• 2:29 صباحاً




الوزارة والوزراء في الأندلس

إضافة رد
عضو فـعّـال
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 1,674
معدل تقييم المستوى: 11
slaf elaf is on a distinguished road
05 - 04 - 2020, 03:07 PM
  #1
slaf elaf غير متواجد حالياً  
افتراضي الوزارة والوزراء في الأندلس


ظهور الوزارة وألقابها في الأندلس
منذ تأسيس الإمارة على يد عبد الرحمن الداخل، لم يتَّجه البيت الأموي إلى إيجاد وظيفة الوزير التي نعرفها عند العباسيِّين في المشرق؛ وإنَّما اعتمد الأمراء على أفراد البيوت المخلصة لهم، وكان أهل هذه البيوت أوَّلًا مقصورًا على موالي بني أمية وأولادهم وما تفرَّع عنهم، ثم دخلت عليهم أُسرٌ أخرى قرَّبها الأمراء، وكان منهم العرب والمولَّدون والمستعربون أحيانًا، وكان الكثيرون منهم من البربر كذلك.

ولم يكن لأفراد هذه البيوت لقبٌ معيَّن أو وظيفةٌ معيَّنة، حتى قيادة الجيوش تولَّاها الأمراء وأنابوا عنهم في أحيانٍ كثيرة رجالًا حملوا لقب القائد ولكن لفترة الحملات فقط، إلَّا أنَّ ظهور شخصيَّاتٍ ممتازة حقًّا من أمثال عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث وعيسى بن شهيد، جعل من الضروري أن يُجاز أولئك الرجال بألقابٍ ثابتة..

فنجد عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث يصبح "قائد الجيوش" بصورة مستمرة، ويصبح عيسى بن شهيد قائدًا أيضًا، ثم نجد لقبًا آخر يُضاف إلى ابن مغيث وهو الحاجب، وترتبط بوظيفة الحاجب كل الاختصاصات التي كانت للوزير في المشرق، وبالفعل تُصبح الحجابة في الأندلس مماثلة للوزارة في المشرق، ويصبح الحاجب ثاني شخصيَّة في الدولة بعد الأمير.


الاختصاصات الإدارية للوزراء في الأندلس
وقد وُزِّعَت الاختصاصات الإداريَّة بين أفراد هذه البيوت؛ فهذا للمال ويُسمى "الخازن"، وذلك للأمن ويُسمَّى "صاحب الشرطة"، وذلك للمنشآت ويُسمَّى "صاحب الأشغال"، ثم نجد لقب الوزير يُعطى لهؤلاء على أنَّه لقب تشريف أو درجة وظيفة في أوَّل الأمر، ثم نجده بعد ذلك مرتبطًا باختصاصٍ معين..

فنجد الوزير عيسى بن شهيد يقود الصوائف ويسمى بالوزير القائد، ويوسف بن بخت يتولى شئون المال ويُسمَّى بالوزير الخازن، ومحمد بن السليم يتولى المواريث ويُسمى الوزير صاحب المواريث وهكذا..


الوزارة في أيامنا اختراع أندلسي!
منذ أيَّام عبد الرحمن الأوسط نجد الوزير في الأندلس له معنى الوزير في أيَّامنا واختصاصاته ومسئوليَّاته نفسها..

فنجد الحاجب يُصبح "رئيس الوزراء"؛ فهو الوزير الكبير، وهو الذي يلقى الأمير كلَّ يومٍ ويُناقشه في شتَّى المسائل، ويجتمع كلَّ يومٍ مع أصحاب الوزارات في دارٍ خاصَّةٍ عُرِفت بدار الوزارة، وفي هذا البيت يجلس الوزراء على ترتيب معين في هيئة دائرة، لكلٍّ وسادةٌ يجلس عليها، ووسادة الحاجب أعلى من بقيَّة الوسائد..

ونجد لكلِّ واحدٍ من الوزراء ديوانه وكتَّابه؛ أي "سكرتاريته".

والمسائل تُدرس وتُتَّخذ فيها القرارات، ثم يأخذها الحاجب إلى الأمير ويعرضها عليه، فما يُتَّفق عليه يدخل ديوان الأمير لتُحرَّر بصدده الصيغة الديوانية أو القانونية المناسبة، ثم يُقدِّمها من جديد الوزير صاحب العرض إلى الأمير لتُختم بخاتمه ثم بخاتم الدولة، وتصدر على النحو الذي تصدر به المراسيم في أيامنا، وتكون سارية المفعول من يوم صدورها.

وقد تعدَّدت وظائف الوزراء، فنسمع مثلًا بـ "وزير الخيل"؛ وهو الوزير المكلَّف بإعداد الخيل اللازمة لجيوش الدولة والعناية بها، وبما تحتاج إليه من سرج ولجم ومراع وما إلى ذلك.

وهناك وزير "الفرعنة"، ومهمته تقديم الخيل اللازمة لكلِّ حملةٍ مع فرسانها وإعداد الفرسان بكلِّ ما يلزمهم، وهناك وزراء بلا تخصُّصٍ معيَّن، وهم أشبه بوزراء الدولة، ومكاتبهم في القصر ليُكلِّف الأمير منهم من يشاء بما يشاء.

وهؤلاء الوزراء جميعًا لهم الحق في لقاء الأمير والحديث معه، وهم حاشيته ومنهم –أيضًا- ندمائه، وكانت عناية الأمير تمتدُّ إلى أولادهم فإذا مات الوزير أو عطل عن العمل حلَّ محلَّه ابنه، وفي أحيانٍ كثيرة لا يكون الابن ذا كفايةٍ تُؤهِّله للوظيفة، فيُعيِّن له الأمير من يُعاونه في العمل حتى يُتقنه، وذلك حرصًا من الأمراء على أن تكون الأمور دائمًا في أيدي هذه البيوت المخلصة التي تُشبه أسر النبلاء التي تُحيط بملوك أوروبا المسيحيَّة.

وكان الأمراء يُقيلون الوزراء إذا ساءهم منهم شيءٌ ما، وعندما يُقال الوزير تُرفع وسادته من بيت الوزارة، وليس من الضروري أن يحلَّ محلَّه وزيرٌ آخر، وقد يُنقل الوزير من وزارةٍ إلى أخرى، وقد يُعطى موظَّفٌ كبيرٌ مثل "صاحب المدينة" -أي محافظ العاصمة- لقبَ الوزير فيُسمَّى "الوزير صاحب المدينة"، وتوضع له وسادةٌ في بيت الوزارة.

وفي بعض الأحيان لا نجد حاجبًا، فيقوم بعمله الوزير صاحب العرض، وهذا الأخير كان يُعتبر من خاصَّة الأمير أي من الحاشية.

وكانت الوظيفة الكبيرة تُسمَّى في الأندلس بالخُطَّة مثل: خطة الوزارة، وخطة الخيل، وخطة الأعانة، وخطة الكتابة –تعادل ديوان الإنشاء في المشرق-، وخطة المظالم ويُراد بها النظر في الشكاوى المقدمة ضدَّ رجال الدولة وتطبيق الأحكام على طبقات أهل المملكة، وخطة القيادة، وخطة الأشغال، وخطة البحر.

ومن الخطط الكبرى في الأندلس كانت خطة القضاء، ويراد به قضاء قرطبة، وصاحبها كان يشبه وزير العدل فهو لا يتولى قضاء قرطبة فقط، بل كان من اختصاصه اختيار قضاة المدن الأخرى والأقاليم، وهو ينظر في شئون القضاة ويراقب أعمالهم، وله أن يعزل منهم من يريد ويقترح تولية القضاء من يريد، وكان قضاة العواصم الكبرى يعتبرون نوابًا له يرجعون إليه في أحكامهم.


القضاء .. من أهم الوزارات في الأندلس
لقد كان قاضي الجماعة -أي "قاضي قرطبة"-، ثالث شخصيَّة في الأندلس بعد الأمير والحاجب، ولهذا كان الأمراء يختارون قضاة الجماعة بعنايةٍ شديدة وتدقيقٍ بالغ، وكان أدنى خطأ ظاهر من القاضي يُؤدِّي إلى عزله..

وكان لقاضي الجماعة سلطة على الأمير نفسه في مسائل العدالة، وكان من واجباته الحيلولة بين رجال القصر وكبار الموظفين وارتكاب المخالفات، ولهذا كان القاضي رجلًا مرهوب الجانب، وكان الكثيرون يتحاشون هذه الوظيفة خوفًا من ألا يستطيعوا إقامة العدل على الأقوياء أو تحرُّجًا من خدمة أمراءٍ لا يرضون عن كلِّ تصرُّفاتهم.

وكان هناك إلى جانب الأمير دائمًا عددٌ كبيرٌ من الشيوخ ذوي العلم الواسع والخُلُق المتين والدين القويم يسمون بالفقهاء المشاورين؛ أي الذين يُشاورهم الأمير في كبار شئونه، وخاصَّةً الدينية منها.

وقد ابتدع كبار فقهاء المالكية هذه الخطة لأنَّهم في محاولتهم اتِّباع آثار الإمام مالك بن أنس رحمه الله كانوا يرفضون تولِّي القضاء أو الوظائف العامَّة، مكتفين بالأنصراف إلى العلم والتدريس وإفتاء الناس فيما يعرض لهم من مشاكل، وكان هذا العزوف يرفع من مقامهم في أعين الناس.

ولم يكن عزوف هؤلاء الفقهاء عن تولي الوظائف تعبيرًا عن عدم الرضى عن البيت الأموي؛ لأنهم في الحقيقة كانوا يُؤيِّدونه، ولكنَّهم كانوا يسيرون في هذا في آثار الإمام مالك رحمه الله الذي لم يتولَّ وظيفةً ما، وعاش للعلم والتعليم.

وقد أراد الأمراء أن يفيدوا من مكانة أولئك الفقهاء الكبار في نفوس الناس فقرَّبوهم إليهم واختاروا من بينهم عددًا من أوسعهم علمًا وجعلوهم فقهاء مشاورين، وكانوا يعتبرونهم أهل شورى لهم.

وأول من نسمع عنهم ممَّن تولَّى هذه الخطة يحيى بن يحيى الليثي، وهو فقيهٌ جليلٌ درس دراسةً واسعةً في المشرق، وعاد إلى الأندلس أيَّام الأمير هشام، فاحتلَّ مكانةً جليلةً في الدولة، ورفض أن يتولَّى القضاء، وفي أيام الحكم الربضي نجده يشترك في ثورة أهل قرطبة على الأمير، ويهرب بعد القضاء على هذه الثورة، ثم يعفو عنه الأمير ويعود إلى مكانه.

وفي أيام عبد الرحمن الأوسط سترتفع مكانة يحيى بن يحيى حتى أصبح من أكبر شخصيات الدولة، وأصبح بالفعل وزيرًا للعدل يُولِّي القضاة ويعزلهم، وهو الذي كان يُوصي باختيار الفقهاء المشاورين إلى جواره، فظهرت هذه الجماعة في كامل صورتها، ولم يكن الفقهاء المشاورون هيئةً تجتمع معًا لتتَّخذ قرارًا؛ بل كان الأمير يستشيرهم فرادى، فقد يستدعيهم وقد يُرسل إليهم القضايا في بيوتهم ليُبدوا آراءهم فيها.

وكان يحيى بن يحيى الليثي كبير الفقهاء المشاورين في أيام عبد الرحمن الأوسط، وكان الأمير لا يقدر شيئًا في شئون القضاة إلَّا برأيه، وقد استبدَّ بأمر القضاة حتى ثقل عليهم، فلمَّا مات قال ابن عذارى: "في هذه السنة مات يحيى بن يحيى الليثي وارتاح القضاة من همِّه".

وقد تعاصر أيام عبد الرحمن الأوسط ثلاثة يُعدُّون من أكابر الفقهاء في تاريخ الأندلس كلِّه، هم: عبد الملك بن حبيب، ويحيى بن يحيى الليثي، وعيسى بن دينار، وقد قيل فيهم: "إن عبد الملك عالم الأندلس، وعيسى فقيهها، ويحيى بن يحيى عاقلها".

وكان كبير المشاورين يُسمَّى بشيخ الفتيا أو شيخ المسلمين أو رئيس البلد، وكلُّها تسميَّاتٌ تدلُّ على كبر المكانة التي كان يتمتَّع بها الفقهاء المشاورون في ذلك العصر، ويُلاحظ عليهم إلى آخر أيَّام عبد الرحمن الأوسط أنَّهم كانوا فقهاء ولم يكونوا أصوليِّين؛ أي أنَّهم كانوا يعرفون فقه مالك فقط ولكن ليس لديهم علمٌ كبيرٌ بالحديث أو أصول الفقه؛ وإنَّما كانوا في الأغلب فروعيِّين عمليِّين، أي يعرفون من الفقه ما تمسُّ إليه حاجة المعاملات الجارية، حتى في هذا لم يكن لديهم من العلم إلَّا ما قاله الإمام مالك بن أنس رحمه الله.

وسيظل العلم بالفقه في الأندلس على هذا المستوى حتى عصر الأمير محمد، عندما سيعود إلى الأندلس فقيهان أصوليان من أعلم الناس بالحديث الشريف ومناهج استخراج الأحكام من الأصول وهما: بقي بن مخلد ومحمد بن وضَّاح رحمهما الله، وهما من مدرسة الأصوليِّين وكبار المحدِّثين الذين ظهروا في المشرق في القرن الثالث الهجري، ويُمثِّلهم هناك يحيى بن معين وأحمد بن حنبل رحمهما الله.

وعلى أيدي فقهاء هذا الجيل، سيدخل الفقه في الشرق والغرب على السواء في عصرٍ جديدٍ من عصوره، وستبدأ سلسلة إجلاء الفقهاء المتقنين المعروفين بالحفَّاظ.


المصدر: حسين مؤنس، موسوعة تاريخ الأندلس، الجزء الأول، مكتبة الناشر الدينية، الطبعة الثانية 2006. (بتصرف).
قصة الإسلام
رد مع اقتباس


إضافة رد

أدوات الموضوع


جديد مواضيع القسم الاسلامي

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجوكر و الوزارة linker استراحة بورصات 0 21 - 12 - 2011 06:50 PM
بدء اجتماع أوبك والوزراء لا يتوقعون تغير سياسة الامدادات فريق الأخبار الاخبار الاقتصادية - اخبار سوق العملات 0 14 - 10 - 2010 01:20 PM


02:29 AM