• 3:57 مساءاً




قصة الحروب الصليبية

إضافة رد
عضو فـعّـال
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 1,674
معدل تقييم المستوى: 11
slaf elaf is on a distinguished road
19 - 11 - 2019, 03:26 PM
  #1
slaf elaf غير متواجد حالياً  
افتراضي قصة الحروب الصليبية


الحروب الصليبية هي سلسلة الحروب التي شنَّها المسيحيون الأوربيون على الشرق الأوسط للاستيلاء على بيت المقدس، ومنذ أن انتصرت القوات الإسلامية على القوات البيزنطية في معركتي اليرموك وأجنادين في عام 13 هجريًا، منذ ذلك الوقت والإسلام يهاجم الصليبيين ويفتح أراضيهم، وظل الصليبيون يترقبون الفرصة والزمن المناسب للأخذ بالثأر ورد الفعل، وهكذا كانت أحسن الفرص للانتهاز في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، فحدث هذا الهجوم الصليبي الشرس على بلاد المسلمين واستمر قرنين من الزمان، وما هو في حقيقة الأمر إلا استمرار للصراع الطويل الذي قام منذ العصور القديمة بين الشرق والغرب، واتخذ في كل عصر شكلًا معينًا يتلاءم مع مقتضيات الظروف، هذا الهجوم الصليبي الشرس كان يحمل الحقد على الإسلام والمسلمين، ولذا ارتكب جرائم بشعة جدًا وأهلك الزرع والضرع أثناء سيره.

حالة المجتمع الإسلامي قبيل الحروب الصليبية
كانت حالة المجتمع الإسلامي قبيل نشوب الحروب الصليبية حالة يرثى لها من الفوضى والانحلال، فمصر الفاطمية كانت نهبًا للثورات والمنازعات الداخلية، ولم تكن تسكن فيها الفتنة حتى تنشب الأخرى، كما كانت المجاعات والأوبئة تنهك من قواها، أما الخلافة العباسية فلم تكن أحسن حالًا حيث كانت تسيطر عليها الثورات، كما كان يسودها حالة من الفتن المذهبية والحوادث التي تملأ البلاد رعبًا وهولًا، إضافة إلى الضعف الشديد الذي كان يتسم به الخلفاء الذين تولوا الحكم خلال هذه الفترة.
أيضًا الدولة السلجوقية التي امتدت امتدادًا عظيمًا في عهد عظماء سلاطينها لم تدم عظمتها كثيرًا وانقسم البيت السلجوقي على نفسه، ولم يكن وضع المجتمع الإسلامي في إفريقيا والأندلس أفضل، بل اشتعلت الثورات والمعارك والاضطرابات الداخلية من ناحية، وعم الفساد والفتن من ناحية أخرى، وهكذا انتهز الصليبيين الفرصة السانحة التي كان ينتظرونها منذ زمن بعيد، وهكذا ما حان موعد الحروب الصليبية حتى كان المشرق الإسلامي في غاية الفوضى والارتباك والتنازع.

الدعوة للحروب الصليبية
في سنة 480هـ= 1088م تولى الكرسي البابوي البابا أوربان الثاني، وكان أوربان الثاني هذا رجلًا له طموح كبير وأحلام واسعة بأن يكون هو الزعيم الأكبر والأوحد للمسيحيين جميعًا في العالم، وذلك من خلال توحيد الكنيستين الغربية والشرقية، وسرعان ما أتته الفرصة لتحقيق هدفه، ففي سنة 487هـ= 1095م أرسل إليه الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين وفدًا يطلب منه المساعدة لنصرته ضد السلاجقة المسلمين، فتحمَّس البابا كثيرًا لهذا الطلب وأخذ يُعِدَّ العدة لأخذ التدابير اللازمة لغزو الشرق الإسلامي.
عقد البابا أوربان الثاني مؤتمرًا موسعًا في مدينة كليرمون الفرنسية دعا فيه الملوك والأمراء وعامة الشعب إلى التوجه عسكريًّا إلى الشرق الإسلامي، وقد لبَّت جموع هائلة من الناس دعوة البابا، بل إن البابا تواصل بنفسه مع المجامع الدينية، وقام بتكليف أحد الرهبان ويُدعى بطرس الناسك بالقيام بجولات مكثفة في أوربا لتحميس الناس، وجعل الثالث والعشرين من شعبان سنة 489هـ/ الخامس عشر من أغسطس سنة 1096م، هو الموعد المحدد لجمع المقاتلين في القسطنطينية لغزو الشرق الإسلامي.

أسباب ودوافع الحروب الصليبية
للحروب الصليبية عدة أسباب ودوافع، والمؤرخين والمحللين انقسموا في ذلك إلى فرق شتى، فمنهم من يؤكد الدافع الديني، وآخرون يؤكدون الدوافع الاقتصادية، وفريق ثالث يؤكد الدوافع السياسية، وفريق رابع يؤكد الأبعاد الأخلاقية لهذه الحرب، وهذه بعض الدوافع:

أولاً: الدافع الديني:
كان الدافع الديني للحروب الصليبية واضحًا عند البابا، والقساوسة والرهبان، وعند بعض الأمراء والقوَّاد، كما أنه كان الهدف المعلن للحرب، فإنقاذ الدولة البيزنطية من المسلمين كان السبب المتداول بين الناس وذلك لتحميس الجيوش والشعوب.

ثانيًا: الدافع الاقتصادي:
الدافع الاقتصادي أيضًا من أهم الدوافع للحروب الصليبية، فالجموع الهائلة من العامة خرجت لإحباطها التام من الحصول على أي قسط من رغد الحياة في أوربا، كما أن الأمراء الإقطاعيون ما خرجوا إلا من أجل الثراء والتملك، لأن القانون الأوربي آنذاك كان يمنع تقسيم الميراث على كل الأبناء، بل كانت تنتقل الإقطاعية بكاملها إلى الابن الأكبر بعد وفاة الأب الأمير.

ثالثًا: الدافع السياسي:
أما الدافع السياسي كان دافعًا رئيسيًّا عند البابا أوربان الثاني نفسه، فكان يطمح بأن يكون هو الزعيم الأكبر والأوحد للمسيحيين جميعًا في العالم، ولذلك كان يرى أن فرصته لتحقيق هدفه هي انتصاره على المسلمسن وتوحيد الكنيستين الغربية والشرقية تحت زعامته.
أيضًا كان ملوك أوربا يرون أن الدولة البيزنطية دخلت طورًا من أطوار الضعف، ولو سقطت فإن هذا قد يضعهم بين قوتين من المسلمين، السلاجقة في الشرق والمسلمين في الأندلس؛ لذلك سارعوا للمشاركة، بل ذهب بعضهم بنفسه على قيادة جيشه.

رابعًا: الدافع الاجتماعي:
كان الفلاحون والعبيد في أوربا قبيل الحروب الصليبية، يعيشون حياة مذلة ولم يكن لهم حقوق بالمرة، ولذلك رأى العوام الفلاحون في أوربا أن هذه فرصة لتغيير نظام حياتهم، والخروج المحتمل من قيود العبودية المذلَّة؛ ولذلك خرج الفلاحون في الحروب الصليبية بنسائهم وأولادهم.

سلسلة الحروب الصليبية
لم تكن الحروب الصليبية معروفة بهذا الاسم طيلة الفترة التي حدثت فيها، وكان الجميع يطلق عليها أسماء أخرى مثل: الحملة، أو رحلة الحجاج، أو الرحلة للأراضي المقدسة، أو الحرب المقدسة، ويبلغ عددها ثمانية حروب.

الحرب الصليبية الأولى (490- 493هـ= 1096- 1099م)
بدأت هذه الحرب بكتائب شعبية من المشاة والنساء والأطفال بقيادة بطرس الناسك، إضافة إلى جمع عظيم من الجنود يشمل مئات الآلاف بقيادة أربعة من كبار القادة في أوربا، وقد نعت بعضهم قوة الجيش الصليبي بقوله " كانت الجيوش الصليبية عبارة عن شعب كامل يسير"، و" يخيل أن أوروبا اقتلعت من أصولها"، واستولت الجيوش الصليبية على مدينة نيقية عاصمة السلطان السلجوقي قلج أرسلان، ثم استولت على الرها وأنطاكية وبيت المقدس وعكا وطرابلس.
وكان من أهم أسباب نجاح الصليبيين في احتلالهم لتلك المدن ما كان عليه المجتمع الإسلامي من الانحلال والنزاع، حيث كان الأخوة ملوك آل سلجوق (بار كيارق، محمد، سنجر) لاهين بالحروب الداخلية العائلية فيما بينهم، والخليفة العباسي المستظهر لم يجتهد في التأليف بين هؤلاء الاخوة الثلاثة والاتحاد معهم على محاربة الصليبيين.

الحرب الصليبية الثانية (542- 544هـ= 1147- 1149م)
دعا إليها الراهب الفرنسي سان برنارد بعد أن استولى عماد الدين زنكي على مدينة الرها، نظرًا لما لهذه المدينة من الحرمة والقداسة عند الصليبيين، وكان عماد الدين زنكي حينئذ يتزعم الدفاع عن الإسلام، ولكنه تُوفِّى قبل أن يطرد الصليبيين، وخلفه ابنه نور الدين محمود الذي هيَّج بانتصاراته عواطف أوروبا، فأُعلنت هذه الحرب بقيادة كونراد الثالث ملك ألمانيا ولويس السابع ملك فرنسا لتتصدى له، ولكنها باءت بالفشل لاحتدام الخلاف بين قادتها.

الحرب الصليبية الثالثة (585- 590هـ= 1189- 1193م)
قادها ثلاثة من أشهر ملوك أوربا وهم ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا، وفريدريك بربروسا إمبراطور ألمانيا، وكان مصير هذه الحرب الفشل بسبب غرق إمبراطور ألمانيا وموته في النهر وهو في الطريق، فتشتت جيشه من بعده، بينما نشب الخلاف بين ملك فرنسا وملك إنجلترا، ومن ثم رحل ملك فرنسا إلى بلاده، وظل ريتشارد يقاتل صلاح الدين الأيوبي إلى أن تم توقيع صلح الرملة بين الطرفين في سنة 588هـ= 1192م، وكان صلاح الدين هو الذي تسلم راية الجهاد ضد الصليبيين بعد نور الدين محمود وقد انتصر عليهم في معركة حطين الفاصلة التي فتحت الطريق لتحرير بيت المقدس في سنة 583هـ= 1187م.

الحرب الصليبية الرابعة (599- 604هـ= 1202- 1204م)
كان الدافع لهذه الحرب هو الدافع العام للحروب التي سبقتها، وهو دافع استرجاع بيت المقدس من المسلمين، وقد أثيرت هذه الحرب تحت إشراف البابا اينوسان الثالث، وكان داعيتها فولك دونويي، واستجاب لدعوته كثير من الإقطاعيين والأشراف بفرنسا، وكان عزم الصليبيين أن يتجهوا إلى مصر باعتبارها صاحبة السيادة على بيت المقدس، إلا أنها اتجهت نحو القسطنطينية واحتلتها، ولكنها لم تلقى غرضها وفشلت، بل أظهرت للناس أن الحروب الصليبية كانت وحشية ومعبأة بالحقد والضغينة على المسلمين وكان من نتائجها أن ترك بعض الصليبيين بلاد الشام واتجهوا إلى قبرص واليونان، كما زادت من الخلاف بين النصارى البيزنطيين والنصارى الغربيين.

الحرب الصليبية الخامسة (614- 618هـ= 1217- 1221م)
دعا إليها البابا هونوريوس الثالث، وكان هدفها الاستيلاء على مصر، وقيل: إنقاذ بيت المقدس واستخلاصها من أيدي المسلمين، وكانت بقيادة دوق النمسا ليوبولد الثاني وملك المجر أندرو الثاني، حاصر الصليبيون خلالها دمياط مدة طويلة، ولكن في النهاية ركنوا إلى الاستسلام والانسحاب بدون مقابل، ورحلوا جميعًا عن أرض مصر ولم يحققوا شيئًا.

الحرب الصليبية السادسة (626- 627هـ= 1228- 1229م)
كانت الحربة الصليبية السادسة بزعامة إمبراطور ألمانيا الأنبرور فريدريك الثاني وكان سياسيًا داهية فلم يدخل في حرب مع المسلمين بل فاوض الملك الكامل سلطان مصر، وانتهت الحملة بعقد معاهدة كان من شروطها: التخلّي عن الناصرة وبيت لحم والقدس للصليبيين، واستمرت هذه المعاهدة عشر سنين إلى أن تُوفِّى الملك الكامل سنة 1239م وخلفه ابنه الملك الصالح الذي أعلن الحرب على الصليبيين، واحتل بيت المقدس ليعيدها إلى حوزة الإسلام مرة أخرى.

الحرب الصليبية السابعة (646- 652هـ= 1248- 1254م)
كان لاسترجاع الملك الصالح بيت المقدس رد فعل في أوروبا، فدعت الكنيسة لهذه الحرب عندما رأت ضعف المسلمين واختلاف بعضهم مع بعض، وتولى قيادتها لويس التاسع ملك فرنسا وتوجه إلى مصر وتمكن من احتلال دمياط، وفى هذا الوقت تُوفِّى الملك الصالح إلا أن َّ زوجته شجرة الدر أخفت موته وأخذت تُصدر الأوامر باسمه حتى انهزم الصليبيون وأُسر قائدهم لويس التاسع هو وجميع من معه من الرجال ولم يُطلق سراحه إلا بعد أن دفع فدية عظيمة عن نفسه وعن جماعته، وتعهد بأن لا يعود إلى مصر.

الحرب الصليبية الثامنة (669هـ= 1270م)
عاد لويس التاسع إلى فرنسا ونسي ما قطعه من عهد بعدم الرجوع إلى محاربة المسلمين وقرر أن يقوم بحرب صليبية أخرى وكانت وجهته هذه المرة إلى تونس، وهنا يختلف المؤرخون فقيل: أنَّ لويس التاسع مات وهو في الطريق، وقيل: أنه وصل إلى تونس وقاتله المسلمون قتالًا شديدًا، وطالت محاصرة الصليبيين حتى نالهم التعب، وتفشَّت فيهم الأمراض والأوبئة ولم يسلم لويس التاسع نفسه من الوباء فمات بالطاعون، ثم بعد موته جرت المفاوضات بين الطرفين انتهت بهما إلى الاتفاق والصلح.
تلك ثماني حروب أغار بها الغربيون على الشرقيين مدة قرنين من الزمان أفنى بعضهم بعضًا، ثم تحرر الشرق الأدنى وانسحب الصليبيون، ولكن بعد أن تركوا الديار الإسلامية خرابًا يبابًا.

نتائج الحروب الصليبية
فشل الصليبيون في استعمار الشرق الإسلامي خلال العصور الصليبية التي دامت قرنين من الزمان، ولكنهم كسبوا ألوانًا من الفوائد الثقافية والدينية والاجتماعية منها:
- اقتباس الثقافة الإسلامية، وتصحيح فكر الغربيين عن المسلمين.
- أخلاق جديدة عاد بها الصليبيون إلى أوربا بعد هذه الحروب.
- أيضًا تقليد المسلمين في التجارة والصناعة وصك النقود.
- وضعت الحروب الصليبية نواة الاستشراق، وانتهى بانتهائها النظام الإقطاعي.
- كانت الحروب الصليبية عاملًا هامًا من عوامل تحرير رقيق أوربا.
- أدرك المسلمون أن هزائمهم الأولى كانت بسبب جهلهم بمعرفة أخبار عدوهم ولذلك عملوا على تلافي هذا النقص باستقصاء أخبار الصليبيين.
- من نتائج هذه الحروب أيضًا إلحاق الضرر بالمسلمين كتدمير المدن الإسلامية، كما فتَّحت هذه الحروب عيون الأوربيين على الاستعمار للبلاد العربية والإسلامية[1].


[1] محمد كُرد علي: خطط الشام، مكتبة النوري، دمشق، الطبعة الثالثة، 1403هـ= 1983م، 1/ 247- 276، 2/ 17- 300، وراغب السرجاني: كتاب قصة الحروب الصليبية، ومحمد العروسي المطوي: الحروب الصليبية في المشرق والمغرب، دار الغرب الإسلامي، 1982، ص45- 197، ومحمد جميل بهيم: فلسفة التاريخ العثماني، مكتبة صادر، بيروت، 1334هـ= 1925م، ص83- 87، ومحمود شاكر: التاريخ الإسلامي، المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1421هـ= 2000م، 6/ 316- 323، وأحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة السابعة، 1986، 5/ 793- 805.
قصة الإسلام
رد مع اقتباس


إضافة رد

أدوات الموضوع


جديد مواضيع القسم الاسلامي

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موقعة فارسكور.. الحملة الصليبية السابعة slaf elaf القسم الاسلامي 0 18 - 11 - 2019 03:47 PM


03:57 PM