• 6:00 مساءاً




الطيب صالح روائيا

إضافة رد
أدوات الموضوع
عضو جديد
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 8
معدل تقييم المستوى: 0
اسامة حمدان is on a distinguished road
18 - 03 - 2010, 09:33 AM
  #1
اسامة حمدان غير متواجد حالياً  
افتراضي الطيب صالح روائيا



الطيب صالح روائياً


اعداد الطالب
اسامة حمدان مرزوق الرقب
جامعة العلوم الاسلامية العالمية
مستوى الماجستير




مقدمة :
الطيب صالح كاتب روائي مبدع ولد في إقليم مروى شمالي السودان في عام 1929 في قرية يقال لها كرمكول على قرب من دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي إليها ينتمي وينتسب .

منذ الستينات من القرن الماضي ، بدأت تعرف الرواية العربية تحولات نوعية غيرت من مفهوم الكتابة والرواية ، فإن نصوص الطيب صالح من النصوص اللافتة التي ساهمت في هذه التحولات فالكتابة الروائية عند الطيب صالح أصبحت ترنو إلى استنطاق ذاتية الإنسان العربي والتعبير عن مشاعره المكبوتة .

وقد دفعني إلى اختيار الطيب صالح مجالا لبحثي هذا ، لأنه علامة بارزة في الأدب العربي المعاصر استطاع برواية واحدة وهي موسم الهجرة إلى الشمال أن يلفت انتباه أوروبا وثقافتها إلى الثقافة العربية ، ولطالما تساءل المثقفون أنفسهم عن سر نجاح تلك الرواية واشتهارها ، وفيما أحسب أن ثمة سببين لشهرتها ، الأول متعلق بموضوعها الإنساني وهو صراع المواطن بين حضارتين حضارة بلاده وحضارة غريبة عنه .

أما السبب الثاني هو البناء الفني للرواية فهو يقوم على تيار اللاوعي حيناً والتنقل في مساحات الذاكرة بين المجتمع العربي والمجتمع الغربي ، فالطيب صالح كان رائعاً في التعبير عما يجول في نفسه ونفس بطله مصطفى سعيد من رغبات مكبوتة ووقائع نفسية ملتبسة ، فجسد الشخصية المزدوجة في الشخصية العربية التي ذهلت أمام الحضارة الأوروبية المفتوحة .

على صعيد ثان ثمة سؤال آخر ، لماذا لم تشتهر الروايات الأخرى للطيب صالح؟ هذا السؤال متكرر ومشروع وأرى أن الإجابة عنه تتمثل في أن الأديب ربما يبدع نصاً واحداً في حياته فقط وكم من عمل أدبي ظن صاحبه أنه سيحقق شهرة فائقة ففشل في حين يشتهر له عمل آخر لم يكن يظن أنه سيحقق أي شهرة.
وقد تناول البحث انطلاقاً من هذه التصورات نشأة الرواية العربية ، وحياة الطيب صالح وأعماله الفنية .

نشأة الرواية العربية وتطورها
ثمة خلاف كبير بين الباحثين على نشأة الرواية العربية وتطورها فمن الباحثين من يرى أن الجذور الحقيقية للرواية تعود إلى عصور قديمة كالعصر العباسي الأول وما تلاه ومنهم من يرى أن الرواية العربية لم تولد إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهي ولادة جاءت متأثرة بالآداب الغربية ، وغلب عليها طابع الترجمة والتعريب بحيث يقوم المترجم أو المعرب بحذف شيء من النص الأصلي ، أو تقديم إضافات عليه ومع بداية القرن العشرين بدأت الرواية العربية بالنضوج الفني ، كما ظهرت نزعتها الإنسانية بوضوح .
عند الحديث عن الرواية بشكلها المعاصر ، فإن عدداً لا يستهان به من الباحثين يرون لهذه الرواية مرجعيات عربية قديمة بدأت مع الأعمال السردية الطويلة التي تقارب الرواية المعاصرة مثل قصة " حي من يقظان " للفيلسوف الإسلامي ابن طفيل ، وكتاب " النمر والثعلب " لسهل بن هارون ، وهو مؤلف من العصر العباسي ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري[1] .
ومع بداية القرن العشرين بدأت الرواية العربية بالنضوج الفني كما ظهرت نزعتها الإنسانية بوضوح ، واستمر النضج الفني للرواية العربية على نحو تصاعدي حتى وصل إلى درجة عالية على يد محمد حسنين هيكل من خلال رواية ( زينب ) التي تعد أول رواية عربية ذات شكل فيه شروط الفن الروائي الحديث إلى جانب رواية (الاجنحة المتكسرة ) لجبران خليل جبران التي تمثل تطوراً في بنية الرواية العربية الحديثة [2].
ويميل بعض النقاد إلى القول إن الرواية العربية الحديثة قد تأثرت تأثراً كبيراً بالرواية الأوروبية ، وقد مر هذا التأثر بثلاث مراحل[3]:-


المرحلة الأولى : مرحلة ( التعريب) .
والمقصود بالتعريب الأخذ من الرواية الغربية ثم تعريبها كطريقة تجعلها ملائمة لذوق الشعب والقراء ، وكان المعرب يقلد الأصل الأجنبي ، ولكنه لا يتقيد بـه ، ولهذا نجده يتغير في الشخصيات والأحداث بحيث تنال هذه القصص المعربة رواجاً كبيرأً عند القراء العرب ومن هؤلاء الكتاب الذين اشتهروا بتعريبهم للقصص الأجنبية ، رفاعة الطهطاوي معرب مغامرات تليماك للكاتب الفرنسي فنسلون ، وقد أسماها " وقائع الإخلال في حوادث تليماك " ، ومحمد عثمان جلاد معرب " بول وفرجيني " لبرنارد بن سان بير بعنوان " الأمانة والمنة "[4]. .

وأشهر المعربين على الإطلاق هو مصطفى لطفي المنفلوطي معرب " بول وفرجيني بعنوان الفضيلة وماجدولين لألفوس كار ومنهم أيضا ًحافظ إبراهيم في البؤساء لفكتور هيكو .

المرحلة الثانية : ( مرحلة الترجمة ) .
بعد أن نضجع الوعي الأدبي ، وارتقى ذوق الجمهور كان لا بد من تطوير طريقة الأخذ من الغرب ، فانتقل الكتاب من مرحلة التعريب إلى مرحلة الترجمة ومن أشهر الذين ترجموا قصصاً عن الغرب الدكتور طه حسين ، والدكتور عبد الرحمن بدوي ، والدكتور محمد عوض محمد [5].




المرحلة الثالثة مرحلة الابتكار والإبداع ) .
انتقل فيها الكتاب إلى محاولة كتابة قصص هم مبدعوها ومبتكروها ، وقد بدأ كتاب الرواية بالتأثر بالمذهب الكلاسيكي ، لأنه مذهب المحافظة ثم تأثروا بالرومانسية ، وهذا التأثر واضع من القصص التاريخية التي كتبها جرجي زيدان ومحمد فريد عن قصة (زنوبيا) وقصة ( المهلهل) [6].

ونتيجة هذا التطور طرقوا ميدان القصص ذات الاتجاهات الاجتماعية والواقعية والفلسفية والتي تتضمن كثيراً من التحليل النفسي ومن هؤلاء الكتاب طه حسين وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي ، وكما وصلت الرواية درجة عالية من الفنية عند نجيب محفوظ .

ولقد تأثرت البدايات في حديث " عيسى بن هشام " لإبراهيم المويلحي ، و " علم الدين " لعلي مبارك و " ليالي سطيح " لحافظ إبراهيم ، بالمفهوم الغربي حتى وهي تتخذ شكل المقامة في البناء التعبيري [7].

وحديث عيسى بن هشام من عنوانه يظهر صلته بالتراث العربي القديم ، وبزعماء الإصلاح الديني والاجتماعي واللغوي الذين كانوا يهدفون في إصلاحهم إلى إحياء التراث[8]. ويتفق حديث عيسى بن هشام مع آثار رفاعة الطهطاوي وعلى مبارك في أنه كتب شكل رحلة مع أنه يختلف معها في الهدف ، فكانت رحلة رفاعة ومبارك تهدف إلى تعليم العلوم الغربية ، أما رحلة المويلحي فهدفها إصلاح المجتمع. وتتفق مع المقامة التي كانت تعنى بوصف الكثير من وجوه الحياة الاجتماعية .

والجدير بالذكر إن الحرب العالمية الأولى ( 1914) وما أعقبها من تحولات في تركيب المجتمعات العربية وتغير في القيم والموازين والمفاهيم والعلاقات ، والتطور الذي حدث في الثقافة والسياسة والأحزاب وما إلى ذلك كل أؤلئك قد خلقت مناخاً جديداً ، وتطلبت معماراً فنياً جديداً ليعبر عن هذه التحولات الاجتماعية الجديدة وما هي إلا سنوات قصار حتى سطع نجم طه حسين وتوفيق الحكيم والمازني والعقاد يدعمون الفن الروائي ويقيمون صرحه بما أولوه من عناية وتقدير فأصبحت للرواية العربية مكانة مرموقة جذبت إليها ذلك السيل الدافق من الأدباء والقصص وأصبح القراء يتفقدونها في كل صحيفة ومجلة وكتاب 1 .

ويمكننا اليوم أن نتحدث عن أسماء عريية لامعة في الفن الروائي إضافة إلى ما ذكر سابقاً ، ومن هذه الأسماء من توفي ومنها من تواصل إبداعه بتميز واقتدار مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ، وغالب هلسا ، ومؤنس الرزاز ، وجمال الغيطاني ، وحنا منية ، وجبرا إبراهيم جبرا و عبد الرحمن منيف ، وأخيراً الطيب صالح[9]وهو الروائي السوداني المبدع الذي جعلته عنوان دراستي ................................................... ...........
حياته:

الطيب صالح أديب عربي من السودان ،اسمه الكامل الطيب محمد صالح أحمد ، ولد عام 1348هـ - 1929م في إقليم مروى في بلاد كرمكول على ضفاف نهر النيل لمنطقة تتبع لديار الدبة في شمال السودان عند منحنى نهر النيل في ما يعرف بديار الكابية حيث ولد ونشأ وترعرع[10].

كانت منطقته مفعمة بتاريخها وزاخرة بعاداتها وتقاليدها المتسامحة وكان الناس فيها يعتمدون على زراعة الأرض لتحصيل قوت يومهم [11].

ولقد ذكر أيضاً أنه ولد في وادي حلفا في المديرية الشمالية وعاش طفولته وفتوته فيها[12]،وكان والده شيخاً طيباً وقوراً ، ديناً ، يؤمن بأولياء الله الصالحين ، ويعتقد في شيوخ الصوفية ويزور ضريح الشيخ الطيب ، وقد سمى ابنه على اسم ذلك الشيخ تبركاً[13].

في طفولته درس بالمدرسة القرآنية ( الكتاب ) في القرية وتعلم القراءة والكتابة ، حتى بلغ الثامنة ، انتظم في المدرسة الابتدائية لمدينة بورتسودان الميناء البحري السوداني على البحر الأحمر ، ثم التحق بمدرسة وادي سيدنا الثانوية في مدينة أم الدرمان بالخرطوم حيث حصل في عام 1948م على شهادة كامبرج للثانوية العامة الدرجة الأولى ، وكانت العلوم تدرس باللغة الإنجليزية ما عدا الدين واللغة العربية [14].

قبل بكلية الخرطوم الجامعية إبان الاستعمار الإنجليزي التي تحولت فيما بعد إلى جامعة الخرطوم ، وعلى الرغم من تميزه في العلوم فإن ميوله الأدبية كانت تدفعه إلى كلية الآداب ، ولم يجد استجابة لنقله إلى كلية الآداب ، فترك الدراسة الجامعية إلى مهنة التدريس وعمل مدرساً بالمدرسة الأهلية[15].

أكمل دراسته الجامعية وحصل على بكالوريوس في العلوم ثم سافر إلى لندن لمواصلة دراساته العليا في العلوم .
في عام 1953 تغرب الطيب صالح عن بلاده بقصد الدراسة في الجامعات البريطانية وأكمل تحصيله العالي في الشؤون الدولية . وفي لندن حيث وجد الطيب نفسه في غربة خانقة ، فالغريب معرض لكل أنواع التعدي سواء الأذى الجسمي أو الأذى المعنوي الذي دفعه إلى التخلص منه بإفراغه في إبداعاته الروائية[16] .
في نفس السنة التي ذهب فيها إلى لندن اكتشف موهبته الأدبية والتي استمد مناخها الإبداعي من واقعه السوداني ، وقد كان السودان لا يزال يخضع لسلطة الاستعمار البريطاني حيث عرض معاناة بلده ورأى حقوقه تداس فتنامى لديه الوعي الوطني مقابل التعسف الاستعماري ، فكانت هذه المقومات الرئيسية التي قامت عليها أعماله الإبداعية[17].
في عام 1953 عمل في القسم العربي في الإذاعة البريطانية ، دخل الطيب صالح مجال الإذاعة لأول مرة من أوسع أبوابها وأشهرها في ذلك الزمان وسرعان ما تفجرت مواهبه وإبداعاته [18].

أنهى الطيب دراسته في الكلية الملكية بجامعة لندن ، وكان في حوالي الخامسة والثلاثين من عمره ،وكان قد بدأ طريقه في كتابة الرواية بعد محاولات لا بأس بها في كتابة الشعر الذي كان يعتبره أرفع الفنون الأدبية على الإطلاق ، وكان يحفظ منه ويتمثل به ويرويه[19]

وبدأ الطيب صالح في عام 1960 حياتيه الصحفية والإعلامية عندما تولى تغطية أعمال الجلسة العامة للأمم المتحدة بنيويورك كمراسل لإذاعة بي بي سي البريطانية [20].

ولا شك أن مقابلته لوفود تنتمي إلى ثقافات شتى ، وتعبر بكل حرية عن آراء تتعلق بأكثر القضايا الجدلية آنذاك ، أثرت تجربته وشحذت فكرته عن ماهية الإعلام ، الذي يرى أنه يجب أن يتجلى في نسج علاقة بين المؤلف والقارئ والإعلامي والجمهور سواء عبر الكتابة أو الكلمة أو الصورة .

ومنذ ذلك الحين ظل ميل الطيب صالح لهذا الميدان يتأكد باستمرار ، يساعده في ذلك انفتاحه الفكري ومواهبه الروائية.

عاد إلى بلاده عام 1966 لتولي وظيفة مستشار في الإعلام والإذاعة بوزارة الإعلام السودانية ، فينشر في العام ذاته روايته " موسم الهجرة إلى الشمال " التي أعلنت بداية ارتفاع صيته [21].

لكن الطيب صالح ترك تلك الوظيفة بعد سنتين ليعيش منذ ذلك الحين خارج بلاده ، وإن ظلت تلك الثقافة الأولى المفعمة بالتقاليد القديمة التي تربط الفرد بمجتمعه الأصلي تقطن وجدانه إلى الأبد ، رغم انغماسه في ثقافة مغايرة تماماً ، كما حدث لعدد كبير من المثقفين الذين تلقوا تكوينهم في الغرب[22].

ثم عاد الطيب صالح إلى لندن ليشغل ما بين العامين 1968-1974 منصب مساعد رئيس منتج البرامج لهيئة الإذاعة البريطانية ، حيث كلف بإعداد النشرات الثقافية وبرمجتها فكان يرأس فريقاً من عشرة إلى خمسة عشر شخصاً ، ومنذ ذلك الحين كرس حياته للإعلام والاتصالات في إنجلترا ثم قطر ثم باريس فقطر مرة أخرى .

تزوج من امرأة إنجليزية قريبة من عالمنا العربي وقادرة على فهم مشاكله وهي امرأة شديدة الحساسية والذكاء وهي تمثل التطلع الذهني للطيب في المرأة عامة ، وأنجب منها ثلاث بنات[23].

وبالفعل كان الطيب صالح إذا كتب يهدف إلى التواصل ، التواصل مع العالم بالطبع ، لكن أيضاً مع ذويه لكسر جمود العيش بعيداً عن الأهل والأخوان ، فأصبحت كل أعماله الفنية تخبئ في طياتها تلك الازدواجية الثقافية ، وتلك المسائل التي تطرحها علاقات عالمين أثرا في كيانه وجددا معالم فكره ، العالم العربي الإسلامي الأفريقي والغرب[24].

وعندما غادر بي بي سي عام 1974 كان ذلك لتولي منصب المدير العام لوزارة الإعلام بقطر، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى 1981، وكان من بين المهام المسندة إليه كذلك شؤون الثقافة والسياحة والآثار القديمة[25].

وبما أنه كان يضطلع بمسؤوليات إدارة كل خدمات هذا القطاع فإنه كان يتولى تحت إشراف الوزير تخطيط وتحديد استراتيجيات الإعلام ، كما يتولى الإشراف والتنسيق بين كل إدارات التلفزيون والإذاعة والصحافة المكتوبة والثقافة والسياحة فضلاً عن الآثار[26].

وخلال هذه الفترة زاد ثراء تجربته الدولية سواء بمشاركته في المؤتمرات الدولية كممثل لدولة قطر أو كعضو في الوفد القطري إلى جانب وزير الإعلام.

ثم عمل خبيراً بالإذاعة السودانية 1967 ، وعمل مستشاراً بهيئة اليونسكو بباريس ، ثم مقيماً لليونسكو بالدوحة وعمان لمنطقة الخليج [27].

وفي مجال الصحافة ، كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عموداً أسبوعياً في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم " المجلة " . وخلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة[28].

نال الطيب صالح مكانة اجتماعية وأدبية سامية في مجتمع الإذاعة وأروقتها ومنتدياتها ، فأصبح الطيب المخرج الإذاعي القدير الذي قدم روائع الفن العربي والعالمي ثم صار رئيساً لدائرة المنوعات في القسم العربي التي حققت قفزات مشهورة في عهده، ثم أصبح من النخبة المختارة التي تحاضر في الفن الإذاعي بمدرسة الإذاعة التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية التي يدرس بها إذاعيون من مختلف أقسام الهيئة العالمية ومن مختلف أرجاء العالم [29].

يعد الطيب صالح من الروائيين الموهوبين ولكنه لم يعتمد على هذه الموهبة وحسب بل شحذها بالثقافة العربية فتزود فيها ، فقرأ أعمال المعاصرين وتمثلهم وهضم أعمالهم وغاص في التراث فاستلهم روحه ، وعايش الثقافة الغربية فكراً مكتوباً فقرأ أعمال الكلاسيكيين والمعاصرين الأوروبيين[30].
توفي الطيب صالح في يوم الأربعاء 18 فبراير عام 2009 في لندن وشيع جثمانه يوم الجمعة 20 فبراير في السودان حيث حضر جنازته عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب وخصصت الإذاعات السودانية والتلفزيون السوداني الكثير من النشرات الإخبارية والبرامج للحديث عنه [31].
وكان الطيب صالح رحمه الله يمتاز بمجموعة من الصفات الحميدة التي حددت سلوكه في الحياة ومن أبرزها صفة التواضع الجم الصادق بلا تكلف ولا رياء على الرغم من أن روايته " موسم الهجرة إلى الشمال " اختيرت ضمن أفضل مائة عمل في تاريخ الإنسانية [32].
ومن الصفات البارزة في الطيب الإنسان حسن الخلق بصفة عامة ، فهو حسن التعامل و مع الناس عامة ، وكريم إلى أقصى حد حتى أنه لم يترك منزلاً في السودان ولا ثروة ولا شيئاً يذكر ، وقد حاول بعض خاصته جمع التبرعات منهم لبناء بيت له في السودان، فلم يقبل ذلك ، وهو كذلك وفي جداً لأهله وعشيرته وبلده الصغير ووطنه وشعبه وأمته وتاريخه وتراثه العربي الإسلامي ، زاهد بعيد عن الأضواء والإعلام واضح صريح يحب الاطلاع الواسع المتنوع والتعلم المستمر ، فتعددت معارفه وتنوعت ثقافته من عربية سودانية خليجية وإفريقية أوروبية بريطانية وفرنسية ، وخالط الناس في مختلف الأقطار وعرف طباعهم ، وله ارتباط قوي بمجتمعه الصغير والكبير ومحيطه المحلي والاقليمي والدولي ملماً بمشاكل العالم خبيراً بحلولها ، جريئاً في طرح تلك الحلول بلا خوف ولا وجل[33].

وقد تحدث عنه صديقه د. عبد الواحد عبد الله يوسف قائلاً [34] :
" كان الطيب واسطة العقد ، إنساناً رائعاً ، ذكي الفؤاد ، واسع الصدر ، عزيز النفس معتدل المزاج والتفكير ولا يجنح شرقاً أو غرباً . يتحدث ببساطة وعمق في آن واحد وفي أدب جم ودماثة خلق أشبه بسلوك أولياء الله الصالحين ، فيه من تصوف " ابن عربي" ، وحذق " الغزالي " الشيء الكثير وفيه من إباء " المتنبي" وشيمه وجرأته وقدرته على الإبداع الشيء الكثير أيضاً ، وكان " المتنبي " ولا يزال من أحب الشعراء إلى نفسه ولكن الطيب بعيد عن صلف المتنبي وطموحه إلى السلطة والجاه . والطيب إنسان بسيط غاية في التواضع ".

أعماله الفنية :
إن نشأت الطيب صالح القروية كانت دائماً المرجعية الجوهرية له ، فعلى الرغم من أنه عاش معظم حياته في لندن وزار الكثير من الدول الأوروبية ، إلا أنه لم يكتب القصة والرواية إلا مستوحياً مادتها من تراب السودان ومائه وغاباته وحيوانه وإنسانه الريفي ولقد تكرر في رواياته ذكر بلده السودان وذكر الخرطوم وذكر الريف السوداني وربما كان هذا هو مصدر القوة التي تتصف بها روايات الطيب صالح[35].

فإلى جانب اللغة العربية ترجمت أعماله إلى تسع عشرة لغة تشمل الإنكليزية والفرنسية والألمانية والصينية واليابانية والروسية والإيطالية والاسبانية والهولندية والتركية والبولندية والنرويجية والبلغارية والسلافية والتشيكية والدنماركية والكورية والعبرية والمجرية[36].

واحتفت بأعماله الروائية المبدعة الدوائر الأدبية العربية والأجنبية فجعلت من هذه الأعمال الثرية مادة للعرض والدراسة والتحليل في عدد وافر من الكتب [37].

وفي لندن تفتح عطاءه الأدبي ، فكتب القصص القصيرة ، ونشر بعضها في المجلات ومن ذلك قصته نخلة على الجدول وغيرها من القصص وقبل أن تفاجأ الأوساط الأدبية العربية التي أدهشها بروايته الأولى موسم الهجرة إلى الشمال .

كان الطيب صالح قد نشر قصة بعنوان عرس الزين لكنه عاد فكتبها مرة أخرى جاعلاً منها رواية وهي ستكون أول أعماله التي سأتحدث عنها بالإضافة إلى روايته الخالدة موسم الهجرة إلى الشمال .

ثم توالت أعماله : ضوء البيت ، ومريود ، ودومة ودحامد ، وحفنة تمر ، ومنسي ، وهو كتاب قريب من الرواية قربه من السيرة[38].
أما الجزء الثاني من أعماله القصصية القصيرة يبتدي في قصص رسالة إلى آيلين وإذا جاءت ، وهكذا يا سادتي ، ثم مقدمات بمقاطعها الخمسة ( أغنية حب ، خطوة للأمام ، لك حتى الممات ، الاختبار ، سوزان وعلي ، وكان آخر ما كتبه قصة قصيرة بعنوان يوم مبارك على شاطئ أم باب [39].










أولاً : رواية عرس الزين :
يشير عنوان رواية الطيب صالح إلى احتفال وإلى شخصية إنسان . وحفل الزفاف كما هو الحال في معظم المجتمعات ، إشهار ومناسبة للفرح وإلى التقاء الناس واحتفالهم بطريقة تكون اعترافاً بأن إنسانين قد اتحدا بالزواج ويشغل حفل الزفاف المنزلة الأعلى من الرواية ، احتفال بالغناء والرقص ومناسبة ينسون فيها وبها متاعب الحياة اليومية.

وما يميز رواية ( عرس الزين ) للطيب صالح عن غيرها من الروايات هو قيامها على التوفيق بين الحكاية الشعبية المتداولة في القرى والأرياف وفنية بناء الرواية ، فالزين وهو اسم بطل الرواية إنسان عادي يمكن وصفه بكلمة موجزة بابن القرية الذي يتندر الجميع بمقالبه وأفعاله وأقواله ومع ذلك يحبونه ويشجعونه على المزيد[40].

ويستخدم المؤلف في روايته هذه السارد العليم وهو الذي يروي لنا بدقة ما يجري للزين من حوادث فعندما أنجبته أمه قيل أنه انفجر ضاحكاً بدلاً من أن يبكي كعادة الأطفال حين يولدون وليس في فمه سوى سنين أحدهما في فكه العلوي والآخر في السفلي مما يضفي على ضحكته مظهراً كاريكاتورياً يجعل الآخرين ممن يضاحكونه يغرقون في الضحك وليس في البلدة أحد يعطف عليه ويرأف سوى الشيخ الولي الطاهر (الحنين) وهو عابد زاهد قلما يقيم في القرية إلا ليغادرها ، ويغيب عنها شهوراً ثم يعود إليها قادماً من حيث لا يدرون وهو الذي يسميه (المبروك) [41].

تبدأ حكاية (عرس الزين) على عادة الرواية ذات السرد المتقطع من آخرها وليس من بداية الحوادث كحليمة بائعة اللبن تنقل لأمها خبراً مفاده أن الزين سيتزوج اليوم ولأن آمنة هذه كانت في الماضي قد تقدمت لخطبة نعمة بنت الحاج لابنها أحمد فقد اهتمت بالموضوع ، كون أمها سعدية ووالدها واخواتها رفضوا المصاهرة ، متذرعين كذباً بأن الفتاة قاصر ، ولم تصل إلى سن الزواج وها هي ذي تخطب للزين وتزف فيا للعجب[42].

فيمضي السارد بنا من الخبر الذي جاءت به حليمة مسلطاً الضوء على تقنية سردية تعتمد المفارقة الزمنية ، فيأخر حيناً ما يجب أن يقدم ثم يذكر متأخراً ما حدث في السابق.

كان الزين قد أحب فتاة في القرية تدعى عزة ، وأخرى اسمها حليمة من قبيلة القوز، فضلاً عن ابنة محجوب ( العمدة ) وفي كل مرة يعلن اسم الفتاة التي يحبها أنها هي من يقع عليها اختياره لتكون زوجته ، فيطمئنه ذووها أنها له ولن تكون من حظ غيره ولكن لم يكد يمر شهر أو شهران حتى تخطب الفتاة ، خطبت عزة مثلاً لواحد من الشباب ، وهو ابن خالها الذي يعمل مساعداً طبياً في أبو عشر ولم يثر الزين ولم يقل شيئاً ، ولكنه بدأ قصة حب جديدة وتتكرر هذه الخيبة عندما يطمئنه أهل حليمة من قبلية القوز بأنهم لن يزوجوها غيره ، وبعد أن أصبح مهووساً تسامع بها الناس وجاء كثيرون من أبناء البلد وشبابها المرموقين ، والوجهاء يخطبونها من أبيها ، وأخيراً تزوجت من ابن القاضي ، وبتكرار هذه القصص ، نشأ انطباع لدى الناس والنساء منهم خاصة ، فعادة أن من يولع بها الزين تخطب في وقت قصير فهو كادلال الذي أذا روج لبضاعة مهما كانت كاسدة تباع على الفور ، وأصبح أهل القرية ينظرون إليه باعتباره رسول حب وهكذا بدأ الزين يخرج من قصة حب ليدخل في أخرى بعلم من ذوي الفتاة أو دون علم [43].

إلا أن واحدة منهن هي التي كانت الزين يخشى الحديث عنها على الرغم من أنه يحبها حباً جماً ، ولكنه عندما كان يراها مقبلة نحوه يترك عبثه ومزاحه فاراً من بين يديها تاركاً لها خلوة الطريق [44].

من ثم يتجه السارد إلى ناحية أخرى ليدور الحديث عن نعمة بنت الحاج إبراهيم فينقل ما يعتلج في صدر الفتاة ، من ذكريات منذ كانت طفلة تجلس في حجر امرأة بدينة تنهال عليها بالقبلات المضجرة ، مروراً بصباها حين أصبحت الجارات يتهامسن عنها كل تتمنى أن تكون حظ ابنها الذي يقترب من سن الزواج [45].

وينتهي بما تذكره عن الكتاب وحفظها سوراً من القرآن الكريم وأخاها الذي يكبرها نحو عامين يقول لها مداعباً " يمكن تبقي دكتورة ولا محامية " [46].

ويقترب بنا الراوي من حدث آخر وهو قدوم إدريس شاب من البلدة خاطباً ، أما موقف الأب والأخوة الذكور الثلاثة والأم سعدية فكانوا يميلون للموافقة والقبول غير أن نعمة هي التي ترفض هذه المرة ويحتد الأب ويهددها بالصفع لكن يتوقف فجأة " شيء ما في محيا تلك الفتاة العنيدة قتل الغضب في صدره [47].
وتكبر نعمة وتكبر معها الصورة الغامضة لفارس أحلامها الذي تنتظر قدومه ليختطفها من الأسرة ويهرب بها إلى عوالم من السحر الواعد بالعيش الرغيد والسعادة[48].

ولأن التقنية السردية التي يستخدمها الكاتب الطيب صالح تعتمد اعتماداً رئيسياً على السرد المتقطع غير المتتباع فقد وجدناه يرجع مرة أخرى إلى الزين ، مشيراً إلى صفة من صفاته الملازمة له وهي الإصرار على حضور كل عرس يجري في الإقليم ، لا في قريته فحسب ، وعندما يرى قادماً من بعيد نحو حلقة الرقص يتباعد الشبان تاركين له الساحة لينفث في المكان طاقة جديدة . وتعلوا الأصوات " أبشر يا زين ، حبابك عشرة"1 .
وهنا تبدأ الحكاية بداية أخرى كما لو أن السارد يقص علينا القصة من جديد ، وحل ما سبق لا يتعدى أن يكون تمهيداً للحدث المحوري الذي تدور حوله حكاية عرس الزين – ففي هذه المرة – أي التي حضر فيها عرساً لم يعد كعادته إلى البيت ، كي يوقظ أمه عند أذان الفجر طالباً منها أن تعد له الشاي[49].

عاد الزين متأخراً جداً . وفي رأسه جرح كبير يصل إلى قريب من عينيه اليمني أما صدره وملابسه فهي مخضبة بالدماء التي نزفها جرحه البليغ ، ولتجمع الناس وأخذوه إلى المشفى في مروى ، وعاد في أسبوعين . ويكاد الناس لا يعرفون لما طرأ عليه وعلى هيئته ومظهره من تغيير . فقد جاء وجهه لامعاً نظيفاً وثيابه ناصعة البياض. وعندما ضحك رأى الناس في فمه صفين من الأسنان البيض اللامعة في فكيه العلوي والسفلي ، كان الزين تحول شخصاً آخر. وخطر لنعمة التي كانت تقف بين المستقيلين أن الزين لا يخلو من وسامة [50].

ويروي الزين ما جرى له في المشفى . وفي أثناء ذلك يقبل سيف الدين شقيق العروس التي شهد عرسها قبل الحادثة فينتفض الزين من مكانه كمن لدغته عقرب ويهجم على سيف الدين ، ولولا قدوم الشيخ الولي ( الحنين ) في تلك اللحظة لقتله الزين، ويتضح أن الذي اعتدى على الزين هو سيف الدين شقيق حليمة التي كانت تريد الزواج من الزين ولكن القوز زوجوها من آخر.

يقوم الشيخ ( الحنين ) بإجراء الصلح ورأب الصدع بين الرجلين ، ويعد الزين أن يتزوج من أحسن بنت [51].

لكن نسيج الرواية يتخلله فراغ كبير يؤدي بالقفز بالأحداث من زمن لآخر إذ يقول الراوي في مستهل الفصل الثاني بعد هذا الحادث بأعوام طويلة ثم يستطرد متتبعاً شخصية سيف الدين وعائلته ، ذاكراً ما كان من إخفاقه في التعلم والتعليم . وفي الوظيفة الحكومية وغير الحكومية وما نشأ عليه من إدمان السكر والتردد إلى دور اللهو وتعشق الجواري . مما جعل أباه لا يطيق صبراً على ابنه سيف الدين ، وعندما عاد متأخراً ذات يوم وهو ثمل ليقول له أنه يحب سارة – ويريدها زوجة له على سنة الله [52].
ولأن الأب يعرف سارة هذه ، وما هي عليه من والتهتك ، وفروغ العينين ، فقد استشاط غضباً ، وقام بضرب ابنه ضرباً مبرحاً أدى إلى ولولة الأم وتجمع الناس بعد أن سمعوا ما سمعوه من الصراخ ، وخلصوا الابن الفاسق من يرى أبيه الصالح ، وهو بين الحياة والموت [53].

ويطرد الأب الابن شر طردة ، يعلن براءته منه وأنه ليس ابنه ولا يعرفه. ولكن الأب تظل تزعجه أخبار ابنه التي تنقل إليه من بعيد ، فهو يسمع عنه أنه سجن في الخرطوم لثبوت تهمة السرقة عليه ، وتارة يسمع أنه متهم بقتل أحد الاشخاص في بور سودان ، وطوراً يسمع بأنه صائع أو يعمل عتالاً في أحد الموانئ على البحر الأحمر . أو سائق أجرة بين الفاشر والنيل الأبيض.
وعندما توفي الأب في العشر الأواخر من رمضان فوجئ المعزون بعودة الضال وفي يده عصا غليظة ولم يسلم على أحد ، وعندما سمعت أمه بنبأ عودته بدأت تولول من جديد كما لو أن الأب توفي لتوه ، ووضع سيف الدين يده على أموال أبيه بعد أن استخلص أعمامه منها نصيب أخواته وأمه من الثروة ، وطرد موسى الأعرج أحد مخدومي الأب ، وصديق الزين ، وازداد استهتاره ، فبدد الثروة في وقت قصير ، وفي إحدى زياراته للقرية فوجئ بعرس وعلم أنه عرس شقيقته حليمة وكاد يتحول العرس إلى مأساة حين أبصر الزين قادماً فقد ضربه بالفأس على رأس وكاد العريس أن يغير رأيه لولا العقلاء الذين تدخلوا فمنعوا تحول الفرح إلى مأتم بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة.
فقد تم تأجيل العرس أياماً ليعود سيف الدين ومعه من المغنيين والجواري والماجنات والسفهاء الكثير . وكان الهدف من قدومهم هو إفساد العرس ، لكن الرجال في القرية كانوا قد تهيأوا لذلك فحشدوا نحو ثلاثين رجلاً مسلحين بالعصي الغليظة واستطاعوا دحر سيف الدين ومن معه ، وتم العرس على النحو اللائق.

وظل الأمر على هذه الحال إلى أن كانت حكاية سيف الدين مع الزين ، فعندما أصلح الشيخ ( الحنين ) بينهما سرعان ما يغير سيف الدين تغيراً كبيراً لا يصدق ، ويبدو أن دعوة استجاب لها الله ، فقد انقلبت حال البلدة رأساً على عقب . ولم يقتصر التغيير على سيف الدين الذي لم يصدق أحد ما لاح على شخصيته من اختلاف .
بعد ذلك عم القرية خير شامل ووفر وسقط الثلج وأنبع النخيل وارتفع سعر التمور والقطن وأنشأت الحكومة في البلدة مستشفى يتسع لمئات المرضى ومدرسة هذا كله شيء وزواج الزين شيء آخر.

فما أن شاع الخبر حتى هرع الطريفي احد معلمي المدرسة إلى دكان الشيخ علي مثلما هرع الناظر وهرع عبد الصمد وغيرهم لمعرفة جلية الأمر ، فقد عد ذلك كله من كرامات الشيخ ( الحنين ) الذي توفاه الله لكن كراماته مستمرة ولم تتوقف.

على أن الناظر وحده هو الذي لا يعد زواج الزين من نعمة بنت الحاج إبراهيم من كرامات الشيخ ، فقد كان خطبها لنفسه ذات يوم ، واعتذر له بسبب فارق السن وها هو يسمع بين مصدق ومكذب أنها خطبت للزين وهو أكبر عمراً منه ، وهذا يجعله يحس إحساس من طعن بخنجر مغروساً في القلب.
وقال في نفسه : " تتزوج الزين ؟ ودا اسمه كلام يا عالم ؟ " والله عجايب !"[54].

وفي أوج اللغط والهرج الذي يسود البلدة يعلن الزين بصوته المعهود أنه سيتزوج من نعمة بنت الحاج إبراهيم ، مؤكداً أنها جاءته في الصباح إلى البيت وقالت له أمام أمه "يوم الخميس يعقدوا لك علي [55]. وتغدوا فرحة الأم كبيرة ، فقد جاء الوقت الذي تسترجع فيه ما قدمته من ( نقوط)[56]متفرقاً لتسترده مجمعاً لا سيما وأن ابنها يتزوج من بنت الحسب والنسب ، وستدخل البيت المبني المطوب الأحمر. مرفوعة الرأس ، ثابتة الخطى[57].

ما بين العبارة الأولى في الرواية : حديث بائعة اللبن لآمنة ، والصفحة الأخيرة كأنه جملة معترضة بين كلمتين ، الأولى تخبرنا فيها بنية الزين الزواج والثانية تتمة هذا الخبر[58].

قالت حليمة بائعة اللبن لتغيظ آمنة بمزيد من أخبار العرس أن نعمة رأت في منامها الشيخ الحنين – الولي الصالح – يقول لها : " عرسي الزين ، اللي تعرس الزين ما تندم".
وأصبحت الفتاة ، فحدثت أباها وأمها فأجمعوا على الأمر ، وهزت آمنة رأسها قائلة " كلام " [59].

وكأي قرية أخرى سرعان ما تنتشر الإشاعات ، وتكثر الروايات وتختلف إلا أن السارد العليم يرجح بما يعلمه من أسرار نعمة وخفايا شخصيتها أنها اندفعت لهذا الاختيار بدافع الاشفاق على الزين ، أو بتأثير الرغبة في القيام بتضحية ، وهذا أمر منسجم مع طبيعتها فقررت أن تتزوج الزين [60].

ولكن الزين سرعان ما يختفي في العرس ، فجأة تنبه محجوب : أين الزين ؟ سأل عنه كلاً من الباقين فقالوا : إن أحداً لم يره من قرابة الساعتين ، وقال عبد الحفيظ : أنه يذكر أنه رآه آخر مرة يستمع للمداحين [61].
فتشوا عنه في كل مكان ، في ضفة النهر في طرف الصحراء ، وفي البيوت ، وفي المسجد وأخيراً في المقبرة حيث وجدواه جاثماً على ضريح الولي الطاهر ( الحنين ) وهو ينشج باكياً في خفوت ، وعندما تكلم خاطبهم قائلاً لو أن الشيخ كان حياً ولم يمت لحضر اليوم عرسي[62].

ثم عادوا به لحلبة الرقص من جديد ، ليبعث فيها طاقة جديدة مفعمة بالحياة ، والصخب والعنف .

حفل زفاف الزين إلى نعمة يأتي كخاتمة لرواية الطيب صالح وإن كان نبأ ما سوف يحدث يشكل البداية ، فهذا ما اعتاد الطيب صالح على فعله من لعب بالبناء والزمن.


















ثانياً : رواية موسم الهجرة إلى الشمال :
إذا كان هناك موضوع بالذات قد فرض نفسه على الرواية العربية فهو موضوع الشرق والغرب ، فإن رواية موسم الهجرة إلى الشمال التي تعد ثاني محاولات الطيب صالح الروائية بعد عرس كما ذكرت سابقاً جاءت تجسيد لتلك العلاقة المتوترة بين العرب والغرب، ولكن الطيب صالح نظر لها من زاوية أخرى فوجدها مسألة الجنوب والشمال[63].

تبدأ رواية الطيب صالح بداية هادئة ، فقد عاد الراوي من بعثة في لندن حيث درس الشعر الإنكليزي ، ونال درجة الدكتوراة ، ووجد كل شيء على حاله في قريته التي تركها في أحضان النيل جنوب الخرطوم ، الأهل والشمس ، والنهر ، وشجرة الطلح ، والجد الذي اقترب من التسعين وصديق الطفولة محجوب المزارع والشيخ طه ود الريس صديق جده الذي بلغ السبعين ، وتزوج خمس نساء ، وصار لأحفاده أولاد، وما زال قوي الهمة يبحث عن أرملة أو ثيب وبنت مجذوب، وهي امرأة طويلة تقارب السبعين وكانت تدخن السجائر وتحلف بالطلاق كأنها رجل فيتسابق الرجال والنساء لسماع حديثها لما فيه من جرأة وعدم تحرج[64].
هؤلاء وسواهم من أهل القرية توافدوا يرحبون بالابن العائد ويسألونه عن أوروبا والأوروبين : هل المعيشة غالية أم رخيصة ؟ وهل النساء حقاً سافرات يرقصن علانية مع الرجال ؟ فيقول لهم ، أن الأوروبيين إذا استثنينا فوارق ضئيلة، مثلهم تماماً يتزوجون ويربون أولادهم بحسب التقاليد والأصول ، ولهم كغيرهم أخلاق حسنة وأخرى سيئة وهم عموماً قوم طيبون.

يقول : " كل أحد سألني وسألته . سألوني عن أوروبا . هل الناس مثلنا أم يختلفون عنا؟ هل المعيشة غالية أم رخيصة ؟ ماذا يفعل الناس في الشتاء ؟ يقولون النساء سافرات يرقصن علانية مع الرجال ، وسألني ود الريس : " هل صحيح أنهم لا يتزوجون ولكن الرجل منهم يعيش مع المرأة بالحرام "[65] .
فتقول بنت مجذوب ضاحكة : " خفنا أن تعود إلينا بنصرانية خلفاء !"[66]

في رواية الطيب صالح إذا بطلان رئيسيان : الراوي ، ومصطفى سعيد ومع أن مشاركة الراوي في الأحداث بنفسه محدودة ، ويكاد دوره في الرواية يكون مقصوراً على حل لغز مصطفى سعيد واقتفاء آثاره والكشف عن حقيقته مع هذا فالراوي ليس قليل الأهمية في الرواية ، بل هو بطلها الآخر إلى جانب البطل الأول ، أو أنهما في الحقيقة وجهان لرجل واحد .

الراوي الذي يلتقي مع مصطفى سعيد ببعض الشبه من حيث أنهما درسا في لندن وعادا إلى السودان ، يختلف عنه اختلافاً شديداً . وهذا الاختلاف يشجعه على معرفته معرفة دقيقة لا معرفة الناس العاديين ، فمصطفى قضى في لندن زمناً طويلاً لا سبع سنوات مثلما هو حال الراوي ، وتجنس بالجنسية البريطانية ، ثم تزوج من امرأة إنجليزية (جين موريس) وعشق ثلاثاً أو اكثر من النساء ، شاء حظه التعس أن ينهين حياتهن انتحاراً . أما الزوجة جين فقد قتلها بنفسه وحكم عليه بالسجن سبع سنوات على الرغم من اعترافه بجرائمه ورغبته في أن يحكم بالإعدام.
وترك سبيله حراً لمغادرة لندن إلى باريس وكوبنهاجن ودلهي وبانكوك قبل أن يستقر به المقام ثانية في قرية مغمورة بأعالي النيل . والراوي درس هو الآخر في جامعة أكسفورد بلندن وأعد رسالة دكتوراة عن الشاعر الانجليزي وليم بتلر بيتس[67]، ثم يعود إلى القرية نفسها التي عاد إليها مصطفى سعيد ، وحين يهب الجميع لاستقباله يتنبه لوجود شخص غريب بينهم لم يره من قبل وحين يسأل عن ذلك الرجل يخبره جده كما لو كان يتحدث عن شخص معروف، مصطفى وعندما يلح في السؤال يتبين أن الجميع لا يعرفون عنه إلا القليل جداً . لا يعرفون إلا أنه من الخرطوم ، وقد جاء إلى القرية منذ سنوات خمس، وأنه اتباع أرضاً يقوم بفلاحتها .
وتزوج من (حسنة بنت محمود ) وهو رجل مثلما يقولون : " في حاله" ولا يدري الراوي ما الذي يثير فضوله في مصطفى هذا ؟ وازداد فضوله شراسة وقوة حين لقيه ، وسمعه يترنم بأبيات من الشعر الإنجليزي ليكتشف فيه إنساناً مثقفاً متعلماً : وهنا يتعارفان وتتجدد لدى الراوي الرغبة القوية الجامحة في معرفة حقيقة الرجل الذي يرتدي قناع الفلاح البسيط مع أن حقيقته توحي بغير ذلك [68].

وبعد اجتماعها على انفراد يفضي مصطفى سعيد ببعض أسراره للراوي . وينبري السارد الثانوي ( مصطفى ) ليروي للمسرود عليه الراوي الأول ، الذي هو أشبه بالمحقق ، ما وقع له وجرى في لندن كاشفاً بعض أسرار المتهم مدلياً باعترافاته إذا ساغ التعبير .
لكن الطيب صالح يتنبه لمسألة في غاية الأهمية وهي ما ينشأ من شعور بالملل لدى القارئ إذا ترك لمصطفى سعيد أن يروي وحده ما حدث وجرى في لندن منذ وطئت قدماه أرض المطار حتى غادرها طريداً أو شبيهاً بالطريد ، لذا فاجأنا باختفاء مصطفى غير المتوقع ، ولم يكن قد روى من وقائع الحكاية إلا ما يزيد السارد قوة ورغبة في الاستزادة ، وحرصاً على معرفة الخفايا والأسرار التي تختبئ خلف المظهر الغامض لهذا الرجل [69].

يفيض النيل كما لم يفعل منذ ثلاثين عاماً في ليلة قيظ من ليالي شهر تموز ( يوليو) ويختفي مصطفى دون أن تظهر جثته فيما يقذفه النهر من الجثث[70].
واستقر الاعتقاد بأنه قد غرق في الفيضان فلا بد أن تكون جثته قد اتخذت طريقها إلى جون أحد التماسيح التي يمتلئ بها قعر الوادي .
أو لعله استغل تشاغل الناس بالفيضان وقرر أن ينتحر فلا أحد يعرف حقيقة ما جرى . لكن مصطفى سعيد قبل اختفائه كان قد ترك مع حسنة بنت محمود – زوجته – رسالة وطلب منها أن تقدمها للراوي إذا قدر الله وحدث له أمر. وتصل الرسالة للراوي الذي يقرأها على عجل فإذا به يوصيه بولديه وبزوجته حسنة وبأمواله وبغرفته الوحيدة المبنية بالطوب الأحمر . ويخبره أنه يتوسم فيه أن يكون أميناً على كل شيء:
" زوجتي .. ومالي .. وأطلب منك أن تؤدي هذه الخدمة لرجل لم يسعد بمعرفتك كما ينبغي " [71].

تشحذ الرسالة مافي نفس الراوي من توق لمعرفة المزيد من أسرار مصطفى ، ولهذا ما إن قرأ الرسالة حتى بادر لزيارة حسنة في البيت ، فتخبره بما يزيده توقاً للتعرف ، تقول له إنها كانت تسمعه أحياناً وهو يرطن بلسان يشبه لسان الفرنجة أي باللغة الإنجليزية.





وكان يردد في منامة كلمات منها ، جين .. وجينه وتراب في إنه كان يخفي أشياء في الغرفة ذات الطوب الأحمر [72].

وعندما يسمع الراوي بذلك كله يزداد اعتقاده بأن مصطفى قد أنهى حياته منتحراً .. لا غريقاً في فيضان، في تلك اللحظة يتحول مصطفى إلى شبح يذكر الراوي بما رواه له عن حكايته مع المحامين في لندن ومع القضاة : " أنت يا مستر سعيد خير مثال على أن مهمتنا الحضارية في أفريقيا عديمة الجدوى . فأنت بعد كل المجهودات التي بذلناها في تثقيفك كأنك تخرج من الغابة للمرة الأولى [73].
وعلى هذا النحو ينسى الراوي أن مصطفى سعيد قد مات ، وأن زوجته حسنة إلى جانبه تبكي . ويتابع التشرد وكأنه على موعد مع مصطفى في حجرة للأشباح ، وراح الشبح يقص عليه ما جرى له في ترتيب كما لو أنه يقرأ في كتاب .
ولكن صياح طفل في مكان مجاور أيقظ الروائي السارد في سرده ، وسأل حسنة إن كانت تقبل الزواج من ود الريس ، فأجابت : " بعد مصطفى لن أتزوج رجل".
وعندما أخبرها بموافقة الأب أضافت : " إذا أرغموني على الزواج منه سأقتله وأقتل نفسي " [74].

بعد سفر الراوي بوقت قصير إلى الخرطوم بلغة الخبر الذي لم يتوقعه بمثل تلك السرعة وهو مقتل حسنة بنت محمود أرملة مصطفى سعيد ، بعد أن أكرهها أبوها وأخوتها على الزواج من ود الريس ، فما كان منها إلا أن نفذت تهديدها فقتله طعناً بسكين وقتلت نفسها وذلك شيء لم تعرف القرية المغمورة مثله من قبل .
عاد الراوي إلى القرية على عجل ليقتحم الغرفة المبنية بالطوب الأحمر، التي ظل يحتفظ بمفتاحها في جيبه ، وهناك أحس بإحساس الغريم ينتهك أسرار غريمه مصطفى سعيد.
ومن رؤيته للكتب المنضدة في رفوف ، ومن قراءته للعناوين ، ومن ملاحظته لرائحة البخور والصندل التي استقبلته عند دخول الغرفة عبر لنا المؤلف عن شيء من التماهي بين الراوي ومصطفى . وانهالت عليه الذكريات التي حدثه بها مصطفى أو لم يحدثه.

فالبطل مصطفى سعيد رجل غامض حتى بالنسبة إلى نفسه لا يعرف عن أبيه الذي مات قبل أن يولد إلا أنه كان يتاجر في الإبل لم يكن له أخوه ، فعاش وحيداً يتيماً في ضواحي الخرطوم مع امه التي كانت بعيدة عنه كامرأة غريبة فيقول:" حين أرجع بذاكرتي أراها بوضوح شفتاها الرقيقتان ومطبقتان في حزم ، وعلى وجتها شيء مثل القناع . لا أدري قناع كثيف. كأن وجهها صفحة بحر . لم نكن نتحدث كثيراً وكنت ولعلك تعجب ، أحسن إحساساً دافئاً بأني حر ، بأنه ليس ثمة مخلوق أبا أو أما يربطني ببقعة معينة ومحيط معين " [75].

لهذا استجاب للرجل الذي جاء على فرس في زي رسمي يعرض عليه أن يذهب معه إلى المدرسة ففي ذلك الوقت كانت سلطات الاحتلال البريطاني في حاجة إلى موظفين متعلمين من اهل البلاد الذين كانوا يسيئون الظن في هذه السلطات ومدارسها ، فلا يستجيبون لمثل هذه العروض لكن مصطفى سعيد كان يشعر بأنه حر ، على رغم أنه كان طفلاً ولا يزال ، فقرر أن يمضي مع الرجل الذي أركبه على الفرس خلفه وكان قراره هذا أول خطوة يخطوها في الطريق التي رسمها لنفسه [76].

كانت له قدرة عجيبة على الحفظ والاستيعاب والفهم ، فطوى سنوات والدراسة الأولى في الخرطوم ، واصبح يتحدث الانكليزية بطلاقة أهلته للحصول على منح واصل بها دراسته الثانوية في القاهرة ، ثم حصل على منحة أخرى ليكمل دراسته في جامعة لندن ، وهكذا أقلعت به الباخرة من الاسكندرية إلى ساحل دوجز ومن ثم حمله القطار إلى لندن ، آخر محطة في طريقه إلى الشمال[77].

ينتقل مصطفى سعيد من قلب أفريقيا السوداء إلى لندن ، يصطدم وهو شرقي أفريقي ( أسود اللون ) بالحضارة الغربية اصطداماً عنيفاً وعنصر اللون له أهميته الكبرى ، فالبشرة السوداء انصب عليها غضب الغربيين وقد عانى الإنسان الأسود قروناً من التعذيب والإهانة [78].

فكانت هذه المعاملة السيئة والشعور بالتمييز العنصري حافزاً له دور كبير في جعله يريد التفوق عليهم فوصل في لندن إلى أعلى درجات العلم ، وأصبح دكتور لامعاً في الاقتصاد وإن كانت ثقافته قد امتدت واتسعت حتى شملت كثيراً من ألوان الأدب والفن والفلسفة وأصبح مصطفى سعيد مدرساً في إحدى جامعات إنكلترا ومؤلفاً مرموقاً.

لكن في حياته الخاصة ارتبط مصطفى سعيد بطل الرواية في إنكلترا بأربع علاقات نسائية ، وتنتهي هذه العلاقات بانتحار ثلاث فتيات كما تنتهي العلاقة الرابعة بالزواج ثم بجريمة قتل قام بها مصطفى سعيد ، لقد قتل زوجته ، وبعد محاكمته في لندن ، والنظر في ظروف القضية ثم الحكم عليه بسبع سنوات ، قضاها في أحد السجون ثم عاد إلى إحدى القرى السودانية واشترى أرضاً عمل فيها بنفسه وتزوج من إحدى بنات القرية وهي حسنة محمود وأنجب منها ولدين ويواصل حياته الجديدة بطريقة هادئة لم يعرفها من قبل في إنكلترا حيث عاش هناك حياة عاصفة مؤلمة .
وهكذا نلحظ أن هذه الرواية تطرح بشكل رئيس أزمتين حادتين يعاني منها الإنسان المعاصر ، الأولى تعلق بضعف التواصل الإنساني الاجتماعي والفكري والعاطفي ، ما بين الحضارات المختلفة والثانية تتعلق بأبعاد التمييز العنصري وجوانبه المختلفة في هذا العصر .
ويقدم الطيب صالح في هذه الرواية صورة قاتمة لهاتين الأزمتين حيث يكون الموت نهاية مأساوية حتمية لمثل هذه الأزمات والصراعات الخاطئة المدمرة [79].
فالرواية تحكي قصة مصطفى سعيد بطل الرواية ، الشاب السوداني الأسود المسلم في رحلته للدراسة في لندن والظروف التي عاشها في عالم مختلف عن عالمه في اللغة والدين والتقاليد والتاريخ والمفاهيم .

ويتفوق مصطفى في دراسته مدفوعاً بنظرة الغربيين العنصرية له ويصبح محاضراً في الاقتصاد في جامعات لندن ويمكث هناك قرابة ثلاثين عاماً ويعيش مصطفى في هذا الزمان الطويل حياة عريضة متناقضة ، ويغرق في تجارب متنوعة ثقافية وفكرية وعاطفية ،وترصد الرواية من خلال تجارب مصطفى سعيد تلك الأزمة النفسية بسب التمييز العنصرية كما ترصد أبعاد الصدام الحضاري بين عالمين مختلفين في الماضي والحاضر[80].

ومن أبرز خصائص الطيب صالح الأدبية في هذه الرواية وضوح لغته ورزانتها وتماسكها القوي فهو يكتب السهل الممتنع الذي يصل عقلك وقلبك من يسر وسهولة حتى يخيل إليك أنك تستطيع مثله ،فإذا حاولت امتنع عليك ويغلب على أسلوبه اللغة الفصحى ، وإن كان يستخدم اللهجة العامية الدارجة في شمال السودان في الحوار أحياناً وهو قليل ، ولقد اتجه في فئة الروائي إلى طريقة السرد المتصل أي ربط الأحداث في تسلسل كما أنه لا يميل إلى التفصيل في الجزئيات إلا بما تقتضيه الضرورة [81].


الخاتمة

يوصف الطيب صالح عادة بعبقري الرواية ، على الرغم من زهده في الدعاية الشخصية أو بأعماله الروائية وافتقاره لمن يشيدون بذكره بمناسبة وبلا مناسبة مثلما نرى في واقعنا الأدبي الذي يكاد لا تغيب فيه صور الكتاب عن أعمدة الصحف .

من الستينات من القرن الماضي ، بدأت تعرف الرواية العربية تحولات نوعية غيرت من مفهوم الكتابة والرواية ، ونفترض أن نصوص الطيب صالح من النصوص اللافتة موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين وبندر شاه ، التي ساهمت في هذه التحولات إلى جنب نصوص أخرى لكتاب وكاتبات من المشرق والمغرب ، فالكتابة الروائية عند الطيب صالح أصبحت تنزع نحو استنطاق ذاتية الإنسان العربي والحديث عن همومه التي يعانيها في مجتمعه.

لعل أهم مشكلة واجهت الباحثة أثناء بحثها في هذا الموضوع قلة الكتب التي تتحدث عن الطيب صالح على الرغم من أنه يعد من أهم الروائيين المبدعين العرب ولكن للأسف الشديد فإن الدراسات حول الطيب صالح وأدبه نزرة محدودة رغم أنه أحد المبدعين المتميزين في مجال الرواية العربية في العصر الحديث ، وهو جدير بكل عناية أو اهتمام في مجال الدراسة والبحث العلمي .


فهرس المحتويات
مقدمة __________________________________________


الفصل الأول : نشأة الرواية العربية وتطورها __________________


الفصل الثاني : سيرة حياته ____________________________


الفصل الثالث : أعماله الفنية ____________________________


الخاتمة _________________________________________


قائمة المصادر _____________________________________

المصادر والمراجع
1-بدر ، عبد الحسن طه ، (دت) . تطور الرواية العربية الحديثة ، ط5 ، دار المعارف / القاهرة .
2-خليل ، خليل أحمد ، (2001) ، موسوعة أعلام العرب المبدعين في القرن العشرين ط1 ، الموسوعة العربية للدراسات والنشر / بيروت.
3-الزعبي ، أحمد ، (1994) . إشكالية الموت في الرواية العربية والغربية، مكتبة الكتاني /إربد – الاردن .
4-السعافين ، إبراهيم ، (1993) . تحولات السرد ، دراسات نقدية في الرواية العربية ، ط1 ، دار الشرق / عمان – الأردن.
5-السمرة ، محموود ، (1974) . في النقد الأدبي ط1 ، الدار المتحدة للنشر / بيروت.
6-الصالح ، نضال ، (2001) ، النزوع الأسطوري في الرواية العربية ، مطبعة اتحاد الكتاب العرب / دمشق.
7-صالح ، الطيب ، (1996) ، الأعمال الكاملة ، دار العودة / بيروت.
8-صالح ، الطيب ، (دت) ، رواية عرس الزين ، دار الجيل / بيروت.
9-الطيب ، حسن أبشر ، (2001) ، الطيب صالح ، دراسات نقدية ، ط1 ، دار رياض الريس للكتاب ، بيروت ، لبنان .
10-ليان ، حسن ، (2004) ، العرب والغرب في الرواية العربية ، ط1، دار مجدلاوي للنشر /عمان .
11-الفار، مصطفى محمد ، (2000) باقات من النثر العربي الحديث ، ط1 ، دار الفكر / عمان .
12-القضاة ، محمد أحمد ، (2000) ، التشكيل الروائي ط1 ، الموسوعة العربية / بيروت.
13-محمدية ، أحمد سعيد وآخرون ، (1984) ، الطيب صالح ، عبقري الرواية العربية ، دار العودة / بيروت.
14-ناصر ، أمجد ، (2009) ، الهوية والصراع والاعتدال ، مجلة عمان الثقافية ، العدد الخامس والستون بعد المائة.
15-ياغي ، عبد الرحمن ( 1999) ، في الجهود الروائية ط1. دار الفارابي/بيروت.
16-اليسوعي ، الأب روبرت ، (1996) . أعلام الأدب العربي المعاصر، الشركة المتحدة / بيروت.
17- الموسوعة العربية ، ( 1988 ) . م 2 دار النهضة / بيروت ، لبنان .


[1]التشكيل الروائي ، ص32.

[2]تحولات السرد ، ص24 .

[3]في النقد الأدبي ، ص 15 .

[4]تحولات السرد ص16 .

[5]المصدر السابق ص16 .

[6]تحولات السرد ص16 .

[7]النزوع الاسطوري في الرواية العربية المعاصرة ص95.

[8]تحولات السرد ص 5 .


1 في الجهود الروائية ص1 .
2 التشكيل الروائي ، ص34

[10]أعلام العرب المبدعين ، ص649.

[11]الطيب صالح دراسات نقدية ، ص12.

[12]أعلام الأدب المعاصر ، ص794.

[13]باقات من النثر العربي الحديث ، ص87.

[14]الطيب صالح دراسات نقدية، ص24 .

[15]موسوعة أعلام العرب المبدعين، ص651.

[16]الطيب صالح عبقري الرواية العربية ، ص7.

[17]الطيب صالح دراسات نقدية ، ص62-63.

[18]أعلام الأدب العربي المعاصر ،ص794.

[19]الطيب صالح دراسات نقدية ، ص207.

[20]المصدر السابق ، ص207.

[21]أعلام العرب المبدعين ، ص649.

[22]الطيب صالح عبقري الرواية العربية ، ص 7 .

[23]المصدر السابق ، ص7 .

[24]المصدر السابق ، ص7.

[25]باقات من النثر العربي الحديث ، ص87.

[26] الطيب صالح دراسات نقدية ، ص78.

[27]باقات من النثر العربي الحديث 87 .

[28]الطيب صالح ، دراسات نقدية ،ص81.

[29] الطيب صالح دراسات نقدية ، ص44.

[30] الطيب صالح عبقري الرواية ،ص9

[31]الهوية والصراع والأعتدال ، ص14.

[32]أعلام العرب المبدعين في القرن العشرين ، ص649.

[33]الطيب صالح دراسات نقدية ، ص12.

[34]المصدر السابق ، ص78.

[35]الطيب صالح دراسات نقدية ، ص12 .

[36]المصدر نفسه ، ص9.

[37] الطيب صالح عبقري الرواية العربية ، ص204 .

[38] الطيب صالح عبقري الرواية العربية ، ص5 .

[39]الطيب صالح ، دراسات نقدية ، ص256..

[40]رواية عرس الزين ، ص5.

[41] المصدر السابق ، ص7.

[42] الطيب صالح دراسات نقدية ، ص237.

[43] رواية عرس الزين ص،20.

[44] رواية عرس الزين ، ص21.

[45] المصدر السابق ، ص32-33.

[46] المصدر السابق ،ص34.

[47] المصدر السابق ، ص35.

[48] المصدر السابق ، ص36.

[49]رواية عرس الزين ، ص40.

[50] المصدر السابق ،ص41.

[51] رواية عرس الزين ، ص42.

[52] المصدر السابق ،ص34.

[53] المصدر السابق ، ص54.

[54] رواية عرس الزين ، ص74.

[55] المصدر السابق ، ص92- ص93.

[56]نقوط : هو مبلغ من المال يقدمه الناس عادة لأم العريس كهدية بمناسبة زواج أحد أبنائها أو بناتها وهذا عرف معتاد عليه في جميع الدول العربية.

[57]رواية عرس الزين ، ص98.

[58] الطيب صالح ، دراسات نقدية ، ص338.

[59]رواية عرس الزين ، ص98.

[60] المصدر السابق، ص98.

[61] المصدر السابق ، ص109.

[62] المصدر السابق ، ص101.

[63]العرب والغرب ص238.

[64]رواية موسم الهجرة إلى الشمال ص12.


[65]رواية موسم الهجرة إلى الشمال ، ص14.

[66]المصدر السابق ص14.

[67]هو شاعر إيرلندي ولد في دبلن 1865 ، وتوفي في جانفي 1938 في فرنسا ، حصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1923: يعتبر الشاعر الأول بعد شكسبير ، وكان مهتم بالسحر وطبع الاهتمام بالسحر في قصائده.الموسوعة العربية العالمية ص 1964

[68]رواية موسم الهجرة إلى الشمال ص12 .

[69]المصدر السابق ، ص29 .

[70]رواية موسم الهجرة إلى الشمال ، ص55.

[71]المصدر السابق ، ص75.

[72]رواية مسوم الهجرة إلى الشمال ، ص10.

[73]المصدر السابق ، ص102 .

[74]المصدر السابق ، ص105.

[75]رواية موسم الهجرة الى الشمال ، ص29.

[76]المصدر السابق ، ص30 .

[77]المصدر السابق ، الهجرة إلى الشمال ، ص32 .

[78]الطيب صالح ، الرواية العربية ، ص81 .

[79]إشكالية الموت في الرواية العربية ص111.

[80]المصدر السابق ص ص111 ، 112 .

[81] الطيب صالح ، دراسات نقدية ص10.
رد مع اقتباس

عضو الماسي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 37,798
معدل تقييم المستوى: 52
محمد حمدى ناصف is on a distinguished road
افتراضي رد: الطيب صالح روائيا
2#
21 - 12 - 2015, 08:00 PM
جزاكم الله خيرا

ودى واحترامى



سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
بعدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته
محمد حمدى ناصف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس


إضافة رد



جديد مواضيع استراحة بورصات

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجزائر تهزم رواندا والحكم mody_o استراحة بورصات 0 13 - 10 - 2009 11:50 AM


06:00 PM