يشعر الجميع بالانزعاج من هيمنة الدولار الأمريكي، وما لا يدركه البعض هو أن الدولار ليس مجرد عملة، فهو أساس النظام المالي العالمي، وعلى الجميع أن يتقبل هذا، حيث لا يوجد مخرج سهل من النظام الذي يسيطر عليه الدولار.
منذ عقود طويلة، يحاول البعض إيجاد بديل للدولار، ولكن حتى الآن لم يتمكن أحد من توفير هذا البديل، وإلى أن يحدث ذلك يجب أن نعرف جيدًا أنه لا جدوى من الانزعاج من سيطرة العملة الخضراء على النظام المالي العالمي.
عندما تعاني الأسواق من تقلبات واضطرابات قوية، يبحث المستثمرون على الفور عن ملاذ آمن يضعون فيه أموالهم، فيتجهون إلى الولايات المتحدة، حتى لو كانت هي مصدر هذا الاضطراب، فالأزمة المالية العالمية الأخيرة التي أدت إلى انهيار سوق الإسكان بأمريكا، دعمت مكانة الدولار العالمية، وذلك بعد ارتفاع الطلب على الأصول المالية الأمريكية الآمنة.
الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة بالعالم التي يمكنها توفير أصول آمنة مقومة بعملة احتياطية، وما يدعم الطلب على الأصول الأمريكية المقومة بالدولار، هو سياسة البنوك المركزية الأخرى الخاصة بالاقتصادات المتقدمة مثل البنك الوطني السويسري وبنك اليابان، التي تركز على إضعاف عملاتها، إذ تتدخل هذه البنوك بشكل مباشر في أسواق الصرف الأجنبي للحيلولة دون ارتفاع قيمة عملات بلادها.
تنزعج الأسواق الناشئة من آن لآخر من سيطرة الدولار الأمريكي، والغريب في الأخر، أن هذه الأسواق تساهم في تدعيم مكانة الدولار العالمية، عن طريق حرصها الدائم على بناء كمية كبيرة من الاحتياطيات الأجنبية، وفي الغالب يكون قوامها الأساسي هو الأخضر الأمريكي.
يعتقد البعض أن الولايات المتحدة شديدة الأهمية في النظام النقدي العالمي بسبب حجم اقتصادها، ولكن في الحقيقة ترجع أهميتها إلى أنها رغم كل شيء مازالت أفضل دولة مؤسساتية في العالم، وهذا هو السبب في أنها تمتلك أكبر سوق سندات بالعالم، بالرغم من حجم الديون الضخمة التي تقع على كاهل الحكومة الأمريكية.
يمتلك النظام الأمريكي مجموعة من التوازنات والضوابط التي تحكم العلاقة بين مختلف أذرع الحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى عملية ديمقراطية واضحة وشفافة، وهذا هو سر ثقة المستثمرين في هذا المؤسسات العامة الأمريكية.
في أمريكا، تخضع السلطة التنفيذية بجميع مستوياتها لقواعد القانون، ولا يمكنها أن تتجاوزه بأي شكل، وما يدعم ثقة المستثمرين الأجانب بالنظام الأمريكي معرفتهم أنهم سيعاملون بإنصاف شديد إذا استثمروا أموالهم في الولايات المتحدة، وأن ديونهم المستحقة لا يمكن شطبها بشكل تعسفي على حسب أهواء الساسة.
خلال العقود الأخيرة، تمكن الاقتصاد الصيني من تحقيق قفزات هائلة، وصار يقترب من نظيره الأمريكي في أكثر من ناحية من بينهم الحجم، مما دفع البعض إلى التساؤل حول مستقبل الهيمنة العالمية للدولار في ظل التغيرات الاقتصادية المستمرة التي يشهدها ميزان القوة الاقتصادية العالمية.
ولكن ما يحدث في الواقع يؤكد أن الصين لن تنجح في التغلب على الريادة التي حققتها الولايات المتحدة لنفسها، عن طريق أسواقها المالية ومؤسساتها العامة القوية، فمن المحتمل أن يتخطى الاقتصاد الصيني نظيره الأمريكي من حيث الحجم، على المدى القريب، ولكن لن تمتلك الصين أسواق مالية بنفس كفاءة وشفافية نظيرتها الأمريكية.
الوضع الراهن للنظام السياسي في الصين، وعلاقة مؤسساته ببعضها البعض، وكذلك نظامها القانوني الضعيف، كلها مؤشرات تؤكد أن الصين لن تحظى بنفس الثقة التي تحظى بها الولايات المتحدة وعملتها في الوقت الراهن.
INVESTING