• 3:53 مساءاً




دعاء الاستخارة كامل

إضافة رد
عضو فـعّـال
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 1,370
معدل تقييم المستوى: 13
ربيع الحياة is on a distinguished road
11 - 09 - 2012, 02:53 AM
  #1
ربيع الحياة غير متواجد حالياً  
افتراضي دعاء الاستخارة كامل
80 فائدة من دعاء الاستخارة


عقيل بن سالم الشمري

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فإكمالا لسلسلة الفوائد المستنبطة من الأحاديث النبوية ، فسأستعين ربي على استنباط الفوائد من دعاء الاستخارة ، وهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

نص الحديث :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلّمنا السورة من القرآن ، يقول : " إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال – عاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ، ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال – في عاجل امري وآجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه ، وأقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضيني به " متفق عليه .

الفوائد :
فيه الكثير من الفوائد التربوية والإيمانية ، والأحكام الفقهية ، ومن ذلك ما يلي :
1ـ في الحديث دلالة على أن الاستخارة تشرع عندما يَهُمُ الإنسان بالأمر من الأمور ، لقوله في الحديث "إذا همّ " .
2ـ دل الحديث بمفهومه على أن الاستخارة لا تشرع عند الخواطر والأفكار التي تسبق للذهن ، والتي لا يكاد يسلم منها أحد غالبا ، لقوله في إحدى روايات الحديث :" إذا أراد أحدكم الأمر " .
فالهمّ المطلق في الرواية الأولى بينته الإرادة في الرواية الثانية ، ويخرج عن ذلك الخواطر .
3ـ الاستخارة في الحديث تشمل :
أ ـ طلب خير الأمرين ، وهذا مأخوذ من معناها اللغوي .
ب ـ وتشمل أيضا إذا أراد الإنسان فعل أمر ما لقوله في الحديث :" إذا أراد أحدكم"
4ـ ظاهر الحديث يدل على أن الاستخارة تشمل الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة ، وليس المراد أحيانا الاستخارة في أصل فعلها ، وإنما في أمور أخرى تتعلق بالأمر الواجب كوقت فعله وطريقة أدائه ، أو عند تزاحم الواجبات والمستحبات ، وهكذا ، فليس من الضرورة أن تكون الاستخارة في أصل أداء الفعل الواجب حتى تُمنع ، وعموم الحديث "إذا أراد أحدكم الأمر " يؤيد ذلك حيث أطلق الأمر .
5ـ الحديث يدل الإنسان المسلم على عدم الانسياق وراء الخواطر والأفكار التي ترد على الذهن ، ولهذا لم يشرع لها الاستخارة ، وكم تسببت هذه الخواطر من وسوسة ، وضياع للأوقات وإشغال للذهن .
6ـ يدل الحديث بمنطوقه على تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة سور القرآن حتى صار غيرها يقاس عليها من حيث الأهمية وعدمها ، ولهذا قال الراوي :" كما يعلمنا السورة من القرآن " فدل على فشو ذلك بينهم وانتشاره ، وهي سمة المجتمع المسلم .
7ـ يدل الحديث على نشر العلم ، وتعليم الناس الأذكار والأوراد ، وإعادتها حتى يتم حفظها ، وهذا واجب الدعاة اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم هذا الذكر دليل صريح على ذلك .
8ـ لا يدخل في الحديث الهمّ بالمحرمات والمكروهات ، لأن مجرد كونها منهيات فهذا يدل على كونها شرا للعبد ، ولذلك لا يستخار فيها ، ولمصادمتها الأوامر الشرعية .
9ـ يدل قوله : " إذا همّ " إلى أن ما يرد إلى الذهن يمكن تقسيمه إلى :
أ ـ خواطر لا يهتم بها .
ب ـ وإلى : همّ .
والفرق بينها أن الهمّ يرافقه إرادة وعزيمة على الفعل أو الترك ، ولهذا جاء في الرواية الثانية :" إذا أراد أحدكم الأمر " .
كما يمكن تقسيمها بناء على الحديث إلى :
أ ـ همّ معه إرادة : وهو المراد في الحديث في الروايتين .
ب ـ همّ لا إرادة معه : وهذا لاغٍ لا حكم له .
10ـ دل الحديث بصريح منطوقه على أن صلاة الاستخارة ركعتان ، لقوله :" فليركع ركعتين " ولا عبرة بالرواية التي أطلقت الصلاة في رواية الحاكم :" فليصل ما شاء " ففيها تضعيف في سندها ، ويقوي ضعفها مخالفتها رواية الصحيحين .
11ـ دل الحديث على أن صلاة الاستخارة تكون من غير صلاة الفريضة ، لقوله :" من غير الفريضة " وعلى هذا لا يصح الاستخارة في ركعتي الفجر .
12ـ يدل الحديث على أن نية الفريضة لا يدخل معها نية أخرى ، فإن التشريك في النية يضعفها ، ولهذا قال في الحديث :" من غير الفريضة " .
13ـ يدل قوله :" من غير الفريضة " على أن الاستخارة تصح في ركعتي تحية المسجد والسنن الرواتب فإنها داخلة في عموم "من غير الفريضة " .
14ـ على القول بجواز كونها في السنن الرواتب فالحديث يدل على تداخل النية بين الاستخارة والركعتين غير الفريضة ، والتداخل بين بعض العبادات يصح بشروطٍ محلها كتب الفقه .
15ـ يدل قوله : " إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع " على أن نية الاستخارة ينبغي أن تصاحب المصلي قبل البدء بالصلاة حتى ينتهي منها .
وعلى هذا لو شرع إنسان بصلاة ركعتين للسنة الراتبة ، أو سنة مطلقة ثم طرأت عليه نية الاستخارة فإن مفهوم الحديث يدل على أن هذه النية لا تصح ولا بد من نية تخص الاستخارة قبل البدء بالركعتين .
16ـ لم يرد في هذا الحديث وغيره السور التي تستحب القراءة بهما في ركعتي الاستخارة، وعلى هذا تبقى القراءة فيهما مطلقة من غير تقييد بسورة معينة أو آيات معينة .
17ـ قوله في الحديث : " ثم ليقل " يدل في ظاهره على أن هذا الدعاء بعد صلاة الركعتين ، وقد اختلف أهل العلم في موطن ذلك على قولين :
أ ـ يقال الدعاء قبل السلام .
ب ـ يقال الدعاء بعد السلام .
وظاهر الحديث يؤيد القول بأنه بعد السلام ، لقوله :" فليركع ركعتين ثم ليقل " فيفهم منه أنه عزل الركعتين عن الدعاء .
والمسألة محتملة ، والأمر واسع بإذن الله سواء قبل السلام أم بعده .
18ـ دعاء الاستخارة يدل على ضعف العبد ، وقلة علمه ، فهو يستخير ربه في أمره ، مما يدل على أنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ومن تأمل ألفاظ الدعاء تبين هذا الأمر بوضوح ، فقوله :" فإنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر " وغيرها يدل على ذلك .
19ـ وكذلك يدل دعاء الاستخارة على أن الإنسان قد يُقدم على فعل أمر ويعود هذا الأمر بالضرر عليه من حيث كان يرجو خيره ، فليس بالضرورة أن ما كان خيرا في نظر الإنسان يكون خيرا له في دينه وحياته ، وقديما قيل :" من مأمنه يؤتى الحذر " .
20ـ يربي هذا الدعاء في قلب المؤمن التوكل على الله ، فإن دعاء الاستخارة فيه تفويض الأمر إلى الله مع بذل سبب الدعاء ، وهذا هو المعنى الحقيقي للتوكل فقوله :" اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر " فبهذا فوّض العبد أمره لربه .
21ـ يربي هذا الدعاء قلب المؤمن كذلك على تعظيم الله سبحانه وتعالى ، وهو أهل للتعظيم ، فقول العبد :" وأستقدرك بقدرتك فإنك تقدر ولا أقدر " فيه من التعظيم ما يعود نفعه على قلب المؤمن ، ولهذا إن استشعر العبد ذلك حال دعائه أدرك أن الله منجز له حاجته بإذن الله .
22ـ كما يربي هذا الدعاء قلب المؤمن على عظمة منزلة علم الله المحيط بكل شيء ، فقول العبد :" وأنت علاّم الغيوب " تشعر العبد المؤمن بمعية الله وعلمه المحيط ، فهو يستخير إلهاً عليماً لا تخفى عليه خافية ، وهذا الشعور له أيضا أثر واضح على اعتقاد العبد حال الدعاء .
23ـ في الحديث إثبات صفات الله سبحانه وتعالى التي تليق به ، ومن ذلك صفتي العلم والقدرة ، وهذا دليل لأهل السنة المثبتة للصفات .
24ـ يدل دعاء الاستخارة على تعبد العبد المؤمن بآثار الأسماء الحسنى والصفات العلى ، فمن صفات الله العلم والقدرة ، وآثارها أن العبد يسأل ربه بعلمه وقدرته أن يكتب له الخير ، وهكذا التعبد لله ببقية الأسماء الحسنى .
فالتعبد لله باسمه الرزّاق يعني ألا يسأل العبد في رزقه إلا ربه ، وألا يتوكل إلا عليه ، وليعلم أن ما كتب له من رزق فسيلاقيه ، فيورث له ذلك الرضا بالقضاء.
25ـ يدل الحديث على أن العبد لا غنى له عن الله طرفة عين ، فالعبد يستخير الله في أخص أموره وحاجاته ، فلا يعلم العبد مصلحة نفسه ، فالله له الغنى المطلق ، وبالمقابل العبد له الفقر المطلق .
26ـ دعاء الاستخارة له أثر بيّن على قلب المؤمن فيورثه الطمأنينة ، فإن العبد إذا استخار الله ، وقال هذا الدعاء أورثه ذلك طمأنينة في قلبه تنقطع معها كل الاضطرابات والأوهام ، وألفاظ الدعاء تؤيد ذلك ، فقوله " إن كنت تعلم أن هذا لأمر خير لي " وقوله " فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به " .
27ـ ومن آثار الاستخارة على القلب أنها تزيد محبته لربه ، ولهذا يطلب العبد استخارة ربه ، لما في قلبه من محبته ، ويرضى بما يكتبه له ، ويزيد على الرضا درجة الطمأنينة ، والمحبة من أجل أعمال القلوب .
28ـ في الحديث بيان أهمية صلاة الاستخارة في حياة المسلم ، ولهذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيانها وتعليمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن وذلك لشدة الحاجة لها ، فلا يحسن بالمسلم الجهل بها أو هجرها والتكاسل عنها ، أو الاستغناء بغيرها .
29ـ الحديث يدل على أن صفة الاستخارة : ركعتان تؤدى على صفة الصلاة المعروفة ، ولهذا أحال النبي صلى الله عليه وسلم صفتها إلى ما هو معروف عندهم ومتقرر فقال :" فليركع ركعتين من غير الفريضة " .
30ـ صلاة الاستخارة تدل على أهمية الصلاة في حياة المسلم ، فلم يقتصر المستخير على الدعاء مع أهميته المعروفة ، وإنما أضاف إليها صلاة ركعتين بين يدي دعائه ، ومن هذا الباب ندرك السر في أن النبي صلى الله عليه وسلم يفزع إلى الصلاة كلما حزبه أمر .



دعاء الاستخارة كامل



31ـ الصلاة بين يدي الدعاء كالتحية بين يدي الملوك قبل تقديم الطلب ، والله سبحانه وتعالى ملك الملوك ، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه ، وهي المناجاة ، ولهذا كان دعاء الاستخارة بعد الصلاة لا قبلها .
32ـ بدأ المستخير دعاءه بقوله :" اللهم " فسأل ربه بالألوهية ، وهي تتضمن العبادة ، فكأنه يقول :" أنت إلهي وأنا عبدك " ولا أقرب من الإله الحق لعبده الصادق .
33ـ لفظ "اللهم " يشتمل على الأسماء الحسنى ، فكلها إما متضمنة أو مستلزمة لاسم "الله " فناسب أن يقدمه به المستخير بين يدي دعائه .
34ـ قوله : " اللهم إنّي " فيها تخصيص وتأكيد ، وهذا هو الأنسب لحال المستخير أن يتجه بقوله وفعله لبيان فقره بين يدي ربه ، فخصص نفسه اقتضاء لتخصيص حاله .
35ـ بدأ المستخير بنفسه فقال :" اللهم إني " لأن العبد هو صاحب الحاجة والطلب .
36ـ قوله :" أستخيرك " الألف والسين والتاء لزيادة الطلب ، فالمستخير ملحٌ على ربه أن يختار له الخير ، ويصرف عنه الشر ، هذا الإلحاح تبين حتى بألفاظ دعائه إضافة لحاله فتوافق اللسان مع الحال وهذا أقوى الدواعي للتأثير .
37ـ الكاف في قول العبد :" أستخيرك " إضافة إلى كونها كاف الخطاب بين العبد وبين ربه ، فهي تفيد التخصيص ، فكأن العبد بهذه الكاف يقول بلسان حاله : لا أستخير غيرك ، وهذا هو لسان مقاله .
38ـ الباء في قوله :" بعلمك " ، وقوله :" بقدرتك " هي :
للاستعانة : أي أطلب خير الأمرين مستعينا بعلمك وقدرتك ، وعلى هذا فهي تربي المؤمن على الاستعانة بربه .
39ـ ويحتمل أن تكون الباء للتوسل ، وعلى هذا يكون المستخير توسل إلى الله بعلمه وقدرته ، وهما أمران يتعلقان بمراد العبد من الاستخارة ، والتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته من الأعمال المشروعة .
40ـ المناسبة ظاهرة بين العلم والقدرة وبين طلب الاستخارة ، فإن المستخير لا يعلم الخير أين يكون ؟ وكذلك لا يقدر عليه لو علمه .
فأتى باسمين مناسبين لمسألته ، وهذا من فقه الدعاء أن يأتي الإنسان في دعائه بما يناسبه من الأسماء الحسنى .
41ـ قَدم في هذا الدعاء العلم على القدرة في قوله " اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك " فإن المستخير يسأل ربه أولاً بعلمه للخير ، ثم تأتي بعد ذلك قدرة الله على تيسير الخير للعبد ، فرتبهما في الدعاء حسب ترتيبهما في الوجود .
42ـ قوله : " أستقدرك " يحتمل :
أ ـ أن العبد يطلب من ربه أن يجعل له قدرة على هذا الأمر .
ب ـ أن العبد يطلب من ربه أن يُقدِّر له الخير ، أي من باب القضاء والقدر .
والأمران محتملان وبينهما تلازم من وجه ، فما قَدَر عليه الإنسان فهو من قدر الله الذي قدّره على عبده ، وكلا الأمرين بيد الله سبحانه وتعالى ، فرجع الأمر له .
43ـ قوله :" وأسألك من فضلك العظيم " يدل على أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
44ـ كما يدل قوله :" وأسألك من فضلك العظيم " على أن فضل الله لا نهاية له ، فالله عظيم وفضله عظيم .
45ـ كما يدل قوله :" من فضلك " أن ما يعطيه الله لعبده من خير فهو محض فضلٍ من الله وليس بحقٍ يستحقه العبد ، وإنما لكمال فضله سبحانه ، وهذا يؤيد مذهب أهل السنة في أن الله ليس عليه حق واجب إلا ما أوجبه هو على نفسه سبحانه وتعالى .
46ـ قوله :" فإنك تقدر ولا أقدر " فيها تبرئ من الحول والقوة ، فكأن العبد يقول لا حول لي ولا قوة إلا بالله ، فهو يحصر القوة والقدرة لربه ، ويتبرأ من حوله وقوته إلا فيما أقدره عليه ربه ، وهذا هو المعنى العملي لقولنا : لا حول ولا قوة إلا بالله .
47ـ الملاحظ أنه في بداية الدعاء قدّم العلم على القدرة فقال :" أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك " لكنه في وسط الدعاء عكس الأمر فقدّم القدرة على العلم فقال :" فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم " وذلك :
لأنه قال :" وأسألك من فضلك العظيم " وفضل الله لا يقدر عليه إلا الله فلهذا قال بعدها :" فإنك تقدر ولا أقدر " فقدم القدرة لتعلقها بتحصيل الفضل .
48ـ في حديث الاستخارة حسن الاستهلال في الدعاء ، فيقدم الداعي لربه بين يدي دعائه مقدمة يثني فيها على الله ويعترف بتقصيره وجهله ، ويرجع الأمر كله لله ، ثم يأتي بطلبه ، ولهذا يقول الداعي في دعاء الاستخارة بعد تلك المقدمة :" اللهم إن كنت تعلم " .
49ـ قوله :" إن كنت تعلم " ليس على سبيل الشك ، ولا يجوز الشك بعلم الله لكن الشك هنا متجه إلى كونه في الخير والشر ، وليس إلى أصل العلم ، وكلام العرب سائغ على هذا الأسلوب .
50ـ لا يكتفي المستخير بقوله :" إن كنت تعلم أن هذا الأمر " بل يسمي حاجته هنا بدليل رواية "فيسمي حاجته " وفي رواية "ثم يسميه بعينه " .
51ـ قوله :" إن كنت تعلم هذا الأمر " دليل على أن الاستخارة لا تكون في أمرين معاً بل لا بد من أمرٍ واحد .
52ـ في أكثر الروايات تقديم الدين على الدنيا في قوله :" في ديني ومعاشي " وفي رواية " ديني ودنياي " ، وهذا من باب تقديم الأهم ، وفيه تربية للمؤمن على أن أمر الدين أهم من أمر الدنيا وهو كذلك .
53ـ قوله : " ومعاشي " يراد به الدنيا ما توضحه الروايات الأخرى .
54ـ الجمع بين لفظتي :" ديني ومعاشي " في الخير والشر ، يدل على أن ما كان خيرا في دين المرء كان خيرا في معاشه ، وما كان شرا على دين المرء كان شرا على معاشه .
55ـ قوله :" وعاقبة أمري " المراد بذلك الآخرة ، فيكون المستخير سأل ربه الخير في ثلاثة أمور :
أ ـ في دينه .
ب ـ في معاشه وهي دنياه .
ج ـ في عاقبة أمره وهي آخرته .
ومن رزق الخير في هذه الثلاثة فقد اكتملت سعادته ، وهنأ عيشه .
56ـ قوله :" أو قال عاجل أمره وآجله " اختلف أهل العلم في موضعها على أقوال :
أ ـ قيل : بدل من الألفاظ الثلاثة في الرواية الأولى ، وعلى هذا يكون لفظ الحديث " إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في عاجل أمري وآجله " .
ب ـ وقيل : بدل من اللفظين الأخيرين في الرواية الأولى ، وعلى هذا يكون لفظ الحديث :" إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني وعاجل أمري وآجله " .
والذي يظهر أن موضعها بدل الألفاظ الثلاثة كلها ، والله أعلم وأحكم .
57ـ الرواية التي تجمع بين "ديني ومعاشي وعاقبة أمري " رجحها ابن القيم رحمه الله على رواية :" عاجل أمري وعاجله " فقال :
" والصحيح اللفظ الأول وهو قوله "ديني ومعاشي وعاقبة أمري " لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله "ديني ومعاشي وعاقبة أمري " فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارا بخلاف ذكر المعاش والعاقبة ، فإنه لا تكرار فيه ، فإن المعاش هو عاجل الأمر ، والعاقبة آجله " جلاء الأفهام 1/324 .
58ـ وجود هذه الروايات المتعددة في " عاجل أمري " و" عاقبة أمري " و "دنياي وآخرتي " تدل على صحة رواية الحديث بالمعنى عند السلف وهو الصحيح من أقوالهم .
59ـ قوله : " ومعاشي " وفي رواية :" ودنياي " يدل على اهتمام الإسلام بأمر المعاش والدنيا ، وسؤال الله الخير فيها ، ولا يتعارض هذا مع الأمر بالزهد في الدنيا ، وفي هذه الفقرة من الحديث رد على متصوفة أهل الزهد .
60ـ حديث الاستخارة يدل على منهج أهل السنة والجماعة في باب القدر ، وأن الله كتب كل شيء وقدره .
61ـ كما يدل على أنه لا يكون شيء إلا بقدر الله ، وهذا أيضا من منهجهم .
62ـ ويدل كذلك حديث الاستخارة على أن الله يمحو ما يشاء ويثبت ، بدليل قوله :" واصرفه عني واصرفني عنه " .
63ـ دعاء الاستخارة يدل على أن الله ربط الأسباب بمسبباتها ، ومن الأسباب دعاء الله سبحانه وتعالى ، ولو لم تكن له فائدة لكان قوله لغو لا فائدة فيه .
64ـ صيغة المبالغة في الحديث " علاّم الغيوب " تدل على إرجاع العبد العلم كله لله سبحانه وتعالى ، وأن العبد لا يعلم من علم الغيب شيئا،فمن أدعى ذلك فقد كذب وكفر .
65ـ قدّم الخير على الشر في هذا الحديث في قوله :" إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي " من باب التفاؤل ، وهو الأليق مع الله ، والأنسب لحال العبد ، ففيه فقه من حيث الألفاظ .
66ـ دل الحديث على أن العبد يحتاج للخير في ثلاثة أمور :
أ ـ أن يُقَدِّرَ الله له الخير ، أو يُقْدِرَهُ الله عليه ، أي يجعل فيه القدرة ، ولهذا قال : " فاقدره لي" .
ب ـ أن ييسره الله له ، لأن الخير إن كان عسيرا استهلك وقتاً وجهداً في تحصيله ، وقد يستصعبُهُ فيتركَ طلبَهُ ، ولهذا كان من المناسب قوله : " ويسره لي " .
ج ـ أن يبارك له فيه ، فإن لم تحصل البركة فإن العبد لا يستفيد من الخير كثيرا ، فكان من المناسب قوله :" وبارك لي فيه " .
وبهذه الثلاثة يكمل الخير كله على الإنسان ، نسأل الله الكريم من فضله .
67ـ ودل الحديث على أن العبد يحتاج في الشر الذي يقدره الله عليه إلى :
أ ـ أن يصرف الله الشر عن العبد ، ولهذا قال العبد في دعائه :" فاصرفه عني " .
ب ـ أن يصرف الله العبد عن الشر ، فإن العبد جهول ظلوم ، ولهذا حَسُن قوله في دعائه :" واصرفني عنه " .
ج ـ أن يقدر الله للعبد خيرا مما صرفه عنه من الشر ، ولهذا قال :" وأقدر لي الخير " .
د ـ أن يُرضِى الله عبدَه بالخير الذي قدره له ، فإن العبد من جهله أحيانا أنه إذا لم يرض بما قدّره الله له تبقى نفسه معلقة بمرادها الأول الذي صرفها الله عنه ، فلا تزال معلقة به ، فتفسد عليها حياتها لفقدانها الرضا بالخير الجديد الذي كُتب لها ، ولهذا قال العبد :" ثم رضني به " .
68ـ جمع الله لعبده المؤمن التوفيق في هذا الحديث من ثلاث جهات :
أ ـ أن يقدر له الخير ويعينه وييسره له .
ب ـ أن يصرف عنه الشر ، ويصرفه عنه .
ج ـ أن يعوضه عن الشر خيرا ، ثم يرضيه به .
فأي رحمة واسعة هذه الرحمة ، وأي كرم عظيم هذا الكرم .
69ـ يدل قوله :" واصرفه عني ، واصرفني عنه " على أن العبد يسأل ربه تمام المباعدة بينه وبين الشر ، ولا يكون هذا إلا بأن يصرف الله الشر عن العبد ، ثم يصرف العبد عن الشر ، فكلاهما مصروف عن الآخر ، وبهذا تحصل تمام المباعدة .
70ـ كما يفيد قوله :" واصرفني عنه " على أن العبد يسأل ربه ألا يبقى في قلبه بعد ذلك تعلق بهذا الأمر الذي يريد فعله ، لأن إرادة القلب تتحول إلى عمل ، فاحتاج العبد أن يسأل ربه تمام الصرف لئلا يتعلق به .
71ـ قوله :" واصرفني عنه " تدل على جهل الإنسان ، فقد يصرف الله الشر عن العبد ، لكن العبد لجهله بمألات الأمور يحرص على هذا الأمر ، ويتتبعه ، ويتحسر لفوته ، وقد يسأل ربه ، فاحتاج العبد أن يجمع دعائه بين " واصرفه عني " و " واصرفني عنه " .
72ـ قوله في هذا الدعاء :" ثم أرضيني به " وفي رواية :" ثم رضني به " دليل على أن من أنعم الله بنعمة فعليه أن يرضى بها ليكمل عليه الخير ، وأن السخط قد يطرد الخير الذي قدَّره الله .
73ـ في الحديث دليل على أن من استخار ربه بشيء فلم يكتب له فعليه أن يزيل تعلقه من قلبه ، ليكون أهنأ لعيشه ، وأكثر طمأنينة لقلبه ، وهذا حل عملي لكثير من مسائل الناس اليوم ، حيث تذهب أنفسهم حسرات على فوات خير يظنونه لكن الله لم يكتبه لهم لحكمة يعلمها سبحانه .
74ـ في سؤال الإنسان لربه الخير بدأ بالتقدير فقال :" فاقدره لي " وفي سؤاله صرف الشر أخر التقدير ، وهو الأنسب لأنه يريد صرف الشر عنه أولا ثم بعد ذلك يقدر مكانه خيرا .
75ـ في دعاء الاستخارة تمام الخضوع والذل لله ، ومن تأمل ألفاظ الاستخارة وجدها في غاية التذلل لله ، فقد نسب العلم كله لله ، والقدرة له ، ونفى العلم عن نفسه ، ونفى قدرته على فعل شيء ، ولا شك أن التذلل لله أحد ركني العبادة ، والمحبة ركنها الثاني وقد مضى التنبيه عليه .
76ـ من فوائد دعاء الاستخارة أنه يورث الطمأنينة ، ويزيل الاضطراب الذي يحصل عند البعض حين الإقدام على فعل شيء أو ترك شيء ، وهذه الاضطرابات والتردد كثيرا ما تعكر على الإنسان صفو حياته ، فجاءت الاستخارة مزيلة لكل هذه الأمور ، مورثة العبد المؤمن الطمأنينة .
77ـ صلاة الاستخارة باب من أبواب تحصيل الحسنات لما فيها من الصلاة والدعاء ولو لم يحصل المستخير إلا على أجر صلاته ودعائه لكفى فكيف وفضائل الله عليه تترى .
78ـ الاستخارة دليل على أن المؤمن لا يثق بشيء ثقته بربه سبحانه وتعالى ، ولهذا يترك ما أعطاه الله من دقة تفكير وملاحظة ، ويلجأ لاستخارة ربه في صلاته ، وهذا نابع من الثقة بالله وحسن الظن به .
79ـ لم يرد في هذا الحديث علامة انشراح الصدر أو غيرها من العلامات ، وهذا الحديث هو العمدة في الباب، ولهذا لا يشترط أن ينشرح صدر العبد بعد صلاة الاستخارة ، وإنما يفعل الإنسان ما يريد فإن تيسر له كان من تيسير الله ، وإن تعثر كان من صرف الله عنه ، وقد يرزق بعض الناس انشراحا في الصدر لأمر معين بعد الاستخارة ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء .
80ـ من صلى صلاة الاستخارة وفعل ما ظهر له بعد ذلك فعليه ألا يندم ولو لم يوافق ذلك هواه ، كأن يستخير الإنسان في زواج ثم يحدث طلاق بينهما ، فالمؤمن الحق راضٍ بما اختاره الله له ولو لم يوافق هواه ورغبته .
وبهذا انتهى ما أردت ، أسأل الله أن يفتح على قلبي من بركات علمه ، وأن يجعل عملي في رضاه ، وأن يتقبله مني ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .




دعاء الاستخارة كامل

التوقيع

التوقيع
رد مع اقتباس

عضو الماسي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 37,798
معدل تقييم المستوى: 52
محمد حمدى ناصف is on a distinguished road
افتراضي رد: دعاء الاستخارة كامل
2#
09 - 02 - 2016, 07:01 AM
جزاكم الله خيرا

ودى واحترامى



سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
بعدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته
محمد حمدى ناصف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس


إضافة رد

أدوات الموضوع


جديد مواضيع القسم الاسلامي

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دعاء الاستخارة كامل للزواج ربيع الحياة القسم الاسلامي 1 25 - 02 - 2016 06:38 AM
دعاء الاستخارة وكيفية صلاة الاستخارة ربيع الحياة القسم الاسلامي 1 06 - 02 - 2016 06:50 AM
نص دعاء الاستخارة كامل ربيع الحياة القسم الاسلامي 1 05 - 02 - 2016 07:16 AM
دعاء الاستخارة كامل doc ربيع الحياة القسم الاسلامي 1 04 - 02 - 2016 06:54 AM


03:53 PM