• 6:03 مساءاً




عبد الله ابن المقفع .. الأديب المظلوم!

إضافة رد
أدوات الموضوع
عضو فـعّـال
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 1,674
معدل تقييم المستوى: 11
slaf elaf is on a distinguished road
04 - 12 - 2019, 04:10 PM
  #1
slaf elaf غير متواجد حالياً  
افتراضي عبد الله ابن المقفع .. الأديب المظلوم!


أصل ابن المقفع ونسبه
وُلِدَ عبد الله بن المبارك المشهور بـ "ابن المقفع" في مدينة "جور" ببلاد الفرس، حوالي سنة 106هـ، وكان اسمه الفارسي "روزبة"..

وكان قد تولَّى أبوه الخراج في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق، فاختلس من أموال السلطان فضربه الحجاج ضربًا موجعًا حتى تقفَّعت يده، فسُمِّيَ المقفع.


رحلة ابن المقفع الأدبية
عاش عبد الله بن المقفع 25 عامًا في ظلِّ الدولة الأموية، و16 عامًا في ظلِّ الدولة العباسية، وتلقَّى تعليمه بمدينة جور؛ حيث تثقَّف بالثقافة الفارسيَّة، وعرف الكثير عن آداب الهند..

ثم انتقل إلى مدينة البصرة فتشرَّب الثقافة العربية؛ إذ كانت البصرة مَجْمع رجال العلم والأدب، وكان "المربد" الشهير بها جامعةٌ للأدباء والشعراء.

وقد اشتهر عبد الله بن المقفع في شبابه بسعة ثقافته الفارسية والهندية واليونانية، بالإضافة إلى فصاحة بيانه العربي، فاستخدمه "عمر بن هبيرة" كاتبًا في دواوينه، وكذلك استخدمه "داود بن عمر بن هبيرة" وذلك في الدولة الأموية..

أمَّا في الدولة العباسية فقد عمل ابن المقفع كاتبًا لـ "عيسى بن علي" ابن عمِّ الخليفة المنصور، وأسلم ابن المقفع على يدي عيسى بن علي وقُتِل بسببه!!


ابن المقفع .. الصديق الصدوق الخلوق
اشتهر ابن المقفع حتى قبل إسلامه بمتانة أخلاقه، فكان كريمًا، عطوفًا، عاشقًا لحميد الصفات ومكارمها، شغوفًا بالجمال، كما كان مؤمنًا بقيمة الصداقة، وإغاثة الملهوف..

ومن الحكايات المشهورة التي تُروى عنه، أنَّ "عبد الحميد بن يحيى" كاتب الدولة الأموية الشهير، اختبأ في بيت ابن المقفع بعد قتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، لكنَّ رجال الدولة العباسية الناشئة توصَّلوا إليه، ودخلوا عليهما بيت ابن المقفع، وسألوهما: أيُّكما عبد الحميد بن يحيى؟ فقال كلاهما: "أنا".

‍ فقد قَبِل ابن المقفع أن يضحي بنفسه من أجل صاحبه، لكنَّ العباسيِّين عرفوا عبد الحميد الكاتب وأخذوه إلى السفاح.


مؤلفات ابن المقفع
وقد كانت لابن المقفع آثارٌ أدبيَّةٌ كثيرة منها:
- كتاب "فدينامه" في تاريخ ملوك الفرس.
- و"آبين نامه" في عادات الفرس ونظمهم ومراسم ملوكهم.
- و"التاج في سيرة أنوشروان".
- و"الدرة اليتيمة والجوهرة الثمينة"، في أخبار السادة الصالحين.
- و"مزدك" وكتاب "قاطينورياس" في المقالات العشر.
- و"باري أرميناس" في العبادة.
- و"ايسافوجي" أو المدخل لفورفوريوس الصوري.
- و"أنا لوطيقا" في تحليل القياس.
- ورسالة "الصحابة" التي تدور حول الجند والقضاء والخراج، وتلك الرسالة تحوي الكثير من آراء ابن المقفع السياسية لإدارة الدولة الإسلامية المترامية الأطراف بحكمة، وذلك بإصلاح حال المجتمع، ورفع مستوى الجند والخراج والقضاء، وفي هذه الرسالة إشارة هامة وواضحة إلى ضرورة وجود ما يُشبه "القانون العام" للقضاة بحيث لا تُتْرَك القضايا للاجتهادات الشخصية للقاضي.
- ومن كتب ابن المقفع الشهيرة كتاب "الأدب الكبير" وكتاب "الأدب الصغير" وهما يحويان الكثير من الحِكَم المستمدة من الثقافات الإسلامية واليونانية والفارسية.
ومن حكمه المشهورة: "المصيبة العظمى الرزية في الدين"، و"أربعة أشياء لا يُستقل منها القليل: النار، المرض، العدو، الدَّيْن".


كليلة ودمنة .. أروع أعمال ابن المقفع
وتميَّز ابن المقفع بأسلوبه الرشيق السهل، فقد كان رأيه أنَّ البلاغة إذا سمعها الجاهل ظنَّ أنَّه يحسن مثلها، وكان ينصح باختيار ما سهل من الألفاظ مع تجنب ألفاظ السَّفِلَة، ويقول: "إنَّ خير الأدب ما حصل لك ثمره وبان عليك أثره".

أمَّا أهمُّ وأشهر كتب ابن المقفع على الإطلاق فهو كتاب "كليلة ودمنة"، وهو مجموعةٌ من الحكايات تدور على ألسنة الحيوانات يحكيها الفيلسوف "بيدبا" للملك "دبشليم"، ويبث من خلالها ابن المقفع آراءه السياسية في المنهج القويم للحُكْم.

والمشهور أنَّ ابن المقفع ترجم هذه الحكايات عن الفارسية، وأنَّها هنديَّة الأصل، لكن النقاد والباحثين في مجال الأدب والأدب المقارن أكَّدوا أنَّ كليلة ودمنة احتوت على فصول عديدة من تأليف ابن المقفع وأنه لم يكتفِ بالترجمة فقط؛ فقد وصلت إلينا كليلة ودمنة في 4 مقدمات و15 فصلًا، والأصل الهندي كان يحتوي على مقدمة واحدة وخمسة فصول، فزاد عليها المترجم الفارسي برزويه بابًا في وصف رحلته، والبقية غالبًا أضافها ابن المقفع.

كما أنَّ بعض الباحثين يعتقدون أنَّ الآراء التي أوردها ابن المقفع في كليلة ودمنة كانت أحد الأسباب المباشرة لنهايته الأليمة، وكذلك اشتغاله بالسياسة واهتمامه بتقديم النصح للخليفة وقادته بشكل مباشر وحاد في بعض الأوقات؛ رغبة منه في إصلاح أمور الدولة..

والعجيب أنَّه بهذا قد خالف ما اعتاد أن ينصح به الناس في كتبه خاصة كتابه "الأدب الكبير والصغير"، وكذلك منهجه في دلائل حكايات "كليلة ودمنة"، فعلى سبيل المثال كان يقول:

«إذا أصبت عند الوالي لطف منزلة لغناء يجده عندك أو هوى يكون له فيك فلا تطمحنَّ كلَّ الطماح.. ولا تكوننَّ صحبتك للملوك إلا بعد رياضةٍ منك لنفسك على طاعتهم في المكروه عندك، وموافقتهم فيما خالفك، وتقدير الأمور على ميلهم دون ميلك… فإنَّك لا تأمن عقوبتهم إن كتمتهم، ولا تأمن غضبهم إن صدقتهم، ولا تأمن سلوتهم إن حدَّثتهم؛ إنَّهم إن سخطوا عليك أهلكوك، وإن رضوا عنك تكلَّفت من رضاهم ما لا تطيق».


النهاية المفجعة
لقد كان عبد الله بن المقفع كاتبًا "لعيسى بن علي" كما أشرنا، وقد كان هو وأخوه سليمان أمَّنا "عبد الله بن علي" (عم المنصور الذي خرج عليه) وأنزلاه عندهما وقد كانا بالبصرة..

وقد طلبا له الأمان من الخليفة فأمَّنَه، وعُهِد إلى ابن المقفع بكتابة الأمان لـ"عبد الله"، ويقال: إنَّ ابن المقفع كتب الأمان وبالغ في الاحتراس من كل تأويل يقع عليه فيه، وأسرف في توكيد الأمان فلم يتهيَّأ للمنصور إيقاع حيلةٍ فيه لفرط احتياط ابن المقفع، ففي ظنِّ ابن المقفع أنَّه لا فرصة لديه مع هذا النص أنْ يغدر به أبدًا. (كما فعل بغيره من قبل مثلما فعل بابن هبيرة، ومن بعد بأبي مسلم الخراساني ومحمد النفس الزكية وغيرهم)..

فأضاف ابن المقفع عبارةً في الأمان (على لسان المنصور) نصها: «وإن أنا نلتُ عبد الله بن علي أو أحدًا ممَّن أقدمه معه بصغيرٍ من المكروه أو كبير، أو أوصلت لأحدٍ منهم ضررًا، سرًّا أو علانية، على الوجوه والأسباب كلِّها تصريحًا أو كنايةً أو بجبلةً من الجبل، فأنا نفي من –محمد بن عبد الله– ومولودٌ لغير رشدة، ولقد حل لجميع أمَّة محمد خلعي وحربي والبراءة مني، ولا بيعة لي في رقاب المسلمين، ولا عهد ولا ذمَّة، وقد وجب عليهم الخروج عن طاعتي، وإعانة من ناوأني من جميع الخلق".

ومنه -أيضًا-: «ومتى غدر أمير المؤمنين بعمِّه عبد الله فنساؤه طوالق، ودوابه حبس وعبيده أحرار».

فأسرَّها المنصور في نفسه، وتلقَّف تهمةً كانت شائعةً في تلك الأيام وهي تهمة الزندقة، رمى بها بعضهم عبد الله بن المقفع (وقد ثبتت براءته منها)، فأمر والي البصرة "سفيان بن معاوية" بقتله..

وكان سفيان بن معاوية بن يزيد شديد الكراهية لابن المقفع وينتظر له أي فرصة للنيل منه، لما كان يفعله فيه ابن المقفع من السخرية منه والتندُّر عليه لأنَّ أنفه كان كبيرًا..

فكان إذا دخل عليه قال: "السلام عليكما!" يقصد أنفه!، وكان يسأله عن الشيء بعد الشيء، فإذا أجاب قال له (أخطأت!) ويضحك منه..

فلمَّا كثر ذلك على سفيان غضب واشتدَّ غيظه منه، وكان ابن المقفع قال له يومًا في معرض السب والسخرية: «يا ابن المـُغْتَلِمَة، واللهِ ما اكتفت أمُّك برجال أهل العراق حتى تعدَّتْهم إلى أهل الشام».

فأضمر سفيان في نفسه أن يعمل على قتله إذا أمكنته من ذلك فرصة، وقد كان يمنعه قرب ابن المقفع من الخليفة ومكانته في الديوان.

فعندما حانت الفرصة ثأر منه أقسى ثأر وأشده تنكيلًا؛ فقطَّع جسده قطعًا قطعًا ورماه في الفرن، فمات محروقًا إربًا إربا.

وكانت آخر كلمات ابن المقف لسفيان بن معاوية: «والله إنَّك لتقتلني؛ فتقتل بقتلي ألف نفس، ولو قُتِل مائة مثلك لَمَا وفُّوا بواحد».

وهكذا راح الأديب العبقري والإنسان الفاضل، ضحية السياسة والخلافات السياسية داخل الأسرة العباسية، ولم يقتل كخصم سياسي، بل أُلصقت به تهمة الزندقة التي هو منها بريء بشهادة مؤلفاته، وبشهادة الأبحاث التي دارت حول حياته وفكره.


المصادر:
1- آثار ابن المقفع، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1989م.
2- عبد اللطيف حمرة: ابن المقفع، دار الفكر العربي.
3- حسين جمعة: ابن المقفع إبداع بين حضارتين، دار رسلان للطباعة والنشر، 2016م.
4- ليلى حسن: كليلة ودمنة في الأدب المقارن دراسة مقارنة، مكتبة الرسالة، عمان، 1977م.
قصة الإسلام
رد مع اقتباس


إضافة رد



جديد مواضيع القسم الاسلامي


06:03 PM