على الرغم من البيانات الصناعية المشجعة وارتفاع أسعار الورادات الأمريكية إلا أن القلق يجوب الأسواق إزاء اليابان
| لا يزال الاقتصاد الأمريكي ملتزم بإثبات بوادر التحسن التدريجي فيما يتعلق بمختلف القطاعات، واليوم صدر عن الاقتصاد الأكبر في العالم مؤشر نيويورك الصناعي بالإضافة إلى تقرير أسعار الواردات الأمريكية، مشيرين إلى أن التقريران جاءا بأفضل مما توقعت الأسواق، الأمر الذي يدعم مسألة مسيرة الاقتصاد الأمريكي نحو التعافي التدريجي من الأزمة المالية الأسوأ.
ولكن يجب أن لا نغفل من أذهاننا بأنه لن يكون للتفاؤل مكانا في الأسواق اليوم على الرغم من البيانات المشجعة، وذلك وسط الاضطراب في المشاعر على الصعيد العالمي، واضعين بعين الاعتبار أن الزلزال الذي ضرب اليابان على مر الأيام القليلة الماضية أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة تصل إلى سلسلة انفجارات في مناطق للمفاعلات النووية اليابانية، الأمر الذي قد يهدد نمو الاقتصاد العالمي، مع العلم أن اليابان يعد ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
واضعين بعين الاعتبار أن المستثمرين على مستوى العالم لا يزالون ضمن حالة قلق إزاء تداعيات أزمة اليابان، حيث أن اليوم وقع انفجار جديد ليكون الثالث من نوعه خلال أربعة أيام في محطة فوكوشيما النووية شمالي شرق اليابان وسط احتمال حدوث تسرب إشعاعي، الأمر الذي أثر على المؤشرات العالمية من الأسوية ووصولا إلى التعاملات الآجلة للمؤشرات الأمريكية، إذ شهد مؤشر داو جونز الصناعي انخفاضا في التداولات الآجلة بما يقارب 1.9%.
أما بالنسبة للبيانات الرئيسية الصادرة عن الاقتصاد الأمريكي، فكانت البداية مع قطاع الصناعة ومؤشر نيويورك الصناعي الذي ارتفع خلال شهر آذار إلى 17.50 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 15.43 وبأفضل من التوقعات التي بلغت 16.10 مشيرين إلى أن هذا الارتفاع يعد الأعلى خلال الثمانية شهور الماضية، حيث أن قطاع الصناعة لا يزال ضمن مرحلة التوسع ليشكّل الدعم لنمو الاقتصاد الأمريكي، مع العلم أن التوقعات تشير بأن قطاع الصناعة سيكون الأسرع بين القطاعات للوصول إلى بر الأمان.
وبالنظر إلى المؤشرات الفرعية داخل التقرير الصادر نجد بأن الأسعار المدفوعة ارتفعت خلال آذار إلى 53.25 مقابل 45.78، في حين ارتفعت الأسعار المقبوضة إلى 20.78 مقابل 16.87، ولكن يجب أن نشير بأن الطلبات الجديدة انخفضت إلى 5.81 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 11.80، كما وانخفضت المخزونات إلى 3.90 مقابل 9.64، بينما ارتفع معدل العمالة إلى 9.09 مقابل 3.61.
وهنا نشير بأنه على ما يبدو وأن عجلة التعافي والانتعاش عادت لتكتسب بعض الزخم مجدداً، في حين لا تزال الأنشطة الاقتصادية ضعيفة نسبيا في الاقتصاد الأمريكي وسط معدلات البطالة المرتفعة، تشديد شروط الائتمان، حيث تعمل تلك العوامل على إجبار المستهلكين على الإنفاق بحكمة، الأمر الذي يثبت بأنه على الرغم من التحسن الذي تشهده القطاعات الأمريكية إلا أن الأوضاع لا تزال ضعيفة نوعا ما.
وفي نفس الوقت صدر تقرير أسعار الواردات الأمريكية عن وزارة التجارة الأمريكية ذلك المؤشر الذي يتتبع التغيرات في أسعار المدفوعة للسلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، وتكمن أهميته لارتباطه بالميزان التجاري، حيث ارتفعت أسعار الواردات على الصعيد الشهري خلال شباط بنسبة 1.4% مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 1.3% وبأفضل من التوقعات التي بلغت 0.9%.
أما على الصعيد السنوي فقد ارتفعت أسعار الواردات الأمريكية بنسبة 6.9% مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 5.4% وبأفضل أيضا من التوقعات التي بلغت 6.3%، واضعين بعين الاعتبار أن أسعار الواردات على الصعيد الشهري تمكنت من مواصلة الارتفاع للشهر الرابع على التوالي لتبقى فوق مستوى 1.0%.
وبالنظر إلى المؤشرات الفرعية داخل التقرير نجد بأن أسعار واردات المشتقات النفطية ارتفعت خلال شباط بنسبة 3.7% مقابل 3.1%، بينما ارتفعت أسعار واردات الأغذية والمشروبات بنسبة 0.8% فقط مقابل ارتفاع بنسبة 2.5%، في حين ارتفعت أسعار واردات البضائع الرأسمالية بنسبة 0.2% مقابل القراءة الصفرية، كما وباستثناء أسعار النفط من أسعار الورادات فإن الأسعار تكون قد ارتفعت بنسبة 0.3% مقابل 0.7%.
واضعين بعين الاعتبار أن أزمة الشرق الأوسط والشمال افريقية السياسية أسرفت عن ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات عالية لتفوق مستوى 100 دولار للبرميل، واضعين بعين الاعتبار أن الأزمة الليبية بشكل أخص أثرت على إمدادات النفط في المنطقة، هذا باعتبار أن ليبيا تحتكم على أكبر احتياطي نفط في افريقيا، مما أسهم في ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع أسعار الورادات الإجمالية خلال شهر شباط.
أما بالنسبة لأسعار الصادرات فقد ارتفعت بنسبة 1.2% خلال شباط مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 1.3%، إذ ارتفعت أسعار صادرات المنتجات الزراعية بنسبة 4.4% مقابل 3.2%، بينما ارتفعت أسعار صادرات المأكولات والمشروبات خلال الشهر نفسه بنسبة 2.8% مقابل 3.5%، أما بالنسبة لأسعار صادرات البضائع الرأسمالية فقد انخفضت بنسبة -0.3% مقابل ارتفاع بنسبة 0.3%.
وهذا ما يقودنا إلى ما أشرنا إليه أعلاه، وهو أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال ضعيف نوعا ما على الرغم من التحسن الذي مرت به قطاعات أمريكية مختلفة، حيث أن الأزمة التي مرت على الولايات المتحدة أثبتت بأنها أكثر تعقيدا وتأثيرا مما اعتقد الكثير.
بينما صدر أيضا تقرير التدفقات النقدية الأمريكية، حيث يشير هذا المؤشر إلى الفرق ما بين التدفقات النقدية الداخلة للدولة و التدفقات النقدية الخارجة منها نتيجة للاستثمارات الداخلية والاستثمارات الأجنبية الخارجية أو الاستثمارات الشخصية، حيث انخفض الفائض في صافي التدفقات النقدية خلال كانون الثاني ليصل إلى 32.5 مليار دولار أمريكي مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 48.7 مليار دولار، وبأسوأ من التوقعات التي بلغت 37.5 مليار دولار.
في حين انخفض الفائض في صافي التدفقات النقدية طويلة الأمد خلال كانون الثاني أيضا إلى 51.5 مليار دولار أمريكي مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 62.5 مليار دولار وبأدنى من التوقعات التي بلغت 55.0 مليار دولار أمريكي.
وهنا نشير بأن مجمل الأوضاع في الاقتصاد الأمريكي لا تزال في طور البحث عن الاستقرار نوعا ما، وهذا ما يشير بأن الاقتصاد الأمريكي سيلزمه المزيد من الوقت إلى أن تعود المياه إلى مجاريها كما يقولون، إذ من المتوقع أن يواصل الاقتصاد الأمريكي مرحلة تعافي خلال الفترة القادمة وخلال النصف الثاني من العام 2011..