مظاهر الحضارة في العالم العربي
أخذ العالم العربي يسير صعداً في طريق الحضارة والعمران التي ابتدأ يسير عليها في القرن الثامن عشر , فازدهرت البلاد العربية وأخذت مجالي الحضارة الأوربية تتجلى في معالمها , وقد كان تأثير الحضارة الأوربية جد واضح في كافة مرافق الحياة من تعليم ومعيشة ومسكن وملبس ونظام إداري ولا غرو فإن الحضارة الغربية بصورة عامة و الأوربية منها بصورة خاصة قد دخلت في كافة مرافق الحياة عن طريق الإرساليات والمدارس والبعثات والكتب ونشر اللغات الأجنبية ولو رحنا نستقصي مجالي الحضارة في العالم العربي نجدها ظاهرة في الأمور الآتية :.
* البناء *
تعلق البناء طوال العصور العربية مزدهراً جميلاً سواء غي حالتي بساطته وتعقيده وطبيعي جداً أن تختلف طرز البناء في أقطار العالم العربي كما اختلفت الفنون الريازات (architecture)
لأن لكل اقليم طبيعة جوية تختلف اختلافاً وأضحاً .
وقد كان للفنون العمرانية التي جاء بها الصليبيون الى بلاد الشام ومصر أثر واضح في طبع البناء العربي بطابع أبنية العصور الوسطى الأوربية و بخاصة الايطالية من حصون وقلاع .
* التجارة و الاقتصاد *
أطل القرن التاسع عشر وتجارة البلاد العربية عادية محدودة وكان كل قطر من أقطار العروبة يعيش بوضع اقتصادي متأخر ولا رابط يربط بين أجزاء الأقطار العربية فلا طرق مواصلات قوية منتظمة ولا تبادل اقتصادي منظم بل كان كل قطر يعيش منطوياً على نفسه مكتفيناً بمنتوجاتة وفتوحات البلاد المتاخمة له على عكس ما كانت عليه الحالة في البلاد الأوربية والأمريكية ولكن ما لبثت الحظارة الأوربية أن امتدت الى العالم العربي بإنشاء بعض الخطوط الحديدية وبتعبيد كثير من الطرق البرية وكان في طليعة المواصلات التي أجريت الخط الحديدي الحجازي الذي أذن السلطان لبعض الشركات الألمانية بمده ما بين المدينة المنورة ودمشق كما حاول الالمان ربط العاصمة الاسلامية استانبول بالخليج العربي بواسطة خط حديدي وهدفهم الرئيسي من ذلك هو ضرب معقل الاستعمار البريطاني في ذلك الخليج العظيم وتمكن الفرنسيون من إقناع الخديوي محمد سعيد بفتح قناة السويس فأذن لهم بذلك في سنة / 1854م وحاولت بريطانية عرقلة هذا المشروع فاستطاعت عرقلته فلما تولى مصر الخديوي اسماعيل تمكن المهندس دلسبس الفرنسي من البدء بمشروع القناة وتم له ذلك في سنة / 1869م ثم أخذت الحكومة العثمانية بإصلاح الموانيء في العالم العربي لتصلح لرسو البواخر الضخمة كميناء غزة وحيفا ويافا وعكا وصيدا وصور وطرابلس وبيروت والاسكندرونة واللاذقية وأذنت بمد خط حديدي بين حلب والموصل وبغداد والبصرة وبين دمشق وحيقا والعريش والقطر المصري وهكذا اتصل العراق بالشام ومصر .
واهتمت الحكومة الخديوية بإنشاء شبكة من الخطوط الحديدية وشبكات طويلة من الطرق في القطر المصري كما عملت الحكومة التركية على فتح طريق تصل بين أجزاء العراق والشام والأناضول .
وعنيت حكومة الاحتلال الفرنسي في شمال افريقية بإصلاح الموانىء وفتح الطرقات بين أجزاء الشمال الافريقي الذي تحتله .
وكان من نتائج هذه الشبكات الحديدية والموانىء والدروب والمسالك أن اتصل العالم العربي اتصالاً قوياً و تبادل أهله السلع والتجارات وقويت الصلات بينها لتشابك مصالحها التجارية .
* التعليم *
أطل عصر النهضة على العالم العربي وفيه نوعان من معاهد التعليم
واحد : التعليم الديني وكان محصوراً في المدراس الاسلامية القديمة وبعض المساجد والجوامع وكان هدف هذا التعليم تثقيف الفرد ثقافة اسلامية قومية يتقن فيها المرء علوم اللغة وآلاتها من
( نحو وصرف وبلاغة ) والفقة والحديث والكلام والسيرة النبوية والمنطق على الاسلوب القديم وبعض المعلومات الأولية الساذجة في علوم الكون وما وراء الطبيعة والحساب . هناك تعليم ديني مسيحي يهدف الى تعليم الفتى المسيحي أحكام دينه والى جانب ذلك تعليم بعض اللغات الأجنبية من افرنسية وايطالية والمانية وانكليزية ولا تينية ويونانية وسريانية .
وقد أدت هذه المعاهد الدينية بشطريها خدمة جليلة وبخاصة في عصور الانحطاط وحين عمدت السياسة العثمانية الى وقف حركة التعليم على ما أشرنا اليه في حديثنا عن تاريخ فترة السلطان عبدالحميد الثاني .
أثنين : التعليم المدني وكان الرواد فيه هم بعض رهبان الإمريكان او اليسيوعيين على ما بيناه فيما سبق .
ولما رأى المسلمون هذه المدارس المدنية التي يشرف عليها المسيحيون أخذوا ينشئون مدارس على نمط حديث كالمدرسة الأهلية في بيروت ومدارس المقاصد الخيرية في مصر والشام ومدارس الجمعية الخيرية في حلب ودمشق وبيروت والقدس وبغداد والموصل و بعض مدن شمالي افربقية الخاضعة لنفوذهم وكان للوزير التركي المصلح مدحت باشا أثر واضح في ايجاد هذه المدارس المدنية الحديثة حينما تولى دمشق في سنة / 1295م .
وقد سار التعليم المدني صعداً وانتشر التعليم الابتدائي الثانوي في مصر والعراق والشام وشملي افريقية والجزيرة . أما التعليم الجامعي العالي فما يزال محدوداً .
* التمثيل *
فما كان العرب يعرفونه على الشكل الذي جاءت به مسارح أوربة وأنما كانت للعرب حلقات لهو ورقص تجري فيها بعض الحركات التمثيلية والرقص فن قديم عند العرب كالغناء وقد اشتهر رقص (السماع) أو (السماح) وهو رقص إيقاع أجماعي تغنى فيه الموشحات الموروثة الجميلة ويظهر أن فن التمثيل با الشكل الذي كانت المسارح الأوربية تقوم به لم يبدأ في العالم العربي إلا على يدي الفنان السوري احمد أبو خليل القباني الدمشقي وقد أنشاء مسرحا ً للتمثيل وكان يؤلف الروايات التمثيلية ويلحنها ويقوم هو ونفر من الفنانين بتمثيلها للنظارة ولما انتقل إلى مصر تقبله الناس وشجعوه ثم تتابع الناس بعده يمثلون ويؤلفون في هذاء .
* الصحافه *
لم يعرف العرب الصحافة قبل اتصالهم بالحضارة الأوربية وكانت رواية الأخبار والقصائد والأشعار في حلقات المنتديات العامة والمجالس الخاصة هي الوسيلة الوحيدة التي يتناقل بها الجمهور الأخبار العامة .
ومعلوم أن ايطالية ومدينة البندقية بصفة خاصة هي مركز أول صحيفة أوربية ففي سنة /1566م و بعد اتشار فن الطباعة وجدت أول جريدة ولم تلبث الصحافة أن انتقلت الى بلدان أوربية فسائر بلاد الغرب ولم تصل الصحافة الى دنيا العرب إلا بعد سنة /1799م حينما أسس نابليون في مصر أول جريدة .
ثم أنشاء المبشرون الأمريكان في بيروت أول مجلة عربية بعنوان
(مجموع فوائد ) في سنة /1851م .
وكان للشاميين فضل نشر الصحافة في العالم العربي والاسلامي فهم الذين ساهموا في إنشاء الصحافة في المغرب العربي والجزيرة العربية ومصر وبخاصة حين زاد ضغط الدولة العثمانية على الشام واضطرب نفر من رجالاته المثقفين الى الهرب من واللجوء الى بعض الأقطار المجاورة فقد هبط مصر نفر منهم ساهمو مساهمة فعالة في تكوين الصحافة المصرية الحديثة فأنشأوا عددا ً من المجلات والصحف التي أنشأها سليم وبشارة تقلا
سنة /1875م و مجلة الهلال التي أنشأها جرجي زيدان وما تزالان تصدران وهناك عدد من المجلات والصحف التي ظهرت ثم توقفت كالمقطم والمقتطف والمنار والزهراء والإخاء .
وقد عممت الصحافة العربية اليوم كافة أقطار العروبة من صحف يومية ومجلات دورية في كافة حقول العلم والسياسه والاجتماع وصحافة مصر اليوم هي التي تحتل مكانة الصدارة في الصحافة العربية لعناية أصحاب صحفها بانتقاء أفاضل الكتاب والإغداق عليهم بالمرتبات الجيدة ومسايرة تطور فن الصحافة العالمي .
* الطباعه *
لا ريب في أن رقي الصحافة العربية متوقف على رقي الطباعة وقد سارت المطبعة جنباً الى جنب مع الجريدة والمجلة فحيثما كانت الطباعة راقية مزدهرة كانت الصحافة كذلك ومن المعلوم أن بلاد الشام وبخاصة لبنان منها كانت أول البلاد العربية التي وجدت الطباعة فيها ففي سنة / 1610م أنشئت أول مطبعة في لبنان أهداها الـبابا الى الرهبنة اللبنانية في دير قزحيا .
وفي سنة / 1698م أنشاء الآباء المارونيون أول مطبعة في حلب ثم أنشئت مطبعة الشوير في لبنان بعناية الراهب عبدالله زاخر سنة /1732م ثم أنشئت مطبعة القديس جاورجيوس في لبنان سنة /1753م ومن الطبيعي أن مطبوعات هذه المطابع لم تكن إلا دينية .
وفي سنة /1820م أنشئت المطبعة الأمريكية في مالطة ثم نقلت الى بيروت في سنة /1832م .
وأول مطبعة أنشئت في مصر هي المطبعة البولاقية التي أنشأها محمد علي في سنة / 1821م و أنشئت مطبعة الإرسالية اليسوعية في بيروت سنة / 1484م وكانت هذه المطابع الثلاث تطبع الكتب العلمية والأدبية الى جانب الكتب الدينية ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر أخذت المطابع تنتشر في الشام ومصر والعراق وشمال افريقية وبخاصة في فجر القرن العشرين .
ولا ريب في أن الطباعة قد لعبت دوراً هاماً في تقريب وجهات النظر العربية وفي توحيد الأهداف ونشر التراث العربي القديم وكانت المطبعة الوسيلة القوية التي لجأ اليها المصلحون في هذه الديار لنشر أفكارهم من نثر وشعر وفي طليعتهم : بطرس البستاني , ناصيف اليازجي , أحمد فارس الشدياق , جمال الدين الأفغاني , محمود الألوسي , محمد عبده , عبدالرحمن الكواكبي , عبدالمحسن الكاظمي , معروف الرصافي , جميل الزهاوي , جرجي زيدان , يعقوب صروف , شبلي الشميل , أحمد زكي باشا , أحمد تيمور باشا , محمد عبدالمطلب , أحمد الاسكندري , أحمد شوقي , حافظ ابرإهيم , خليل مطران , مصطفى عبدالرزاق , أحمد لطفي السيد , علي يوسف , أمين الريحاني .
* الفنون الجميله *
رأيت شيئاً من أوضاع الفنون الجميلة من موسيقى وتمثيل ونقش وتصوير
وبناء وفصاحة في تاريخ ( عصر الازدهار )وقد استمر بعض هذه الفنون مزدهراً في العصور التي تلته . فلما كان عصر النهضة واتصل العالم العربي بالغرب انبعثت هذه الفنون بعثاً جديداً . فأما الموسيقى العربية القديمة فقد بقي طرف منها في بعض مدن العالم العربي . بغداد , الموصل , حلب , دمشق , القاهرة . وطغت عليها الموسيقى التركية في العصر العثماني . ثم جاءت الموسيقى الغربية في فجر القرن العشرين فلونتها ألوانا ً حديثة منها الجميل الحسن المقبول . ومنها السخيف الثقيل المقبوح .
* النقش و التصوير *
ففنانا ازدهرا ازدهاراً رائعاً في العصر العباسي والعصور التي تلته ويختص كل قطر من الأقطار العربية بطابع فني خاص و طراز مستقل سواء في النقش أو في التلوين أو الزخرفة أو التصوير وقد تجلى هذا الفن الجميل في الأبنية وزخارفها وفي الكتب
وتصويرها وتجليدها وفي الثياب والمواعين والحلي .
ولما اتصلت الحضارة الأوربية بالفن العربي وبخاصة بعد حملة نابوليون وتطور الفن التصويري والزخرفي العربي تطورا ً ملموس .
أخذ العالم العربي عن المدينة الأوربية الحديثة كل ما أنتجته معالمها وما جادت به قرائح مخترعيها من الآلات البخارية والأوائل الصناعية والمصانع التجارية والعدد الزراعية والسفن البحرية والذخائر والآلات الحربية والملابس والرياش وكافة أسباب الحضارة ومتع الحياة وملذاتها مما لم تعرفه البلاد العربية وطبيعي ان يمتنع بعض المتعصبين والمتزمتين المتشددين عن قبول ذلك او يبيحوا لأنفسهم او للآخرين استعمال تلك الآلات الأوربية ولكن مالبثوا ان جرفهم التيار وغزت مخترعات أوربا كل قطر من أقطار العالم العربي بل كل بيت فيه
الحضارة في العالم العربي
المواضيع المتشابهه 
