رد: الاعمال الكاملة للشاعر نزار قباني
جعلت روحك مداد قلمك .. ما كتبت الا نفسك
حاربت ضد الكذب فكانت معركتك الكبرى ..
أخرجت كل العبارات القابعة في زنزانة الخوف من المشاعر.. لترسمها برقي الانسانية..ولتبني أعشاشا لطيور التاريخ..
أقول وكلي ثقة :شؤون صغيرة هي مفتاح لأحدى صناديق أسرار الأنثى...
نزار قبانى
***
شؤون صغيرة..
شؤون صغيرة
تمر بها أنت دون التفات
تساوي لدي حياتي
جميع حياتي ..
حوادث قد لا تثير اهتمامك
أعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأغزل منها حكايا كثيرة
وألف سماء ..وألف جزيرة
شؤون..شؤونك تلك الصغيرة
***
فحين تدخن أجثو أمامك
كقطتك الطيبة..
وكلي أمان
ألاحق مزهوة معجبة
خيوط الدخان
توزعها في زوايا المكان
دوائر .. دوائر
وتلرحل في آخر الليل عني
كنجم ,كطيب مهاجر
وتتركني يا صديق حياتي لرائحة التبغ .. والذكريات
وأبقى أنا .. في صقيع انفرادي..
وزادي أنا .. كل زادي
حطام السجائر ..
وصحن .. يضم رمادا..
يضم رمادي...
***
وحين أكون مريضة ..
وتحمل أزهارك الغالية
صديقي ,الي
وتجعل بين يديك يدي
يعود لي اللون والعافية
وتلتصق الشمس في وجنتي
وأبكي .. وأبكي .. بغير ارادة
وأنت ترد غطائي علي
وتجعل رأسي فوق الوسادة
تمنيت كل التمني .. صديقي .. لو أني
أظل .. أظل عليلة ..
لتسأل عني ..
لتحمل لي كل يوم ورودا جميلة
***
وان رن في بيتنا الهاتف
اليه أطير ..
أنا .. يا صديقي الأثير
بفرحة طفل صغير
بشوق سنونوة شاردة
وأحتضن الآلة الجامدة
وأعصر أسلاكها الباردة
وأنتظر الصوت .. صوتك يهمي علي
دفيئا .. مليئا .. قوي ..
كصوت نبي ..
كصوت ارتطام النجوم , كصوت سقوط الحلي
وأبكي .. وأبكي .. لأنك فكرت في
لأنك من شرفات الغيوب .. هتفت الي ..
***
ويوم أجيء اليك لكي أستعير كتاب ..
لأزعم أني أتيت لكي أستعير كتاب ..
تمد أصابعك المتعبة
الى المكتبة ..
وأبقى أنا في ضباب الضباب
كأني سؤال بغير جواب
أحدق فيك .. وفي المكتبة ..
تراك اكتشفت ؟
تراك عرفت ؟
بأني جئت لغير الكتاب
وأني لست سوى كاذبة !!.
***
...وأمضي سريعا الى مخدعي
أضم الكتاب الى أضلعي
كأني حملت الوجود معي ..
وأشعل ضوئي .. وأسدل حولي الستور
وأنبش بين السطور , وخلف السطور
وأعدو وراء الفواصل .. أعدو وراء نقاط تدور
.. ورأسي يدور ..
كأني عصفورة جائعة
تفتش عن فضلات البذور
لعلك يا .. يا صديقي الأثير
تركت باحدى الزوايا .. عبارة حب قصيرة ..
جنينة شوق صغيرة ..
لعلك بين الصفائح خبأت شيا
سلاما صغيرا .. يعيد السلام اليا ..
***
..وحين نكون معا في الطريق
وتأخذ - من غير قصد - ذراعي
أحس أنا يا صديق
بشيء عميق ..
بشيء يشابه طعم الحريق
على مرفقي ..
وأرفع كفي نحو السماء
لتجعل دربي بغير انتهاء ..
وأبكي .. وأبكي .. بغير انقطاع ..
لكي يستمر ضياعي ..
***
وحين أعود مساء الى غرفتي ..
وأنزع عن كتفي الرداء ..
أحس - وما أنت في غرفتي -
بأن يديك ..
تلفان في رحمة مرفقي ..
وأبقى لأعبد يا مرهقي
مكان أصابعك الدافئات
على كم فستاني الأزرق ..
وأبكي .. وأبكي .. بغير انقطاع
كأن ذراعي ليست ذراعي ..
****