"عندما ينفد المال ، نهاية الرخاء في الغرب"
كتاب يحمل عنواناً مثيراً للاهتمام هو: When the Money Runs Out, the End of Affluence Western، أي "عندما ينفد المال، نهاية الرخاء في الغرب".
والمؤلف هو Stephen D. King رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في بنك HSBC بمقره الرئيسي. وزاد اهتمامي بالموضوع تعليق لـNouriel Roubini وهو اقتصادي اشتهر منذ بداية الازمة المالية العالمية صيف 2007 وخريف 2008 بعد انهيار مصرف ليمان براذرز الاميركي الذي كان أكبر مصرف عالمي بتاريخه واصوله تتجاوز الـ650 مليار دولار. وكان روبيني قد توقع الازمة المالية العالمية قبل سنتين من بدايتها، أي منذ عام 2005، وقد اصبح مستشاراً كبيراً في الوقت الحاضر.
ملاحظة روبيني على محتوى الكتاب كانت الآتية: "كتاب كينغ يوضح بجرأة ورؤية مستقبلية اخفاقات الغرب، وهو يستعمل الامثلة التاريخية ببراعة لالقاء ضوء على مشاكلنا الاقتصادية والمالية الحالية ومخاطرها. واقتناع كينغ باننا شارفنا مرحلة عسر هضم للنمو في المجتمعات الغربية أمر يجب ان يقلقنا".
يوضح كينغ ان المشكلة الاساسية التي تحول دون تحقيق المجتمعات الغربية معدلات نمو تسمح بخفض البطالة وتحسين التوقعات المستقبلية تتمثل في انكماش الاقتراض وهذا الانكماش يعود الى تبخر الرغبة في الاستثمار عبر المصارف لان مئات مليارات الدولارات خصصتها المصارف الاميركية والاوروبية لقروض لا مجال لاستردادها وكانت المضاربات العقارية واصدارات سندات دين موثقة بقروض عقارية شبه معدومة هي السبب لابتعاد الجماهير عن الوثوق بالمصارف الغربية.
ولا يستثني المؤلف مؤسسات التصنيف الدولية من المشاركة في غش المودعين والمستثمرين عبر اصدار تصنيفات ممتازة لمؤسسات ظهر بعد أيام وأشهر على تصنيفها أنها مفلسة.
وربما الاهم من هذه الامور المعروفة والتي اشرنا اليها تكراراً ان برامج ضخ السيولة في المصارف بشراء سندات دين تعود اليها، أو توفير سيولة اقراضية لفترات قصيرة ومتوسطة لم تأخذ طريقها الى تأمين قروض للزبائن بل هي استعملت في المقام الاول لسد الثغرات المالية التي برزت في ميزانيات المصارف الكبرى.
ويرى المؤلف ان البرامج الاوروبية لمركزة الاشراف على المصارف الرئيسية غير وافية بما هو مطلوب، أي توفير الطمأنينة للمودعين.
يقول المؤلف ان ثمة مشكلة عضوية لاقتصادات الدول الغربية الصناعية تحول دون تحقيقها قفزات اقتصادية بمعدلات نمو تشابه ما يتحقق في الصين. ويعتقد ان المشكلة الاساسية في المجتمعات الغربية تتمثل في انعدام نمو السكان، واطالة الاعمار بسبب برامج الاغذية والعناية الطبية، وهذا الوضع في حال استمراره يعني ان المجتمعات الصناعية المتطورة ستعاني ارتفاع نسبة المسنين العاطلين عن العمل، وغير القادرين على التكيف مع التطورات التقنية.
على صعيد آخر، يلاحظ ستيفن كينغ وخصوصاً بالنسبة الى دول الاتحاد الاوروبي، ان ثمة تبايناً كبيراً بين أوضاع بلدان أوروبا الشمالية كالمانيا، والنمسا، وهولندا، وفرنسا وبلدان جنوب أوروبا، وعلى رغم توحيد عملة التعامل يبدو ان قدرة بلدان جنوب فرنسا على الوفاء بالتزاماتهم امر بعيد، ولهذا السبب يبدي المؤلف خوفاً على استمرار الاورو كعملة لبلدان الاتحاد الاوروبي.
وبحسب نظرة المؤلف ان تريليونات الدولارات والاورو التي وفرت للمصارف لم تساهم في تحسين وترفيع التجهيز البنيوي للاقتصادات المعنية. فهذه الاموال كانت بمثابة تسديد لاخطاء الاقراض، وهي وان ساهمت في خفض معدلات الفوائد بصورة لم يشهدها العالم الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تؤد الى تنشيط الاستثمار وتحفيز النمو وغالبية المنفعة التي نتجت من تحسن أسعار العقار في الولايات المتحدة وبريطانيا خصصت للمضاربة على أسعار الاسهم، لشركات قائمة، تتمتع غالبيتها بفوائض مالية كانت تمكنها من توسيع أعمالها لو توافر الطلب المتزايد على منتجاتها.
يشير ستيفن كينغ الى التوقعات الافضل في البلدان النامية كالصين والهند وكوريا واندونيسيا، كما يرى ان ثمة فرصاً جيدة للنمو في روسيا وأوستراليا، لكنه يقول إن نمو هذه البلدان بنسب مرتفعة مرتهن بتحسن مناخات الانتاج، والاستثمار في البلدان الغربية، وحيث هو يعتبر ان هذه الفرص، قياساً بالسياسات المتبعة، غير واعدة، يخلص الى ان تطور البلدان النامية لا بد ان ينكمش الى حد بعيد بسبب أوضاع البلدان الصناعية الغربية.
يعتبر المؤلف ان عسر هضم المجتمعات الغربية لنمو اضافي ينبع من ان السياسات المتبعة، والمتمثلة أصلاً في تسهيل السيولة في المقام الاول، غير كافية للانطلاق من الشرنقة الخانقة.
وهو يعود الى المثال التاريخي لازمة الثلاثينات والتي بين انها استغرقت وقتاً أقصر من زمن استمرار الازمة الحالية والذي بلغ حتى تاريخه ست سنوات ونصف سنة، ويقول ان السياسات التي اتبعت أوائل الثلاثينات والتي كانت قريبة من توصيات الاقتصادي البريطاني كينز هي المدخل الافضل للتغلب على الازمة المستمرة حالياً.
والفارق بين سياسات كينز والسياسات الحالية ان الاقتصادي البريطاني أوصى بتخصيص الموارد المالية لتطوير وتحسين منشآت البنى التحتية في المقام الاول، فهذه الاعمال تغني الدول بتجهيز يسمح لها بتطوير نشاطاتها الاقتصادية، واستيعاب الطاقات الشبابية في أسواق العمل، والتفاعل مع حريات التبادل التجاري والاسواق المالية الحرة.
الامر الذي يدعو الى التفكير مليا في تصورات المؤلف، انه وهو المصرفي العريق والاقتصادي الواسع المعارف، والناشط في السوق المالي الاهم في العالم، لندن، يرى ان اقتصادات العالم الغربي مقبلة على الانكماش، وعسر الهضم.
ان دعوته الى تعديل مناهج معالجة الازمة المالية العالمية تعتبر بمثابة انقلاب فكري اقتصادي على الممارسة الحالية الجارية بصورة خاصة لدى المصرف المركزي الاوروبي، وبنك انكلترا والاحتياط الفيديرالي في الولايات المتحدة.
وفي حال الاقتناع بتحليل ستيفن كينغ، تبرز مشكلة رئيسية بالنسبة الى علم الاقتصاد ودور المصارف المركزية، فتعديلات اسعار الفائدة بالخفض لم تؤت مفعولها بالتنشيط، وتعديل هذه السياسة برفع اسعار الفائدة وتشجيع نسب أعلى من التضخم قد لا تؤدي الى النتيجة المرجوة في الوقت الحاضر.
يبدو ان المطلوب تعديل مهمات المصارف المركزية وارساء قواعد تحفيزية مختلفة واعطاء الحكومات حتى في البلدان الغربية الصناعية دوراً انشائياً تنموياً ابتعدت عنه في السنوات الاخيرة حين استرخت تحت ظلال السياسات النقدية التي لم تعد كافية لتحقيق مطالب الناس وتوفير فرص العمل لهم.
*مروان اسكندر.