• 10:54 مساءاً




سبيل السلطان أحمد الثالث

إضافة رد
أدوات الموضوع
عضو فـعّـال
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 1,674
معدل تقييم المستوى: 11
slaf elaf is on a distinguished road
03 - 04 - 2019, 04:19 PM
  #1
slaf elaf غير متواجد حالياً  
افتراضي سبيل السلطان أحمد الثالث


جمال الأسبلة العثمانية

تتمتَّع تركيا بعدد من المعالم الإسلامية والأبنية التراثية من العصور المختلفة للدولة الإسلامية من بداية العصر العباسي إلى إقامة دولة الخلافة العثمانية عليها، بالطبع خلفت الخلافة العثمانية عدد من الآثار والمباني المعمارية التي تُوضِّح عظمة دولة الخلافة وسموِّها الحضاري والإنساني، ومِنْ أهمِّ المظاهر والمعالم الحضارية "الأسبلة"، والسبيل ما يُقدِّمه السلطان للعامَّة لكي يشربون منه، والأسبلة من العادات القديمة لدى الأمراء والسلاطين للعطف على الفقراء، ولكنَّها مع الدول الإسلامية أخذت طابعها الفريد؛ حيث كان الأمراء يتنافسون على فعل الخير وبناء المنشآت والمباني الخيرية من جميع النواحي الجمالية والمعمارية.

وتهتم الأسبلة بالمسافرين والرحالة على الأغلب، والغرض منها تيسير ماء صالح للشرب، وأول من قام ببنائها دولة المماليك في مصر في القرن السابع الهجري، وقد أشرف سلاطين المماليك على بناء الأسبلة بأنفسهم في جميع حواضر الدولة الإسلامية، وبعد انتقال دولة الخلافة إلى الدولة العثمانية ظلَّت كما هي تلك العادة الحضارية؛ بل زادت جمال و بهاء مع تطوُّر الدولة من الناحية المعمارية.

كلمة سبيل جمع سبل، وهي منشأة مائية يُقيمها المحسنين المسلمين للسقاية، وقد لعبت الأسبلة دورًا عظيمًا في دولة الخلافة العثمانية؛ حيث كانت تُقدِّم للفقراء والمسافرين التجَّار والعامَّة، وقد زادت في العصر العثماني وتوسَّعت، ويوجد في القاهرة وحدها ثلاثمائة سبيل مملوكي وعثماني، غير المتواجدين في إسطنبول والقدس والشام، ومن أهم الأسبلة في إسطنبول سبيل السلطان أحمد الثالث.

تاريخ الإنشاء

بُني هذا السبيل في عهد السلطان العثماني أحمد الثالث (1115-1142هـ=1703-1730م)، إلَّا أنَّ اسم المعماري له غير معروف، ولكن يمكن الاستدلال أنَّ المبنى شُيِّيد خلال فترة بناء قصر توب كابي (الباب العالي) على يد كبير المعمارين محمد آغا، من قيصري، وهو نفسه الذي طلى الساريات والمشربيَّات بالذهب.

طريقة تأريخ المبنى

النقش الموجود على الخزان وأسبلة الماء عبارة عن قصيدة كتبها السيد وهبي، ويُستنتج من النقش أنَّ المبنى قد بُني باقتراح من الصدر الأعظم داماد إبراهيم باشا (الموشغرلي)، في عام (1141هـ=1729م)، كما نظم البيتين الشعريَّين السلطان أحمد الثالث نفسه، كما أنَّ هناك أبيات موجودة عليه هي أشعار لشعراء مشهورين آنذاك، كالشاعر نديم وشاكر رحمي.

وثمَّة وثيقة مؤرَّخة في (رمضان 1141هـ=أبريل 1729م)، تقدَّم دليلًا على وجود طلب باستقدام رخام أبيض نقي، بلا عروق، من جزيرة مرمرة، ممَّا يُؤكِّد أنَّ المبنى لم يكن قد أنجز بعد حتى ذلك التاريخ.

موقع السبيل

يقع السبيل عند التقاطع بين شارع "حاكميَّات ميلليا" و شارع "باشا ليماني"، ويُعتبر من أكثر شوارع أوسكودر ازدحامًا، بالإضافة لكونه أجمل سبيل في إسطنبول، وأنُشئ هذا السبيل على شاطئ الخليج؛ من أجل سدِّ حاجات العابرين فيه، وقد نُقِل إلى مكانه الحالي في ساحة أوسكودار مقابل الرصيف، وذلك لتنظيم الساحة التي يتواجد فيها.

الوصف المعماري للسبيل

يقع سبيل أحمد الثالث والخزان بين البوابة الفخمة لقصر طوب كابي (الباب العالي) ومتحف آياصوفيا، وهو عبارة عن مبنى مربع الشكل مزوَّد بسبيل ماء في كلِّ زاوية، ويوجد في مركزه خزَّان ماء مثمَّن الشكل ومحاط بممر، وفي وسط كلِّ واجهةٍ ثَمَّة نافورة متوَّجة بعقد مدبَّب يُحيط بها من كلِّ جانب كوة تتوِّجها مقرنصات؛ وفي الجانب الخلفي ثَمَّة بوابتان تسمحان بالدخول إلى السبيل تشغلان مكان الكوتين.

في الزوايا نصف الدائرية، يُحيط بكلِّ سبيل جدار منخفض بارتفاع متر تقريبًا، هذه الجدران تقوم عليها أربعة أعمدة يصل بينها عقود؛ أغلقت المسطحات المحصورة بين الأعمدة والعقود بواسطة مشربيَّات معدنيَّة، الجدران أعلى المشربيَّات تأخذ شكلًا نصف دائري أيضًا.

يمتاز السبيل بتصميمه المعماري الفريد؛ فهو مبني بالرخام الصومي، وقد تجهَّزت الكتابة الموجودة عليه من قِبَل السلطان أحمد الثالث والصدر الأعظم إبراهيم باشا، وتمَّت كتابتها بخط الثلث، كما أنَّ جسم البناء كثير الأضلاع ويحتوي على الكثير من الأشكال التزيينية الملتوية على شكل حرفي "إس" و "سي" اللاتينية، وهو يتحوَّل إلى شكل هرم مربع بعد ارتفاع معيَّن، كما أنَّ قطع البروش المثبتة على الجسم الهرمي المتعدِّد الأضلاع تضفي على البناء جوًّا خاصًّا.

يغطي المبنى بكامله سطح خشبي ناتئ كثيرًا إلى الخارج، تتوَّج هذا السطح المصفَّح بالرصاص خمس قباب خشبيَّة ترتفع فوق رقاب مثمَّنة؛ القبَّة الكبرى في الوسط، والأربعة الأصغر موزَّعة في الزوايا فوق أسبلة الماء، وهذه القباب مصفَّحة -أيضًا- بالرصاص ومتوَّجة بساريات برونزيَّة مذهَّبة، أمَّا التصميم الزخرفي فمبني بوضوح على الووشي، وقد زخرفت الواجهات الرخامية كلها بأشكال مختلفة من الفنِّ التركي والأوربي.

تشتمل الزخارف على أشرطة من المقرنصات والأرابسك والرسوم السعفية، والجدير بالذكر وجود تشكيلات من رقائق معدنيَّة تُحيط بنوافير الماء، كما تشاهد على الواجهات والجدران السفليَّة لأسبلة الماء ورود في مزهريَّات منفذة بالحفر النافر قليلًا، وهناك تزيينات استثنائية -أيضًا- تشتمل على زخارف من البلاطات الخزفية والنقوش الكتابية، وعلى أزهار الخزامى على المشربيات، أمَّا السطح السفلي الخشبي العريض للجزء الناتئ من السطح فمزخرف بأشغال الخشب، يزين الأجزاء العلوية من الواجهات أشكال صندوقية، في حين يظهر فوق أسبلة الماء في الزوايا تشكيلات مختلفة من الأزهار والفاكهة.

وتُعتبر أزهار القرنفل والكريزانتم في المزهريَّات المستخدمة في التصميم الجبهي للسبيل من أجمل عيِّنات العمل الفني المستخدم التي يُمكن الحديث عنها، ومن ناحية أخرى فإنَّ المقرنصات والجسور الرفيعة وأشكال أشجار النخيل المستخدمة في بناء السبيل هي من الجماليَّات المعماريَّة الأخرى التي تُضفي جمالًا لافتًا للنظر.

بُني العديد من النوافير وأسبلة الماء خلال ما يُسمَّى "عهد الخزامى" (1130-1142ه=1718-1730م)، وتسمى ذلك "الحقبة الزنبقيَّة" (نسبةً إلى زهرة الزنبق التي راجت على نحوٍ واسعٍ جدًّا بين الناس) عندما بدأت فترة تأثُّر الفن العثماني بالغرب؛ حيث بدأت النوافير التي كانت حتى ذلك الوقت تُقام على الجدران أو في الأفنية، تُبنى كمنشآت مستقلَّة، ويُمكن اعتبار هذه النوافير وأسبلة الماء -بوصفها عناصر جديدة مغايرة- الأبنية الأولى التي تعكس التأثير الخارجي في فنِّ العمارة العثمانية، ويُعتبر خزان وسبيل ماء أحمد الثالث أهم النماذج المربَّعة، من حيث تصميمه ونمط زخرفته.

وهو صرحٌ مهمٌّ ويُعبِّر عن مرحلة الانتقال من العصر العثماني الكلاسيكي إلى عصر التأثُّر بالفنِّ الغربي.

________________

المراجع:
- موقع discover Islamic art.
- موقع بلدية مدينة إسطنبول.
- قصة الإسلام - História do Islã .
رد مع اقتباس


إضافة رد



جديد مواضيع القسم الاسلامي


10:54 PM