إن سلوك هؤلاء فيما يتعلق بالادخار والاستدانة Borrowing لم يكن في السابق يتأثر إلا على نحو ضعيف جداً بتغيرات معدلات الفائدة ، وحالياً يبدو ذلك غير صحيح تماماً ، فالمنافسة بين المؤسسات المصرفية وتطور نظم المعلومات جعلت من المدخر أكثر حساسية مما كان عليه في السابق ، على شروط التعويض الذي يتقاضاه عن مدخراته .
ارتفاع الطلب على العملة مترافقاً مع ارتفاع معدل الفائدة في ظل ثبات العرض النقدي
وخلاصة ما تقدم أن المشاريع والأسر ، على حد سواء ، هم حالياً شديدي الحساسية على كلفة قروضهم وعلى التعويض الذين يتلقوه عن توظيفاتهم ( مدخراتهم ) ، لهذا السبب يتوجب على السلطات العامة أن تولي اهتماماً خاصاً لتقلبات معدلات الفائدة . لكن السؤال الصعب : ما هو المستوى الأمثل لهذه المعدلات ؟
المستوى الأمثل لمعدلات الفائدة :
إن العلاقة التي تجمع بين معدل الفائدة في الأجل القصير وكمية النقد ليست بسيطة ولا مستقرة ، لأن الطلب على القروض والطلب على النقد يخضعان لتحركات لا ترتبط فقط بمعدل الفائدة . باختصار إن وتيرة معينة في خلق النقود يمكن أن تقابلها مستويات مختلفة لمعدل الفائدة ، أي بمعنى آخر يمكن ملاحظة تقلبات حادة في معدلات الفائدة خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً ( انخفاض معدل الفائدة في الولايات المتحدة عام 2001 من 4.5 % إلى 1.75 % ، ثم ارتفاع هذا المعدل منتصف عام 2006 إلى 5.25 % ) .
إذن الهامش الواسع جداً لتقلبات Fluctuations معدلات الفائدة يمكن أن يحدث ليس تذبذباً ضمن حدود الاستقرار ، بل عمليات متراكمة من عدم التوازن تنشأ عنها مراحل متعاقبة من التضخم والركود ( على غرار ما يحصل في جميع الدول ذات النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر بخاصة الولايات المتحدة ) .
لذلك يتوجب على السلطات النقدية أن تسهر ليس فقط على مستوى معدلات الفائدة ، بل أيضاً على أن تبقى تغيرات هذه المعدلات ضمن هوامش غير واسعة نسبياً وحول مستويات وسطية تقابل التوازن في الأسواق .
و توازن الأسواق Market Equilibrium يقود إلى الإعلان عن هرمية معينة في معدلات الفائدة فالمعدلات في الأجل الطويل هي أعلى مبدئياً من المعدلات في الأجل القصير . وهذه الهرمية ( أو هذا التسلسل ) في المعدلات هي ضرورية لتكوّن واستقرار الادخار ، ولكي تنتقى الاستثمارات Investments تبعاً لإنتاجها .
العوامل المحددة لمعدلات الفائدة :
يتحدد معدل الفائدة من خلال كمية النقد قيد التداول التي ترتبط بسلوك البنك المركزي ، ومستوى معدلات الفائدة يؤثر بذلك على توزيع الادخار بين نقد وتوظيفات طويلة الأجل . فارتفاع معدلات الفائدة يكون له دون شك دوراً محفزاً على الادخار .
وفعلياً يمكن أن يكون لهذه المعدلات تأثير مثلاً على القروض السكنية Residential Loans وعلى القروض الاستهلاكية أيضاً . فإذا منحت الأسر تسهيلات إقراضية من أجل زيادة استهلاكها فهي بالتأكيد سوف تدخر أقل . وبالتالي إذا ما أردنا أن نمر من هذه الناحية على أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة ، فإننا نلاحظ بوضوح أن السلطات النقدية لجأت إلى تخفيض معدلات الفائدة وبخاصة على القروض السكنية ، تسهيلاً للمقترضين كي يستطيعوا أن يدفعوا ما عليهم من تبعات مالية للبنوك التي اقترضوا منها معدلات الفائدة الأمريكية منذ عام 1950 ، وتظهر في الرسم المناطق الزرقاء حيث فترات الانكماش ، ويلاحظ في هذه الفترات هبوط معدل الفائدة
ويمكن اختصار العوامل المحددة لمعدلات الفائدة بالنقاط التالية :
· لا يمكن لمعدل الفائدة أن يكون غير مبال بوضعية سوق رؤوس الأموال القابلة للإقراض ، أي بعرض التوظيفات المالية وبالطلب على التمويل .
· يرتبط معدل الفائدة بالسياسة النقدية ، فإذا كانت قروض مؤسسات الإقراض شحيحة ، فإن حاجات الاقتراض يجب أن تتصحح على حجم رؤوس الأموال القابلة للإقراض في الأسواق ، وبعدم تحقق ذلك فإن سعر النقود سوف يرتفع .
· يتأثر معدل الفائدة بمعدلات الفائدة الأخرى السائدة في الخارج . فانفتاح الاقتصادات وتدويل الأنظمة المالية جعلا من غير الممكن لأي بلد أن يحدد مستوى معدلات فائدته من دون الأخذ بالاعتبار لمستوى معدلات الفائدة في البلدان الأخرى ( إذ إننا نلاحظ بوضوح موجة تخفيض أسعار الفوائد بدأت في الولايات المتحدة وامتدت إلى دول أخرى بعد ذلك ) . فمعدلات الفائدة الأكثر ارتفاعاً تنبئ باجتذاب رؤوس الأموال بكميات ضخمة ( كما يحصل في أستراليا حيث معدل الفائدة يساوي 7.25 % ، وفي نيوزيلندا حيث معدل الفائدة يساوي 8.25 % ) ، كذلك فإن معدلات الفائدة الأكثر تدنياً يمكن على العكس من ذلك أن تكون السبب في نزوح رؤوس الأموال الباحثة عن توظيفات مربحة أكثر ( كما في الولايات المتحدة حيث معدل الفائدة يساوي الآن 3.00 % وهو مرجح للتخفيض ) . هذه الاعتبارات لها أهمية كبرى بالنسبة للبلدان التي تبحث عن تحقيق استقرار سعر صرف Exchange Rate Stability نقدها . فحركات رؤوس الأموال تغير فعلياً شروط التوازن بين العرض والطلب في أسواق الصرف ، ويمكن أن يكون لها آثار غير مرغوب بها على أسعار صرف العملات .
ما هي المعدلات الرئيسية للفائدة ؟
توجد العديد من معدلات الفائدة في اقتصاد متطور ، وأبرز تلك المعدلات هي التالية :
- المعدلات الرئيسية : هي معدلات النقد المركزي ، أي المعدلات التي على أساسها يقرض البنك المركزي مؤسسات الإقراض ، كما تحدد على ضوئها معدلات الإقراض ما بين البنوك .
- معدلات السوق النقدي : هي المعدلات التي يتم على أساسها تداول الأوراق المالية القصيرة الأجل القابلة للتداول ( سندات خزينة Treasury Bonds قابلة للتداول ، شهادات إيداع Certificates of Deposit ( CD’s ) ، أوراق خزينة Treasury Bills وغيرها ) وهذه المعدلات قريبة جداً في مستواها وتطورها من المعدلات في السوق ما بين البنوك .
- معدلات السوق المالي أو المعدلات الطويلة الأجل : هي المعدلات التي على أساسها تصدر السندات Bonds ، أو تلك التي تنشأ عن أسعار السندات في البورصة ، وتحدد معدلات التمويل في الأجل الطويل ( كسندات ال 10 سنوات أو 30 سنة ) .
- معدلات التوظيف في الأجل القصير ( حسابات على الدفاتر ، ادخار سكني ، إلخ ) وتسمى أيضاً معدلات رئيسية .
- المعدلات المسماة مدينة Debit : هي المعدلات المطبقة على القروض الموزعة من قبل الوسطاء الماليين .
يستخلص مما تقدم أن صيغ معدلات الفائدة هي متنوعة جداً ، ويمكن تصنيفها تبعاً للتالي :
- المعدلات الثابتة : فالمعدل المعلن يبقى على حاله خلال طيلة فترة التوظيف أو القرض .
- المعدلات القابلة لإعادة النظر بها : تتغير المعدلات تبعاً لمؤشرات مرجع يمكن أن تكون المعدلات الرئيسية أو المعدلات على السندات . لكن عقد القرض أو التوظيف هو الذي يشير إلى ميعاد أو تاريخ إعادة النظر بالمعدل المطبق ، على سبيل المثال في نهاية السنة أو نهاية النصف الأول من السنة أو فصلياً .
- المعدلات المتغيرة : تتغير هذه المعدلات باستمرار تبعاً لأرقام قياسية مرجع . ومبلغ الفوائد المدفوعة أو المقبوضة لا يعرف حقيقة إلا عند استحقاق القرض أو التوظيف .
أما فيما يتعلق بالترابط بين مختلف معدلات الفائدة ، فإن هذه المعدلات تتحرك عادة بواسطة معدل الفائدة على النقد المركزي ( معدل الفائدة الذي يحدده البنك المركزي ) الذي يسري في باقي أجزاء النظام المالي .
ما هو أثر سياسة الفائدة ؟
إن أسعار الفائدة السائدة في السوق النقدية العامة ، وتلك المتعلقة بالبنوك التجارية خاصة ، تكون موازية لسعر الفائدة الذي يقرره البنك المركزي . وفي هذه الحالة فإن ارتفاع سعر الفائدة لدى البنك المركزي سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة أو تكلفة الإقراض السائدة في السوق النقدية أو التي تقررها البنوك النجارية ، وهذا بالطبع يدفع العملاء إلى الإحجام عن طلب الائتمان ويسبب ذلك انخفاض حجم الائتمان .
كما يمكن أن يكون العكس صحيحاً ، بمعنى أن انخفاض قيمة سعر الفائدة المقرر من جانب البنك المركزي يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة في السوق النقدية ، وهذا يشجع الأفراد والمشاريع الاستثمارية على الاقتراض ، وبالتالي يزداد حجم الائتمان .
أما التأثير الثاني للتغيير في سعر الفائدة فيرتبط بكمية السيولة . فلا شك أن البنوك التجارية تخلق نقود الودائع بمناسبة عمليات الائتمان ، وعليها أن تتوقع ضرورة تحويل جزء من أصولها من نقود ودائع إلى نقود قانونية . والطريقة الوحيدة لذلك هو أن الطلب من البنك المركزي إعادة خصم بعض الأوراق التجارية والسندات التي في حوزتها .
فالحصول على نقود قانونية هو الذي يهيئ للبنوك التجارية Commercial Banks الأصول النقدية السائلة واللازمة لخلق الائتمان . وعلى ذلك فعندما يكون سعر الفائدة لدى البنك المركزي منخفضاً ، فهذا يشجع البنوك التجارية على تحويل جزء من أصولها المتمثلة في أوراق تجارية وسندات ممثلة لقروض إلى نقود قانونية . وهذا يؤدي إلى زيادة إمكانيات البنوك التجارية في خلق نقود الودائع وبالتالي إلى زيادة الائتمان .
أما ارتفاع سعر الفائدة الذي يقرره البنك المركزي ، فمن شأنه أن يجعل البنوك التجارية تحجم عن خصم ما لديها من أصول في شكل أوراق مالية وتجارية ، وبذلك تنقص هذه البنوك السيولة اللازمة لخلق الائتمان .
فاعلية سياسة سعر الفائدة :
غالباً ما تكون الفترات التي يرفع فيها البنك المركزي من سعر الفائدة هي فترات التضخم التي تتميز بالزيادة في الطلب ( كما في أستراليا على سبيل المثال ) ، وبالتالي فإن المشاريع في مطالبتها بقروض لتوسيع نطاق إنتاجها تضمن زيادة المبيعات وارتفاع الأسعار في نفس الوقت .
أما خفض سعر الفائدة Interest Rate Cut وبالتالي أسعار الفائدة السائدة في السوق النقدية ، والتي يقررها البنك المركزي في فترات الانكماش ، هادفاً من ذلك إلى تشجيع النشاط الاقتصادي عن طريق الاقتراض والائتمان ، فمن شأنه أن يدفع المشاريع إلى طلب القروض من البنوك التجارية ، وأن يدفع هذه البنوك إلى خلق الائتمان وطلب السيولة من البنك المركزي ( كما يحصل في الولايات المتحدة اليوم ) .
رسم بياني يظهر العلاقة ما بين حركة معدل الفائدة وارتفاع وانخفاض التضخم في الولايات المتحدة
الفوائد وحركة العملات :
تجذب الفوائد المرتفعة بشكل طبيعي رؤوس الأموال ، وذلك من أجل طلب عائد أكبر دوماً من قبل حائزي العملات النقدية ، حيث أن الناس سوف يذهبون لوضع أموالهم في البنوك ذات الفائدة الأعلى ، وبالتالي بالعملة ذات الفائدة الأعلى ، وهذا ما يخلق بشكل طبيعي طلباً على العملة ذات الفائدة الأعلى وبالتالي يرتفع سعرها .
من هنا نستطيع أن نحلل بأبسط ما يكون ارتفاع أسعار العملات ذات الفوائد العالية أو التي يتوقع أن ترتفع أسعار فوائدها ، كالدولار النيوزيلندي ( 8.25 % ) والدولار الأسترالي ( 7.25 % ) والباوند الاسترليني ( 5.25 % ) واليورو ( 4.00 % ) وغيرها .
كما أننا نستطيع أن ندرك أن خفض الفائدة يؤدي حتماً إلى انخفاض سعر العملة ، كما هو حاصل بالنسبة للدولار الأمريكي .
دورات الفوائد :
وبشكل عام فإن حركة العملة ، والتي تتناغم مع حركة الفوائد ، لا تكون قصيرة الأجل بشكل مباشر ، بل هي متوسطة أو طويلة الأجل ، خاصة عندما يدخل الاقتصاد في مرحلة من رفع الفوائد المتتالي أو خفضها بشكل متتال ، فإن أثر هذه الارتفاعات أو التخفيضات يمتد على فترات قد تقاس بالأشهر أو السنين .
وإذا ما ألقينا نظرة على مختلف أزواج العملات لرأينا بوضوح العلاقة التي تربط أسعار الفائدة بحركة العملات ، ولنأخذ بعض الأمثلة :
الفائدة الأمريكية والفائدة الأوروبية وأثرهما على اليورو – دولار :