اليونان وأوروبا
صرح " ألمونيا " مفوض الاتحاد الأوروبي للشئون الاقتصادية والنقدية يوم الجمعة " نحن نتعاون مع من يواجه صعوبات حادة "، و" كما أنننا في نحن في مركب واحدة ". لم يكن هناك أصدق من هذه الكلمات للتعبير عن الأزمة.
فقضية الدين السيادي اليوناني ليست مشكلة اليونان، على الرغم من كونها مشكلة يونانية، وهي ليست مشكلة الاتحاد النقدي الأوروبي. وما يعد بالفعل معضلة أمام الاتحاد النقدي هو الانفجار الهائل في الإنفاق والدين الحكوميين.
اليورو أحد الأهداف المطلوبة للدول الطامحة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن ينضم بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى اليورو في نهاية المطاف. وبالتالي سيكونوا مطالبين بضبط الميزانية، ويحققوا الاستقرار استثماراتهم دون تجاوز نسبة العجز المالي لـ 3% من الناتج المحلي الإجمالي مع تجنب تجاوز نسبة الدين الحكومي لـ 60% من الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لاتفاقية النمو والاستقرار للاتحاد الأوروبي.
صرح" خوسيه مانيول بارسو رئيس المفوضية الأوروبية "من الواضح تمامًا أن السياسات الاقتصادية لا تعد مسألة وطنية بحتة ولكنها مسألة تخص الاتحاد الأوروبي بأكمله ". وتجدر الإشارة إلى أن المفوضة الأوروبية ببروكسل تعد الكيان التنفيذي لدول الاتحاد الأوروبي الـ 27. أما الدول الـ 16 التي تتنبى اليورو كعملة موحدة فهى المكونة للاتحاد النقدي الأوروبي.
إن الخطر الذي يمثله العجز اليوناني، لا يعد خطرًا فقط على مصداقية الاتحاد النقدي الأوروبي، بل على اليورو واستمرار اتفاقية الاستقرار والنمو لمعاهدة ماستريخت المؤسسة للاتحاد الأوروبي. فاليونان في تلك الحالة تمثل فشل معيار ماسترخت للانضمام إلى اليورو. كما تشكل تهديدًا على انضمام الدول الأوربية الـ 11 المتبقية خارج الاتحاد النقدي الأوروبي إلى اليورو.
وبعد هذه التجربة، هل سيقبل أعضاء الاتحاد النقدي الأوروبي انضمام باقي دول الاتحاد الأوروبي إلى الاتحاد النقدي الأوروبي بدون تطبيق شروط المعاهدة؟ ولكن، كيف ستضمن حكومات دول مثل المجر ورومانيا وبلغاريا وبولندا وغيرها، لناخبيها تحقيق المعايير الاقتصادية المطلوبة وفقا للمعاهدة، في الوقت الذي اخترقت فيه الدول الأعضاء بالاتحاد النقدي الأوروبي تلك الحدود وبدون أي عقوبات؟ فلماذا ننضم إلى اليورو، خاصة عندما تقدم العملة المستقلة مرونة في السياسات النقدية وأسعار الفائدة، بدون الاضطرار إلى التخلي عن الفوائد الاقتصادية والتجارية التي تمنحها السوق الأوروبية المشتركة؟
ومن المتوقع ألا تكسر كل دولة من دول الاتحاد النقدي الأوروبي حاجز 3% للعجز في عام 2010. وفي ظل الظروف غير العادية للأزمة المالية و الركود والتي قد لا تؤدي في حد ذاتها إلى الإطاحة باتفاقية الاستقرار، تكسب الدول محتملة الانضمام إلى اليورو بعض الوقت لاحتمال تنبي بعض المعايير المالية والنقدية، ربما الأضعف أو الأكثر مرونة. ومن المحتمل أن تعمل المفوضية الأوروبية إذا اضطرت لذلك على فرض بعض القيود على الدعم المالي الحكومي و قواعد التجارة والعمل وبعض الامتيازات الأخرى الممنوحة للدول غير الأعضاء بالاتحاد النقدي الأوروبي.
ولكن إذا استمر العجز المالي حتى عام 2013 لكل من أسبانيا وإيرلندا واليونان على سبيل المثال ، فوق حاجز 3%، فمن المحتمل أن تتضائل رغبة وقدرة الحكومات على تحقيق الانضباط المحدد وفقا لمعيار ماسترخت للانضمام إلى اليورو، ومن ثم اتفاقية الاستقرار. ويبدو أن وعد الانضمام إلى اليورو قد أصبح وهمًا و بعيد المنال لدول شرق أوروبا.
ولا مفر للأوروبين. فإذا أدت قوى السوق إلى وصول معدلات السندات اليونانية إلى المرحلة التي ستبدأ فيها في القضاء على الدين السيادي للدول الآخرى بالاتحاد النقدي الأوروبي، فستقع جميع الحكومات الممولة للانتعاش في القارة الأوروبية تحت وطأة خطر.
هذا، وقد استجابت معدلات سندات الشركات بالفعل إلى الشكوك التى تسببت فيها اليونان، حيث بدأ مشترو سندات الشركات في تقليص مشترواتهم. فهم على دراية بأن على الشركات أن تفصح عن مبيعات السندات، ومن المحتمل أن يقدم الانتظار بضعة أيام آخرى لمشترى السندات بعض المعلومات عن المعدلات الأفضل للسندات التي لم تتغير جدراتها الائتمانية منذ الأسبوع الماضي.
كما تقلص فارق الزيادة لعائد السندات اليونانية عن السندات الحكومية الألمانية – أقوى السندات الأوروبية- والذي يستخدم كمقياس للمخاطرة، إلى 3.73% يوم الجمعة في أعقاب تسجيله 4.05% يوم الخميس.
وعلى الرغم من إنكار مسؤولي الاتحاد الأوروبي وكذلك الحكومة الفرنسية والألمانية ما تردد من أحاديث عن التفكير مليًا في خطة إنقاذ لليونان، انتهت تداولات سوق الأسهم في أثينا يوم الجمعةعلى ارتفاع بواقع 3.2%.
ويناقش المسؤولون الأوروبيون على مختلف المستويات في الاتحاد النقدي الأوروبي و المفوضية الأوروبية قضية دعم موازنة حكومة أثينا. وعندما يتم إعلان خطة بالفعل بهذا الصدد، فسينكر المسؤولون بلا شك كالمعتاد أن تلك الخطة تنصب على إنقاذ اليونان. ومن المتوقع أن يؤكدا على كما ضرورة الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي الصارمة و تعهدات اليونان بالإصلاح وتصميمها على الخروج للنور. كما سيركزوا على الطبيعة غير المسبوقة للأزمة المالية وآثارها على اقتصادات الدول. وقد يحدث كل ذلك، وأن تتحول الوعود إلى حقيقة. ولكن يبقى السؤال بعد تلك الهزيمة الشهيرة، هل سيتخذ أعضاء الاتحاد النقدي المحتملين معاهدة الاستقرار والنمو الأوروبية على محمل الجد؟