بعد.. في الحال بدأت آلة الكتابة .. اما روبرت فقد اتجه بكرسيه المتحرك الى النافذة المفتوحة واتجه بنظره الى الخارج حيث الحديقة والغابة من خلفها..
نظرت اليه فينيلا لفترة .. وهي على معرفة تامة بعدم تمكنه من رؤيتها خطت خطوة باتجاهه .. فقد امتلأ قلبها فجأة بالعاطفة .. في تلك اللحظة عرفت ماهية العاطفةالتي كانت تجتاحها .. وادركت لماذا كانت تشعر بالحزن لمجرد التفكير بالابتعاد عنه..لماذا لم تتمتع بيومها بصحبة اندرو ؟ لماذا غدا روبرت مهما في حياتها ؟ بل غدا محورحياتها ؟
انفرجت شفتاها لتنطق وبدون صوت باسمه مرارا بينما هي تفعل ذلك استدار روبرت فجأة بكرسيه ورأها كانت هناك لحظة من الصمت المربك ..
- فينيلا ....كان تنفسه ثقيلا فجأة نهض من كرسيه..
لم يكن سهلا بعد ذلك تذكر ماحدث .. والذي بقي حيافي ذاكرة فينيلا كان التعبير الذي ظهر على وجه روبرت وهو يحدق فيها ومن ثم انتباه المفاجئ لوقفته على قدميه واحتوائها..
كانا يتنفسان بصعوبة ويضحكان في آنواحد..
- علينا ان نستدعي الطبيب حالا:قالت وهي تركع الى جانبهوضعتاصابعها على رسغه لمعرفة دقات نبضه..
- سام نعم سام.... سأحاول الاتصال به .. لابدوانه مايزال في المستشفى .. او هل استدعي الطبيب المحلي؟
- ليس هناك من حاجةللاتصال بأحد..الا ترين معي فينيلا انني كدت اقف على قدمي وهذا يعني انني تحسنت ولهذا اظن انه لاداعي للطبيب..بحق السماء فينيلا لقد تحسنت حالتي ..
- بل علىالعكس في هذه الحاله علينا ان نستدعي الطبيب ليطمئنا سأتصل بسام.. ابق هناارجوك..
ما ان انتهت من كلماتها تلك حتى اتجهت الى خارج الغرفة..
ولكنها نبهتهقبل الخروج بعدم المحاولة مرة اخرى .. لاحظت انها لم تتكلم من الغرفة التي كان فيهاروبرت .. وعلى كل حال لم تكن لتتمكن مع قول كلمة واحدة في وجوده..
عندما جلست تنتظر سام ليرد عليها..
أخذت تتنفس بعمق لكي تنظم دقات قلبها وبدأت تسترجع تلك اللحظات الرائعة ..
ماالذي جعل روبرت يرفع نفسه عن الكرسي بهذه الطريقة؟ هل لأنها ستدار لاحظ ذلك التعبير الذي كان مرتسما على وجه فينيلا ؟ هل لأنه رأى كما كانمعتادا ان يرى ماهو اعمق من ذلك التعبير .. هل غاص في اعماقها وعرف ما كان يعتمل فيقلبها ؟ هل يبادلها نفس الشعور لدرجة انه لم يلاحظ عدم مقدرته على السير وهم بلقائها ؟
هزت رأسها .. هذا مستحيل يجب عليها الا تفكر بتلك الطريقة .. عليها ان تنسى تلك النظرة التي كانت في عينيه عندما استدار اليها.. عليها ان تنسى العاطفةالكامنه في قلبها والتي خانتها وظهرت له .. فتلك العاطفة لن تجلب لها الا المصاعب والهموم .. وهذا ما لم يكن ينقصها ابدا..
اذن..انها تحب روبرت ميلبورن .. وهذا هوسبب تلك الألفة التي تشعر بها نحوه.. انها تلك الحاسة التي تتولد بين المحبين .. ولكنحبها مقدر له ان ينتهي قبل ان يبدأ .. فروبرت لا يشعر بشئ نحوها ..لاشئ ماعداالشفقة..
عليها ان تنسى نظرته وركضتها باتجاهه .. وطريقة ضمها اليه بين ذراعيه والقبلة التي تبادلاها ..
نعم..ان هذه الأحاسيس ليس لها أي معنى بالنسبة لروبرت بل هي لحظات مشتركة تولدت من لحظات الانفعال..
أعادها رنين الهاتف الى الواقع بشدة استجمعت افكارها وكلمته..
- سام....؟ هل هذا انت:انا فينيلا لدي خبر سارلك ..


الفصل الخامس

- مدهش:قال سام وهو يدخل غرفة الطعام مع روبرت:حقيقة مدهش..
- اذن .. انت تصدقني ؟:سأله روبرت واستدار الى فينيلا وجون:انه يصدقني..
- آه ..هذا رائع..
قالت فينيلا وهي تبتسم الى جون ..
- تهاني سيد ميلبورن .. الآن علي ان ابحث لنفسي عن وظيفة أخرى..
- ليس بهذه السرعة:قال سام وهو يجلس واضعا الفوطة تحت ذقنه استعدادا للطعام:فكل ما نحن متأكدون منه هو وجود بعض الأحاسيس في قدميه .. ربما لن يحصل تطور آخر غير هذا ولاتنسوا ان هذا ليس مجالي على الرغم من انني متأكد مما سيقول المختص كما انك لن تتمكن من السير مباشرة وممارسة التزلج على الجليد .. ربما لن نستطيع ابدا .. فلا تعتمد على بناء قصور في الهواء..
- الا ابني القصور:بدا جادا وهو يتحرك في كرسيه
بل قررت .. قررت بأن أمشي مرة اخرى.. وان امارس التزلج على الجليد وكل شئ .. وهذه البداية فقط ..
نظرت فينيلا اليه .. شعرت لقشعريرة في عمودها الفقري .. كان هناك تصميم ظهر على فكه وفمه جعلها تتأكد من تنفيذه لكل كلمة يقولها.. اذا كانت قوة الكلمة تأتي بنتيجة فلابد لروبرت ان يقف على قدميه ويقوم بكل ما كان يفعله من قبل ..
كان هناك شئ آخر غير التصميم .. كان هناك شئ خاص موجه اليها.. وكأن مستقبله يعنيها هي ايضا ومرتبط بمستقبلها..
- بغض النظر عما سيحدث ..انا متأكد انه سيأخذ وقته وببطء ..:قال سام:عليك ان تكون صبورا روبرت ولا تحاول القيام بأكثر مما انت قادر عليه والا فستخسر كل ما توصلت اليه من تقدم .... اذن لا اود ان اسمع انك حاولت الوقوف على قدميك مرة اخرى .. وقبل ان تكون مستعدا لذلك ..هل هذا واضح ؟
- لا..ايها الطبيب ..
رمقه الطبيب بنظرة حادة الا انه لم يعقب فقد كان يعرف مدى اصرار روبرت وعنده اذا ما قرر شيئا ..
- مالنا وهذا الحديث .. دعونا نركز انتباهنا الى ما هو افضل فالسبب الحقيقي لمجيئ الى هنا هو وجبات السيدة بينيت اللذيذة .. ماعدا ذلك ليس هناك من شئ يثير اهتمامي هذا اذا استثنينا وجود الآنسة فينيلا اللطيف في هذا البيت .. ولكني اتساءل كيف تقضي اوقاتها في هذا البيت ..
- الآنسة فينيلا ..لقد اعتادت على المكان تماما .. فقد اصبح لديها صديق في البلدة .. اليس كذلك فينيلا ؟ انه ابن اخت السيدة بينيت؟
تصاعد الدم الى وجنتي فينيلا .. نظرت الى صحنها .. فقد خرجت العديد من المرات مع اندرو وزارت جميع الاماكن وعلى الرغم من ان روبرت لم يعترض على خروجها معه الا انها بينها وبين نفسها كان لديها شعور اكيد بعدم موافقته على تلك الصداقة .. على الرغم من انها لم تستطع ان تفهم دافعه ذلك .. ذلك الاعتراض دفعها الى قبول دعوة اندرو المتكررة لها للخروج..
كما انها كانت قد اخبرت اندرو عن فقدانها لذاكرتها خلال النزهة الاولى وابدى تفهما ومحبة لها ..
- ولكن هذا لايجعلك اقل من غيرك وليس هناك من داع للخجل كما انني اظن انك محظوظة .. فلو انك امرأة حسنه لكنت فقدت خمسين او ستين عاما من حياتك ولكن في وضعك انت فمازال العمر امامك لتبدأي من جديد..
- اعتقد انك محق:ابتسمت فجأة وبعد ان استوعبت فكرتهشكرا لك اندرو .. لم افكر في مشكلتي من قبل من هذا الأتجاه..
بعد فترة وعند رجوعها الى البيت اسمعها روبرت احدى ملاحظاته اللاذعة حول اندرو .. ولكنها دافعت عنه بقوة عندما تذكرت محادثتها اثناء النزهة..
- انه يعجبني وانا اشعر بالراحة معه .. ففقداني الذاكرة لايعد مشكلة .. هذا ما اقنعني به..
- وانا اقنعك بالعكس اليس كذلك؟
كانت في كلماته نبرة من الحزن .. جعلتها تنظر اليه بتأنيب من الضمير ..
- لا ..بالطبع لا اقصد ذلك .. فقط اردت ان اخبرك ان اندرو هو الانسان الوحيد من خارج المستشفى الذي يعرف مشكلتي ولم يهول الموضوع .. لم يسألني اية اسئلة ولم يحاول جعلي اتذكر انه يطلب
مني الاسترخاء وأخذ الأمور ببساطة ..
- انا آسف....آسف لانك لاتستطيعين الاسترخاء من خلال وجودك معي ..
قبل ان تستطيع فينيلا التعقيب على كلاماته تلك او الأعتراض عليها استدار بكرسيه وابتعد عنها ..
عند المساء قدم الدكتور سام لزيارة روبرت وأخذو يتداولون الكثير من المواضيع الى ان قدمت السيدة بينيت سلطة الفواكه التي ساهمت فينيلا في لعدادها ..
- اذن ماذا قررتم ان تفعلوا خلال العطلة ؟:سأله روبرتربما تأخذك فينيلا في نزهة فكما تعلم اصبحت فينيلا ضليعة في هذا الأمر..
عادت السخرية الى لهجته..
- فكرة جيدة ..:تحمس سام للفكرة:وخيرا عملت ان خرجت مع اصدقاء .. او انك تريدها ان تبقى سجينة البيت او رهن اشارتك اعلم انك اكاديمي ويهمك ان تتابع دراساتك وبحوثك طوال النهار والليل وتتوقع من الجميع ان يفعل مثلك .. عليك الا تجهد فينيلا كثيرا والا ماكنت جمعتكما معا اذا كنت اعرف ماذا سيكون من امركما ..
رمقه روبرت بنظرة ذات مغزى لم تستطع فينيلا ان تتبينه .. الا انها شعرت ان هناك ما يخططان من اجله او ان هناك سرا يخفيانه عنها ..
دخلت السيدة بينيت القهوة .. نهضت فينيلا بسرعة لمساعدتها في أخذ الصحون الى المطبخ .. ولكنها قالت لهما ..
- بما ان اندرو ليس بالبلدة فقد ذهب في زيارة الى اهله فأنني استطيع ان اصحب سام الى أي مكان يريده غدا فهناك الكثير من المناطق الجميلة ..
- نعم:قال روبرت:الكثير من المناطق الجميلة..
خلال الايام الخمسة الاولى التي تلت زيارة سام تحدث روبرت كثيرا عن احتمالات الشفاء وعزمه على تحقيق ذلك فقد طلب من جون ان يكثف المعالجة الفيزيائية الى ان اعترض اخيرا..
- ولكن هذا لن يفيدك .. بل على العكس .. انك تريد ان تسبق الزمن ..انت تعرف بما اوصاك الطبيب .. دع الامور تأخذ مجراها الطبيعي .. اليس كذلك من المحتمل ان تتمكن الليلة من السير ..
- لا..لن يحدث هذا بدون تمرين ..
كان روبرت قد حاول الوقوف وذلك من خلال التمارين اولكن لم يكن لقدميه اية بادرة احساس او حياة..
- هل استطيع مساعدتك .. فأبمكان جون ان يعلمني التدليك كي استطيع ان اساعدك بالتمارين الرياضيه.. أحمر وجه روبرت فجأة..
- بحق السماء فينيلا .. الا ترين الحالة التي انا فيها ....لا اظن انه ينقصني ان اكون معرضا لأحد .. او انك تتمتعين بمشاهدة عجزي وعدم قدرتي على فعل أي شئ..
تحرك بعصبية واجتاز الغرفة على كرسيه المتحرك وتساءلت فينيلا ماذا كان فعل لو ان قدميه كانتا تساعدانه على السير ..عضت فينيلا شفتها..لقد احبطت عصبية روبرت من عزيمتها وآلمت قلبها .. لأنها كانت مدركة تماما للحالة التي كان يمر بها ..خاصة وانه كان من الرجال النشيطين والمليئين بالحيوية .. وما يزال على الرغم من عجزه عن الحركة بعد الحادثة .. انتبهت فجأة الى حقيقة كانت غائبة عنها وهي عدم معرفتها وجهلها التام بالحادثة التي تسببت في مرضه ..
ظهرت خيبت امله مرة اخرى اثناء عملهما في المساء من خلال مزاجه السئ اما فينيلا فقد حاولت ان تكون متفهمة الا ان اوامره لها اصبحت لا تطاق..
- لن اكون الا مقعدا ولاشئ آخر مهما حاولت ..:قال لها:وهما يعملان في ساعة متأخرة من الليل على الأقل ستكون لي بصمتي كمؤرخ يبدو لي ان ذلك كل ما استطيع ان افعله ..
- انا متأكدة ان ذلك ليس صحيحا:عارضته بشدة:انت تعرف ماذا قال سام..الشفاء سيأخذ بعض الوقت وما عليك الا ان تكون صبورا..
- صبورا .... بينما حياتي تذهب هباء وبينما يقوم الأخرون بكل ما اتمنى ان اقوم به.. بينما تخرجين انت مع الشاب اندرو الى الحقول والروابي .. كيف تطلبين مني ان اكون صبورا بحق السماء؟ ضرب الكرسي براحة يده وتردد الصوت في ارجاء الغرفة ..
- ياالهي لو انه لديك ادنى فكرة عن ..
- ارجوك:رجته فينيلا:انا احاول ان افهم كلنا نحاول ولكن..
- ولكن ..لا..انا اشفق على نفسي كفاية ولست بحاجة الى من يشفق علي هذا ماتعتقدينه اليس كذلك .. ربما ذلك صحيح .. ربما أصبحت اناني او صعب المزاج كالمسنين ربما سيكون من الأفضل لك ان تجدي لنفسك عملا آخرا..
حدقت فيه فينيلا لبرهة..
- ولكني سعيدة هنا ..لم يخطر على بالي في يوم من الايام ان اترك هذا المكان..
فاجأتها كلماتها له " سعيدة " هل تلك الكلمة هي الوصف الحقيقي لما تشعر به ..
هل كلمة سعيدة يمكن ان تعبر عن الأحاسيس الغريبة التي تشعر بها نحو روبرت والتي تتزايد وتتعاظم يوما بعد يوم..
دقات قلبها عند رؤيتها لروبرت كل صباح .. الطريقة التي تفكر فيها به عندما يكون غائبا عن ناظريها .. سهرها الليالي وهي تفكر به وبتأثيره عليها ..
هل كل ذلك يمكن ان يضاف الى كلمة سعيدة فأذا كانت السعادة في الألم .. فالأجابة نعم .. ولكنها تعلم ان مغادرتها لذلك البيت يعني الألم الحقيقي ..
مع تلك الأفكار جاءها السؤال التالي والملح .. ماذا عن علاقاته الأخرى .. اذا انه لابد وانه كانت له علاقات مع نساء أحبهن وأحببنه ؟ هل هناك واحدة الآن ؟ واحد’ تنتظر شفاءه ؟ ربما تكون بعيدة وتنتظر الأذن لزيارته .. او رما ترسل له الرسائل .. تذكرت فينيلا تلك الرسائل التي كانت تأتيه من سويسرا والتي كان يضعها جانبا ليقرأها فيما بعد ..


















لم افكربمغادرة هذا المكان:كررت قولها بصوت منخفض.
- لا ..طبعا لا.. خاصة وانك حصلت على صديق شاب وجذاب ولكن ماذا سيحدث عندما سيغادر المنطقة ؟ وما بالك لا تردين ؟ هل ستقولين عندها انه ليست لديك ايه رغبة في مغادرة المكان ؟ شعرت فينيلا بالدموع تملأ مقلتيها .. لقد زاد روبرت من تعذيبه لها هذه المرة وكأنه كان يجد الراحة من خلال هذا التعذيب ..
- بالفعل سيذهب الى لندن فقد وجد لنفسه عملا هناك..
- حسنا ..انا لست مهتما بأخباره .. اعتقد انه طلب منك الذهاب معه ؟
اجتاح فينيلا الغضب
- لا اعتقد ان ذلك من اختصاصك ..
- اذن علي ان ابحث عن سكرتيرة جديدة اليس كذلك ؟
حسنا في حال طلب مني ذلك او لم يطلب ولكني متأكد انه سيطلب هذا ماكنت فعلته لو اني مكانه:توقف لبرهة قصيرة وكأنه ندم على قول جملته الأخيرة:أقترح ....اذا ..أقترح اذا طلب منك ذلك ان توافقي فذلك افضل من بقائك هنا معي وعلى كل حال لن يصعب عليك ايجاد عمل آخر..
حدقت فيه فينيلا غير مصدقة قائلة :
- هل تحاول ان تقول لي انك استغنيت عن خدماتي ؟ هل تطلب مني ان اذهب؟
- احاول ان اقول لك .. ان تختاري ماهو افضل لك .. واقول ماهو الأفضل لك .. والأفضل لك الا تمكثي هنا في الريف مع كاتب ذي مزاج سئ لما تبقى له من الحياة ..
اقترب منها بكرسيه قائلا:هل تفهميني ؟
- انا ....انا لا اعرف ..:تمتمت فينيلا.
كانت تجلس على كرسي اخفض مستوى من كرسيه المتحرك رفعت نظرها اليه وتصورت اصورة التي كان سيكون عليها لو استطاع ان يقف على قدميه .. وماذا سيحدث لو انها اقتربت منه واحاطها بذراعيه القويتين ولو انها وضعت وجهها على صدره العريض..
نظر اليها روبرت لفترة طويلة مد يده اليها ولمسها بطرف أصابعه ..
كان مايزال ينظر الى عينيها بينما شعرت فينيلا بألم في معدتها لم تحس بنفسها ماذا كانت تفعل او كيف كانت تبدو ..
- فينيلا ..
ردد اسمها هامسا وقربها منه ولم تعارض بل تعلقت به بقوة الا انها انتبهت الى ماهي عليه عندما تخللت اصابعه شعرها جمدت في مكانها تحدق فيه
- ما الأمر ؟
- لا ادري:همست:ينتابني شعور غريب .. لا استطيع وصفه كأنني ..كأنني:هزت رأسها:ولكن ..لاشئ لاشئ .. انا آسفه ..
- لا ..انا الذي يجب ان يتأسف ما كان يجب ان افعل مافعلت:ابعدها عنه بنعومة:لقد كنت محقا بما قلته لك قبلا .. من الأفضل ان تذهبي مع صديقك .. صديقك الذي يستطيع ان يقدم لك اشياء لا استطيع ان اقدمها لك..
حدقت فيه فينيلا ..شعرت بالألم يعتصر قلبها..
- روبرت ..
- لاتقولي أي شئ:قالها بقسوة:لاتقولي أي شئ وذلك لكي لاتندمي فيما بعد ..
- اندم .... ولكن لماذا ؟
- لماذا تندمي ؟ ارجوك فينيلا لاتكوني بريئة اكثر مما انت عليه ان تبقى امرأة شابة مثلك الى جانبي امرأة الحياة كلها امامها ..
بحركة سريعة من يده حرك الكرسي بعيدا عنها .. تابع
- هل تظنين انني احب ان اكون في هذا الوضع .. اتصرف معك كما تصرفتي منذ قليل ؟ من المحتمل ان اعود اليه .. وذلك اذا مكثت الى جانبي اكثر من ذلك ..:استدار اليها.
والصداع ظاهر على وجهه .. اتركي لي بعض الاحترام لنفسي .. على الاقل لكي لا اتصرف كما فعلت منذ قليل ..
رفعت فينيلا يدها الا انها انزلتها .. لم تكن قد شاهدته هكذا من قبل ..
- روبرت يجب الا ....
- يجب ماذا ..؟ لعن بصوت منخفض
- يجب الا تعذب نفسك:همست:فهذا لن يفيد في شئ بل سيزيد الأمر سوءا .. ويتسبب في عذابي ايضا .. لأنني ارى عذابك واشعر بتعاستك ..
- هل هذا صحيح ؟ ..هل تشعرين بذلك وانت تخرجين للنزهة مع اندرو بين الحقول والروابي ؟ هل تفكرين بأنني اقبع اسير هذا الكرسي ؟ ولكن ما الفائدة:ابتعد عن فينيلا والتي شعرت بحزنه من خلال صوته:في الواقع يجب ان اعتاد على هذا الوضع واكف عن المجادلة .. لاقضي بقية عمري اسير هذا الكرسي .. يبدو ان الطبيب على حق ..والآن حان وقت النوم.. استدعي لي جون اذا سمحت .. فكما ترين وضعي اسوأ من وضع الطفل .. على الاقل هذا الطفل سيكبر ويتعلم كيف يأوي الى فراشه لوحده ..
حدقت فيه فينيلا ....شعرت ان شيئا ما في داخلها يتحطم..لقد تحملت الكثير خلال الأيام او الأسابيع الماضية الا انها لم تعد تستطيع ان تتحمل اكثر من ذلك .. نهضت محدقة فيه كانت عواطفها ظاهرة جلية قالت له :
- هاأنت تعود من جديد ....تعود لرثاء نفسك .. هل تدري .. لقد سئمت من كل هذا ..كل انسان سيسأم ولا شك .. ففي النهاية لا انكر ان مصيبتك كبيرة ولكنك الوحيد في العالم الذي يتعذب ولن تكون الاخير .. الا تنظر حولك .. الا تراني الا تدري انني لا ادري انني لا ادري شيئا عن نفسي ؟ لقد أضعت ستة وعشرين عاما من حياتي ولا يبدو ان هناك في امل لاسترجاعها .. وماذا عن السيدة بينيت ؟ لقد راقبت زوجها يموت امامها .. كان مرضا ميئوسا من شفائه ..الا تعتقد ان ذلك مصيبة ايضا؟ والسيد بينيت لقد فقد زوجته .. هل تعتقد ان احزانه اقل من احزانك هل لانه بستاني ولا يملك الاموال وليس متعلما لايحق له الشكوى .. الالم جزء من الحياة .. وما يحدث لك او لي ماهي الا امور من الحياة ايضا .. علينا ان نقبل بها:توقفت عن الكلام مستغربة من كلماتها .. كان روبرت يراقبها وشعور بالفضول واضحا على وجهه:حسنا هذا ما اردت ان اقول .. والآن سأذهب الى فراشي .. وسأرسل اليك جون .. واذا اردت ان تعرف رأيي في هذا
- اعتقد انني سأسمع ذلك على أي حال..
- حسنا....انا اعتقد انك ظالم.. تظلم جون بسهرك لوقت متأخر من الليل .. فعليه ان يسهر بأنتظار اوامرك .. اظن ان عليك ان تفكر فيه قليلا .. فلن يضيرك ان تفكر بالآخرين .. ولو لمرة واحدة .. ربما تجد في ذلك العزاء ..
توقفت فجأة مدركة انها ترتجف بقوة استدارت تبحث عن حقيبتها مد روبرت اليها يده ولكنها تجاهلته .. كان لديها الكثير لتقول ولكن كانت قد تعبت ولم يكن لذي روبرت المقدرة على سماع المزيد .. نظرت اليه وتذكرت القبلة التي تبادلتها معه والعاطفة التي شعرت بها نحوه في تلك اللحظة .. شعرت بالدموع تتصاعد الى عينيها لو انه
- انا آسفة..ماكان يجب ان اتكلم معك بهذه الطريقة .. سأذهب الى فراشي وسأرسل اليك جون..
استدارت على عقبيها وتركت الغرفة .. وبدون ان تلقي نظرة اخرى على الرجل القابع على الكرسي بدون حراك..
في غرفتها .. جلست على سريرها لفترة طويلة في محاولة للسيطرة على جسمها المرتعش والدموع الحارقة التي كانت تملأ مقلتيها ؟ كانت ماتزال تشعر بقبلته .. كانت ماتزال تتذكر نظرته التي احرقتها وهي تحدق بها منذ قليل .. تاقت اليه لضمه بين ذراعيها ..
اخيرا نهضت وبدأت تعد نفسها للنوم.. قضت ليلة طويلة غير مريحة وقلقة قضتها في التقلب على الجنبين..
خلال الايام القليلة التي تلت الحادثة .. عمل روبرت و فينيلا بشكل جدي ورسمي .. كانت بين الحين والآخر تختلس اليه النظر في محاولة لقول أي شئ خارج نطاق العمل .. ولكنها كانت دائما توقفها برودة عينيه الرماديتين ..
حاولت في اليوم التالي للحادثة ان تعتذر منه.. ولكن روبرت استمع اليها صامتا ومن ثم احنى رأسه والتقط بعض الأوراق قائلا:
- لابأس فينيلا .. كنا كلانا متعبين قلنا اشياء لم نقصدها وفعلنا اشياء لم نكن نقصدها ايضا .. وكنت محقة في تذكيري بواجباتي اتجاه الموظفين الذين يعملون لدي فلم يكن من العدل ان ابقي جون او ابقيك لساعة متأخرة من الليل..
عضت فينيلا على شفتها ..لقد كان محقا ..فهي ليست الا موظفة لديه..
- كنت اريد ان اقول ....
بدأت حديثها ولكنه قاطعها بأدب بالغ ..
- اعتقد انك قلت كل ماهو ضروري .. والآن اذا لم يكن لديك مانع ..:أشار الى العمل امامه
نظرت فينيلا الى دفتر ملاحظاتها .. فجأة كست الحمرة وجنتيها .. ربما سيزول ذلك الجفاف بعد انتهاء يوم الاعمال وتناولهما لوجبة العشاء معا .. او عندما يستمعان الى المسيقى تلك الموسيقى التي اكتشفا انهما يستمتعان بها او اثناء القراءة على الضوء الخافت في المساء..
دهشت عندما بدأت تفكر هكذا.. ودهشت اكثر عندما تبين لها كم من الاشياء يشتركان بها .. ويقومان بها معا بنفس المتعة والحب لم يتناقشا قط كيف سيمضيان امسيتهما .. كانا وبالفطرة يعرف الواحد ما يهم الآخر وما يمتعه وكأنهما يعرفان بعضهما منذ مدة طويلة انتابها الحزن عندما فكرت بالاشياء الاخرى التي يمكن ان تحب ان يشاركها بها روبرت .. ولكن بدون الكرسي المتحرك ..
السير مثلا كما كانت تفعل مع اندرو والسباحة .. والتنس .. او التزلج على الجليد تلك الرياضة التي يعشقها روبرت على الرغم من انها لم تحاول ان تلعبها قط..
تساءلت كيف لها ان تعرف انها لم تلعبها ؟
ولكنها تحب مشاهدة برامج التلفزيون ..
الا انها اخطأت في تصوراتها .. فروبرت لم يحاول ازالة الجفاء الذي كان قائما بينهما بل على العكس .. كانت برودة معاملته لها تملأ الجو صقيعا .. كان ينسحب مباشرة بعد العشاء .. او يعود الى مكتبه مبينا لها عدم رغبته في صحبتها .. اما فينيلا فقد كانت تقضي الوقت في الأستماع الى الموسيقى ولكن بدون الأحساس بها او قراءة كتاب بدون ان تفهم أي حرف او تمضي وقتها محدقة في اشجار وازهار الحديقة ..

عند نهاية الأسبوع انهى روبرت الصفحة التي كان يعمل بها ورفع نظره الى فينيلا قائلا:
- هل تدركين اننا قاربنا على الانتهاء من الكتاب؟
- هل ..هل هذا صحيح ؟ ولكني اعتقدت....
- اعتقدت انني كنت سأطلب منك الذهاب الى لندن او حتى باريس من اجل الحصول على بعض المراجع ؟ حسنا ..هذا ليس ضروريا .. كانت عيناه باردتين .. ساخرتين:آسف لهذا وفي النهاية اعتقد ان هذا العمل اصبح مملا بالنسبة لك ..
- انا لم اقل ذلك ..:اعترضت بسرعة:ولم يكن العمل مملا على الأطلاق .. بل كان ممتعا:ترددت قليلا ومن ثم قالت:اعتقد انك ستبدأ التفكير في كتاب جديد الآن ..
- ربما ..ولكن لاتقلقي لن ابدأ الا بعد فترة ليست بالقليلة..
-.حدقت فيه فينيلا:ولكن ....
- آه ....لاتقلقي سأقوم بما يلزم من جهتك..
- روبرت ....ارجوك انت تعرف انني....
- لا ....لاتقولي أي شئ .. انه العمل الذي بين يديك وأذهبي للبحث عن اندرو واقضي امسيتك معه ..
انا اقصد ما اقول .. فأنا لا اود ان اراك هنا هذا المساء لقد تعبت اليوم بما فيه الكفاية..
فتحت فينيلا فمها لتعترض الا انها عادت واغلقته ...حسنا..اذا كان هذا ماتريده ..لقد حاولت كثيرا والله يعلم ..ولكن اذا قررت ان تستمر في عنادك فلا يمكن ان نكون حتى اصدقاء .. فكرت فينيلا اخيرا
بحركة بطيئة .. جمعت فينيلا اوراقها ووضعتها في مصنف جمعت اقلامها ونهضت ..
- في هذه الحالة:انتبهت الى ان صوتها كان باردا كصوته:اعتقد انني سأخرج حالا.. بالفعل لايوجد ما استطيع القيام به لهذا المساء .. لابد وانك ستعطيني المسودة النهائية لأقوم بأعدادها للطباعة واذا كنت متأكدا من عدم حاجتك لي فسأعمل بنصيحتك وسأتصل بأندرو .. هناك حفلة راقصة الليلة في البلدة .. في الواقع لقد طلب مني مرافقته الا انني كنت قد اعتذرت معتقدة انني سأكون مشغولة:نظرت اليه علها تكتشف احساسا ما على وجهه .. تابعت:اعتقد انني سأتأخر في العودة ..
استدارت لتخرج بدون ان تضيف او تنتظر اية اجابة عند الباب ..
توقفت قليلا .. كان قلبها يتألم .. كانت تود لو تعود اليه .. وتركع الى جانبه وتمسك يديه وتضمها الى صدرها .. كانت تود لو تقول له انها تحبه ..
ولكنها لم تستطع القيام بأي شئ .. بايمأءة من رأسها غادرت الغرفة ..
لم يظهر روبرت في الصباح التالي .. وبينما تقوم بعملها المعتاد اتتها السيدة بينيت بفنجان من القهوة وسلمتها رسالة .. نظرت اليها بدهشة ..
- انها من البروفسور:اوضحت لها السيدة بينيت:طلب مني ان اسلمك اياها مع القهوة .. لقد ذهب لبعض الوقت ..
- ذهب ؟ . رددت فينيلا:ولكن كيف ؟ ومتى ؟ ولكن لم يذكر أي شئ الليلة الماضية ..
- لقد استدعى جون في الصباح الباكر وقد خرج قبل الثامنة بهدؤ:بدت السيدة بينيت مرتبكة . كان مزاجه هادئا ومازحا لم اره على تلك الحالة من قبل ..
بحركة آليه بدأت فينيلا بفض الرسالة .. في الداخل وجدت رسالة قصيرة وشيكا مصرفيا .. نظرت اليه بألم ..هل هذا يعني انه يحاول ان يجزل لها العطاء لما قدمته من خدمات هذا كرم منه ولكن لماذا ؟ ماذا فعلت ؟:ماهو قصده في ذلك بحق السماء:؟
- يقول انه ذاهب الى الخارج للعلاج ..الى سويسرا ..
سيغيب لثلاثة اشهر .. ولكن ماهذا..انا لا افهم لم لم يذكر أي شئ البارحة ..
- لم يقل لي أي شئ ايضا ..طلب مني ان ارسل له حاجياته عندما يرسل لي عنوانه..انا آسفة يا آنسة لم تكن امامي من طريقة غير تلك لأعلامك ..
- لا ..هذا لا يهم ..
نظرت الى الرسالة ..كانت رسالة مختصرة .. كان يخاطبها فيها بنفس اللهجة التي تعود ان يخاطبها بها في الفترة الأخيرة..
لقد حاول الليلة الماضية ان يفهمها انه ليس بحاجة الى خدماتها ولكنها لم تفهم ..أزاحت فينيلا رأسها على راحة يدها لابد وانه كان يخطط لذلك منذ مدة ربما ايام او اسابيع..
تذكرت الرسائل التي كانت تأتي من سويسرا ..هل كانت خاصة بتلك العيادة ؟ هل كان يتصل بالأطباء لبحث حالته بدون ان يخبرها او يخبر جون او الطبيب سام بأي شئ ..
الم يفكر فيها ولو قليلا ..الم يفكر بالحب الذي كان ينمو داخلها بالحب الذي عاشاه .. في حياة اخرى .. هل شعر بحبها او ان هذا الحب الذي تخيلت انه يبادلها به كان من محض خيالها وتصورها .. نفضت تلك الفكرة ..ففي الواقع فينيلا لاتعني أي شئ له حتى انه لم يخبرها بموضوع علاجه في الخارج لان ذلك ليس من شأنها .. فبعد ان انتهى الكتاب من الطبيعي ان يطلب منها مغادرة المكان .. والبدء في حياة جديدة .. وهذا ما اكدت انها تستطيع القيام به في الأيام الماضية:حاولت السيطرة على نفسها:من الأفضل ان انهي عملي هذا ..... ارتجفت من الأنفعال:سوف افتقدكم كثيرا ..
فكرت انها لن تعود الى هذا المكان لن ترى مرة اخرى حقول وروابي هذه البلدة .. فخلال الفترة القصيرة الماضية تعودت على المكان وتعلقت به بحب وتعاطف ..
وايضا تعلقت..نعم تعلقت واحبت روبرت ميلبورن ..
لقد احبته واحبت بيته .. ارادت ان تبقى بجانبه .. ولكنه تركها بدون كلمة وداع ..
- سيؤسفنا ذهابك:اجابتها السيدة بينيت . كان من دواعي سرورنا ان تمكثي بيننا خلال الفترة الماضية .. فأنا وروبرت نعتقد انك أسديت للبروفسور معروفا كبيرا فالبروفسور رجل حساس ويتعذب كثيرا .. ويحتاج الى من يخرجه من دائرة عذابه ويساعده على التمتع بحياته .. وانت تستطيعين ذلك .. ولن يكلفك كثيرا .. كنت اشعر بذلك بمجرد دخولك الى الغرفة التي كان يجلس فيها ..
- هل تظنين ذلك حقيقة ؟ كنت اعتقد في وقت من الأوقات انني أسبب له بعض الأزعاج حتى انني أزعجته بكلماتي وواجهته بحقيقة تفكيري حول تصرفاته وشفقته على نفسه .. كما قلت لك سأنهي عملي وانصرف..
- لا آنسة فينيلا .. فالسيد روبرت لم يقل ان تغادري في الحال .. ولا يتوقع ذلك .. خذي وقتك وحيث انه ليس هنا فلا ارى ضرورة للأسراع..
ابتسمت فينيلا وشكرتها .. ولكن عينيها كانتا ملئيتان بالقلق والتفكير وهي تراقب السيدة بينيت تغادر الغرفة ..
صحيح ليس هناك من داع للعجلة ..فروبرت ليس هنا ولكن لم البقاء وهو ليس هنا ؟ ولماذا تبقي ؟
جلست فينيلا وشرعت تشرب القهوة .. شكرت ربها لأنها كانت محظوظة بالفرصة التي قدمها لها روبرت للخروج الى العالم الخارجي وبالتدريج .. لقد عاشت وعملت في مكان جميل .. عملت في العمل الذي تحبه وتتمتع به ومع رجل اعجبت به وفتنت به على الرغم من مزاجه الصعب .. كونت صداقة جيدة مع اندرو جمعت بعض النقود وأصبح بأمكانها العودة الى شقة لندن للبحث عن وظيفة اخرى ..
" نعم لقد كانت محظوظة .. حقا محظوظة "
ولكن الآن لم يبق أمامها من شئ الا العودة الى لندن لتجمع شتات نفسها وتبدأ من جديد..



الفصل السادس
دخلت فينيلا الى شقتها وهي تنظر حولها .. لم تتغير كثيرا عن اليوم الذي جاءت فيه اليها مع الطبيب سام لتأخذ بعض الثياب ..
لن تقوم بأية تغييرات .. ففينيلا تلك التي رتبت البيت وأتت بذلك الأساس لم تتذكرها بعد على الرغم من انها لم تكن لتألف المكان بسرعة .. كانت تتصور انه بين اللحظة والأخرى ستدخل عليها صاحبة الشقة الحقيقية ..استقرت في الشقة وبدأت تعود نفسها على المكان..
لم يكن أمامها غير هذا .. وعلى كلحال ليس هناك من بديل بتصميم اكيد .. دخلت الشقة واتجهت الى النافذة .. سحبت الستائرليدخل النور الى المكان ولتطرد صورة بيت روبرت فذلك البيت لم يكن بيتها ولن يكون في يوم من الأيام.. كان عليها الا تفكر بذلك البيت او حتى بصاحب البيت روبرت ميلبورن..
رفعت كتفيها يأسا وحزنا وجلست على كرسي محدقة في فراغ الغرفة .. هل ستتحرر يوما من هذا الهاجس ؟
لأن ما كانت تشعر به وتعيشه ماهو الا هاجس يهيمن على عقله وقلبها ولا يبدو ان شيئا يمكن ان يسيطر عليه بعد شهرين تركها لبيت روبرت وعودتها الى شقة لندن كانت فينيلا قد وجدت ان السلام ماهو الا مطلب محير .. وغير مستقر في البداية شعرت بالألم وبالحزن .. لم تكن تطلب الا ان تكون لوحدها فقد قضت الليالي الطوال تذرف الدموع والأيام المملة تجلس امام تجلس امام النافذة تنظر الى الأطفال الذين يلعبون في الساحة .. كانت في بعض الاحيان تسترجع اللحظات والأيام الأولى التي قضتها في المستشفى في محاولة يائسة لتذكر أي شئ من حياتها قبل ولادتها الثانية ووحدتها وبالطبع تلك الأفكار جلبت اليها ذكرى روبرت .. ذكرت روبرت وهو يجلس على كرسيه المتحرك .. وهو يلعب بالكرة .. عيونه المشتعلة عاطفة والباردة كالجليد والتي كانت تجمد قلبها المستسلم..
وذكريات اخرى .. ودت الا تأتي اليها ابدأ .. ذراعان قويان احتضنتهما بقوة في لحظة من اللحظات .. وبعدها لاشئ ستارة بيضاء تحتل ذاكرتها ..لم يكن لديها أي امل في استرجاع أي شئ عن حياتها الماضية..
" لا يمكنني ان استمرهكذا " فكرت فينيلا في صباح يوم من الأيام " سوف اجن اذا لم اقم بأي شئ " سوف استفيد من حياتي "
وذلك بالرجوع الى الماضي ومحاولة التذكر ونسيان الفترة التي عرفت فيها روبرت ميلبورن ..
وكأن القدر يساعدها وقعت عيناها على مقال في مجلة :
" تمرين مركز .. لاتكن يائسا .. استفد من حياتك " هذا هو ..هذا هو ماتريده وماتحتاج اليه .. وهذا ما انا بحاجة لأن اقوم به .. أبدأ من جديد وأستفيد من حياتي وبعدها سأكون قادرة على نسيان روبرت..
انتسبت مباشرة الى ذلك المعهد ولتبدأ في الأسبوع التالي مباشرة .. بعد فترة كان بأمكان فينيلا معالجة الكثير من الظروف الصعبة ..
وكيف تتعامل مع الناس كيف تعالج مشاكلها العاطفية تعلمت كيف تضحك للظروف القاهرية والصعبة وكيف تسيطر على مشاعرها بشتى انواعها وكيف تحول خيبة الأملالى حاضر يؤدي للنجاح تعلمت كيف تصبح هادئة وايجابية في أي ظرف .. كما تعلمت ايضا كيف تتعامل مع نفسها في ظل فقدانها لذاكرتها وكيف تتأقلم مع هذا الواقع..
ولكنها لم تنسى ولم تتعلم كيف تنسى روبرت ميلبورن تمنت ان تصاب بفقدان الذاكرة للمرة الثانية فهذا هو الحل الوحيد لأبعادها عن ذكرياتها وحياتها ..
مر الخريف واقترب الشتاء بدأت ليالي تشرين تصبح اكثر برودة وظلمة .. لم يكن ينير الشوارع الا اضواء المحلات ..
كانت فينيلا تسير في تلك الشوارع عائدة من عملها تسير في الزحام .. تمنت لو انها تتمتع بهدؤ الريف اشتاقت لجو الهدؤ الذي يسود الريف ولرائحة اوراق الشجر التي بللتها الأمطار ..
كانت قد كونت صداقات جديدة في المكان الذي تعمل فيه .. بدات تخرج مع اصدقائها وتقضي العطل الاسبوعية في الريف .. ففي بعض الأحيان تأخذ القطار من مدينة الى اخرى مع شلة من الاصدقاء لتعود بعد ذلك عن طريق الريف وتدعو اصدقائها الى شقتها لتناول العشاء وفي آخر الليل كانت تستلقي على الاريكة تستمع الى الموسيقى ..
لكنها لم تكن تستطيع ابعاد الوحدة عن حياتها فلا يلبث الاصدقاء ان يذهبوا وتبقى لوحدتها ولذكرى روبرت ميلبورن الذي يسيطر تماما على ساحة تفكيرها واهتمامها ..
لماذا يملك كل ذلك التأثير عليها لماذا مجرد ذكراه يبعث الألم في قلبها ..
ولكنها لن تسمح لمثل هذه الافكار ان تسيطر عليها فمن أساسيات الدورة التي خضعت لها ان تبعد هذه المواقف عن طريق العمل والانشغال .. نهضت واتجهت الى النافذة .. كانت ليلة جميلة .. ومنيرة بأضواء أعياد الميلاد ..
تذكرت عرض زميلتها في العمل للخروج تلك الليلة لكنها ترددت ولكن الآن ..لا لن تعارض فلم تستطع تحمل هذه الوحدة اكثر من ذلك ..
كان الوقت قد تأخر عندما عادت من تلك السهرة .. تمشت مع اصدقائها في الشوارع المضاءة نظروا الى واجهات المحلات قرروا بعد ذلك تناول وجبة عشاء خفيفة..
انتهت العشاء بعد العاشرة .. توجه كل واحد منهم بعد ذلك الى بيته اما فينيلا فقد كانت سعيدة .. قضت ساعات ممتعة ومسلية مع أصدقائها .. دفعت أجرة التاكسي واتجهت الى باب شقتها كانت ماتزال الابتسامة على شفتيها وسعيدة لأنها قررت الخروج الليلة..
فجأة ومن الظلمة خرج شبح طويل .. اطلقت صرخة مكتومة وبسرعة استرجعت ماتعلمته في مثل تلك المواقف ..
- من انت ؟ وماذا تفعل هنا ؟
- لاتقلقي فينيلا:بدا صوته مألوف .. تقدم قليلا الى الأمام:لم أقصد أخافتك .. اعلم ان الوقت قد تأخر ومن المحتمل ان لديك خططا اخرى .. ولكني اتيت من مسافات بعيدة لأراك هل لي ان ادخل ؟
حدقت فيه فينيلا .. غير قادرة على قول أي شئ وغير مصدقة لما تراه عيناها .. لابد وان هناك خطأ .. او انها ترى حلما لايمكن.... تحرك الى الامام قليلا استطاعت ان ترى وجهه بفضل الضوء القادم من الشارع المضاء .. رأت شعره الأسود الكثيف ووجهه الجاد والتماع ضوء القمر في عينيه..
- روبرت:همست . ولكن ..ولكن انت ..أنت تمشي !!!
- قلت لك اني سأمشي من جديد . قال بأختصار:الم تصدقيني ؟
لم تستطع فينيلا ان تنطق بكلمة واحدة ولم تكن تعرف كيف تفسر المشاعر التي كانت تنتابها .. الم تبكي الليالي بسبب قسوة ذلك الرجل ؟ الم تقضي الليالي في السهر تندب حظها من بعده عنها ؟ الم تقنع نفسها انه من الأفضل لها ان يبتعد عن حياتها ؟
الم تقرر عدم رؤيته مرة اخرى ؟
الم تشتاق اليه مرارا وهي تحاول نسيانه جاهدة ؟
والآن ..الآن يقف امامها .. يقف امامها تماما كما شاهدته في احلامها ارادت ان تتقدم وترمي بنفسها بين ذراعيه ..


لقدحاولت كثيرا .. قالت لنفسها .. حاولت كثيرا ان ابني حياتي من جديد.. والليلة وبعد اناعتدت على تلك الحياة .. تأتي الي لتقول ماذا ؟ هل جئت تخبرني انك مشيت من جديد ؟وبأنك ستمشي من حياتي الى الأبد ؟
- اريد ان اتحدث اليك ..
- وهل هناك من شئيمكن ان نتحدث عنه ؟
وجدت المفتاح واتجهت الى الباب لتفتحه .. شعرت به ملتصقا بها..
- فينيلا:كان في صوته رجاء وتوسلا. لم تصدق أذنيها ان تسمع روبرتيحدثها بتلك الطريقة .. روبرت القاسي المتعجرف الساخر ..
- هل تسمحين لي بالدخول؟
لم تجبه .. دخلت وتركت الباب مفتوحا ..
اتجهت مباشرة الى النافذة .. الليلةكانت ماتزال مضاءة .. الشارع خاليا ماعدا رجل كبير في السن ينزه كلبه .. حدقت في اللاشئ .. لقد استطاعت مؤخرا ان تحصل على السلام والهدؤ ولكن الآن وبعودةروبرت..؟
- والآن ..هل استطيع ان ادخل ؟
التفتت اليه وجدته مايزال يقف عندالباب ..
كانت وكأنها تراه للمرة الاولى .. كان اطول مما توقعت رشيقا وجهه اصفرمما عهدته وهالة سوداء تحيط بعينيه الرماديتين .. كان ينظر اليها بشوق جعلتها تنكمشفي مكانها ..
- انا آسف .. لقد أخفتك واقلقتك بمجيئ اليك بهذه الصورة .. ولكني أتيتاليوم الى لندن واردت ان آراك بأسرع وقت ممكن ..
- لقد حصلت على نتيجة جيدة منعلاجك هذا ما اراه بدا كلامها غبيا وبدون معنى .. ابتسم لها قائلا :
- كما ترين ..ولكن لايمكن تسميته علاجا ..بل عمل مضن وقاس من جهتي .. ولكن كنت قد قررت السير ..فالبعض يقرر صعود قمة ايفرست ..
" ولكن حالتك أصعب " فكرت فينيلا ولكنها كانتمعجبة بعزمه وشجاعته ولكنها كانت ماتزال غاضبة من الطريقة التي رحل بها وتركهاوحيدة ..
- حسنا ..انا سعيدة لأنك نجحت:قالت ببرود. والآن وقد رأيتني ..اتوقع ان تذهب مرة اخرى .. او انك تود ان تشرب شيئا ..
رفع حاجبيه :
- هل يعنيان انصرف ؟ لقد وصلت لتوي..
- في الحقيقة لا ارى سببا لمجيئك في مثل هذه من الليل؟
الم تستطع الانتظار حتى الصباح ؟ او على الأقل اتصل بالهاتف ..
- بالهاتف ..كنت اعتقد انك ستسرين لرؤيتي ..
وضعت فينيلا حقيبتها على الطاولة ..
- هل هذاصحيح ؟ اتساءل ماالذي جعلك تعتقد هذا ؟ فبعد الطريقة التي ابتعدت فيها عني:عضتعلى شفتها.انا آسفة .. بعد الطريقة التي غادرت فيها البيت لا اظن انك يمكن انتفكر هكذا ؟ الا تدرك كم هو مؤلم ؟:ارتجف صوتها. الا تعرف ماذا اصابني بعدان اكتشفت هروبك ؟ والأدهى من ذلك ....تركت حوالة مصرفية لقاء خدماتي ..لقد اهنتنيوجرحتني ..
دهشت عندما رأته يبتسم..
- أهانة ؟ لماذا تنظرين الى الأمور هكذا ؟لقد كنت سكرتيرتي .. لقد ابتعدت عنك لأستطيع تحقيق هدفي لقد عوضت لك اتعابك وزدت لكالراتب لأنني ظلمتك بصرفك عن العمل بهذه الطريقة .. وكيف لا اعمل مثل ذلك .. وانتوضعت أسسا لعلاقتنا مع صاحب العمل والموظفة..
- وكيف كنت تريدني ان انظر اليك؟
سألته فينيلا بينما الابتسامة كانت ماتزال على شفتيه تقدم اليها ببطء .. لم يكنهناك أي تقصير او عيب في مشيته توقف على بضع انشات منها :
- توقعت وتأملت انتنظري الي مثلما نظرت اليك دائما:قال ذلك بنعومه. شئ اكثر من صاحب العملواكثر من صديق .. رفعت فينيلا نظرها اليه .. تسارع نبضها .. حاولت ان تتنفس بشكل طبيعي..
- هل فهمت لم اردت الابتعاد عنك ؟
تمتم بصوت منخفض رافعا يده وملامسارقبتها بأطراف أصابعه ..
- ماذا كان يمكن ان اقدمه لك وأنا على ذلك الكرسي اللعين؟ ماذا يمكن ان اقول او افعل .. لم يكن بأستطاعتي حتى اللحاق بك اذا ما خرجت منالغرفة .. ماكان يمكن ان نعيش قريبين من بعضنا فقد كنت سأخطأ في حقك في كل لحظة ..كان يجب ان أبتعد لأتمكن من متابعة العلاج ولأستطيع السير من جديد .. وكما ترين أصبحبأمكاني الوقوف الآن لوحدي وبدون مساعدة أحد او حتى بدون الاستعانة بالعكاز .. الآن..أصبح بأمكانك السير معي .. هل تفهمين وليس مع احد غيري ..
هزت فينيلا رأسها..كانت تود ان ترفض كلماته ..
ولماذا عليها ان تسير معه ؟ ولكن الكلمات لم تخرجمن فمها ..
رفعت نظرها اليه والتقت عيونهما تذكرت اللحظات الحميمه التي قضتها معهقبل ثلاثة شهور وقد كان مايزال سجين الكرسي المتحرك .. وكأنه هو الآخر تذكرها لأنسرعان ما اقترب منها واحتواها بين ذراعيه..
بعد ان ابتعد عنه شعرت فينيلا بضعفيجتاح جسمها استندت على صدره .. لم يبق من غضبها وسخطها عليه شئ .. ادركت انه كانمحقا تماما في العودة اليها .. فلم تكن تعتبر حية قبل ذلك..
أحبك فينيلا ...قال بهدؤ:أنت تعرفين ذلك الآن اليس كذلك ؟ هل أدركت لماذا كان يجب ان ابتعدعنك ؟
ولكن لم يكن عليك الابتعاد .. كان يجب ان تخبرني تلك الليلة ..
لا..ليس وانا قابع في ذلك الكرسي ..
وما الفرق في ذلك ؟
ولكنه لم يقتنعقادها من ذراعها وجلسا على الأريكة ..
ماذا ....؟
وما الفرق أريد ان اعرف ..فقد كنت احبك منذ ذلك الوقت .. لم اكن أدرك ذلك ولكني أحببتك ووجودك على الكرسيالمتحرك .. لم يكن يشكل أي عائق في وجه هذا الحب..
ولكنه كان عائقا بالنسبة لي ..لا اعتقد انه باستطاعتك ادراك مدى كرهي لذلك الوضع .. كم اشتقت للهروب منه .. لقد كنتكل الوقت حبيسة ذلك الكرسي اللعين .. كنت اشعر انني نصف رجل ولست رجلا كاملا .. لماكن اعرف حتى اذا كان بأمكاني ان احب امرأة او اتزوجها .. كيف كان لي ان اطلب الزواجمنك ؟ كيف كان من الممكن ان اطلب الوعود منك ؟ كيف كنت سأربط مصيرك بمصير ؟ كان يجبان اتأكد من انني سأضمن لك حياتك .. لهذا أبتعدت عن حياتي فجأة:توقف قليلا ومنثم تابع. كما انني لم اكن متأكد من مشاعرك .. كان هناك الشاب اندرو .. الا يعقلان تكوني وقعت في حبه .. كان يجب ان اعطيك الوقت الكافي للتفكير....وحتى الآن لازلتغير متأكد من عواطفك فمن الممكن انه لايزال يخرج معك ..
لا ..انا لا اراه كثيرافعمله يأخذ معظم وقته .. ولا اشعر نحوه اا بالصداقة ..
هل انت متأكدة ؟
ترددتقليلا : من جهتي ....نعم....اعتقد ان اندرو كانت لديه الرغبة في تطوير هذه العلاقة .. ولكن لميحدث ابدا فلم يكن بالنسبة لي الا الصديق .. ولكن هذا لا يعني انه سئ بل على العكسانه حساس والفتاة التي ستتزوجه تعتبر محظوظة .. ولكن ليس انا ..
انت محقة جدا ..فهذا لن يحدث ابدا..
شدها اليه مرة اخرى وتابع :
نعم لن تكوني انت .. لأنكستكونين زوجتي وبأسرع وقت ممكن .. هل هذا مفهوم ؟
فتحت فينيلا فمها لكي تعترضولكنه لم يدعها تنطق بأي حرف اذ سرعان ما فاجأها بقبلة انستها كل ما كانت تودقوله..
بعد قليل قال لها :
اظن انه مفهوم..
آه روبرت ....ما الذي يحدثلنا ؟ لماذا ابتعدنا عن بعضنا ؟
قبلها مر اخرى..
انت تعرفين السبب ياعزيزتيولكن كل شئ انتهى الآن .. سنتزوج في اسرع وقت ..
لم تجبه بل عاودت الاحتماء بينذراعيه ..
سألها :
هل ما زلت تريدينني ان اذهب ؟
لا....آه....لا لا ارجوك..
هل تودين ان ابقى ؟
نعم..
وبادلته بعواطف جياشة كي لا يبتعد عنها..
انت ..:همست محدقة فيه. انت روبرت كنت انت دائما ..رأت الاستجابه فيعينيه.. هزت رأسها مرارا في محاولة للتذكر كانت ماتزال أفكارها مشوشة .. شعرت وكأنهاقد خرجت لتوها من نفق معتم ..
انت:تنفست بصعوبه رافعة يدا مرتجفة الىجبهتها.
هل تذكرت ..
نعم ..لا ادري ..فعقلي ملئ بالصور والأصوات لااستطيع ترتيبها ..لا ادري ماذا اتذكر .. فكل الأفكار قد اختلطت .. امي ..ابي..المدرسة ..الجامعة..جيرمي ..جيرمي نحن شخص يدعى جيرمي و..وأنت .. كنت دائما معي ..لقد كنت معي عندما ..
ارتجفت وحدقت في ارجاء الغرفة ..
عندما حدث كلشئ..اليس كذلك .. لقد كنا هنا لقد كنا....
كنا كما نحن الآن ..فينيلا لاتحاوليجلب افكارك دعيها تأتي لوحدها وبهدؤ.. ولاتخافي ..:قربها منه. ليس هناكمايخيف الآن:قال بنعومه. نحن هنا الآن نحن معا ولن يحدث شئ .. استرخيوحاولي ان تريحي افكارك .. وكل شئ سيسير على ما يرام..
ولكني اتذكر الآنياعزيزي..
حسنا ولن تتمكن من ايقاف تلك الذكريات .. كل ما عليك عمله هو اقناعنفسك بأنه لن يحدث لك أي سوء ثقي بي وحدثيني .. اخبريني بما تتذكرين ..
مكثاقريبين من بعضهما أخذت فينيلا نفسا طويلا وقالت ..
حسنا روبرت انا مستعدة الآن.. اغمضت عينيها وانسابت الذكريات الى عقلها


الفصل السابع

بدأت الذكريات تتهافت عليها من جميع الجهات .. وكأن سيلا من المياه اندفع فجأة ولاراد له تتسارع الصور أمامها وتمر من أمام عينيها .. طفولتها ..مراهقتها.. لهوها مع اصدقائها المحاولة الاولى للمكياج .. ارتداء الجينزات المهترئة ..الاستماع الى موسيقى البوب.. الوقوع في الحب للمرة الأولى والم الوحدة وكسحابة مليئة بالذكريات أمطرت فجأة على ساحة عقلها جعلتها ترتعد خوفا وقلقا وتبعد رأسها لعلها تتخلص من تلك الذكريات الأليمة وتتفادى ماهو اصعب .. ولكنها تعرف الآن الا مفر منها فهي ماثلة امامها .. وليس امامها الا التذكر وبأدق التفاصيل ..
كان روبرت ينظراليها .. وعيناه ملؤهما القلق كانت فينيلا تدرك تماما مدى تفهمه وادراكه حالتها..
هل تتذكرين كل شئ؟
كل شئ ..هذا سؤال كبير يا روبرت..
كان صوتهاهامسا وكأنها تعاني من صدمة تابعت:
هناك الكثير .. اشياء جديدة .. وانا بحاجة للتفكير ..
هل تودين ان تكوني لوحدك ؟
في الحال ادارت اليه وجها قلقا وخائفا :
لا..لا..لا تتركني..لا استطيع ان اكون لوحدي .. انا خائفة .. انا ..توقفتعن التكلم وهي ترتجف بين ذراعيه محاولة دفن وجهها على صدره. روبرت يجب ان افكر.. لأنظم هذه الذكريات .. فهي مرتبكة ومتشابكة لا ادري أي منهما تأتي اولا وأي تأتي بعد ذلك ولكن المؤكد انني اريدك معي .. هل تبقى ..أرجوك؟
ابتسم لها ولدهشتها رأتالراحة والتفهم في عينيه وشئ آخر ايضا شئ أعتقدته وتأملت ان يكون الحب .. ولكنها لن تعرف ذلك.. مالم تنته من توارد هذه الذكريات .. حيث انها من المؤكد انه يأخذ حيزاهاما من ذكرياتها ..
كما انها متأكدة تماما انه كان جزءا من آخر تلك الذكريات تلكالذكريات التي تبعث فيها الرعب والخوف.. والتي تقبع في عقلها تنتظر دورهاللظهور..
بدأ كل شئ كما اعتقدت فينيلا في اليوم الذي قابلت فيه جيرمي ستاند .. حتىذلك الوقت لم يكن في حياتها شئ غير عادي كانت حياتها تسيروفق نظام عادي .. تلقتعلومها في احدى المدارس القليلة المتبقية للبنات .. والحقت دراستها بدورة حول العملالمكتبي وعملت في مكتبة تبعد عن بيتها ثلاثين ميلا .. كانت تلك المكتية خاصة بأساتذةالجامعه.. وبسبب بعد بيتها عن مركز عملها استأجرت لنفسها شقة قريبة من المكتبة وراحت تزور اهلها كل نهاي اسبوع كان لديها الكثير من الأصدقاء الشباب ولكن لم يكن هناك منله مكانة خاصة لديها الى ان جاء جيرمي ودخل حياتها..
تذكرت فينيلا اليوم الأول الذي رأته فيه.. كانت تقوم بفرز بعض الكتب الجديدة وترتبها بالتعاون مع احدى صديقاتها في المكتبة رفعت نظرها لتفاجأ به يقف حائرا امام احد الرفوف .. كانت اشعةالشمس تتسلل من احدى النوافذ وتنير شعره الاشقر لتحوله الى سنبلة قمح مضيئة .. بدتلها الصورة وكأنها تحدث امامها الآن وليس بالامس البعيد ..
مرحبا:بادرته صديقتها بنعومه. ذلك الكتاب يشبه كتاب " المحاضرين باللغة الأنكليزية " سمعتانه ممتع جدا هل اناولك اياه ؟
ابتسمت فينيلا الا ان قلبه كان يتصرف بطريقة غريبة اما تنفسها كان متسارعا .. شاهدت الرجل يلتفت اليهما شعرت بأرتباك قالت لصديقتها :
لا ....حسنا ياجيني بأمكانك الذهاب اليه سأقوم بترتيب هذه المكتب لوحدي ..
انت مجنونة .. كنت دائما اتوقع ذلك .. لاتقولي انني لم أعطك الفرصة ..:اتجهت الى الرجل...
انحنت فينيلا مرة اخرى لمواصلة عملها وقد ارتاحت من تلك النواجهة .. لم يكن لديها أدنى شك في ان الشاب سيخرج من المحل بعد لحظات وقداعطى جيني موعدا للخروج معه الا اذا كان متزوجا .. ولكن شيئا ما .. كان يقول لها انه غير متزوج قفز قلبها مرة اخرى من الأنفعال ..
تابعت عملها .. الا انها كانت بعدالفترة والأخرى تختلس النظر اليهما وهما يقفان متقاربين يتحدثان بحماس .. ومن ثم شاهدت جيني تترك الرجل وتتجه اليها .. ظل الرجل واقفا لا يتحرك وكأنه ينتظر أمرا ما.. لحقت عيناه جيني واستقرتا بعد ذلك على فينيلا ..
عزيزتي فينيلا .. السيد سانديود ان يحصل على كتاب من غرفة المراجع .. سأذهب معه لأدله على المكان ..
اقتربت منها وأخفضت صوتها متمتمه.لايبدو جاهلا بالمكان الا انه .. قلت لك انكمجنونة فينيلا انه شاب رائع أسمه جيرمي وأعزب ويبحث عن بيت ..
ضحكت فينيلا قائلة :
وهل تعرفين برجه .. وهواياته .. والأطعمه التي يفضلها واللون المفضل لديه ؟جيني انت غير قابلة للأصلاح ..
غمزت لفينيلا وانطلقت لتنضم الى الرجل الواقف علىمقربة منها ينتظر .. قادته الى غرفة صغيرة حيث الكتب المحفوظة والتي لا يسمحللمراجعين بدخولها .. رأتهما فينيلا يدخلان الغرفة ويغلقان الغرفة بأحكام .. عادت الىعملها .. في الواقع لم تدر فينيلا كم من الوقت مكثا في الداخل لأن مجموعة من الطلابدخلوا المكتبة وكان عليها ان تلبي طلباتهم من الكتب بعد فترة لابأس بها .. غادرالطلاب بعد ذلك انضمت اليهما جيني ولكنها لم تر لجيري اثرا..
أوه.. لقد ذهب منذفترة طويلة .. هناك بيت يود ان يراه قلت لك انه يبحث عن بيت .. اليس كذلك .. الم اقللك ؟
متى سيكون موعدك الأول معه ؟
بصراحة.. فينيلا .. وماذا تعتقدين انني..هل حقا تعتقدين انني أخرج مع رجل لم أكد أعرفه او انني قابلته لتوي ؟ في الواقعلم يطلب مني موعدا .. في حقيقة الأمر يبدو مهتما بك أكثر من اهتمامه بي ..
بيانا ....؟:نظرت الها مستغربة. جيني انك تقحميني في هذا الموضوع ..
لا....لم افعل هذا .. انه مهتم بك .. انه لاينفك يتحدث عنك ويسأل عن اسمك .. واين تعيشينوهل لديك صديق معين.. صحيح انه حاول الا يكون مكشوفا ولكني لست حمقاء .. هذا الرجلسيعود فينيلا .. ولكن لن يرافقني انا الى غرفة المراجع بل سيرافق احد غيري..
حدقتفيها فينيلا .. وسألتها :
ولكن ماذا قلت عني ؟
حسنا ....ماذا تعتقدين اننيقلت ؟ قلت له انك متزوجة ولديك ستة اطفال وزوج غيور حاصل على العديد من الميداليات في القتال ..
انفجرت جيني ضاحكة لدى رؤيتها لتعبير الاستغراب على وجه فينيلا ..
لاتنظري الي هكذا .. وماذا تعتقدين انني قلت بحق السماء أحمرت فينيلا وابتسمت لها :
ليس هذا ولكني لازلت لا ادري لم أثر فيه هذا الأهتمام خاصة وانت تقدمين له كل اهتمام .. وعلى كل حال كلنا يعلم ان الرجال يفضلون الشقراوات ..
ولكن ليس عندما يكونون هم انفسهم شقرا .. فهم في مثل هذه الحالة يفضلون العكس على كل الرجل يفضلك انت ..
نسيت تلك المناقشة والمحادثة تماما ..
لم تر جيرمي ساند لعدة أيام .. على الرغم من انها كانت تختلس النظر كلما دخل احدهم الى المكتبة ويبدأ قلبها في الخفقان في النهاية اقتنعت ان جيني كانت مخطئة او انها كانت تسخر منها ..
ولكنها لم تكن آسفة فقد كانت مقتنعة بحياتها وبعملها تلتقي الأصدقاء من وقت الى آخر .. اما عطلتها الأسبوعية فقد كانت تقضيها مع والديها ..
لا..لم تكن بحاجة الى تعقيدات في حياتها .. فقد كانت متأكدة انه اذا ما دخل جيرمي حياتها فسيأتيها بالصعوبات والهموم بعد ذلك القرار الذي اتخذته بينها وبين نفسها .. لم تعد تختلس النظر الى الباب تابعت عملها الى ان سمعت صوتا باردا يكلمها وهي منسجمة في عملها:
- - اعتقد انه لن يكون بأمكانك مساعدتي .. اليس كذلك ؟ اني ابحث عن كتاب ..
بدأ قلبها يخفق بشدة وتجمدت في مكانها والصمت يلفها تماما ..
لم تكن تعرفه من سمعت صوته من قبل ولكنها عرفته مباشرة جيرمي ساند..









رفعت ببطء عينيها الى عينيه الزرقاوين المتحديتين ..
- انا آسفة ..كتاب ؟ آه ..نعم..عندنا الكثير من الكتب ..
كانت متأكدة انها تبدو غبية بتلك الكلمات الفارغة وقد شعرت بوجهها يتحول الى الللون القرمزي .. أزاحت نظرها عنه بعد ان لاحظت نظرته اللاهية والمستمتعة بارتباكها .. " آه يا جيني اين انت "؟ فكرت بيأس .. لا استطيع معالجة هذا الموقف لوحدي .. ولكن جيني لم تكن موجودة وهي الآن وجها لوجه مع جيرمي ينظر اليها وكأنه يريد ان يخترق تفكيرها..
ولكنه عندما تحدث مرة ثانية لم تعد لهجة اللهو ظاهرة .. رفعت نظرها اليه ورأت الدفء في عينيه ايضا وكأنه وجد شيئا محببا فيها ..
انه كتاب جديد فينيلا:لاحظت انه يقول شيئا ولكنه يعني شيئا آخر . لاتمتنعين اذا قلت لك فينيلا اليس كذلك ؟ فقد اخبرتني صديقتك جيني عن اسمك..
أخبرها اسم الكتاب الذي يرده ..
- لا ادري أذا كان متوافرا ? لقد أخبرتني انه سيتوفر خلال ايام.
- حسنا. سنعرف.
نهضت فينيلا من مكانها وأتجهت الى أحد الرفوف. أدركت ان جيني قد كذبت عليه. ليتسنى لها رؤيته مرة أخرى.
- هاهو.
وجدت الكتاب الذي طلبه. حملته اليه . وقفا للحظة يحدقان في بعضهما. أصابعهما تكاد تتلامس على غلاف الكتاب وكانت عيناها تسعيان للقاء عينيه. ارادت أن تزيحهما إلا أنها لم تستطع . كم تمنت أن يأخذ الكتاب ويرحل.
- انت مغالة جدا. تمتم بصوت منخفض. تابع قائلا:
- ولكنك لو لم تجدي الكتاب بسرعة لكنا مكثنا خلف تلك الرفوف لمدة أطول. ولكنا تعارفنا أكثر.
كان يقف قريبا منها. تراجعت خطوة الى الوراء ولكن اصطدم ظهرها برف الكتب.
- هل تود..هل تود التعرف عليسألته لاهثة.
- تمنيت ذلك منذ المرة الماضية ومنذ أن رأيتك منذ خمسة أو ستة ايام. ولكني أشعر أنه كان اللقاء منذ شهر عيناه كانتا دافئتين. أصابعه بدأت تلامس أصابعها.
- فينيلا . أنت تعلمين ما يحصل لنا.. أليس كذلك.
- لا..لا أنا لا أعلم شيئا ولاشئ يحدث بيننا. أرجوك أذا كنت قد حصلت على الكتاب المطلوب..
ناولته الكتاب الا انه أمسك بيدها بقوة.
- أرجوك...نظرت إليه بتوسل.
-أنت تعلمين وأنا أعلم الأن أنك لاتستطيعين المقاومة قرب وجهه من وجهها واختطف قبلة خاطفة.
قفزت فينيلا من مكانها مصطدمة بالرف من خلفها ووقعت الكتب من جراء هذا الأصطدام. بدا الصوت كانفجار مفاجئ خاصة وأن المكتبة كان يسودها الهدوء والصمت. سمعت صوت صديقتها جيني تناديها من مكان ما لتتأكد من سلامتها. انحنت تلتقط الكتب بينما أصبح جيرمي قريبا منها كتفاه ملاصقين لكتفي فينيلا .
- أرجوك:قالت بصوت منخفض. أرجوك دعني أختم لك الكتاب. لدي الكثير من العمل وهذا ليس الوقت أو المكان المناسب لمثل هذا.
- أنت محقة.:سلمها الكتب التي كانت على الأرض . دعينا نحدد موعدا مناسبا.
- نحدد ماذا..? أنا ليس..
- ليس عندك الوقت أو المكان المناسب..أظن أنك راغبة في تحديد موعد.
- لا أدري:نظرت إليه ختمت الكتاب وأعطته تاريخ الأستعارة سيد ستاند أنا..
- جيرمي أرجوك.
- أنا لا أعرفك..وأنت لاتعرفني. نحن..
- هذه هي النقطة المهمة..نحن لانعرف بعضنا . إذن يجب ان نتعرف وهذا يعني بالتالي الترتيب لذلك. والأن مارأيك أن نتناول العشاء معا هذه الليلة ? لقد أكتشفت مطعما صغيرا ورائعا.
- ولكني..
- ماهو عنوانك.:قال وكأنه لم يسمع أعتراضها . سآتي لأخذك في السابعة والنصف. هل هذا مناسب لك?
- ولكن..
- أنا لا اطلب ألا لقاء واحدا. وليس حياة بطولها .
- نعم ولكن..
- ويسرني أن ابقى هنا حتى توافقي.
نظرت فينيلا أليه ادركت أنه يعني مايقول فسيظل في مكانه الى ان توافق على الخروج معه في ذلك المساء .. استسلمت اخيرا .. ولم يتطلب ذلك منه الجهد الكبير ..
-حسنا في السابعة والنصف:أخبرته عن عنوانها . ولكن هذا لا يعني ....
- انه لا يعني أي شئ:قال بمرح . فقط انني سأذهب لآخذك الى العشاء في السابعة والنصف ولم أعن شيئا آخرا .. والآن سأتركك لعملك . آخذ يدها بين يديه وقربها من شفتيه طابعا عليها قبلة طويلة . الى اللقاء في المساء اذن .. بابتسامة مرحه غادر المكتبة .. وما لبثت فينيلا ان وجدت جيني وقد أصبحت بجانبها ..
- حسنا ....لم تضيعي وقتك .. الم أقل لك انه مهتم بك ؟ متى سيكون اللقاء ؟
نظرت اليها فينيلا وابتسمت بارتباك ..
الليلة .. سأتعشى معه .. لا ادري ما الذي يحدث لي قلت لنفسي انني لا اريد .. اقسم انني لم اكن مهتمة .. ولكن ....
- ولكن ..لم تكن تلك هي الحقيقة .. ما الذي حدث فينيلا ..
هل أصبحت اكثر آدمية .. كبقية الناس .. اذا اردت رأي .. لقد كنت كثيرة التزمت وكأنك مازلت تلميذة في المدرسة .. ولكن الآن لقد بدأت تعيشين وبدأت تحبين الحياة..
- هل هذا صحيح ؟:نظرت الى صديقتها بشك . آمل ذلك جيني .. صدقا آمل ذلك ..
فيما بعد .. تحققت فينيلا انها كانت كالمنومة مغناطيسيا .. لم تكن لها أي قدرة على الأهتراض او التصرف الذاتي .. كانت كالقطة .. تنتظر دائما من يلمس رأيها ويربت عليها وهي تستجيب .. لقد أعطته ثقتها .. اخلاصها وجهها الخالص والصادق..
لم يحدث لها قط مثل ذلك من قبل .. كانت مسلوبة الأرادة .. وفتونة بطريقة معاملته لها .. ولقد كان خبيرا في ذلك .. حيث سيطر على حواسها وأرادتها تماما .. وعلى الرغم من ذلك كانت مسرورة..
في الواقع لقد أصبحت حياتها سلسلة من الأحلام السعيدة ولكن المسيطرة..
اريد ان اقول لك شيئا فينيلا:قالت لها يوما جيني . صحيح انه من اكثر الرجال وسامة .. وانها لم تر مثله منذ اكثر من عام .. وانك تريدين امتاع نفسك بهذا الحب .. ولكنك ذهبت بعيدا في ذلك..
لا استطيع ان اسيطر على نفسي:اعترفت فينيلا . لم اتعرف على أي انسان مثله من قبل .. انه ..انه..في الواقع لم ار مثله ابدا..
لم تعد تدري ماذا تقول..
- ياللسماء ..لقد بدأ الأمر يصبح سيئا .. هل انتقلت للعيش في شقته ؟
تصاعد الدم الى وجنتي فينيلا
لا ..
ولكنك على وشك القيام بذلك .. اليس كذلك ؟ وما عليه الا ان يطلب منك ذلك .. آه فينيلا .. هل انت متأكدة مما تفعلين ؟
نعم.. لا.. لا ادري .. لست متأكدة من أي شئ هذه الأيام ..:نظرت اليها بنفاد صبر . ولكن لماذا كل هذا الاهتمام .. انا متأكدة انك لم تكوني لتمانعي لو انك في مكاني ..
نعم هذا صحيح .. انه يجذبني كثيرا .. ولقد فتنت به منذ اللحظة الاولى لرؤيته .. ولكن انت .. انت مختلفة فينيلا .. فأنت لاتذهبين مع أي انسان .. ولاتلهين مثلي مع أي رجل بل تأخذين الأمور بجدية ..اليس كذلك ؟
نعم هذا صحيح..
اذن ماذا ستفعلين ؟
اخذت فينيلا نفسا عميقا وأجابتها :
في الوقت الحاضر لاشئ .. سأذهب الى بيتي حيث والدي في نهاية الاسبوع القادم .. ومن ثم اقرر .. وماذا يمكنني ان افعل ؟
وهل ستأخذين جيرمي معك ؟
لا ..ليس هذه المره ..:لم تقل لصديقتها انها وبعد عدة لقاءات دعته للذهاب معها .. الى اهلها الا انه كان يتعذر دائما .. وبشكل مؤذ وكان يتركها في حالة من الشعور بالأهانة وكأنها كانت تطلب منه أشيئا ليس مستعدا لها.. وفي المحتمل الا يستعد لها ابدا..
حسنا ..:قالت جيني . احذري فينيلا .. فأنت كالطفل البرئ في هذا العالم الفاسد .. اشعر في بعض الاحيان وكأنني اكبرك بمئات السنين .. واشعر بالمسؤولية نحوك ؟
ضحكت فينيلا : لاتكوني سخيفة جيني .. فأننت لست مسؤولة عن شئ لأنني كنت سأقابله على كل الأحوال فهذا هو القدر..
أعرف ..ولكني شجعتك على ذلك .. واعلم انني اقول الكثير من الكلمات السخيفة في بعض الاحيان .. ولكن اتساءل كيف ستتصرف فتاة مثلك ترعرت في مدرسة للفتيات فقط في مثل هذا الموقف..

ولكن فينيلا تعرف ان تصرفاتها وحياتها لاتعودان الى ترعرعها في مدرسة للبنات فقط .. وانما تربيتها منذ الصغر .. فقد ولدت لوالدين في الاربعين من العمر .. وقد فقدا الامل في الانجاب عاملا طفلتهما الوحيدة كلعبة او دمية غالية الثمن .. وليس كطفلة تعيش في اواخر القرن العشرين ..
كانت تشعر دائما انها تنتمي الى القرن الماضي .. بتصرفاتها واخلاقياتها .. الا ان شخصيتها وطبعها المنفتح جعلاها تندمج بسرعة مع غيرها من الفتيات .. او انها أصيحت اكثر آدميه كما قالت لها يوما جيني.. اما جيرمي فقد غير كل ذلك .. جعلها تتقد حبا واحاسيسا لم تكن قد عرفتها من قبل او حلمت بها .. كانت متأكدة انها معه ستتعرف على جميع الاشياء الجميلة التي كانت تسمعها من صديقاتها ..
اما والداها فقد كانا يشكلان عائقا كبيرا في طريق نضوجها سفرهما الى كندا يع الحد الفاصل بينها وبين النضوج والدلال .. كانت متأكدة انها لن تنضج ولن تصبح امرأة الا اذا ما سافرا والداها .. ولكنها في نفس الوقت كانت قلقة لأنها ستصبح لوحدها وستكون مسؤولة عن نفسها مسؤليه كاملة .. وستعيش حياة المستقلة بنفسها جعلتها تلك الفكرة ترتجف اثارة..
اذن:قال جيرمي عندما جاءت الى بيته الصغير بعد عودتها من عطلة نهاية الاسبوع . لقد ذهبوا اليس كذلك ؟ انهما بأمان في الجهة الثانية من المحيط الاطلسي ولم يبق ما تقلقين من اجله..
آقلق ؟
جلس جيرمي بجانبها على الاريكة وضحك .. القى بيده على ظهرها وبدأ بملامسة رقبتها بنعومة ..
هيا يا فينيلا ..دائم الخوف من ارتكاب أي شئ لايتناسب مع افكار والديك وكأنك طفلة خائفة من ارتكاب خطيئة تحاسبك عليها والدتك:اقترب منها اكثر . ولكنه ليست خطيئتك .. انها خطيئة والديك لقد احكما الوثاق حولك وكأنه لن تأتي نقطة التحول تلك .. وعندما تقعين في الحب الحقيقي .. ولكنهما الآن اعترفا بأنك قد نضجت وأصبحت لحجم المسؤلية لقد ذهبا وغادرا البلد .. كم سيغيبان ؟ شهرين ؟ انت مضطرة الآن لمعالجة امورك بنفسك .. واتخاذ قراراتك ايضا وبدون تدخل أحد . عانقها بنعومة:والآن ماذا ستقررين فينيلا ؟
اقرر ؟ ....همست كان رأسها يدور:ماذا ..وبماذا ؟
ماذا ..لاتدرين عن ماذا ..ازداد التصاقا بها:عنا نحن الاثنين طبعا ..
لم تقرر بعد هذا المساء او ربما كانت قد اتخذت قرارها منذ عدة اسابيع ومنذ اللحظة التي رأته فيها للمرة الاولىفي المكتبه مهما تكن الاسباب والحقائق .. انتقلت للحياة معه في بيته الصغير ..
لابد وان جيني ستتهمها بالحمق .. ولكنها ليست هنا .. ولن تراها الآن .. فقد اخذت مكانها في المكتبة امرأة مسنه صعبه الطباع..
على كل حال – فكرت فينيلا – ليس هناك من احد يمكن ان يغير من الأمر شيئا
اما الان وهي بين ذراعي روبرت وتعود بذاكرتها الى تلك الفترة ادركت كم كانت انفعالاتها عنيفة .. ربما اعنف مما يستحق الموقف ..
عاشت مع جيرمي ست اسابيع الى ان جاءها ذات مساء اليها بجريدة قائلا :
- هذا ماكنت انتظره سأغادر خلال اسبوعين ..
حدقت فينيلا فيه
ستغادر..الى اين ؟
الى سنغافوره ..:قالها ببساطة وكأنه يخبرها انه ذاهب الى الشارع القريب من البيت . لقد حصلت على وظيفة في التدريس ذات أجر عالي طبعا وسكن .. وخدم وحياة اجتماعية رائعة..ياللخسارة .. لن تستطيعي الذهاب معي ايضا ولكن آمل ان يتوافر لك عمل فيما بعد..
جلست فينيلا لأنه لم تعد تستطيع الاستمرار واقفة اكثر من ذلك ..
جيرمي ..هل تمزح ؟
لا ..بالطبع لا ..لقد علمت هذا الصباح انه لا يمكنني السفر قبل اسبوعين ولكن لابأس..
اقترب منه وجلس بجانبها ..
- مابك لم هذا الحزن والقلق فينيلا .. اعرف انها كانت مفاجأة لك .. ولكننا قضينا وقتا ممتعا معا .. اليس كذلك ؟
تمتعنا كثيرا .. ربما يمكنك ان تأتي لزيارتي وسيسرني ان اكون دليلك في سنغافورا..
كان يتحدث وكأنه اصبح في سنغافورا .. بحثت فينيلا عن كلمات تقولها ولكن كيف لها ان تقول شيئا وآحاسيسها في هياج واضطراب كبيرين ؟ شعرت بالغثيان وكأن الحياة تنسل من بين أصابعها .. وغشي السواد عينيها ..
هيا فينيلا ..حاذري ان يغمى عليك ..
سمعت صوته بعيدا بعيدا جدا ..
فينيلا .. فينيلا ..أسندي رأسك على الوسادة .. اشربي قليلا من هذا الشراب ..
شعرت به يبتعد عنها بعد لحظات شعرت بأسى عند شفتيها وان رشفت منه رشفة حتى عادت اليها الحقيقة المرة..
بادرها قائلا :
هل يعقل ان تصابي بمثل هذه الصدمة:عاتبها . انت تعلمين ان علاقتنا ماهي الا لفترة بسيطة ..
لو انها كانت تعرف ذلك .. ولكن في الواقع كانت تعلم الا انها تناست تلك الحقيقة في غمرة أحاسيسها .. لم تكن تريد الأعتراف بها ..
ولكنها الآن .. والحقيقة تلك ماثلة امام عينيها ليس امامها من خيار الا رؤيتها..
انا آسفة ..:قالت هامسة . طوال اليوم كنت اعني من توعك عام ..
لم يكن ما قلته صحيحا ولكنها لم تكن لتقبل ان يعرف مدى الصدمة التي اصابتها من كلماته فكل احلامها وأمانيها التي بنتها خلال الاسابيع الماضية قد ماتت في مهدها ..
في الحال رسم على وجهه كل الاهتمام :
هل هذا صحيح .. آه ياعزيزتي وها انا اخبرك بما لدي وبدون ان الاحظ ذلك .... نعم اعتقد انني لاحظت ذلك فور دخولي البيت ..
وضع أصبعه تحت ذقنها رافعا وجهها اليه .. بدا القلق على وجهه ..
لا أظن ذلك..
لا.. انا لست كذلك فأنا لا انتظر طفلا
فكرت انها لايمكن ان تلجأ الى هذه الحيلة لابقائه بجانبها حتى وان كان ذلك حقيقة..
حسنا دعينا نهتم بك اذن .. دعيني آخذك الى السرير ابتسم لها .. لأول مرة رأت فينيلا تلك الابتسامة..
الأبتسامة التي لم تستطع حتى الوصول الى عينيه .. حتى الوسامة والسحر اللذين تراهما على وجهه لم تعد ترى منهما شيئا هل يعقل انها كانت طوال تلك الفترة عمياء..
لا ..شكرا جيرمي ..كانت افكارها . قد استقرت ونهضت على قدميها . لقد اصبحت احسن .. حقيقة .. وسأذهب الآن على أي حال ..
تذهبين ..تذهبين الى اين ؟
سأعود الى شقتي:افتعلت ابتسامة . هناك ما يجب ان افعله ومن المحتمل ان اقضي الليلة هناك .. في الواقع أظن انه من الأفضل ان اعود نهائيا الى شقتي ما رأيك؟
تعودين نهائيا ؟:حدق فيها لفترة ومن ثم افتعل ابتسامة باردة أعتقد انك غاضبة من اجل سنغافورا .. قلت لك فينيلا سألت عن امكانية عمل لك ايضا ولكن ليس هناك من عمل في الوقت الحاضر على الأقل .. وعلى كل حال لا أظن ان العمل هناك يهمك ..اليس كذلك..
انتظر أجابتها لبرهة .. وعندما لم تبد أي استعداد للأستجابة تابع محاولا اخفاء انانيته وحقارته..
انظري الي فينيلا .. لا اظنك فكرت في يوم من الأيام ان علاقتنا هذه سيكون لها أي هدف .. اليس كذلك ؟
اقصد ان ذلك كان واضحا منذ البداية .. ولم يكن من المقرر ان تستمر .. والا ماكنت احتفظت بشقة لندن..
حدقت فيه فينيلا غير قادرة على الأجابة .. لقد احتفظت بشقة لندن .. لأنها لم يكن باستطاعتها نقل جميع امتعتها الى شقة جيرمي الصغيرة التي استأجرها منذ شهرين..
وضعت يدها على رأسها ..
انا آسفة جيرمي.. لا استطيع ان اناقشك في شئ الآن فأنا لا اقدر على التفكير .. كل ما اعرفه الآن انني اريد العودة الى شقتي هذه الليلة .. وغدا..
غدا ....ستأتين مرة اخرى وكأن شيئا لم يكن ..:فجأة أصبح صوته قاسيا . وستبدئين من حيث توقفنا وتحاولين ايقاعي في نوع من الألتزام..الزواج مثلا..
تابع قائلا:
حسنا..هذا لن يفيد..مما لاشك فيه اني سأفتقدك .. فقد كنت رفيقة رائعة طوال الأسابيع الماضية .. قليلة الخبرة ولكن تعدين بالكثير:ابتسم بخبث . آسف لأنه ليس لدي الوقت لأظهر كل مواهبك .. في الواقع هناك فتيات يأخذن وقتا طويلا ليظهرن على حقيقتهن ..اليس كذلك؟
ابتعدت عنه فينيلا وبدون ان تنبس بأي كلمة دخلت الى غرفة النوم .. جمعت بعض الحاجيات لليلة واحدة .. هبطت الدرج عبرت الصالة الصغيرة.. خرجت الى الحديقة واتجهت الى سيارتها .. لم تودعه بأي كلمة .. ولم يحاول جيرمي اللحاق بها .. عادت الى شقتها .. قضت ليلة مسهدة .. وعادت في صباح اليوم التالي وبعد ان تأكدت من خلو الشقة لتأخذ بقية اشيائها بعد يومين ..وصلتها أخبار مقتل والديها في كندا اثر حادث قرب مدينة تورنتو....لم تعد الى رؤية جيرمي بعد ذلك..





الفصل الثامن
مضت الأشهر التي تلت الحادث وكأنها كابوس .. همست فنيلا بتلك الكلمات وهي مستندة على صدر روبرت ..
- بدا لي ان العالم بأكمله قد انهار من حولي .. كان ينتظر ان اقوم بالعديد من المهام اولها السفر الى كندا لأرتب امور الدفن واجراء بعض المعاملات الرسمية حيث ان والدي ووالدتي لم يكونا كنديين....لقد كان كابوسا..

لم يكن هناك من احد يساندك في محنتك:تمتم وهو يضمها بين ذراعيه . خاصة وانك لم تفيقي بعد من صدمة جيرمي وحبك له ..

اعتقدت انني كنت احبه:قالت بسرعة . لم يكن حبا حقيقيا ولكني لم اكن اعلم ذلك .. ولم اعرف ماهو الحب الى ان قابلتك ..

بعد ان عادت الى انكلترا.. كان على فينيلا القيام بالعديد من الأشياء الخاصة وانها كانت تشعر بالوحدة والحزن يملأ قلبها ..
بعد ان تمت جميع الأجراءات قررت الأبتعاد فكرت ان لم يبق من شئ يمكن ان تهتم به او من اجله .. قررت الرحيل علها تبدأ حياتها من جديد ..
وقد حاولت ذلك .. وضعت الأموال التي ورثتها عن والديها في البنك ورصدت مبلغا معينا للسفر الى الخارج لمدة سنة قامت بجولة في اوروبا .. زارت صالات المعارض.. والمتاحف جلست على أرصفة الشوارع دخلت المقاهي الشعبية .. تعلمت اللغات التي كانت تنقصها .. تعرفت على الحياة الفرنسية والألمانية والأسبانية ولكن لم يبارحها رغم ذلك الشعور بالوحدة..
المرحلة الثانية كانت السفر الى امريكا كانت تحتاج الى شجاعة كبيرة لعبور الأطلسي مرة ثانية بعد عبورها له في المرة الأخيرة زارت كاليفورنيا والأريزونا ولانها لم تكن تستطيع البقاء بدون عمل عمدت الى استلام العديد من الأشغال اينما حلت مثل نادلة في مقهى .. مساعدة في محل .. عملت أي شئ وكل شئ في سبيل التخلص من الشعور بالحزن .. ومن حقيقة انها اصبحت وحيدة في هذا العالم ..
على الرغم من وحدتها .. لم تستطع تكوين اصدقاء حميمين .. كانت دائما تطاردها صورة جيرمي وخيانته لها .. كانت متأكدة انها لن تستطيع خيانة اخرى..
اخيرا .. عادت الى الوطن بعد ان تأكدت من انها لن تجد السلام الا في بلدها انكلترا.. والا اذا عادت الى بلدها وواجهت مخاوفها وجها لوجه والانتصار عليها..
لقد هربت لوقت طويل وان لها العودة ..
لقد صدمها المبلغ المطلوب لشقة لندن .. ولكن المكتب العقاري أكد لها ان المبلغ المطلوب يعتبر مقبولا بالنسبة للأسعار الموجودة في المدينه والضغط الحاصل على البيوت .. اقترح عليها المكتب مشاركتها احدا ما في البيت خاصة وانه مؤلف من غرفتي نوم الا ان الفكرة لوحدها اشعرت فينيلا بالخوف والقلق .. فبعد سنتين من السفر والغربة لم تكن تريد شيئا في هذا العالم اكثر من حاجتها للوحدة خاصة بعد قضاء يوم كامل في الغابة البشرية التي آلت اليها مدينة لندن.. لم تكن لتسمح لأحد بان يحطم هذا السلام وهذه الوحده ..
اتجهت الى النافذة ونظرت الى الخارج .. كانت شقة ضمن عدة بيوت قديمة تقع داخل سور يضم العديد من البيوت تحيط بها الحدائق .. كان ذلك في الماضي الا ان الحديقة الان اصبحت مشاعة للجميع .. انتشر الأطفال هنا وهناك وجلست الفتيات اللواتي يعملن في المكاتب القريبة على العشب يتناولن وجباتهن الخفيفة..
سآخذ هذه الشقة:القت نظرة سريعة الى الشقة . سأصنع من هذا بيتا رائعا لي ..
نظر اليها الشاب مستغربا .. لم يكن معتادا على الزبائن الذين يتخذون قراراتهم بهذه السرعة..
تقصدين انك ستأخذينها بالسعر المطلوب ؟
لا....
ضحكت فينيلا.. صحيح انها بسيطة الا انها لم تكن ساذجة في شئ .. طلبت تخفيضا مناسبا وذكية..
حسنا ....سأتصل بصاحب البيت وقدم له عرضك وسأبلغك بالنتيجة .. هل تودين ان نقوم نحن باجراءات الشراء ..
حسنا ..
بعد ان تمت حل هذه المشكلة .. التفتت الى ايجاد عمل .. قررت البدء من جديد ..بناء حياتها من جديد ولكن بدون تهور وتسرع وبعد تفكير طويل..
كان قد مضى عليها ثلاثة اسابيع منذ ان انتقلت للعيش في شقتها الجديدة .. عندما شاهدتها جينا عند درج البيت ودعتها لحضور حفلة في بيتها..
حفلة ..لست متأكدة..
كانت ماتزال تخاف من تكوين صداقات جديدة خاصة بعد ان فقدت الرجل الأول الذي احبته وبعد ان فقدت والديها .. لم تكن تريد المزيد من الألم..
نظرت الى الفتاة التي امامها .. ارتبكت لم تكن لتستطيع أعطائها الجواب اللازم ..
ارجوك اقبلي ..:كانت جينا جارتها واما لولدين شقيين جدا .. الأول في السادسة والثاني في الرابعة من عمره كانا يملان الحديقة بصراخهما الدائم . انها حفلة خاصة للترحيب بأخي لقد امضى في استراليا اكثر من اربع سنوات وهو لا يعرف احدا في لندن .. ارجوك ان تأتي .. بالأضافة الى انه حان لنا ان نتعرف عليك .. فقد مضى عليك في الشقة شهر تقريبا وأشعر بالذنب نحوك..
حسنا:ضحكت فينيلا بمرح . يسرني ان آتي .. ومتى ستكون الحفلة ..
غدا مساء .. تعالي في الثامنة .. سنكون حوالي عشرة اشخاص.. الذين يسكنون في الجوار .. بالأضافة الى اخي وصديق له سيأتي معه .. لقد أعددت طاولة مفتوحة .. لذلك أرجو الا تتناولي شيئا قبل المجئ .. لدينا الكثير من الطعام .. واذا زاد شيئا فسيتولى العفاريت الذين عندي القضاء عليها في اليوم التالي ..
ابتسمت لفينيلا واختفت في شقتها .. تاركة فينيلا تتابع الصعود الى شقتها حاملة معها الأغراض التي كانت معها بالأضافة الى قلق تولد من خلال حديثها مع جينا .. ولكن لم القلق .. فماهي الا حفلة:هكذا فكرت فينيلا حتى انها لم تكن مجبرة على البقاء لنهاية الحفلة اذا ارادت ان تغادر باكرا.. كان بأمكانها الظهور في البداية وقضاء ساعة وبعد ذلك الأعتذار والانسحاب ..
أذن..لماذا ينتابها الأحساس بالقلق وكانها حياتها التي حرصت على المحافظة عليها خالية من القلاقل كانت على وشك ان تصبح رأسا على عقب ....مرة ثانية..
هذه جارتنا الجديدة الانسة فينيلا سوتكليف ..
لمست جينا ذراع ان لتنبهها الى الرجل الطويل الأسمر الذي كانت تريد ان تقدمه لها:فينيلا ..هذا صديق أخي مايك .. انه البروفسور روبرت ميلبورن....
ولكن لم الألقاب ..فهذه حفلة .. ليس حفلة رسمية . كان صوته عميقا ومؤثرا .. ولكن بدون لكنه من اللهجة الأسترالية .. كما توقعت فينيلا ..انا لست عالما ولكن رجل تاريخ التقطني مايك وانا في استراليا .. وعدنا والتقينا هنا في لندن ..وماذا عنك ؟
كانت عيناه تحدقان بها بأصرار..
انا..
نظرت اليه بأرتباك .. كانت تعاني من اغرب الأحاسيس والمشاعر نعم .. لقد مرت من قبل بمثل تلك الأحاسيس ولكن لم تكن بنفس القوة
تذكرت لقاءها الاول بجيرمي ..
" لا ..لا.. ليس مرة ثانية .. لقد سعيت الى الاستقرار في حياتي وحصلت عليه ولا اريد ان افقد هذا الأحساس " كانت تلك الفكرة اول ماتبادر الى ذهن فينيلا ..
كان روبرت ميلبورن مايزال يحدق فيها .. بحثت عن طريقة للهرب ولكنها لم تجد ..
نعم....بالنسبة للتاريخ القريب .. علمت من جينا انك انتقلت الى شقتك مؤخرا..
هذا صحيح .. الشقة التي فوق هذه..
أظن ان ذلك أفضل من السكن في الشقة التي تحت هذه خاصة وان لجينا ولدين في غاية الشقاوة .. اظن ان ساكني تلك الشقة مصابون بالصمم..
:ابتسمت فينيلا . لا اظنهما في غاية اللطف ذلك الشقيين ..
في بعض الأحيان ..اذن .. اين كنت تقيمين قبل الانتقال الى شقتك الجديدة ..
ليس هناك من مكان محدد .. لقد مكثت حوالي الثلاث سنوات في الخارج..
هذا يبدو مسليا..
شعرت فينيلا بقوتها للحظة الا انها كانت تقوم بجهد كبير لذلك ..
ولكن لو انها تجد مهربا من ذلك الموقف وفي ذلك الرجل ولكنهما كانا يجلسان في زاوية الغرفة والمهرب الوحيد نافذة فرنسية واسعة .. اخذت نفسا عميقا في محاولة للتخلص من التوتر الذي كان يهيمن عليها ..
ليس كثيرا .. فلم أكن أعلم أي شئ على وجه الخصوص اطلعت على صالات العرض والمتاحف ومن ثم ذهبت الى امريكا لفترة من الزمن ..
تتحدثين عن تلك الرحلات وكانها نزهة او مشوار تسوق ممل .. لابد ان هناك أشياء أكثر متعة..
نظرت فينيلا الى عينيه كانت تحاول ان تعترض ولكن الانطباع الذي كان فيهما جعلتها تردد حاولت قول شئ الا انها توقفت ..
شعرت بتوعك كبير .. امتلأت عيناها بالدموع .. ظهر الأهتمام على وجه روبرت وضع يده تحت مرفقها ..
فينيلا..هل انت متوعكة ..انظري يمكننا الخروج من هنا:قادها عبر النافذة الفرنسية العريضة الى الحديقة حيث كان الجو اكثر برودا وهدوءا أخذت نفسا عميقا لعدة مرات .. ما ان تحسنت حتى نظرت اليه بأبتسامة امتنان..
شكرا لك .. لقد أصبحت أحسن حالا الان .. لقد شعرت بالحرارة فجأة..
كان ينظر اليها بأصرار .. انتبهت الى انه لم يصدقها ..
هل هناك من شئ أزعجك ؟ شئ قلته لك مثلا او شئ قلتيه انت بنفسك .. ماذا كان يافينيلا ؟ هل تعتقدين ان بأمكانك اخباري ؟
هزت رأسها وامتلأت عيناها بالدموع مرةاخرى..
ماذا كان يحدث لها ؟ بعد كل تلك السنوات من العواطف المتبلدة .. تسمح لتلكالدموع بالسيطرة على تماسكها .. لماذا تشعر فجأة بالحاجة الى البكاء وأخراج كل مايعتمل في صدرها من احزان .. هل السبب تلك العينين الرماديتين المحدقتين فيها بدفء؟هل السبب ذلك الصوت الذي مس شفاف قلبها .. أخذت يديها الى وجهها لتفاجأ به يحتضنهابيديه المرتجفتين ..نهضت بارتباك رافعة اليه نظرها..كانت عيناها تحمل كل الآلآم منالحب الأول..
نظر اليها روبرت باهتمام أطلق يديها ولكنه قربها منه واحتضنها بينذراعيه ..
-سآخذك الى شقتك فينيلا:قال بسرعة. لاتقلقي بشان جينا .. سأفكربعذر اقوله لها .. ويوما ما وفي القريب العاجل .. سنتقابل ونتحدث .. فلدينا الكثيرلنقوله..
اعتقد انك توافقيني الرأي اليس كذلك؟
لم تقل شيئا فقد كانت دقاتقلبها تتسارع .. وعلى كل حال لم يكن لديها من شئ تضيفه او تقوله .. بينما كان يقودهاالى شقتها عبر الحديقة شعرت بان هذا اللقاء كان مقدرا له ان يحدث وان حياتها قدبدأت لتوها..
لم يكن بيدها شئ تفعله .. فمنذ اللقاء الأول مع روبرت وكما حصل لهافي المستشفى أثناء مباراة الكرة .. شعرت فينيلا ان هذا الرجل سوف يكون له شان فيحياتها بطريقة او بأخرى فعيناه وشفتاه وقوة خطوط وجهه انبأتها ان ذلك الرجل لم يكنعاديا ..
ففي الليلة الأولى التي رافقها فيها الى شقتها .. انتابها القلق والتوتر خشيت ان يطلب منه البقاء لفترة طويلة .. كيف كانت ستتصرف في مثل هذه الحالة.. كان هناك أحساس مواز لأحساس القلق والخوف .. أحساس لم تكن تدري كنهه في ذلك الحين ولكنه كان يملأ قلبها انفعالا وتأثرا ..
ولكن روبرت لم يقترح البقاء ولم يطلبه .. قادها الى غرفة الجلوس ..
القى نظرة سريعة على محتويات الغرفة الانيقة ساعدها على الجلوس على الأريكة الكبيرة .. ومن ثم وقف يحدق فيها لفترة وعيناه مليئتان بالأهتمام ..
تبدين شاحبة .. سأعد لك شرابا ساخنا .. ما رأيك ؟
لا..ارجوك ليس هناك من حاجة لذلك ..
ولكن روبرت أسكتها بحركة من أصابعه على شفتيها .
حسنا في هذه الحالة افضل فنجانا من الشاي .. ولكني استطيع ان اقوم بذلك .. فانا..
عبر روبرت الغرفة متجاهلا اياها ..
هل هذا المطبخ ؟ أظن ذلك ..لا ..لا لا تتحركي فانا بأستطاعتي ان اضع الماء على النار وأعداد الفناجين..
كان صوته يأتيها من المطبخ عبر الباب المفتوح.. سمعت صوت فرقعة فناجين الشاي وتذويب السكر فيها..
اظن انك لاتمانعين فيما اذا اخذت معك فنجانا من الشاي .. ظهر عند الباب يحمل فناجين من الشاي التي يتصاعد منهما البخار ..
هل اقول لك شيئا .. لقد بدأ المشروب الذي قدمته لنا جينا يأتي بمفعوله ولا اود ان اشرب أي مشروب روحي هذه الليلة ..
راقبته فينيلا وهو يضع الفناجين على الطاولة المنخفضة يناولها فنجانا ويأخذ لنفسه الآخر .. وأخيرا أختار لنفسه المقعد المقابل لها وجلس عليه يرتشف الشاي .. فكرت ان لو كان جيرمي مكانه لكان اختار الجلوس الى جانبها ولم يكن ليضيع هذه الفرصة..
هل تودين التحدث الي عن الشئ الذي ازعجك وأثار الحزن لديك:سألها بعد لحظات . هل هو شئ قلته لك ؟
هزت فينيلا رأسها نفيا .. لا ..في الواقع لم يقل أي شئ فقط الطريقة التي نظر فيها اليها .. ذلك الشعور المفاجئ الذي تولد داخلها .. خيبة الأمل .. تمنت في تلك اللحظة لو انها قابلته منذ سنوات عديدة .. وقبل التعرف نهائيا الى جيرمي وقبل ان تغلق قلبها في وجه الحب..
لا..لم يكن هناك من شئ .. فقط لحظة حمق او سخافة من المحتمل لانني متعبة..
ابتسمت له لتبرهن له عن صدق اقوالها.. تغير الانطباع على وجه روبرت .. أبعدت نظره عنها بسرعه تخيلت للحظة انها رأت فيهما الحنان .. ولكن هذا غير معقول .. لقد تقابلا لتوها .. كيف له ان يشعر نحوها بأي شئ ماعدا الأهتمام العابر ؟
حسنا:قال بعد لحظات على الرغم من ان فينيلا كان لديها الشعور انها ستبكي مرة اخرى بسبب اللطف والحنان الذي كان يعاملها به . لن اضغط عليك أكثر من ذلك .. ولكن في يوم ما آمل ان يصبح لديك ثقة نحوي .. ثقة تدفعك الى اخباري .. سنتقابل ثانية .. اليس كذلك؟
هل سنتقابل ؟:همست وبدون ان تجرؤ للنظر اليه ...
نعم ..:كان صوته حازما وواثقا . وسيكون ذلك قريبا جدا .. غدا ..؟ لا لدي موعد هام لا استطيع تأجيله اذن فلندع ذلك لبعد الغد .. هل استطيع دعوتك على العشاء:انتظر الى ان تتمكن فينيلا من السيطرة على قلبها المضطرب وأضاف . أرجوك ؟ كان رجاؤه حارا وكانه كان يتوقع رفضها وفي نفس الوقت كان يتمنى مخلصا قبولها لدعوته .. دقت أجراس الخطر في اذن فينيلا .. في تلك اللحظة لم يكن بوسع فينيلا ان ترفض لذلك الرجل أي طلب .. لم يكن الأمر يحتمل التسويف او المماطلة .. قالت لنفسها انه عشاء واحد....وماذا يمكن ان يحدث لها ؟ فقط ليلة من العمر ولكن في قرارة نفسها كانت متأكدة ان ما تشعر به لن يتوقف بعد تلك الليلة مر ذلك اليوم في ترقب لتعود بعد العمل الى شقتها .. وقفت فترة طويلة امام المرآة وأمام الملابس تفكر ماذا تلبس أخيرا أختارت ثوبا تركوازيا يظهر جمال جسمها الرشيق وفي نفس الوقت يظهر رونق شعرها الأسود الفاحم..
لن تسمح في حال من الأحوال ان يعرف روبرت كم عانت من الحيرة في اختيار اللباس والمكياج المناسب لهذه الليلة وكم كانت قلقة من ذلك اللقاء..
عندما وصل الى شقتها كانت بانتظاره بدت وكانها فتاة اعتادت مثل هذه المواقف واعتادت ان ياتي الشبان لدعوتها الى العشاء لاحظت انجذابه اليها من النظرة الأولى وهي تقوده الى غرفة الجلوس .. لدهشتها كانت تواقة الى معرفة رد فعله ورأيه فيها .. أخذت منه الزهور وشكرته ..
انها جميلة .. القرنفل زهري المفضل .. سأضعها في الماء حالا أرجوك تفضل وخذ لنفسك كأسا ..اتجهت الى المطبخ لتعود بعد لحظات ومعها مزهرية .. وجدته منهمكا في صب كأس من الشراب البارد ..
الا تفضل نوعا اقوى ..
ليس هذه اللحظة .. شكرا .. سنتناول بعضا منه على العشاء .. وعلي ان اقود السيارة ..
استقرت عيناه عليها لفترة..
تبدين افضل حالا هذا المساء..
شكرا لك..
بدأت بترتيب الزهور .. مدركة الأحمرار الذي كسا وجهها وكانها سمعت لتوها مديحا جريئا .. بادرته قائلة :
في الواقع لم اكن اعاني من شئ ذلك المساء.. فقط كنت مجهده قليلا .. ذهبت الى جينا واعتذرت لها وشكرتها على الدعوة .. قالت لي ان السهرة انتهت باكرا..
لا ادري .. فانا لم اعد الى الحفلة ..
كان هناك صمت لم يطل .. وضعت فينيلا المزهرية على طاولة صغيره التفتت الى روبرت .. رأته يحدق في الصورة المعلقة فوق الموقد مما اتاح لها الفرصة للتحديق فيه لأول مرة..
كان في الواقع جذابا .. اكتاف عريضة .. طول فارع .. خصر نحيف مع عضلات بارزة وكانه رياضي محترف .. وليس أكاديميا يعمل في مجال التاريخ..
استدار اليها فجأة وكانه أحس بنظرتها الفاحصة ما ان التقت نظراتهما حتى تشنجت وارادت ابعاد نظرها عنه بأي طريقة الا انها لم تستطع .. استقرت نظراتها عليه وشعرت بالحرارة تحرق وجهها وامعاؤها تتقلص من الداخل وانتقل التوتر الى كافة انحاء جسمها لم تتحمل كثيرا ذلك الموقف نهضت بسرعة .. اغلقت النافذة .. وضعت كتابا في المكتبة وبحثت عن حقيبة يدها ..
هل تريد مزيدا من الشراب ؟
اصبح صوتها غريبا عليها .. عضت على شفتها السفلى ولعنت نفسها لماذا تسمح له ان يؤثر عليها هكذا ؟
لا شكرا .. اذا كنت مستعدة يمكننا ان نذهب ..
تنحى لها قليلا لكي تمر من امامه .. كان جسمها يرتجف من الانفعال لدى مرورها بجانبه.. كانت متأكدة من انه يراقبها بأصرار طلبت من ربها ان تمر هذه الأمسية على خير ولن تكرر التجربة مرة اخرى ابدا..
كانت سيارته متوقفة امام الباب .. فتح لها الباب ودخلت كالأميرة لو كان جيرمي مكانه.. لقام بنفس التصرف الا انه كان يبدو مصطنعا وكان يحتفظ باللطف والكياسة في خزانة يخرجها وقت الحاجة وأثناء المناسبات .. اما روبرت ميلبورن فتبدو من صميم شخصيته ونمت معه وترعرت معه..
اخذها الى مطعم بجانب دار الأوبرا .. دخلوا الى شارع جانبي ودخلوا الى المطعم .. كانت الأضواء خافته استغرقت فينيلا وقتا لكي تعتاد على المكان .. لاحظت صورا عديدة لفنانين مشهورين معلقة على الجدران وعلى كل طاولة كان هناك شمعة ..
تلك صور ممثلين:اتجها الى طاولة منزوية قليلا . هذا المكان خاص بالمسرحيين والكتاب والعاملين في التلفزيون ..
نظرت فينيلا حولها ولكنها لم تتعرف على احد .. في الواقع لم يكن لديها في الماضي وقت لمشاهدة التلفزيون او الذهاب الى المسارح بدلا من ذلك أعادت انتباهها الى الوجبة المقدمة لها..
تبدو لذيذة .. شوربة الفاصوليا .. والسلطة التي احبها كل شئ لذيذ وأحبه .. شكرا لك على هذه الدعوة وعلى المكان طبعا انه هادئ..
اعتقدت انه ربما سينال اعجابك:قال بهدؤ . انه مريح لم اكن اريد الذهاب الى أي من المطاعم الفخمة .. سنؤجل ذلك الى وقت لاحق ..

وقت لاحق ؟:خفق قلبها...
اجل ..أقصد في المرة الثانية .. لابد وان هناكمرات اخرى .. اليس كذلك فينيلا ؟
أذا كنت تريد ذلك:تمتمت. ولكننابالكاد نعرف بعضنا ..
ولهذا نحن بحاجة الى ذلك اللقاء .. لنتعرف على بعضنا:مد يده عبر الطاولة وأمسك يدها. انا لست أفلاطونيا .. لقد كان لدي العديد منالعلاقات في السابق .. ولكني لم اسخر من أي امرأة ولم أسمح لواحدة منهن ان تفعل ذلك..هل يريحك هذا في شئ ؟
انا لا ادري ماذا..
لاتقولي انك لاتدرين ماذاأقصد:بدأ غاضبا. لتدعينا نتصرف بتظاهر كاذب .. أعرف انك تبدين خائفة مني ..ولكني أعدك اني لن اكون ذئبا مفترسا .. ينتظر الفرصة لينقض عليك .. ولن انهي هذهالامسية بالطلب المعهود في مثل هذه الحالات:تجاهل امتقاع وجنتيها. فقط اودان يتاح لنا التعرف على بعضنا البعض بشكل اكبر وأعمق ..اذا كان هذا ممكنا ....
لمتسأله ان مرة اخرى عما يقصده فقد أصبح واضحا لديها ما يقصده .. وقد أصبح واضحا لديهاشعورها نحوه في هذه اللحظة كانت يداها ترتجفان تحت يديه ..
أخذت تحدق في الوجبةالموجودة امامها الا انها لم تكن ترغب أي شئ .. لم يكن في ذهنها الا شئ واحد .. لقددخل روبرت الى حياتها وأصبح جزءا منها ..


الفصل التاسع

رويدارويدا بدأت فينيلا بالتعود على روبرت والثقة به كان يعاملها بلطف ولكن بجزم مانعااياها من التفكير بالتراجع عما كان يخطر لها احيانا ان تفعل .. ولكنه كان يترك لهاالمجال مفتوحا لعدم الأحساس بالضغط والأسر .. كان متأكدا انه اذا شعر ان لديهاالرغبة الحقيقية في الأبتعاد عنه فلن يتردد في ان يطلق حريتها ..
ولكن لم تكنتريد ذلك .. مع انتهاء الأسبوع أصبح روبرت كل شئ في حياتها لم تعد تستطيع الأستغناءعنه .. كان دائم الحضور ..
كانت لاتستطيع البقاء وحيدة أصبحت تشعر بوطأة الوحدةاذا غاب عنها فمنذ ان انهت علاقتها مع جيرمي لم تفارقها تلك الوحدة ابدا فقد اغلقتقلبها في وجه أي علاقة صداقة او حب ..
كان روبرت يوقظها من ذلك السبات ويحاولاعادتها الى الحياة من جديد ولكن ببطء وأصرار..
ذهب معا الى المسارح والمتاحفوصالات العرض , سارا تحت المطر وأثناء هبوب الرياح .. تمشيا بجانب النهر وفي الغابةالقريبة من لندن ..
تحدث لساعات حول الكتب التي قرأها والأفلام التي رأياها .. والموسيقى التي يفضلانها .. اكتشفا ان اذواقهما لاتتشابه دائما ..
كان يصلان الى نقطة حرجة في بعض مناقشاتهما لبعض المواضيع..الا ان التوتر مايلبث ان ينجلي بضحكة الا ان كان هناك العديد من نقاط التشابه التي اتاحت الفرصة فخلق مشاعر عميقة فيما بينهما ..
تكلما عن حياتهما السابقة .. عن طفولتهما وعائلتيهما واصدقائهما تحدث روبرت اليها عن بيت العائله في كوتسوردز والذي ورثه اثر وفاه والده منذ ثالث سنوات.. والذي قرر انه سيكون مقره اثناء تأليفه للكتاب القادم ..
بعد ذلك أصبح بمقدور فينيلا ان تحدثه وباطمئنان حول علاقتها بجيرمي ..
اتساءل الآن مالذي اعجبني فيه:قالت بأمانه . كان ذا مظهر جيد جذابا مؤدبا وقد كنت في حينها بريئة لا استطيع التمييز بين الصح والخطأ .. لقد استغلني لتسليته الى ان تحين الفرصة المنتظرة او الخطوة التاليه ..:أحمرت خجلا من ذلك الاعتراف الا انها قالت . حقا لقد كنت غبية سافر بعدها الى سنغافورا وتركني وحيدة ..
ولكنك شابة صغيرة:أمسك يدها بدفء . كلنا نخطئ في وقت من الأوقات ..
شئ في صوته دعاها للنظر اليه
انت ايضا ..
اومأ لها بالموافقة ..
ليس هناك من هو معصوم من الخطأ .. فينيلا ..نعم..مررت بلحظات مثل تلك ايضا .. الا ان خطيئتي قادتني الى الزواج لا تقلقي:امسك بيدها عندملا لاحظ اضطرابها . لقد انتهى كل شئ الآن .. لقد كان ذلك منذ عدة سنوات ..
صمت لفترة .. ونظر الى الفراغ وكأنه يود ان يتذكر الماضي البعيد انتظرته فينيلا وهي تراقب ايديهما المتشابكة لدهشتها شعرت بالصمت يعم المكان .. القت نظرة الى ما حولها .. كان معظم الزبائن قد انهوا عشاءهم وانصرفوا كان النادل قد أتاهم بالقهوة وانصرف.. سمعته يقول :
كنا شبابا ايضا .. وعنيدين جدا .. وواقعين في الحب كان مقدرا من البداية ولكننا لم نلحظ ذلك طبعا .. هل تعرفين ان من اكثر الأخطاء التي كانت موجودة في العقد الأخير هي اعتبار سن الثامنة عشرة للنضوج .. نعم كنا في الثامنة عشرة من عمرنا .. لم يستطع أحد ان يثنينا عما كنا نريد .. وهكذا تزوجنا ..
في الثامنة عشرة من العمر ؟
كنا قد دخلنا الجامعة لتونا .. كان جنونا هذا في الواقع حذرنا الجميع من تلك الخطوة .. ولكننا كنا في غاية العند والجنون فلم نستمع الى احد..
اذن ..ماذا حدث ؟
وماذا تظنين ؟ خلال سنة واحدة ظهرت التصدعات على تلك العلاقة وخلال سنتين لم يعد بالأمكان اصلاح هذه التصدعات لأنها اصبحت شديدة العمق .. قابلت هيلين شخصا آخر .. وانتقلت للعيش معه.. وهكذا انتهت العلاقة .. لحسن الحظ كان من الممكن الحصول على الطلاق بسهولة وذلك بفضل القوانين الجديدة في ذلك الوقت افترقنا بشكل ودي وبكثير من الحزن ولكن بعقلانية اكثر .. على الأقل كنت اذكى منها ..لأن هيلين تزوجت مرتين وربما تزوجت للمرة الثالثة .. لا أدري.. فأنا لم اسمع عنها منذ سنوات .. ولكني كنت مثلك .. بقيت وحيدا لعدة سنوات ....لن اقول انه لم يكن هناك من نساء في حياتي..ولكن لم تكن هناك واحدة ذات اهتمام خاص هل تفهمين ذلك ؟:كان يداعب يدها بأصابعه بلطف .
نعم..نعم..اعتقد انني أفهمك..
دعينا نذهب..
أخذها الى البيت .. كان البيت يغرق في الظلام حيث ان جينا وزوجها وطفليها كانا قد انتقلا الى الريف والساكنين الجدد لم يكونوا قد وصلوا بعد..
في الداخل .. اتجهت الى المصباح الموجود في زاوية غرفة الجلوس كان روبرت يقف عند الباب بنظرة منها دعته الى الدخول والجلوس اختار مكانا ملاصقا لها كات تشعر ان على لسانه الكثير من الكلمات الا انها لم تجرؤ على التكلم او حتى النظر اليه ..
فينيلا....
شعرت وكأنها تريد ان تهرب الى ان قدميها لم تطاوعها على شئ وفي الواقع لم تكن ترغب في الهرب بل لم تكن تعرف كيف تتصرف في داخلها مشاعر متضاربه ظنت انها ماتت منذ زمن بعيد..
فينيلا ..هل تدرين ماذا تعنين لي ؟
رفعت اليه نظرات كلها ترقب وانتظار..
ماذا كانت تنتظر ؟
ان يقبلها ان يقول انه يحبها وسيتزوجها ..
قرب اليها وضمها بين ذراعيه .. كانت تشعر بأحاسيس عميقة لم تكن قد خبرتها من قبل حتى عندما كانت تعتقد انها واقعة في حب جيرمي..
روبرت..
نعم ياعزيزتي ....هناك الكثير لنقوله ولكن ليس الآن لاتقلقي لن اغير رأيك..ولكني اود ان اعطيك فرصة للتفكير .. لعلك تودين تغيير رأيك .. ولكن آمل الا يحدث هذا..ولكنك على كل حال انت في حاجة الى هذا الوقت..
فينيلا ....صدقيني انت في حاجة للتفكير..
اومأت برأسها بالموافقة فقد كانت تعلم انه على حق ..فقد مرا كلاهما بتجربة مرة.. وعليها ان يختبرا حبهما خطوة بخطوة وهذا ماكان يفكر به روبرت تماما..
سأتركك الآن:قال بنعومة . ولكني لن استطيع رؤيتك في الغد ولكن بعد غد .. سأتصل بك في الوقت المعتاد ..سنتعشى في مكان خاص جدا وبعدها سنتكلم..
تذكرت فينيلا ذلك الوعد باللقاء بعد عدة اشهر من اين لها ان تعرف انها بمقدار لهفتها بذلك اللقاء كانت ستواجه نهايتها المرعبة .. حتى الآن وهي قابعة بين ذراعي روبرت وجدت ان من الصعوبة تركيز تفكيرها ومعرفة ماحدث بالتفصيل ولكن لابد من ان تعيش تلك اللحظات من جديد بكل تفاصيلها عندها فقط ستتمكن من طردها من ذاكرتها ومحاولة نسيانها والاستمرار في حياتها..
كان يوما دافئا مشمسا كانت فينيلا قد استيقظت باكرا كان قلبها يخفق بشدة نظرت من النافذة .. شعرت كأن الطبيعة تشاركها فرحتها باللقاء المنتظر..
لقد قال روبرت انهما سيتكلمان .. ولكنها كانت تعلم انها ستحصل على اكثر من الكلمات التي وعدها به فالليلة ستتخلص من ذكرى جيرمي وستنفض عنها وعن حياتها غبار السنوات الماضية التي قضتها وحيدة .. حيث سيأخذها روبرت ويطير بها الى السماء حيث النجوم وحيث السعادة التي لاحدود لها ..
حمدت ربها لأن يومها كان مليئا بالعمل علها لاتفكر كثيرا ويمضي الوقت سريعا .. كانت كل فترة وأخرى تختلس النظر الى ساعتها ..
وأخيرا حلت الساعة الخامسة .. ابتسمت مودعة صديقاتها واتجهت بسرعة الى شقتها استعدادا للقاء روبرت أخذت دشا وارتدت ثوبها الذي اشترته بالأمس أكملت استعدادتها أمام المرآة واطمأنت الى جمالها وملائمة الثوب على جسمها .. ولكنه لاحظت في عينيها الكثير من الخوف والقلق ....لماذا ؟
فروبرت غير جيرمي .. انه لطيف .. صبور..روبرت هو الرجل الذي تحبه والرجل الذي ستحبه دائما ..
قفز قلبها من مكانه لدى سماعها لرنين جرس الباب ..لقد وصل ....والسهرة قد بدأت ..
تحول المكان الخاص الذي وعدها به لتناول العشاء الى مطعم فاخر حيث حجز طاولة منعزلة بعض الشئ ..ظهر النادل وقدم لهما الطعام وانصرف .. ولم يعد يظهر لهما الا اذا كانا بحاجة الى شئ ولهذا بقيا لوحدهما تماما ..

لم تعد فينيلا تتذكر ماالذي طلباه في تلك الليلة شئله علاقة بالسمك .. ولكنها كل متناولته كان لذيذا مادامت تجلس مع روبرت ....تذكرتانها قالت ذلك لروبرت..
- فكرت خلال اليومين الماضيين؟
سألها بينما كان يشربانالقهوة انا لم افكر في شئ عدا ذلك .. فأنت تعلمين ما سأطلبه منك اليس كذلك ؟
صمتتفينيلا للحظة .. والآن وقد حانت اللحظة الحرجة والمهمة في حياتها .. شعرت بالخوف فيالأستمرار.. تمنت لو ان الوقت يتوقف عند تلك اللحظة وروبرت ينظر اليها بتلك الطريقةلأنها ما ان تنطق بكلمة موافقة فسيتغير كل شئ .. وربما سيتركها بعد مدة والى غيررجعة..
فينيلا..
نعم ياروبرت..اعرف
تماسكت ايديهما على الطاولة ..شعرتبقلبها يكاد يخرج من مكانه .. احساس بالدفء والسعادة نبع من داخلها..
نظرت الىروبرت .. وادركت الا احد غير روبرت في هذه الدنيا .. وان الحياة لهما..
ارجوكياروبرت خذني الى البيت ..
دخلا الى البيت .. حيث كان القمر يدخل بنوره الى غرفةالجلوس لم يجدا داعيا لأشعال الضوء.. جلسا متقاربين ..
انتابتها رعشة كبيرة عندماوصلت الى تلك المرحلة من ذكرياتها قربها منه روبرت وحثها على متابعة التذكر ..ولكنها كانت تعلم ان ما سيأتي كان رهيبا ..
كانا جالسين على الأريكة يتحدثانويبثان حبهما لبعضهما .. لم تكن تشعر بأي شئ الا بحب روبرت عواطفه الملتهبة .. كانيقبلها بحب بالغ..
تابع كلماته لها حوار وقبلات محمومة ..
فينيلا..انا لااطلب ماتفكرين به فأنا لااريد ان....
ولكني موافقة.. همست له بصوت منخفض..
انا اطلب الزواج منك وليس كما تتصورين ..هل تفهمين ذلك؟
آه..روبرت سأتزوجك غداان اردت..
ضمها اليه .. فجأة سمعا وأحسا بحركة بالقرب منهما تنبها للحظة حيث ظهرثلاثة رجال من الظلال .. كانا يضحكان بشدة وبصوت مرتفع .. نهض روبرت لمواجهتهم الاانه وقع على الأرض أثر ضربة وجهها اليه أحدهم بآلة في يده..
وتكاثر عليه الثلاثةواشبعوه ضربا.. كانت فينيلا تنظر اليهم وكأنها قد فقدت القدرة على النطق او الحركة..
كانت الأشكال الثلاثة تتحرك بالغرفة بوحشية تامة حتى فقد روبرت القدرة علىالنهوض من الأرض .. امسكت تمثالا صغيرا كان موجودا بجانب المصباح ورمته على احدهمالا انها لم تصب الهدف .. ولم تجن شيئا الى ان تنبه الرجال الى وجودها شاهدت أضخمهميتجه اليها والابتسامة على وجهه لم يكن واضحا تماما .. حيث كان يقف عكس النور القادممن النافذة.. امسكها بقوة من كتفيها..
ايتها الكلبة الصغيرة..دعونا نرى ماذالدينا هنا اضاء المصباح القريب منها .. انزعجت فينيلا من الضوء المفاجئ الذي غمرالغرفة .. القت بمظرها على روبرت ورأته ملقيا على الأرض بدون حركة .. لم تفكر كثيرا..فقد شعرت بيدي الرجل تعملان في شد ثوبها ..
لا بأس فصديقك يغط في نوم عميق ..اظن اكثر من صديق اليس كذلك..
ارجوك ..ارحل..
وبعد ذلك تتصلين بالشرطة اليسكذلك ؟ لا..لا اظن انها فكرة سديدة .. على كل حال:اتجه بنظره الى الرجليناللذين كانا يقفان بجانب روبرت. لم نكن نتوقع ان نجد امرأة هنا .. اليسكذلك؟
نظرت فينيلا الى علائم السرور التي ظهرت على وجه الرجلين شعرت بالخوف يزحفالى جميع انحاء جسمها .. انكمشت على نفسها ..
لا ..لا ارجوك:كانت تعلم انهابذلك كانت تزيد سرورهم..
بيأس حاولت ان تستنجد بروبرت الذي كان مايزال ملقياعلى الأرض بلا حراك .. شعرت بالرجل يقترب منها اكثر .. ولم يعد لهما من أي امل فيالنجاة .. وهنا توقفت الذكريات..



الفصل العاشر

كانت ترتجف من تأثير تلك الذكريات وتلك الليلة المرعبة دفنت رأسها في صدر روبرت علها تبعد صور تلك اللحظات قربها منه اكثر.. بقيا هكذا لفترة طويلة الى ان أسترخى جسمها المتوتر .. انتظم تنفسها واستعدت لمواجهة ماتبقى من احداث..
ماذا حدث بعد ذلك-:سألته بصوت منخفض ..ماذا فعلوا بنا بعد ذلك .. لا استطيع ان اتذكر أي شئ ماعدا وانا انظر اليك وانت مستلق على الأرض مع معرفتي بعد قدرتك على مساعدتي ....بعد ذلك لاشئ.. لا اعتقد انني ارغب في معرفة ماحدث بعد ذلك .. ولكني بحاجة الى ذلك..
آمل الا تتذكري ذلك ابدا .. هناك لحظات مرت بي كنت اود ان انسى فيها كل شئ .. لقد اضطررت للبقاء بلا حراك وانا انظر اليهم فينيلا..لا اود ان اتذكر تلك اللحظات مرة اخرى ..كانوا قد ضربوني على ظهري لدرجة اني شعرت بكسر في عمودي الفقري .. لقد شلت حركتي الى القدمين وعندما تأكدوا من عدم قدرتي على الأتيان بأية حركة .. اهملوني واتجهوا اليك ..استطعت ان أجر نفسي حتى جهاز التليفون .. بعد ان لاحظوا ماكنت افعل اتجهوا الي مرة اخرى .. ولكني كنت قد اتصلت بالشرطة وطلبت منهم المساعدة ودللتهم على عنوان البيت ..
ارتعشت فينيلا بين ذراعيه .. حاولت ان تتصور ماذا حدث لها اثناء ذلك.. وماذا كان شعوره وهو مضطر الى مراقبة مايفعلونه ..
كان من الممكن ان يقتلوك....ان يقتلونا معا ..
بعد فترة من التردد سألته..
هل استطاعوا ان..ان..اقصد عندما قرروا الاتجاه الي ولم تستطع انت حراكا .. هل استطاعوا ان..هل تمكنوا من..
لا لم يتمكنوا حتى من الاقتراب منك .. حمدا لله .. لقد جذبت انتباههم الي صدقيني ياعزيزتي لم يتمكنوا حتى من وضع اصبع واحد عليك فسرعان ما اتت الشرطة وقبضت عليهم..
استرخت مرة اخرى .. فقد ملأها اشمئزازا تصور ماكان يمكن ان يحدث ..
اين هم الآن سألته. من المؤكد انهم قدموا الى المحاكمة ..لماذا لم يسألني أحد حتى الآن عن أي شئ؟
لم يكن هناك مجال لذلك .. عرف الأطباء في المستشفى الذي كنت تتعالجين فيه من الأغماء انك فقدت ذاكرتك وقد كان سام رائعا .. علمت انه باشر حالتك لذلك اتصلت به واتفقت معه على عدم ازعاجك بأي خبر او معلومات فقد كانت حالتك صعبة .. وأي محاولة تجعلك تتذكرين أي شئ كانت ستؤدي الى كارثة.. ولم تكن هناك من حاجة لذلك فقد كانت افادتي كافيه بالنسبة الى الشرطة..
هل تعني انه سيكون هناك محاكمة لأولئك المجرمين؟
لقد تعرضت لكل ذلك .. ولم اكن اعلم أي شئ؟
ليست الآن فهذه الأشياء تأخذ وقتا طويلا .. ولكن الرجال في السجن وينتظرون المحاكمة .. لن يتعرضوا لك مرة اخرى ..
ولكن لا بأس أستطيع ان اعطيهم افادتي الآن .. الآن وبعد ان تذكرت..
لست مجبرة على ذلك .. لا احد يستطيع ان يجبرك على ذلك..
لا..ولكني اريد ذلك لا اريدك ان تواجه كل ذلك لوحدك:كانا متقاربين قلبا وقالبا وكأن استرجاع تلك الذكريات جعلتهما يقتربان اكثر من بعضهما .
أصبح باستطاعتها الآن تذكر كل تفاصيل علاقتها ي الماضي ادركت الآن سبب ذلك الشعور بالألفة الذي كانت تشعر به نحو روبرت.. وادركت صعوبة موقفه وهو يعيش معها تحت سقف واحد ويواجه عدم تذكرها له ومعاملتها له كالغريب .. روبرت....أحبك كثيرا .. لم اتوقف عن حبك حتى وانا فاقدة للذاكرة فقد كان لدي دائما الشعور بالحب والألفة تجاهك وكأنني كنت قد قابلتك من قبل ..
كنت اعيش في جحيم كبير .. انتظر استعادتك للذاكرة خفت من عدم استرجاعك لذاكرتك وعدم تمكنك في الوقوع في حبي مرة اخرى..
لا احد يمكنه ان يمنع حبي عنك .. لقد وقعت في حبك منذ ان رأيتك للمرة الأولى في ملعب المستشفى .. لقد اظهرت لك حبي الا انك لم تستجب لي وتركتني وحيدة .. لماذا ؟
لقد هربت منك ومن كان يمكن ان يحدث لو استجبت لذلك الشعور ولم يكن من العدل بالنسبة لك.. اردت ان تقعي في حبي مرة اخرى .. ولكن ان تقعي في حب رجل كامل وليس رجل حبيس الكرسي المتحرك في تلك الليلة كان من الممكن ان اذهب بعيدا واطلب منك الزواج وانا متأكد انك ماكان يمكن ان ترفضي عرضي .. كن استطيع ان اربط حياتي بحياتك الى الأبد لأنني لم أكن أستطيع الاستمرار بدونك.. وفي نفس الوقت لم افعل ذلك لأنني لو فعلت لاحتقرت نفسي بقية حياتي وكان ذلك سيحطمنا نحن الأثنان..
كانت فينيلا صامته تستمع اليه .. فهمت ماكان يريد قوله ولكنها كانت تعرف انه مخطئ لأنها كانت ستقبل الزواج منه وبسعادة وبدون التفكير بعاهته اوبعجزه اما فكرة فرصته للأستفاده منها فلم يخطر على بالها ابدا بالنسبة لها حبهما كاف للزواج ولاستمرار البقاء معا..
اما بالنسبة لروبرت فالامور تختلف .. حيث يتدخل الكبرياء.. ولن يسمح بأن يقدم الا افضل ما لديه .. وقد كانت دائما متفقة معه ماعدا بعض الاشياء التي كانا يختلفان فيها ولكن ذلك الاختلاف في العلاقة مابين الرجل والمرأة هو الذي يعطي لتلك العلاقة السحر الذي يلونها وذلك في مختلف مراحل الحياة..
لايمكن لأي شئ ان يحطمنا ..
قالت اخيرا:ولايمكن لأي شئ ان يفرقنا .. فقد خلقنا لنكون معا روبرت .
نعم ..اعتقد اننا بالفعل خلقنا لبعضنا .. احبك كثيرا ولا استطيع الابتعاد عنك اكثر من ذلك .. اريدك ان تمحي من ذاكرتك كل تلك الذكريات المرعبة .. هل تسمحين لي بأن اقوم بذلك؟
لن تستطيع ان
تمحيها ابدا .. فهي جزء من حياتي كما هي جزء من حياتك .. وانا اريدها .. روبرت .. اود ان نتشارك في اللحظات الجميلة واللحظات الحزينة ايضا .. ولكن تستطيع ان تضيف اليها ذكريات جميلة بضمي بين ذراعيك الى الأبد..منتديات ليلاس


ت ــــتـــ م ــــمـــــمــــ م ـــتــــ ت


واخيرااااااااااا انتهيت

اتمنى للجميع قراءة ممتعة






روايات كامله منتدى عبير

التوقيع

signat
رد مع اقتباس


إضافة رد

أدوات الموضوع


جديد مواضيع استراحة بورصات

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
روايات كامله منتدى بنات كول UoZa استراحة بورصات 0 08 - 06 - 2012 02:28 PM
روايات كامله منتدى بوح عشاق UoZa استراحة بورصات 0 08 - 06 - 2012 02:23 PM
روايات كامله منتدى غرام UoZa استراحة بورصات 0 08 - 06 - 2012 02:17 PM
منتدى غرام روايات كامله Nermien استراحة بورصات 0 21 - 04 - 2011 10:59 AM


05:00 AM