صيغة دعاء القنوت في الفجر
ومعلوم أن ذلك واجب في جميع أجزاء القيام ولأن قوله : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } لا يختص بالصلاة الوسطى سواء كانت الفجر أو العصر بل هو معطوف على قوله : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } فيكون أمراً بالقنوت مع الأمر بالمحافظة والمحافظة تتناول الجميع فالقيام يتناول الجميع .
واحتجوا أيضاً : بما رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في صحيحه عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا } قالوا : وقوله في الحديث الآخر : { ثم تركه } أراد ترك الدعاء على تلك القبائل لم يترك نفس القنوت وهذا بمجرده لا يثبت به سنة راتبة في الصلاة وتصحيح الحاكم دون تحسين الترمذي وكثيراً ما يصحح الموضوعات فإنه معروف بالتسامح في ذلك ونفس هذا الحديث لا يخص القنوت قبل الركوع أو بعده فقال : { ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع إلا شهراً } فهذا حديث صحيح صريح عن أنس أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهراً فبطل ذلك التأويل والقنوت قبل الركوع قد يراد به طول القيام قبل الركوع سواء كان هناك دعاء زائد أو لم يكن فحينئذ فلا يكون اللفظ دالاً على قنوت الدعاء وقد ذهب طائفة إلى أنه يستحب القنوت الدائم في الصلوات الخمس محتجين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قنت فيها ولم يفرق بين الراتب والعارض وهذا قول شاذ .
والقول الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت لسبب نزل به ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل به فيكون القنوت مسنوناً عند النوازل وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فإن عمر رضي الله عنه لما حارب النصارى قنت عليهم القنوت المشهور : اللهم عذب كفرة أهل الكتاب إلى آخره وهو الذي جعله بعض الناس سنة في قنوت رمضان وليس هذا القنوت سنة راتبة لا في رمضان ولا غيره بل عمر قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة ودعا في قنوته دعاء يناسب تلك النازلة كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت أولا على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا بدعاء يناسب مقصوده .
فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين :
أحدهما : أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه ليس بسنة دائمة في الصلاة .
الثاني : أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وثانياً وكما دعا عمر وعلي رضي الله عنهما لما حارب من حاربه في الفتنة فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده والذي يبين هذا أنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائماً ويدعو بدعاء راتب لكان المسلمون ينقلون هذا عن نبيهم فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها وهم الذين نقلوا عنه في قنوته ما لم يداوم عليه وليس بسنة راتبة كدعائه على الذين قتلوا أصحابه ودعائه للمستضعفين من أصحابه ونقلوا قنوت عمر وعلي على من كانوا يحاربونهم فكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائماً في الفجر أو غيرها ويدعو بدعاء راتب ولم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في خبر صحيح ولا ضعيف بل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أعلم الناس بسنته وأرغب الناس في اتباعها كابن عمر وغيره أنكروا حتى قال ابن عمر : " ما رأينا ولا سمعنا " وفي رواية " أرأيتكم قيامكم هذا : تدعون ما رأينا ولا سمعنا " أفيقول مسلم : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت دائماً وابن عمر يقول : ما رأينا ولا سمعنا وكذلك غير ابن عمر من الصحابة عدوا ذلك من الأحداث المبتدعة ومن تدبر هذه الأحاديث في هذا الباب علم علماً يقيناً قطعياً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت دائماً في شيء من الصلوات كما يعلم علماً يقينياً أنه لم يكن يداوم على القنوت في الظهر والعشاء والمغرب فإن من جعل القنوت في هذه الصلوات سنة راتبة يحتج بما هو من جنس حجة الجاعلين له في الفجر سنة راتبة
ولا ريب أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في هذه الصلوات لكن الصحابة بينوا الدعاء الذي كان يدعو به والسبب الذي قنت له وأنه ترك ذلك عند حصول المقصود نقلوا ذلك في قنوت الفجر وفي قنوت العشاء أيضاً .
إلى أن قال رحمه الله ..... وقد تبين بما ذكرناه أن القنوت يكون عند النوازل وأن الدعاء في القنوت ليس شيئاً معيناً ولا يدعو بما خطر له بل يدعو من الدعاء المشروع بما يناسب سبب القنوت كما أنه إذا دعا في الاستسقاء دعا بما يناسب المقصود فكذلك إذا دعا في الاستنصار دعا بما يناسب المقصود كما لو دعا خارج الصلاة لذلك السبب فإنه كان يدعو بما يناسب المقصود فهذا هو الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين .
ومن قال : إنه من أبعاض الصلاة التي يجبر بسجود السهو فإنه بنى ذلك على أنه سنة يسن المداومة عليه بمنزلة التشهد الأول ونحوه .
وقد تبين أن الأمر ليس كذلك فليس بسنة راتبة ولا يسجد له لكن من اعتقد ذلك متأولاً في ذلك له تأويله كسائر موارد الاجتهاد .
ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد فإذا قنت قنت معه وإن ترك القنوت لم يقنت فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } وقال : { لا تختلفوا على أئمتكم } وثبت عنه في الصحيح أنه قال : { يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم } ألا ترى أن الإمام لو قرأ في الأخيرتين بسورة مع الفاتحة وطولهما على الأوليين : لوجبت متابعته في ذلك فأما مسابقة الإمام فإنها لا تجوز فإذا قنت لم يكن للمأموم أن يسابقه : فلا بد من متابعته ولهذا كان عبد الله بن مسعود قد أنكر على عثمان التربيع بمنى ثم إنه صلى خلفه أربعاً فقيل له : في ذلك فقال : الخلاف شر وكذلك أنس بن مالك لما سأله رجل عن وقت الرمي فأخبره ثم قال : افعل كما يفعل إمامك والله أعلم .
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
السؤال :
يقول السائل : ما حكم قراءة القنوت في صلاة الصبح يومياً ؟ .
الجواب :
القنوت في الفجر غير مشروع إلا في حالة النوازل كحلول الوباء أو حصار العدو للبلاد أو تسلطه على المسلمين ففي هذه الحال يشرع القنوت في صلاة الفجر وغيرها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عبد العزيز آل الشيخ
عضو ... صالح الفوزان
عضو ... عبد الله بن غديان
نائب الرئيس ... عبد الرزاق عفيفي
الرئيس ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
السؤال :
يقول السائل : هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح في الركعة الأخيرة بعد الركوع رافعاً يديه يدعو : " اللهم اهدني فيمن هديت " كل ليلة حتى فارق الدنيا ؟ .
الجواب :
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح بصفة دائمة لا بالدعاء المشهور " اللهم اهدنا فيمن هديت ... إلخ " ولا بغيره وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في النوازل أي إذا نزل بالمسلمين نازلة من أعداء الإسلام قنت مدة معينة يدعو عليهم ويدعو للمسلمين ... هكذا جاء عن النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وثبت من « حديث سعد بن طارق الأشجعي أنه قال لأبيه : يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أفكانوا يقنتون في الفجر ؟ فقال : أي بني محدث » أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وجماعة بإسناد صحيح أما ما ورد من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم « كان يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا » فهو حديث ضعيف عند أئمة الحديث .
الشيخ : عبدالله بن عبد الرحمن بن جبرين رحمه الله
السؤال :
يقول السائل : ما حكم القنوت في صلاة الصبح وما مدى صحة هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت الصبح حتى فارق الدنيا ) افتنوني جزاكم الله خيراً ؟ .
الجواب :
هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن جميع الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه قنت في الفجر إلا في النوازل فإنه كان يقنت في الفجر وفي غير الفجر أيضاً بل يقنت في جميع الصلوات الخمس وبناء على ذلك فإنه لا يسن القنوت في صلاة الفجر إلا إذا كان هناك سبب كنازلة تنزل بالمسلمين والنازلة إذا نزل بالمسلمين فإن القنوت لا يختص بصلاة الفجر بل يكون فيها وفي غيرها وذهب بعض أهل العلم إلى أن القنوت في صلاة الفجر سنة ولكن ما هو القنوت الذي يُقنت في صلاة الفجر ليس هو قنوت الوتر كما يظنه بعض العامة ولكنه قنوت يدعو فيه الإنسان بدعاء عام للمسلمين مناسب للوقت الذي يعيشه وإذا ائتم الإنسان بشخص يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه ولا ينفرد عن المصلين كما نص على ذلك إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله .
الشيخ : محمد بن صالح بن عثيمينرحمه الله
السؤال :
يقول السائل : ما حكم القنوت في ركعة الوتر بعد الرفع من الركوع وكذلك في الركعة الثانية من صلاة الفجر أيضاً بعد الرفع من الركوع وأي الموضعين أفضل من الآخر ؟ .
الجواب :
أما القنوت في الوتر فهو سنة ويراد به الدعاء بعد الركوع ولا ينبغي المداومة عليه بل يفعله أحياناً ويتركه أحياناً وأما القنوت بعد الركوع من صلاة الفجر فهذا عند الجمهور لا يجوز إلا في حال النوازل إذا نزل بالمسلمين نازلة فإنه يشرع لأئمة المساجد أن يقنتوا في الصلوات الخمس بأن يدعوا الله عز وجل أن يرفع عن المسلمين هذه النازلة وأما في حالة غير النوازل فإنه لا يشرع القنوت في صلاة الفجر عند الجمهور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا دائماً ولم يفعله خلفاؤه من بعده رضي الله عنهم والحديث والوارد في أنه كان يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا حديث فيه مقال لا يصلح للاستدلال وراجع كلام الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هذه المسألة .
الشيخ : صالح بن فوزان الفوزان
السؤال :
يقول السائل : فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما حكم القنوت في صلاة الفجر ؟ .
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما بعد :
فإجابة عن سؤالك نقول : لأهل العلم في إدامة القنوت في صلاة الفجر قولان :
القول الأول : لا يسن القنوت في صلاة الفجر إلا في النوازل وبهذا قال الثوري وأبوحنيفة وأحمد وهو المنقول عن جماعة من الصحابة كابن عباس وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم .
القول الثاني : يسن القنوت في صلاة الفجر دائماً وهو قول مالك والشافعي .
وقد استدل كل فريق بأدلة والذي يترجح من هذين القولين القول بأن القنوت إنما يسن عند النوازل فقط ففي صحيح البخاري من طريق عاصم الأحول عن أنس رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من بني سليم ) وفي رواية مسلم من طريق قتادة عن أنس رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراًَ يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه ) وهذان يدلان على أن القنوت في الفجر كان مؤقتاً ولم يكن يديمه صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم .
ولكن إذا قنت الإمام كما هو مذهب مالك والشافعي فتابعه وقد أمر أحمد رحمه الله من صلى خلف من يرى القنوت في صلاة الفجر مطلقاً أن يتابعه ويؤمن في دعائه وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات : "وإذا فعل الإمام ما يسوغ فيه الاجتهاد تبعه المأموم فيه مثل القنوت في الفجر ووصل الوتر وإذا ائتم من يرى القنوت بمن لا يراه تبعه في تركه ) .
الشيخ : خالد بن عبدالله المصلح
السؤال :
يقول السائل : ما هي مشروعية دعاء القنوت في الفجر وهل كان على سبيل الدوام وهل صح أن الإمام مالك رحمه الله عندما كان يأتي الشافعي رحمه الله كان يصلى الصبح وقنت فيه برغم أن هذا خلاف مذهبه حتى لا يحدث بلبلة بين تلامذة الشافعي وجزاكم الله خيراً .
الجواب :
أما قنوت الصبح فالمداومة عليه بدعة والحديث الدال على الدوام ضعيف عند أهل العلم تفرد به أبوجعفر الرازي وهو سيء الحفظ وقد نص أحد الصحابة وهو طارق بن أشيم رضي الله عنه على بدعية هذه المداومة وقد سأله ابنه أبومالك فقال يا أبت صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أكان أحد منهم يقنت في الفجر قال : أي بني محدثة يعني بدعة وهذا الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح أما قصة مالك والشافعي فلا تصح .
الشيخ : أبواسحاق الحويني
*أكتفي بذكر هذه الأقوال في المسألة وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل العلم .
وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله من بريئان
والله الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين.
أخوكم : أبو معاذ / عبد رب الصالحين أبو ضيف العتمونى
صيغة دعاء القنوت في الفجر