• 10:09 مساءاً




كتاب رائع=غاية المريد في علم التجويد= الجزء1

إضافة رد
أدوات الموضوع
الصورة الرمزية ليلولة
عضو جديد
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 25
خبرة السوق : أقل من 6 شهور
الدولة: الجزائر
معدل تقييم المستوى: 0
ليلولة is on a distinguished road
24 - 07 - 2011, 11:38 PM
  #1
ليلولة غير متواجد حالياً  
افتراضي كتاب رائع=غاية المريد في علم التجويد= الجزء1
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
[عذراً, فقط الأعضاء يمكنهم مشاهدة الروابط ]
الكتاب : غاية المريد في علم التجويد
المؤلف : عطية قابل نصر
الناشر : القاهرة
الطبعة : الطبعة السابعة
مزيدة ومنقحة
مصدر الكتاب : موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
مقدمة
مقدمة الطبعة الثالثة
...
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}
والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين، نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وأنصاره وأتباعه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين، وبعد:
فبحمد الله وعونه قد نفدت الطبعة الثانية من هذا الكتاب المتواضع في فترة وجيزة، الأمر الذي يبعث في النفس المؤمنة السعادة، ويبشرها بالخير؛ لعودة المسلمين إلى كتاب ربهم، يتلونه ويحفظونه، ويدرسون قواعد تجويده، حتى يتمكنوا من تلاوته حق التلاوة، فينالون بذلك الأجر الكبير، والثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى.
ولقد جاءني بعض الخطابات من الإخوة المحبين لقراءة القرآن الكريم وحفظه، ودراسة تجويده، يطالبونني بزيادة بعض المباحث، وإيضاح بعض المسائل في الطبعة الجديدة إتمامًا للفائدة، فاستجبت لرغبتهم، وسارعت إلى مراجعة الكتاب بدقة، فانبثقت المراجعة عما يأتي:
أولاً: تصحيح أخطائه المطبعية.
ثانيًا: زيادة بعض المباحث المهمة كحكم التقاء الساكنين.
ثالثًا: تنقيح بعض المسائل التي تحتاج إلى توضيح وبيان.
فجاء بحمد الله وتوفيقه وافيًا بالغرض، مستقصيًا لكل ما يحتاجه قارئ القرآن الكريم، حتى يستطيع تلاوة كتاب الله على الوجه الذي يرضيه سبحانه.
(1/5)
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة، وأن يجزي خيرًا كل من ساهم في إخراج هذه الطبعة على هذه الصورة المرضية، إنه سميع مجيب، وهو نعم المولى ونعم النصير، صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف: الرياض، غرة ذي القعدة، 1412 هـ.
(1/6)
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل الأنبياء وسيد المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومن نهج نهجه، وسلك طريقه، واتبع هديه إلى يوم الدين، وبعد:
فهذا كتاب في علم التجويد، وضعت فيه خبرة سنوات طويلة قمت فيها بتدريس هذا العلم بمعهد القراءات بالقاهرة، وبقسم الدراسات القرآنية بالكلية المتوسطة لإعداد المعلمين بالرياض.
وقد استخرت الله العظيم في طبعه ونشره، وطلبت منه سبحانه وتعالى أن يوفقني ويعينني على إنجاز هذا العمل حتى يجد الدارس لعلم التجويد كتابًا وافيًا شاملا لكل أحكام التجويد برواية حفص عن عاصم بن أبي النجود من طريق الشاطبية، لا هو بالمطول الممل، ولا بالمختصر المخل، يستعين به على تلاوة كتاب الله حق التلاوة.
وقد توخيت فيه الاختصار، وراعيت سهولة الأسلوب، وإيجاز العبارة، ووضوح اللفظ، ودقة التنسيق، وسميته "غاية المريد في علم التجويد".
ولقد حاولت قدر طاقتي أن يطابق هذا الكتاب المتواضع منهج الكليات المتوسطة، ومعاهد التجويد والقراءات، كما ذكرت فيه بعض الأبواب المهمة لمن أراد أن يستفيد أو يستزيد، والله أسأل أن يجعل هذا العمل
(1/7)
خالصًا لوجهه الكريم، وأن يثيبني عليه بقدر ما بذلت فيه من جهد، وأن ينفع به الطلاب والدارسين حتى يتمكنوا من تلاوة كتاب الله تعالى على الوجه الذي يرضيه إنه سميع مجيب.
كما أهيب بمن يطلع عليه إذا وجد فيه نقصًا أو خطأ أن ينبهني إليه حتى استدركه في الطبعة القادمة -إن شاء الله- وأن يدعو لي في حياتي وبعد مماتي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على حبيبنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف
(1/8)
مدخل إلى علم التجويد
أولا: ما يتعلق بالتلاوة
فضل القرآن الكريم
...
مدخل إلى علم التجويد:
أولًا: ما يتعلق بالتلاوة
1- فضل القرآن الكريم:
القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على رسوله محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- المتعبد بتلاوته، المتحدي بأقصر سورة منه، والمنقول إلينا نقلا متواترًا.
هذا القرآن: هو الكتاب الْمُبِين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو المعجزة الخالدة الباقية المستمرة على تعاقب الأزمان والدهور إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.
وهو حبل الله المتين والصراط المستقيم والنور الهادي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، فيه نبأ ما قبلكم وحكم ما بينكم وخير ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تَرَكَهُ من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه فقد هدى إلى صراط مستقيم.
هذا القرآن: هو وثيقة النبوة الخاتمة، ولسان الدين الحنيف، وقانون الشريعة الإسلامية، وقاموس اللغة العربية، هو قدوتنا وإمامنا في حياتنا، به نهتدي، وإليه نحتكم، وبأوامره ونواهيه نعمل، وعند حدوده نقف ونلتزم، وسعادتنا في سلوك سننه واتباع منهجه، وشقاوتنا في تَنَكُّبِ طريقه والبعد عن تعاليمه.
وهو رباط بين السماء والأرض، وعهد بين الله وبين عباده، وهو منهاج الله الخالد، وميثاق السماء الصالح لكل زمان ومكان، وهو أشرف الكتب السماوية، وأعظم وحي نزل من السماء.
(1/9)
وباختصار فإن كلام الله سبحانه وتعالى لا يدانية كلام، وحديثه لا يشابهه حديث قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} 1.
ولقد رفع الله شأن القرآن ونوَّهَ بعلوِّ منزلته فقال سبحانه:
{تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى} 2
كما وصفه سبحانه وتعالى بعدة أوصاف مبينًا فيها خصائصه التي مَيَّزَه بها عن سائر الكتب فقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3
وقال أيضًا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 4.
والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يبين لنا أن الإنسان بقدر ما يحفظ من آي القرآن وسوره بقدر ما يرتقي في دَرَجِ الجنة وذلك فيما يرويه عبد الله بن عمرو ابن العاص -رضي الله عنهما- عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتِّل كما كنت ترتِّل في دار الدنيا فإن منزلتَك عند آخرِ آيةٍ تقرأُ بها" 5.
كما يوضح لنا صلى الله عليه وآله وسلم أن قراءة القرآن يطيب بها الْمَخْبَرُ والْمَظْهر فيكون المؤمن القارئ للقرآن طيبَ الباطن والظاهر، إن خبرت باطنه وجدته صافيًا
ـــــــ
1 سورة النساء: 87.
2 سورة طه: 4.
3 سورة المائدة: 15، 16.
4 سورة النحل: 89.
5 رواه الترمذي، رقم: 2915 في ثواب القرآن، وأبو داود رقم: 1464 في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/ 192"، وإسناده حسن، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص502".
(1/10)
نقيًّا، وإن شاهدت سلوكه وجدته حسنًا طيبًا. فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأَتْرُجَّةِ: ريحُها طيبٌ وطعمُها طيبٌ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحَانَةِ: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: لا ريح لها وطعمها مر" 1.
ويخبرنا عبد الله بن مسعود أن من أحب القرآن يحبه الله ورسوله فيقول: "من أحب أن يحبه الله ورسوله فلينظر: فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله"2.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تبين فضل القرآن، فمن أراد المزيد فليرجع إلى كتب الحديث فهي زاخرة بمثل ذلك.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "9/ 58" في فضائل القرآن، ومسلم رقم: 797، باب فضيلة حافظ القرآن، والترمذي 2869، باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ، وأبو داود 4830، والنسائي "8/ 124، 125"، وابن ماجه 214، انظر جامع الأصول "ج: 2، ص453".
2 قال الهيثمي في مجمع الزوائد "ج: 7، ص165" باب فضل القرآن، رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(1/11)
فضل تلاوة القرآن الكريم
مدخل
...
2- فضلُ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ:
إن من أجلِّ العبادات وأعظم القربات إلى الله -سبحانه وتعالى- تلاوة القرآن الكريم، فقد أمر بها سبحانه وتعالى في قوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} 1، كما أمر بها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه أبو أمامة -رضي
ـــــــ
1 سورة المزمل: 20.
(1/11)
الله عنه- حيث قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه" 1.
وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بما أعدَّه الله لقارئ القرآن الكريم من أجرٍ كبير، وثواب عظيم وذلك فيما رواه عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول "الم" حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" 2.
كما بين صلوات الله وسلامه عليه أن من جوَّد القرآن وأحسن قراءته، وصار متقنًا له ماهرًا به عاملا بأحكامه فإنه في مرتبة الملائكة المقربين، وذلك فيما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌ له أجران" 3.
كما أن الله -عز وجل- يوضح لنا في محكم كتابه أن الذين يداومون على تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ويعملون بأحكامه، ويحذرون مخالفته أولئك يوفيهم الله ما يستحقونه من الثواب ويضاعف لهم الأجر من فضله.
يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} 4.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تبين فضل تلاوة القرآن الكريم، وتثبت ما لقارئ القرآن الكريم من فضل كبير وثواب عظيم عند الله عز وجل.
ـــــــ
1 جزء من حديث، أخرجه مسلم في باب: فضل قراءة القرآن.
2 أخرجه الترمذي ح رقم: 1912، باب: ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ما له من الأجر"، ورواه أيضًا الدارمي وغيره وهو حديث صحيح، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص498".
3 أخرجه البخاري ومسلم، وكذا أبو داود والترمذي برواية أخرى، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص503".
4 سورة فاطر: 29، 30.
(1/12)
3- أهميةُ تعلُّمِ القرآنِ الكريمِ وتعليمِهِ:
تعليم القرآن الكريم فرض كفاية، وحفظه واجب وجوبًا كفائيًّا على الأمة حتى لا ينقطع تواتره، ولا يتطرق إليه تبديل أو تحريف، فإن قام بذلك قوم سقط عن الباقين، وإلا أَثِمُوا جميعًا1.
ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يتوانى في إبلاغ من معه من الصحابة بما أنزل عليه من الآيات، وتعليمهم إياها فور نزولها حيث قد أمره الله -جل وعلا- بذلك في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 2.
ومما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، وكتابها أفضل الكتب؛ لذلك كان واجبًا عليها أن لا تألو جُهْدًا في تبليغ القرآن وتعليمه.
والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- يبين لنا أن خير الناس وأفضلهم الذي يشتغل بتعلُّم القرآن الكريم أو تعليمه وذلك فيما ثبت عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" 3.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الذي ليس في جَوْفِهِ شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الْخَرِبِ" 4.
ـــــــ
1 من مباحث علوم القرآن، للشيخ منَّاع القطان بتصرف.
2 سورة المائدة: 67.
3 أخرجه البخاري في فضائل القرآن "9/ 66، 67"، وأبو داود رقم 1452، باب ثواب قراءة القرآن، والترمذي رقم 2909، 2910 في ثواب القرآن، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص508.
4 أخرجه الترمذي ح رقم 2914 في ثواب القرآن، ورواه أيضًا أحمد في المسند رقم 1947، ورواه الحاكم "1/ 554" وصححه، وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان وفيه لِينٌ، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1/13)
فصاحبُ القرآنِ قلبُه عامرٌ به، يتدبر آيات الله، ويتفكر في دلائل قدرته وعظمته، وبذلك تصفو نفسه، وتجملُ أخلاقه، وترقُّ أحاسيسه، والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يخبرنا بأن حفاظ القرآن هم أصفياء الله وخاصَّته وأولياؤه وأنصاره وذلك فيما رواه أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن لله أهلين من الناس فقيل من أهل الله فيهم؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصَّتُه" 1.
ـــــــ
1 أخرجه الإمام أحمد، في كتاب فضائل القرآن، كما أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم في مستدركه، وصحَّحه الألباني، انظر: الجامع الصغير، حديث رقم 2161.
(1/14)
4- آدابُ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ واستماعِه:
لتلاوة القرآن الكريم آدابٌ كثيرة وعديدة حسبنا أن نشير إلى طائفة منها باختصار فنقول:
ينبغي على قارئ القرآن أن يتأدب بالآداب التالية:
1- أن يستقبل القبلة ما أمكنه ذلك.
2- أن يَسْتَاكَ تطهيرًا وتعظيمًا للقرآن.
3- أن يكون طاهرًا من الحدثين.
4- أن يكون نظيف الثوب والبدن.
5- أن يقرأ في خشوع وتفكر وتدبر.
6- أن يكون قلبُه حاضرًا؛ فيتأثر بما يقرأ تاركًا حديث النفس وأهواءها.
7- يستحب له أن يبكي مع القراءة فإن لم يبكِ يتباكى.
8- أن يزين قراءته ويُحَسِّنَ صوتَه بها، وإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع بحيث لا يخرج به إلى حد التمطيط.
9- أن يتأدب عند تلاوة القرآن الكريم، فلا يضحك، ولا يعبث ولا ينظر إلى ما يلهي بل يتدبر ويتذكر كما قال سبحانه وتعالى:
(1/14)
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} 1.
كما أن على سامع القرآن الكريم أن يقبل عليه بقلب خاشع ويتفكر في معانيه، ويتدبر في آياته، ويتعظ بما فيه من حكم ومواعظ، وأن يحسن الاستماع والإنصات لما يتلى من قرآن حتى يفرغ القارئ من قراءته، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 2.
ـــــــ
1 سورة ص: 29.
2 سورة الأعراف: 204.
(1/15)
كيفية قراء القرآن الكريم
...
5- كيفيةُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ:
لقد شرع الله -سبحانه وتعالى- لقراءة القرآن صفة معينة وكيفية ثابتة، قد أمر بها نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} 1، أي اقرأه بتؤدة وطمأنينة وتدبر، وذلك برياضة اللسان والمداومة على القراءة بترقيق المرقق وتفخيم المفخم وقَصْرِ المقصور ومدِّ الممدود وإظهار المظهر وإدغام المدغم وإخفاء المخفي وغنِّ الحرف الذي فيه غنة وإخراج الحروف من مخارجها، وعدم الخلط بينها، كل ذلك دون تكلُّف أو تمطيط.
ولقد أكد الله -عز وجل- الفعل وهو "رتِّل" بالمصدر وهو "ترتيلا" تعظيمًا لشأنه واهتمامًا بأمره.
كما قال سبحانه: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} 2، أي لتقرأه على الناس بترَسُّلٍ وتمهُّل فإن ذلك أقرب إلى الفَهمِ وأسهل للحفظ، والواقع أن هذه الصفة لا تتحقق إلا بالمحافظة على أحكام التجويد المستمدة من قراءة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والتي ثبتت عنه بالتواتر والأحاديث
ـــــــ
1 سورة المزمل: 4.
2 سورة الإسراء: 106.
(1/15)
الصحيحة، فلقد ثبت أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: "كانت قراءته مدًّا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمدُّ ببسم الله، ويمدُّ بالرحمن، ويمدُّ بالرحيم" 1.
وقد نقلت إلينا هذه الصفة بأعلى درجات الرواية وهي المشافهة حيث يتلقى القارئ عن المقرئ، والمقرئ قد تلقاه عن شيخه، وشيخه عن شيخه وهكذا حتى تنتهي السلسلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المؤكد أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قد علَّم أصحابه القرآن الكريم كما تلقَّاه عن أمين الوحي جبريل -عليه السلام- ولقَّنهم إياه بنفس الصفة وحثهم على تعلمها والقراءة بها، فلقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سمع عبد الله بن مسعود يقرأ في صلاته فقال: "من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عَبْدٍ" 2.
ولعل المقصد -والله أعلم- أن يقرأه على الصفة التي قرأ بها عبد الله بن مسعود من حسن الصوت وجودة الترتيل ودقة الأداء.
ولقد خصَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نفرًا من الصحابة أتقنوا القراءة حتى صاروا أعلامًا فيها منهم:
أُبَي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وغيرهم.
فكان -صلى الله عليه وآله وسلم- يتعاهدهم بالاستماع لهم أحيانًا، وبإسماعهم القراءة
ـــــــ
1 أخرجه البخاري، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري "ج: 9، ص91، كتاب فضائل القرآن.
2 رواه أحمد والبزار والطبراني، وفيه عاصم بن أبي النجود وهو على ضعفه حسن الحديث، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، ورجال الطبراني رجال الصحيح، انظر مجمع الزوائد للهيثمي "ج: 9، ص287.
(1/16)
أحيانا أخرى كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.
فلقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك" قال: آلله سَمَّاني لك؟ قال: "الله سمَّاك لي" قال أنس: فجعل أُبي يبكي"1.
كما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأ علي القرآن" قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري" فافتتحت سورة النساء فلما بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} 2 قال: "حسبُك" فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان"3.
ويحتمل أن يكون الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد أحب أن يسمعه من غيره؛ ليكون عرض القرآن سنة يحتذى بها، كما يحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك لأن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها4.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم آمرًا الناس بتعلم قراءة القرآن وبتحري الإتقان فيها، بتلقيها عن المتقنين الماهرين: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب" 5.
ـــــــ
1 رواه مسلم، في باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل، "ج: 2، ص195".
2 النساء: الآية: 41.
3 أخرجه البخاري، في باب: من أحب أن يستمع القرآن من غيره، ح رقم 5049، وله فيه ألفاظٌ أخرى، كما رواه مسلم في باب: فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع، "ج: 2، ص195".
4 انظر فتح الباري "ج: 9، ص94".
5 أخرجه البخاري في باب: القرَّاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ح رقم 4999، "ج: 9، ص46".
(1/17)
وكل هذا يدل على أن هناك صفة معينة، وكيفية ثابتة لقراءة القرآن لا بد من تحقيقها، وهي الصفة المأخوذة عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- وبها أنزل القرآن، فمن خالفها أو أهملها فقد خالف السنة وقرأ القرآن بغير ما أنزل الله.
وصفة القراءة هذه هي التي اصطلحوا على تسميتها بعد ذلك بالتجويد1.
ـــــــ
1 من كتاب قواعد التجويد، للدكتور: عبد العزيز القاري، "ص: 1، 2" بتصرف.
(1/18)
6- أركانُ القراءةِ الصحيحةِ:
القرآن الكريم إنما يُتلقَّى بالرواية، فيرويه الجمع من القراء عن شيوخهم ويتسلسل السند إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ولذلك كان لقبول صحة القراءة ثلاثة أركان:
الأول: موافقتها لوجه من وجوه اللغة العربية ولو ضعيفًا كقراءة ابن عامر في سورة الأنعام في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 1 ببناء الفعل "زُيِّن" للمجهول، ورفع "قتلُ" على أنه نائب فاعل، ونصب "أولادهم" مفعول للمصدر، وجر "شركائِهم" مضافًا إلى المصدر.
ولقد ثبت أن "شركائهم" مرسوم بالياء في المصحف الذي بعثه الخليفة عثمان -رضي الله عنه- إلى الشام.
وقد أنكر هذه القراءة بعض النحاة؛ بحجة أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه لا يكون إلا بالظرف وفي الشعر خاصة، ولكن لما كانت قراءة ابن عامر ثابتة بطريق التواتر القطعي فهي إذن لا تحتاج إلى ما يسندها من كلام العرب، بل تكون هي حجة يرجع إليها ويستشهد بها.
ـــــــ
1 سورة الأنعام: 137.
(1/18)
الثاني: موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالا، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقًا أو تقديرًا كما في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 1 فقراءة حذف الألف تحتمل اللفظ تحقيقًا، وقراءة إثبات الألف تحتمله تقديرًا، وتكون القراءة ثابتة في بعض المصاحف العثمانية دون بعض مثل قوله تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} 2 في الموضع الأخير من سورة التوبة بزيادة لفظ "مِنْ" لثبوته في المصحف المكي دون غيره من المصاحف.
الثالث: صحة سندها بتواتر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد ثبت عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قوله: "القراءة سنة متبعة"3.
وإلى هذه الأركان الثلاثة يشير الإمام ابن الجزري في طيبة النشر بقوله:
فكل ما وافق وَجْهَ نَحْوِ ... وكان للرسم احتمالا يَحْوي
وصح إسنادًا هو القرآنُ ... فهذه الثلاثةُ الأركانُ
وحيثما يختلُّ ركنٌ أثبتِ ... شذوذه لو أنه في السَّبْعَةِ
وعلى هذا فإن اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة كانت القراءة شاذة ولا يجوز القراءة بها.
ـــــــ
1 سورة الفاتحة: 4.
2 سورة التوبة: 100.
3 انظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، "ج1: ص211" حيث يقول: أخرج سعيد بن منصور في سننه عن زيد بن ثابت قال: "القراءةُ سنةٌ مُتَّبَعَةٌ".
(1/19)
7- مراتب القراءة:
للقراءة ثلاث مراتب: الترتيل، والتَّدْوير، والْحَدْر:
أما التَّرتيل: فهو قراءة القرآن الكريم بِتُؤَدَةٍ وطُمأنينة مع تدبر المعاني ومراعاة
(1/19)
أحكام التجويد، وهذه المرتبة هي أفضل المراتب الثلاث حيث نزل بها القرآن الكريم1، والله -سبحانه وتعالى- أمر نبيه بها فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} .
أما التَّدْويرُ: فهو قراءة القرآن الكريم بحالة متوسطة بين الاطمئنان والسرعة مع مراعاة الأحكام، وهي تلي الترتيل في الأفضلية.
وأما الْحَدْرُ: فهو قراءة القرآن الكريم بسرعة مع المحافظة على أحكام التجويد.
وهذه المراتب كلُّها جائزة، وإليها أشار صاحب كتاب لآلئ البيان بقوله:
حدرٌ وتدويرٌ وترتيلُ تُرى ... جميعُها مراتبًا لمن قَرَا
وذكر بعض علماء التجويد مرتبة رابعة، وهي مرتبة التَّحْقيق، وقالوا بأنها أكثر تؤدة، وأشد اطمئنانًا من مرتبة الترتيل، وهي التي تستحسن في مقام التعليم2، ولكن لا بد أن يحترز معها من التمطيط والإفراط في إشباع الحركات، حتى لا يتولد منها بعض الحروف، ومن المبالغة في الغنات إلى غير ذلك مما لا يصح.
هذا ويحترز أيضًا مع مرتبة الحدر من الإدماج ونقص المدود والغنات، فالقراءة كما قيل بمنزلة البياض إن قل صار سمرة، وإن كثر صار برصًا.
وروي عن حمزة أنه قال لبعض من سمعه يبالغ في ذلك: أما علمت أن ما كان فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق البياض فهو بَرََصٌ، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة. ا. هـ، كلام المحقق ابن الجزري في النشر.
ـــــــ
1 من البرهان في تجويد القرآن، للشيخ محمد الصادق قمحاوي، ص6.
2 من نهاية القول المفيد، للشيخ محمد مكي، ص15.
(1/20)
أسئلة:
1- تكلم بإيجاز عن فضل القرآن الكريم مستشهدًا ببعض الآيات والأحاديث.
2- اذكر بعض الآيات والأحاديث التي تبين فضل تلاوة القرآن الكريم.
3- ما حكم تعليم القرآن وحفظه؟ مع التعليل لما تذكر.
4- اذكر خمسًا من آداب تلاوة القرآن الكريم.
5- اذكر حديثًا يبين فضل من اشتغل بتعلم القرآن أو تعليمه.
6- ما الذي يجب على سامع القرآن الكريم.
7- لقد شرع الله لقراءة القرآن الكريم صفة معينة، فبم تتحقق هذه الصفة؟
8- اذكر نفرًا من الصحابة الذين أتقنوا القراءة على يد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
9- اذكر أركان القراءة الصحيحة.
10- ما مراتب القراءة؟
11- عرِّف كل مرتبة منها.
12- بَيِّن الأفضلية في هذه المراتب.
13- اذكر المرتبة التي تستحب في مقام التعليم.
(1/21)
ثانيا: لمحة موجزة عن تاريخ التجويد والقراءات
تاريخ التأليف في هذا العلم
...
ثانيًا: لمحةٌ موجزةٌ عن تاريخِ التَّجويدِ والقراءاتِ:
1- تاريخ التأليف في هذا العلم:
إن أول من وضع قواعد التجويد العلمية أئمة القراءة واللغة في ابتداء عصر التأليف، وقيل: إن الذي وضعها هو الخليل بن أحمد الفراهيدي1، وقال بعضهم: أبو الأسود الدؤلي، وقيل أيضًا: أبو عبيد القاسم بن سلام وذلك بعد ما كثرت الفتوحات الإسلامية، وانضوى تحت راية الإسلام كثيرٌ من الأعاجم، واختلط اللسان الأعجمي باللسان العربي، وفشا اللَّحنُ على الألسنة، فخشى ولاة المسلمين أن يُفْضي ذلك إلى التحريف في كتاب الله، فعملوا على تلافي ذلك، وإزالة أسبابه، وأحدثوا من الوسائل ما يَكْفُل صيانة كتاب الله -عز وجل- من اللحن، فأحدثوا فيه النَّقْطَ والشَّكْلَ بعد أن كان المصحف العثماني خاليًا منهما، ثم وضعوا قواعد التجويد حتى يلتزم كل قارئ بها عندما يتلو شيئًا من كتاب الله تعالى.
ولقد كانت بداية النَّظم في علوم التجويد قصيدةَ أبي مزاحم الخاقاني، المتوفى سنة: 325هـ، وذلك في أواخر القرن الثالث الهجري وهي تعتبر أقدم نص نُظِمَ في علم التجويد2.
وأما القراءات فلعلَّ أول من جمع هذا العلم في كتاب هو الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلاَّم3 وذلك في القرن الثالث الهجري فقد ألَّف كتاب "القراءات" الذي قال عنه الحافظ الذهبي: ولأبي عبيد كتابٌ في القراءات ليس لأحد من الكوفيين مثله، توفي ابن سلام بمكة سنة: 224هـ.
ـــــــ
1 من كتاب "العميد في علم التجويد"، للشيخ محمود على بسة، ص9.
2 من كتاب "مجموعة التجويد"1، شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني، للدكتور: عبد العزيز قاري، ص9.
3 من كتاب قواعد التجويد للدكتور: عبد العزيز القاري بتصرف ص3، 4.
(1/22)
وقيل إن أول من جمع القراءات ودوَّنها أبو عمر حفص بن عمر الدُّوري المتوفى سنة: 246هـ، وقيل غير ذلك.
وقد اشتهر في القرن الرابع الهجري: الحافظ أبو بكر بن مجاهد البغدادي، وهو أول من أفرد القراءات السبعة في كتاب، وقد توفي سنة: 324هـ.
كما اشتهر في القرن الخامس الهجري: الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الدَّاني، وله تصانيف كثيرة في هذا الفن، وأهمها كتاب التيسير، وقد توفي ببلاد الأندلس سنة: 444هـ.
أما في القرن السادس الهجري فقد اشتهر الإمام القاسم بن فيُّره بن خلف الشاطبي، وألَّف "حرز الأماني ووجه التهاني" المعروف بالشاطبية والتي لخَّص فيها كتاب "التيسير في القراءات السبع" وعدد أبياتها "1173" بيتًا، وتوفي بالقاهرة سنة: 590هـ.
ثم توالى بعد ذلك الأئمة الأعلام صارفين أعمارهم في التسابق لخدمة هذا العلم تصنيفًا وتحقيقًا، حتى قيَّض الله -عز وجل- له إمامَ المحققين أبا الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري فألَّف الكثير من كتب القراءات، ونظم المقدمة في علم التجويد، وهي المعروفة بمتن الجزرية، وتوفي بمدينة شيراز سنة: 833هـ.
أسأل الله أن ينفعنا بعلمهم، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء إنه سميع مجيب.
(1/23)
2- منشأُ اختلافِ القراءاتِ:
يقول ابن هاشم: "إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها هو أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف التي كتبت في عهد الخليفة عثمان كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وتلقُّوا عنه القرآن، وكانت المصاحف خالية من النَّقط والشَّكْل، فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعًا عن الصحابة بشرط موافقة ذلك لخط المصحف العثماني، وتركوا ما يخالفه امتثالا لأمر الخليفة عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط
(1/23)
للقرآن، ومن ثَمَّ نشأ الاختلاف بين قرَّاء الأمصار" انتهى1.
وعلى هذا يتضح لك أن الاختلاف في القراءات ليس اختلاف تَضَادٍ أو تناقض، لاستحالة وقوع ذلك في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكنه اختلاف تَنَوُّعٍ وتغايرٍ كأن تقول مثلا: هلمَّ أو تعالَ أو أقبل وكلها بمعنىً واحد.
وإنما نشأ هذا الاختلاف تبعًا لما تلقاه الصحابة من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولأن الخليفة عثمان -رضي الله عنه- لم يكتفِ بإرسال المصاحف وحدها إلى الأمصار لتعليم القرآن، وإنما أرسل معها جماعة من قراء الصحابة يعلمون الناس القرآن بالتلقين، وقد تغايرت قراءاتهم بتغاير رواياتهم، ولم تكن المصاحف العثمانية ملزمة بقراءة معينة لخلُوِّها من النَّقط والشَّكْل لتحتمل عند التلقين الوجوه المروية، وقد أقرأ كل صحابي أهل إقليمه بما سمعه تلقيًا من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهي قراءة يحتملها رسم المصحف العثماني الذي أرسل منه نسخ إلى جميع الآفاق فمثلا لفظ: "فتبينوا" من قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 2 من غير نقط يحتمل قراءة "فَتَثَبَّتُوا".
وعلى هذا فقد تمسك أهل كل إقليم بما تلقوه سماعًا من الصحابي الذي أقرأهم وتركوا ما عداه؛ ولهذا ظهر الخلاف بين القراءات.
ـــــــ
1 انظر: كتاب القراءات المتواترة، ص36، للدكتور: محمد رشاد خليفة.
2 سورة الحجرات: 6.
(1/24)
3- القراءاتُ المتواترةُ:
وهي عبارة عن اختلاف الكيفيات في تلاوة اللفظ القرآني المنزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ونسبتها إلى قائليها المتصلِ سندهم برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولزيادة الإيضاح يجب معرفة المصطلحات الآتية1.
ـــــــ
1 انظر: كتاب القراءات المتواترة، ص34، 35، للدكتور: محمد رشاد خليفة.
(1/24)
القِرَاءَةُ:
ويريدون بها الاختيار المنسوب لإمام من الأئمة العشرة بكيفية القراءة للَّفظ القرآني على ما تلقَّاه مشافهة متصلا سنده برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيقولون مثلا: قراءة عاصم، قراءة نافع وهكذا.
الرِّوَايَةُ:
ويريدون بها ما نسب لمن روى عن إمام من الأئمة العشرة من كيفية قراءته للَّفظ القرآني، وبيان ذلك أن لكلٍ من أئمة القراءة راويين، اختار كل منها رواية عن ذلك الإمام في إطار قراءته، قد عرف بها ذلك الراوي ونسبت إليه فيقال مثلا: رواية حفص عن عاصم، رواية ورش عن نافع، وهكذا.
الطَّرِيقُ:
وهو ما نسب للناقل عن الراوي وإن سَفَلَ كما يقولون: هذه رواية ورش من طريق الأزرق.
(1/25)
4- الأحرفُ السبعةُ ونزولُ القرآنِ بها:
لقد تواتر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فقد ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويَزَيدُني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" 1.
ومعنى "أستزيده" أي: أطلب من جبريل أن يطلب من الله -عز وجل- الزيادة عن الحرف تخفيفًا على الأمة ورحمة وتوسعة عليها، حتى انتهى إلى سبعة.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن، انظر: فتح الباري، "ج: 9، ص23" رقم4991، كما رواه مسلم، في باب: أن القرآن على سبعة أحرف، واللفظ للبخاري.
(1/25)
كما ثبت أن الْمِسْوَرَ بن مَخْرَمَة وعبد الرحمن بن عبدٍ القاري سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعتُ هشامَ بنَ حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلَّم، فلبَّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقلتُ: كذبت فإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أَقُوده إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقلت: إني سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "أرسله، اقرأ يا هشام" ، فقرأ عليه القراءةَ التي سمعتُهُ يقرأ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "كذلك أنزلت" ، ثم قال: "اقرأ يا عمر" ، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعةِ أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه" 1.
وقد اختلفوا في المراد بالأحرف السبعة اختلافًا كثيرًا، والذي يرجحه المحققون من العلماء مذهبَ الإمامِ أبي الفضل الرازي وهو: أن المراد بهذه الأحرف الأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف، وهي لا تخرج عن سبعة:
الأول: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث مثل قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} 2 قُرِئ لفظ "مسكين" هكذا بالإفراد، وقرئ "مساكين" بالجمع، ومثل قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} 3 وقُرِئ هكذا بالتثنية، وقرئ "إخْوتكم" بالجمع،
ـــــــ
1 أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف"، انظر: فتح الباري "ج: 9، ص23، ح 4992"، كما رواه مسلم بلفظ آخر في باب: بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ومعنى "أساوره": أقاتله وأواثبه، ومعنى "فلببته بردائه" أي جمعت عليه رداءه عند لَبَّتِه حتى لا يفلت مني، وفي هذا دليل على ما كانوا عليه من الشدة في المحافظة على القرآن كما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 سورة البقرة: آية 184.
3 سورة الحجرات: آية 10.
(1/26)
ومثل قوله تعالى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} 1 قُرِئ هكذا: بياء التذكير، وقُرِئ "تقبل" بتاء التأنيث.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماضٍ ومضارع وأمر، نحو قوله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} 2، قُرِئ هكذا على أنه فعل ماضٍ، وقرئ "يَطَّوَّعْ" على أنه فعل مضارع مجزوم، وكذلك قوله تعالى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} 3 قُرِئ هكذا على أنه فعل ماضٍ، وقرئ "قُلْ" على أنه فعل أمر.
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب، نحو قوله تعالى: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} 4، قُرِئ بضم التاء ورفع اللام على أن "لا" نافية، وقرئ بفتح التاء وجزم اللام على أن "لا" ناهية.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 5 قُرِئ هكذا بإثبات "الواو" قبل "السين"، وقرئ بحذفها.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير كقوله تعالى: {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} 6 وقُرِئ هكذا بتقديم "وقاتلوا" وتأخير "وقتلوا"، وقُرِئ بتقديم "وقتلوا" وتأخير "وقاتلوا".
السادس: الاختلاف بالإبدال أي جعل حرف مكان آخر، كقوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} 7 قُرِئ هكذا بتاء مفتوحة فباء ساكنة، وقرئ بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة "تَتْلُوا".
السابع: الاختلاف في اللهجات، كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والتسهيل والتحقيق، والتفخيم والترقيق، وكذا يدخل في هذا النوع الكلمات التي اختلفت فيها لغة القبائل نحو: "خُطُواتِ" تقرأ بتحريك الطاء بالضم، وتقرأ بتسكينها، ونحو: "بُِيوت" تقرأ بضم الباء وتقرأ بكسرها8.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 48.
2 سورة البقرة: 184.
3 سورة الأنبياء: 4.
4 سورة البقرة: 199.
5 سورة آل عمران: 133.
6 سورة آل عمران: 190.
7 سورة يونس: 30.
8 انظر: كتاب "الوافي" للشيخ القاضي، ص7.
(1/27)
5- الحكمةُ في إنزالِ القرآنِ الكريمِ بالأحرفِ السبعةِ:
تتلخص الحكمة في إنزال القرآن الكريم على الأحرف السبعة في أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم ألسنتهم مختلفة، ولهجاتهم متباينة، ويتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من لهجته التي نشأ عليها، وتعوَّد لسانه التخاطب بها، فصارت طبيعة من طبائعه، وسَجِيَّةً من سجاياه، بحيث لا يمكنه العدول عنها إلى غيرها، فلو كلَّفهم الله تعالى مخالفة لهجاتهم لشَقَّ عليهم ذلك، وأصبح من قبيل التكليف بما لا يطاق، فاقتضت رحمته تعالى بهذه الأُمَّة أن يخفف وييسِّر عليها حفظ كتابها وتلاوة دستورها كما يَسَّر لها أمر دينها، فأذِنَ لنبيه أن يُقْرِئَ أمته القرآن على سبعة أحرف فكان صلى الله عليه وآله وسلم يُقْرِئ كل قبيلة بما يوافق لغتها ويلائم لسانها1.
ولعل من الحكمة أيضًا أن يكون ذلك معجزة للنبي على صدق رسالته حيث ينطق صلى الله عليه وآله وسلم القرآن الكريم بهذه الأحرف السبعة، وتلك اللهجات المتعددة وهو النبي الأمي الذي لا يعرف سوى لهجة قريش.
ـــــــ
1 من كتاب "الوافي" للشيخ عبد الفتاح القاضي بتصرف، ص "7، 8".
(1/28)
6- صلةُ القراءاتِ السبعِ بالأحرفِ السَّبعةِ:
وأما عن صلة القراءات السبع بالأحرف السبعة المذكورة في الحديث فليُعلم أن الأحرف السبعة نزلت في أول الأمر للتيسير على الأمة، ثم نسخ الكثير منها بالعَرْضَةِ الأخيرة مما حدا بالخليفة عثمان -رضي الله عنه- إلى كتابة المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار، وأحرق كل ما عداها، وليس الأمر كما توهمه بعض
(1/28)
الناس من أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة.
والصواب أن قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التي يقرأ الناس بها اليوم هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم، وورد بها الحديث، وهذه القراءات العشر جميعها موافقة لخط مصحف
من المصاحف العثمانية التي بعث بها الخليفة عثمان إلى الأمصار، بعد أن أجمع الصحابة عليها، وعلى طرح كل ما يخالفها1
هذا وليس المقام هنا مقام إفاضةٍ واستقصاء، وإنما المقصود لَمْحَةٌ موجزة عن هذا العلم، فمن احتاج المزيد فليرجع إلى كتب القراءات.
ـــــــ
1 انظر: المرجع السابق، ص8.
(1/29)
أسئلة:
1- من أول من وضع قواعد التجويد العلمية؟ ولماذا؟
2- من أول من جمع القراءات في كتاب؟ وفي أي قرن؟ ومتى توفي؟
3- ما السبب في اختلاف القراءات؟ وكيف نشأ؟
4- هل اختلاف القراءات اختلاف تَضَادٍ وتناقضٍ أم اختلاف تَنَوُّعٍ وتَغَايُر؟ وضح ذلك.
5- ما هي القراءات المتواترة؟
6- وضح معنى كل من: القراءة، الرِّواية، الطَّريق.
7- اذكر حديثًا يثبت نزول القرآن بالأحرف السبعة.
8- ما الرأي الراجح في المراد بالأحرف السبعة؟
9- وضح الصلة بين القراءات السبع والأحرف السبعة.
(1/29)
ترجمةُ الإمامِ عاصمٍ:
تنبيه:
يجدر بنا قبل أن نبدأ الكلام على علم التجويد، واهتمام الأمة الإسلامية به أن نتعرف على كل من الإمام عاصم، وكذا رواية حفص الذي تقرأ القرآن بروايته حتى يكون الدارس على بصيرة باتصال سندها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
اسمه: هو عاصم بن أبي النَّجُود الأسدي الكوفي وكنيته أبو بكر، وقيل اسم أبيه عبد الله، واسم أمه بهدلة.
منزلته: هو شيخ الإقراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة، وكان من التابعين الأجلاء، فقد حدَّث عن أبي رمثة رفاعة التميمي، والحارث بن حسان البكري، وكان لهما صحبة، أما حديثه عن أبي رمثة فهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل، وأما حديثه عن الحارث فهو في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام.
جمع بين الفصاحة والإتقان، والتحرير والتجويد، وكان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وقد أثنى عليه الأئمة، وتَلَقُّوا قراءته بالقبول.
انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السُّلَمي -رضي الله عنه- حيث جلس مجلسه، ورحل الناس إليه للقراءة من شتى الآفاق.
قال أبو بكر شعبة بن عياش: لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: ما رأيت أحدًا أقرأَ للقرآن من عاصم بن أبي النجود، وكان عالِمًا بالسنة، لُغَويًّا نحْويًّا فقيهًا.
(1/30)
مَنَاقِبُهُ: أما مناقبه فكثيرة منها: أن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: رجل صالح خيِّر ثقة، فسألته أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، قلت، فإن لم توجد؟ قال: قراءة عاصم.
وقال أبو بكر شعبة بن عياش: دخلت على عاصم وقد احتضر، فجعل يردد هذه الآية: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} 1، يُحَقِّقُهَا كأنه في الصلاة؛ لأن تجويد القرآن صار فيه سَجِيَّة.
رُوَاتُه: روى القراءة عنه حفص بن سليمان، وأبو بكر شعبة بن عياش، وهما أشهر الرواة عنه، وأبان بن تغلب، وحماد بن سلمة، وسليمان بن مِهْران الأعمش، وأبو المنذر سلام بن سليمان، وسهل بن شعيب، وخلق لا يحصون.
وروى عنه حروفًا من القرآن: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، وحمزة الزَّيَّات2.
وَفَاتُهُ: قيل توفي -رحمة الله عليه- آخر سنة سبع وعشرين ومائة هجرية ودفن بالسَّمَاوَة في اتجاه الشام، وقيل توفي بالكوفة أول سنة ثمان وعشرين ومائة هجرية.
اتصالُ سندهِ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ:
أما إسناده في القراءة فينتهي إلى علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- وغيرهما من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
كما قرأ على زر بن حبيش الأسدي، وقرأ زر على عبد الله بن مسعود، وقرأ ابن مسعود على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
ـــــــ
1 الأنعام: 62.
2 من كتاب "تاريخ القراء العشر ورواتهم" للشيخ عبد الفتاح القاضي بتصرف.
(1/31)
وكان رحمه الله يُقْرِئ حفصًا بالقراءة التي رواها عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي عن علي، ويُقْرِئ شعبة بالقراءة التي رواها عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم.
ومن هذا يتضح اتصال سنده برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- اتصالا متواترًا.
(1/32)
أسئلة:
1- من هو الإمام عاصم؟ وما كنيته؟
2- تكلم بإيجاز عن منزلته ومناقبه.
3- اذكر بعض من روى عنه القراءة.
4 بَيِّنْ متى توفي رحمه الله تعالى؟
5- اذكر اتصال سنده في القراءة برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
(1/32)
ترجمة راويه حفص
مدخل
...
ترجمةُ راويهِ حفص:
اسْمُهُ:
حفص بن سليمان بن الْمُغِيرة بن أبي داود الأسدي الكوفي البَزَّاز -نسبة إلى بيع البَزِّ: أي الثياب- المعروف بِحُفَيْص، صاحب عاصم وربيبه: أي ابن زوجته، وأما كنيته فهي أبو عمر.
ضَبْطُهُ وإتْقَانُهُ:
أخذ القراءة عرضًا وتَلْقِينًا عن عاصم فأتقنها حتى شهد له العلماء بذلك ولقد كان -رحمه الله- كثير الحفظ والإتقان، وقد أثنى عليه الإمام الشاطبي بقوله:
.............................. ... وحَفْصٌ وبالإتْقَانِ كان مُفَضَّلا
ولذلك اشتهرت روايته وتلقاها الأئمة بالقبول، وليس ذلك بغريب عليه، فقد تربى في بيت عاصم، ولازمه وأتقن قراءته حتى كان أعلم أصحابه بها، وقام بإقراء الناس بعد وفاة عاصم فترة طويلة من الزمان.
وقال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن عاصم هي رواية أبي عمر حفص بن سليمان.
مَنْزِلَتُهُ: قال أبو هشام الرفاعي: كان حفص أعلم أصحاب عاصم بقراءته، فكان مُرَجَّحًا على شعبة بضبط الحروف.
وقال الذهبي: هو في القراءة ثقة ثَبَتٌ ضابط.
وقال ابن المنادي: قرأ على عاصم مرارًا، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر شعبة بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأها على عاصم، وأَقْرَأَ الناس بها دهرًا طويلا.
رُوَاتُهُ: أخذ القراءة عنه عَرْضًا وسماعًا أُناسٌ كثيرون منهم: حسين بن محمد الْمَرْوَزي، وعمرو بن الصباح، وعبيد بن الصباح، والفضل بن يحيى الأنباري،
(1/33)
وأبو شعيب القواس وغيرهم.
وِلَادَتُهُ:
ولد رحمة الله عليه سنة تسعين هجرية.
وفاته:
توفي -رحمة الله عليه- سنة ثمانين ومائة هجرية على الصحيح.
اتصالُ سندهِ بالنبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم:
قرأ حفص القرآن الكريم على الإمام عاصم الذي سبق التعريف به، وقرأ عاصم بالرواية التي أقرأها لحفص على أبي عبد الرحمن السُّلَمي عن علي -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد روي عن حفص أنه قال: قلت لعاصم إن أبا بكر شعبة يخالفني في القراءة فقال: أقرأتك بما أقرأني به أبو عبد الرحمن السُّلَمي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأقرأت شعبة بما أقرأني به زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه1.
ـــــــ
1 من كتاب "تاريخ القرَّاء العشرة ورواتهم"، للشيخ عبد الفتاح القاضي بتصرف.
(1/34)
أسئلة:
1- ما اسم حفص؟ وما كنيته؟ ومتى ولد؟ ومتى توفي؟
2- اذكر ما تعرفه عن ضبطه وإتقانه للقراءة.
3- تكلم باختصار عن منزلته، ثم اذكر من أخذ عنه القراءة عَرْضًا وسماعًا؟
4- بين اتصال سنده بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم.
(1/34)
اهتمام الأمة الإسلامية بعلم التجويد
مدخل
...
اهتمامُ الأمةِ الإسلاميةِ بعلمِ التجويدِ:
لقد اهتمت الأمة الإسلامية بعلم التجويد اهتمامًا بالغاً، فقام علماء السلف -رضي الله عنهم- بخدمته ورعايته سواء بالتحقيق والتأليف أو القراءة والإقْرَاء.
وبذلك ظلَّ القرآن الكريم محفوظًا في الصدور مرتلا مجودًا تحقيقًا لوعد الله -سبحانه وتعالى- بحفظه حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
والواقع أن من حقِّ القرآن علينا -نحن المسلمين- أن نجيد تلاوته وترتيله حتى يكون عونًا لنا على تدبره، وتفهم معانيه، ولا يَتَأَتَّى ذلك إلا بالاهتمام بدراسة علم التجويد ومعرفة أحكامه وتطبيقها: إما بالاستماع إلى قارئ مجيد، أو القراءة على شيخ حافظ متقن، ومن هنا نبدأ الكلام على علم التجويد، فنقول:
ـــــــ
1 سورة الحجر: 9.
(1/35)
أقسام التجويد
مدخل
...
أقسامُ التَّجويدِ:
ينقسم التجويد إلى قسمين:
1- تجويد عَمَلي.
2- تجويد عِلْمي.
(1/35)
القسم الأول: التجويد العَمَلي أي التطبيقي
والمقصود به: تلاوة القرآن الكريم تلاوة مجودة كما أنزلت على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
(1/35)
القسم الثاني: التجويد العِلْمي "النظري"
والمقصود به: معرفة قواعده وأحكامه العلمية التي نحن بصدد الكلام عليها في الأبواب التالية، وهذه القواعد وتلك الأصول والأحكام هي على قراءة الإمام حفص عن عاصم.
حُكْمُهُ:
أما حكم تعلم التجويد العلمي فالناس أمامه فريقان:
الفريق الأول:
عامة الناس، وتعلمه بالنسبة لهم مندوب وليس بواجب.
الفريق الثاني:
خاصة الناس، وهم الذين يتصدون للقراءة أو الإقراء، وتعلُّمه بالنسبة لهم واجب وجوبًا عينيًّا حتى يكونوا قدوة لغيرهم من العامة في تلاوة كتاب الله حق التلاوة.
ولا بد أن يكون في كل مصر جماعة يتعلمون التجويد ويعلمونه الناس، فإن لم يكن هناك جماعة منهم يقومون بهذا الواجب أثموا جميعًا.
دَلِيلُهُ:
والدليل على ذلك عموم قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} 1، ودراسة علم التجويد من التفقه في الدين، فإذا قام بتعلمه وتعليمه جماعة من خاصة الناس سقط عن عامتهم.
ـــــــ
1 سورة التوبة: 122.
(1/39)
معنى التجويد وغايته:
معنى التجويدِ في اللُّغَةِ:
التجويد في اللغة العربية معناه: التحسين والإتقان، يقال: جوَّدت الشيء تجويدًا أي حسنته تحسينًا، وأتقنته إتقانًا.
(1/39)
معنى التَّجويدِ في الاصطلاحِ:
ومعناه في اصطلاح علماء التجويد: علم يبحث في الكلمات القرآنية من حيث إعطاء الحروف حقَّها من الصفات اللازمة التي لا تفارقها كالاستعلاء والاسْتِفَال، أو مُسْتَحَقها من الأحكام الناشئة عن تلك الصفات: كالتفخيم والترقيق، والإدغام والإظهار وغير ذلك.
وإلى هذا يشير الإمام ابن الجزري بقوله في باب التجويد:
وهو إعطاءُ الحروفِ حقَّها ... من صفةٍ لها ومستحقَّها
غَايَتُهُ:
الغاية من التجويد هي تمكين القارئ من جودة القراءة، وحسن الأداء، وعصمة لسانه من اللحن عند تلاوة القرآن الكريم لكي ينال رضا ربه وتتحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.
مَوضُوعُهُ:
الكلمات القرآنية على المشهور من حيث إعطاء الحروف حقها ومستحقها وأن لا تخرج عما قُرِّر من أحكامه بإجماع الأمة.
فضلُهُ وأهميتُهُ:
هو من أجلِّ العلوم وأشرفها؛ لتعلقه بكلام الله -سبحانه وتعالى- كما أن تعلمه له أهمية كبرى حيث يعين المسلم على تلاوة القرآن الكريم حق التلاوة.
استمدادُهُ:
هو مستمد ومأخوذ من كيفية قراءة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وقراءة أصحابه -رضي الله عنهم- وقراءة التابعين وتابعيهم من أئمة القراءة حتى وصل إلينا بطريق التَّواتر.
(1/40)
معنى اللَّحنِ وأقسامهِ:
لما كانت تلاوة القرآن الكريم تلاوة مجودة أمرًا واجبًا وجوبًا عينيًّا على كل من يريد أن يقرأ شيئًا من القرآن الكريم، إذن فيصبح اللحن فيه حرامًا، والتحريف فيه إثمًا.
وعلى هذا ينبغي لقارئ القرآن الكريم أن يعرف اللحن ليتجنبه.
معنى اللَّحنِ:
اللحن هو الخطأ والميل عن الصواب وفيه معان أخرى غير مقصودة هنا.
أقسام اللحن:
ينقسم اللحن إلى قسمين:
1- جلي 2- خفي
القسم الأول: الْجَلِيُّ:
وهو خطأ يطرأ على اللفظ فيَخِلُّ بمبنى الكلمة سواء أخلَّ بمعناها أم لا، وسمي جليًّا؛ لأنه يخل إخلالا ظاهرًا يشترك في معرفته علماء القراءة وعامة الناس.
مثال الذي يخل بالمعنى: كسر التاء في قوله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، وكذلك ضمها.
ومثال الذي لا يخل بالمعنى ضم الْهَاءِ في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} .
وحكم هذا القسم: حرام بالإجماع لا سيما إن تعمده القارئ أو تساهل فيه.
القسم الثاني: الْخَفِيُّ:
وهو خطأ يطرأ على اللفظ فيَخِلُّ بعُرْف القراءة، ولا يخل بالمبنى وسمي خفيًّا؛
(1/41)
لأنه يختص بمعرفته العالم بأحكام التجويد فقط، ويخفى على عامة الناس.
مثال ذلك: ترك الإظهار أو الإدغام أو الإخفاء، وبالجملة ترك أحكام التجويد في أثناء القراءة.
وحكم هذا القسم:
التحريم على الراجح إن تعمده القارئ أو تساهل فيه، وقيل بالكراهة1 وقد خصه بعضهم بعدم ضبط مقادير المدود بالنقص أو الزيادة أو عدم المساواة بينها، وقلة المهارة في تحقيق الصفات، وتطبيق الأحكام كزيادة التكرير في الراءات وتطنين النونات وتغليظ اللامات في غير محل التغليظ ونحو ذلك2.
وإلى هذا كله يشير العلامة المحقق الشيخ إبراهيم علي شحاتة السمنودي بقوله3.
اللحنُ قسمانِ جليٌّ وخفي ... كلٌّ حرامٌ معْ خلافٍ في الخفي
أما الجليُّ فهْوَ مبنىً غُيِّرا ... ثمَّ الخفيُّ ما على الوصْفِ طَرَا
وواجبٌ شرعًا تجنُّبُ الجَلِيّ ... وواجبُ صناعةٍ تركُ الخفيّ
ولقد أعجبني في هذا المقام قول الإمام ابن الجزري في النَّشْر:
"والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم أو معذور؛ فمن قدر على تصحيح كلام الله -تعالى- باللفظ الصحيح، العربي الفصيح، وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي، استغناء بنفسه، واستبدادًا واتكالا على ما ألف من حفظه، واستكبارًا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه؛ فإنه مقصِّرٌ بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاشٌ بلا مِرْيَة، فقد ثبت عن أبي رقية تميم بن أوس الدَّاري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "الدينُ النصيحةُ" ، قلنا لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم. أما من كان
ـــــــ
1 انظر: العميد في أحكام التجويد، ص9.
2 من كتاب "قواعد التجويد" للدكتور: عبد العزيز القاري: ص28.
3 انظر: كتاب "موازين الأداء في التجويد والوقف والابتداء" مخطوط.
(1/42)
لا يطاوعه لسانه، أو لا يجد من يهديه إلى الصواب فإن الله لا يكلِّف نفسًا إلا وُسْعَها". انتهى كلام ابن الجزري بتصرف.
والواقع أن المسلم يجب عليه أن يبذل الجهد؛ لكي يقرأ القرآن الكريم قراءة صحيحة خالية من اللحن أو التحريف؛ حتى ينال رضا ربه، ويكون من الملائكة المقربين؛ فلقد ثبت عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "الماهرُ بالقرآنِ مع السَّفرةِ الكرامِ البررةِ، والذي يقرأُ القرآنَ ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌ له أجرانِ" . رواه مسلم وقد سبقت الإشارة إليه.
(1/43)
أسئلة:
1- اذكر أقسام التجويد مع بيان المقصود بكل قسم.
2- ما حكم التجويد العملي لمن أراد أن يقرأ شيئًا من القرآن الكريم؟
3- اذكر الدليل على وجوب التجويد العملي من الكتاب والسنة والإجماع.
4- ما حكم تعلم التجويد العلمي مع ذكر الدليل؟
5- ما هو اللَّحن؟ وما أقسامه؟ عرف كل قسم وبين حكمه.
(1/43)
الاستعاذة
مدخل
...
الاستعاذة:
الاستعاذة لغة:
الالتجاء والاعتصام والتحصُّن.
واصطلاحًا: لفظ يحصل به الالتجاء إلى الله تعالى، والاعتصام والتحصن به من الشيطان الرجيم، وهي ليست من القرآن بالإجماع، ولفظها لفظ الخبر، ومعناه الإنشاء، أي: اللهم أعذني من الشيطان الرجيم1.
حُكْمُهَا:
اتفق العلماء على أن الاستعاذة مطلوبة ممن يريد القراءة، واختلفوا هل هي واجبة أو مندوبة؟
فذهب جمهور العلماء وأهل الأداء إلى أنها مندوبة عند ابتداء القراءة، وحملوا الأمر في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} 2 على النَّدب بحيث لو تركها القارئ لا يكون آثمًا.
وذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة عند ابتداء القراءة، وحملوا الأمر السابق على الوجوب، وعلى مذهبهم لو تركها القارئ يكون آثمًا.
وإلى ذلك يشير الإمام ابن الجزري بقوله:
...................... واستحبْ ... تَعَوُّذٌ وقال بعضُهُم يجبْ3
صيغَتُهَا:
المختار لجميع القراء في صيغتها "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأن هذه الصيغة أقرب مطابقة للآية الكريمة الواردة في سورة النَّحل.
ـــــــ
1 من كتاب "الإضاءة في أصول القراءة" للشيخ علي محمد الضباع، ص6 بتصرف.
2 سورة النحل، الآية: 98.
3 انظر: طَيِّبَة النشر في القراءات العشر، باب الاستعاذة.
(1/44)
ويجوز التعوذ بغير هذه الصيغة مما ورد به نص نحو: "أعوذ بالله من الشيطان" ونحو: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم".
أَحْوَالُهَا:
للاستعاذة عند بدء القراءة حالتان، هما: الجهر أو الإخفاء.
أما الجهر بها: فيُستحب عند بدء القراءة في موضعين:
1- إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وكان هناك من يستمع لقراءته.
2- إذا كان القارئ وسط جماعة يقرءون القرآن، وكان هو المبتدئ بالقراءة.
وأما إخفاؤها: فيُستحب في أربعة مواضع:
1- إذا كان القارئ يقرأ سرًّا.
2- إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وليس معه أحد يستمع لقراءته.
3- إذا كان يقرأ في الصلاة سواء كان إمامًا أم مأمومًا أم منفردًا، ولا سيما إذا كانت الصلاة جهرية.
4- إذا كان يقرأ وسط جماعة وليس هو المبتدئ بالقراءة.
فائدة:
لو قطع القارئ قراءته لعذر طارئ كالعطاس أو التنحنح أو لكلام يتعلق بمصلحة القراءة لا يعيد الاستعاذة.
أما لو قطعها إعراضًا عن القراءة، أو لكلام لا تعلق له بالقراءة ولو لِرَدِ السلام، فإنه يستأنف الاستعاذة1.
ووجه الجهر بالاستعاذة: أن ينصت السامع للقراءة من أولها فلا يفوته شيء منها؛ لأن التعوذ شعار القراءة وعلامتها.
ووجه الإسرار بها: ليحصل الفرق بين ما هو قرآن وما ليس بقرآن2.
ـــــــ
1 من كتاب "الإضاءة في أصول القراءة" للشيخ علي محمد الضباع، ص10 بتصرف.
2 انظر: المرجع السابق، ص9.
(1/45)
أسئلة:
1- ما معنى الاستعاذة؟ وهل هي من القرآن أم لا؟ وما المراد بلفظها؟
2- الاستعاذة عند بدء القراءة هل هي مطلوبة أم لا؟ بَيِّن حكمها.
3- اذكر صيغتها المختارة مبينًا سبب هذا الاختيار، ثم اذكر ما يجوز من صيغتها.
4- بين حالاتها عند بدء القراءة.
5- إذا قطع القارئ قراءته لعذر طارئ فهل يعيد الاستعاذة؟
6- إذا أعرض عن القراءة أو تكلم بكلام لم يتعلق بها أو ردَّ السلام، فما الحكم؟
(1/46)
البسملة
مدخل
...
البَسْمَلَةُ:
البسملة مصدر بَسْمَلَ، أي: إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم، نحو حَسْبَلَ إذا قال حسبي الله، وحَوقَلَ: إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله.
حكمُ البسملةِ:
لا خلاف بين العلماء في أنها بعض آية من سورة النَّمل، كما أنه لا خلاف بين القراء في إثباتها في أول الفاتحة.
وقد أجمع القراء السبعة أيضًا على الإتيان بها عند ابتداء القراءة بأول أي سورة من سور القرآن سوى سورة براءة؛ وذلك لكتابتها في المصحف، ولما ثبت من الأحاديث الصحيحة أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان لا يعلم انقضاء السورة حتى تنزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم"1.
وأما في أجزاء السور فالقارئ مُخَيَّر بين الإتيان بالبسملة أو عدمه، وإلى ذلك يشير الإمام الشاطبي بقوله:
ولا بد منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خُيِّر من تلا
وأما بالنسبة لسورة براءة، فهي متروكة في أولها اتفاقًا.
وإلى هذا يشير الإمام الشاطبي بقوله:
ومهما تَصِلْها أو بَدَأتَ براءةً ... لِتَنْزِيلِها بالسيفِ لستَ مُبَسْمِلا
ـــــــ
1 أخرج الحاكم في المستدرك "1/ 231" في كتاب الصلاة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يعلم ختم السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم" وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، كما رواه أبو داود وصححه الألباني في الجامع الصغير.
(1/47)
فقد علَّل رحمه الله ترك البسملة في أولها بأنها نزلت مشتملة على السيف وكَنَّى بذلك عما انطوت عليه سورة براءة، من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، والوعيد والتهديد، وفيها آية السيف وهي الآية رقم: "29". وقد نقل العلماء هذا التعليل عن علي -رضي الله عنه- قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: سألت عليًّا -رضي الله عنه- لِمَ لَمْ تكتب البسملة أول براءة، فقال: لأن "بسم الله" أمانٌ، وبراءة ليس فيها أمان؛ لأنها نزلت بالسيف ولا تَنَاسُبَ بين الأمان والسيف1.
ـــــــ
1 من كتاب "الوافي على شرح الشَّاطِبِيَّة" للشيخ عبد الفتاح القاضي، ص48.
(1/48)
أوجهُ الابتداءِ:
إذا ابتدأ القارئ قراءته بأول أي سورة من سور القرآن سوى براءة، فله أن يجمع بين الاستعاذة والبسملة وأول السورة، ويجوز له حينئذ أربعة أوجه:
1- قطع الجميع: أي فَصْلِ الاستعاذة عن البسملة عن أول السورة، بالوقف على كل منها، وهذا الوجه أفضلها.
2- قطع الأول ووصل الثاني بالثالث: أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة، وهو يلي الوجه الأول في الأفضلية.
3- وصل الأول بالثاني وقطع الثالث: أي وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها، وهو أفضل من الأخير.
4- وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة، أما إذا كان القارئ مبتدئًا بأول سورة براءة، فله فيها وجهان:
1- الوقف على الاستعاذة وفصلها عن أول السورة بدون بسملة.
2- وصل الاستعاذة بأول السورة بدون بسملة أيضًا.
أما إذا كان القارئ مبتدئًا تلاوتَه بآية من وسط سورة غير سورة براءة، فله
(1/48)
حالتان.
الأولى: أن يأتي بالبسملة، ويجوز له حينئذ الأوجه الأربعة التي ذكرناها في ابتداء أول كل سورة.
الثانية: أن يترك البسملة، ويجوز له حينئذ وجهان فقط.
1- الوقف على الاستعاذة وفصلها عن أول الآية الْمُبْتَدَأِ بها.
2- وصل الاستعاذة بالآية المبتدأ بها1.
أما إذا كان القارئ مبتدئًا بآية من وسط سورة براءة فقد اختلف فيه العلماء.
فذهب بعضهم إلى منع الإتيان بالبسملة في أثنائها كما منعت في أولها2 وعلى هذا يجوز للقارئ وجهان فقط:
1- الوقف على الاستعاذة.
2- وصلها بأول الآية الْمُبتدأ بها.
وذهب بعضهم إلى جواز الإتيان بالبسملة في إثناء براءة كجوازها في أثناء غيرها، وعلى هذا تجوز الأوجه الأربعة المذكورة آنفًا3.
ـــــــ
1 إلا إذا كانت الآية المبتدأ بها مبدوءة بلفظ الجلالة فالأولى عدم الصِّلَة لما في ذلك من البشاعة. ا. هـ "غيث النفع في القراءات السبع" ص22.
2 وهذا هو مذهب الإمام الجعبري وإليه يشير صاحب لآلئ البيان بقوله:
"وخُيِّرَ البَادي بأجزاءِ السُّور ... والجعبري في براءةٍ حَظَر
3 انظر: كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم" للشيخ محمود الحصري، ص325.
(1/49)
أوجهُ ما بينَ السورتينِ:
إذا وصل القارئ آخر سورة يقرؤها بالتي بعدها سوى سورة براءة، فله ثلاثة أوجه:
1- قطع الجميع: أي الوقف على آخر السورة وعلى البسملة.
(1/49)
2- قطع الأول ووصل الثاني بالثالث: أي الوقف على آخر السورة ووصل البسملة بأول السورة التالية.
3- وصل الجميع: أي وصل آخر السورة بالبسملة بأول السورة التالية.
أما الوجه الجائز عقلا وهو وصل آخر السورة بالبسملة والوقف عليها فهو ممتنع اتفاقًا؛ لأن البسملة جعلت لأوائل السور لا لأواخرها1.
وأما إذا وصل آخر سورة الأنفال، بأول سورة براءة، فيجوز له ثلاثة أوجه:
1- القطع: أي الوقف على آخر الأنفال مع التنفس.
2- السَّكْت: أي قطع الصوت لِمُدَّة يسيرة بدون تنفس.
3- الوصل: أي وصل آخر الأنفال بأول التوبة، وكل ذلك من غير الإتيان بالبسملة كما تقدم.
ـــــــ
1 وإلى هذا يشير الإمام الشاطبي بقوله:
ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
(1/50)
أسئلة:
1- ما معنى بَسْمَلَ؟
2- ما حكم البسملة في أول سور القرآن؟ وما حكمها في أجزاء السور؟
3- إذا كنت مبتدئًا بسورة غير سورة براءة، فكم وجهًا لك؟
4- كم وجهًا عند الابتداء بسورة براءة؟
5- اذكر الحالات الجائزة عند ابتداء القراءة من وسط السورة، وكم وجهًا لكل حالة؟
6- بَيِّن الأوجه الجائزة عند ابتداء القراءة من وسط سورة براءة.
7- ما الأوجه الجائزة بين كل سورتين؟
8- اذكر ما يجوز بين سورتي الأنفال وبراءة من الأوجه.
(1/50)
أحكام النون الساكنة والتنوين
مدخل
...
أحكامُ النُّونِ السَّاكنةِ والتنوينِ:
تعريف النون الساكنة:
هي النون الخالية من الحركة والثابتة لفظًا وخطًّا، وصلا ووقفًا، وتكون في الأسماء والأفعال والحروف، وتكون متوسطة ومتطرفة.
وتكون أصلية من بنية الكلمة مثل: أنعم، وتكون زائدة عن أصل الكلمة وبنيتها مثل: فانفلق، أصل الفعل: فَلَقَ على وزن فَعَلَ1.
تعريف التنوين:
هو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظًا ووصلا وتفارقه خطًّا ووقفًا وعلامته: فتحتان أو كسرتان أو ضمتان.
وحكمه حالة الوقف: تُبَدَّلُ الفتحتان ألفًا دائمًا إلا إذا كانتا على هاء تأنيث مثل: {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} بالإسراء فيوقف عليها بالهاء من غير تنوين، وأما الضمتان والكسرتان فيحذف التنوين فيهما. ويوقف عليهما بالسكون إلا في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ} حيث وقع فإنهم كتبوه بالنون2.
ولا يلتبس علينا وجود ميم الإقلاب مع أحد الحركات الثلاث؛ لأنها بمنزلة الحركة الثانية للتنوين.
الفرقُ بينَ النونِ الساكنةِ والتنوينِ:
والفرق بين النون الساكنة والتنوين يوجد في خمسة أمور تظهر بالتأمل في تعريفيهما، وهي:
1- النون الساكنة حرف أصلي من أحرف الهجاء، وقد تكون من الحروف الزوائد
ـــــــ
1 انظر: كتاب "أحكام القرآن" للشيخ الحصري، ص152.
2 انظر: النَّشْر، "ج: 2، ص162".
(1/51)
كما مَثَّلْنا آنفًا، أما التنوين فلا يكون إلا زائد عن بنية الكلمة.
2- النون الساكنة ثابتة في اللفظ والخط، أما التنوين فثابت في اللفظ دون الخط.
3- النون الساكنة ثابتة في الوصل والوقف، وأما التنوين فثابت في الوصل دون الوقف.
4- النون الساكنة توجد في الأسماء والأسماء والأفعال والحروف، أما التنوين فلا يوجد إلا في الأسماء فقط.
ويستثنى من ذلك: نون التوكيد الخفيفة التي لم تقع إلا في موضعين في القرآن وهما:
1- {وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} 1،
2- {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} 2، فإنها نون وليست تنوينًا؛ لاتصالها بالفعل، وإن كانت غير ثابتة خطًّا ووقفًا كالتنوين، فهي إذن نون ساكنة شبيهة بالتنوين3.
5- النون الساكنة تكون متوسطة ومتطرفة، أما التنوين فلا يكون إلا متطرفًا.
وللنون الساكنة والتنوين أربعة أحكام وهي:
1- الإظهار 2- الإدغام
3- الإقلاب 4- الإخفاء
وقد أشار الإمام ابن الجزري إلى هذه الأحكام بقوله:
وحكمُ تنوينٍ ونونٍ يلفى ... إظهار إدغام وقلب إخفا
وسيأتي الكلام على حكم كل منها تفصيلا.
ـــــــ
1 سورة يوسف، الآية: 32.
2 سورة العلق، الآية: 15.
3 من كتاب "العميد في علم التجويد" للشيخ محمود بسة، ص18.
(1/52)
أسئلة:
1- ما هي النون الساكنة؟
2- عرف التنوين، واذكر علامته، وبين حكم الوقف عليه.
3- وضِّح الفرق بين النون الساكنة والتنوين.
4- بَيِّن المواضع التي وردت فيها نون التوكيد الخفيفة في القرآن، ثم وضِّح هل يطلق عليها نون ساكنة أم تنوين؟ مع التعليل لما تقول.
5- اذكر كم عدد أحكام النون الساكنة والتنوين وما هي؟
(1/53)
الحكم الأول الإظهار الحلقي
مدخل
...
الحكم الأول: الإظهار الحلقي
تَعْرِيفُهُ:
الإظهارُ لغةً: البيان والإيضاح.
واصطلاحًا: إخراج الحرف الْمُظْهَر من مخرجه من غير غنة كاملة.
والمراد بالحرف المظهر: النون الساكنة والتنوين الواقعتان قبل أحرف الإظهار.
حُرُوفُهُ:
حروف الإظهار الحلقي ستة وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء وقد جمعها العلامة الْجَمْزُوري في قوله:
هَمْزٌ فهاءٌ ثمَّ عينٌ حاءُ ... مُهْمَلَتانِ ثم غينٌ خاءُ
فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الستة بعد النون الساكنة سواء في كلمة أو في كلمتين أو بعد التنوين -ولا يكون إلا من كلمتين- وجب الإظهار ويسمى إظهارًا حَلْقِيًّا.
وجهُ تسميتِهِ إظهارًا حلقيًّا:
أما تسميته إظهارًا فلظهور النون الساكنة والتنوين عند ملاقاة أحد هذه الحروف الستة. وأما تسميته حلقيًّا فلأن حروفه الستة تخرج من الحلق.
(1/54)
سَبَبُهُ:
وسبب إظهار النون الساكنة والتنوين عند ملاقاة أحد هذه الأحرف الستة، بُعْدُ الْمَخْرَجَين؛ لأن النون والتنوين يخرجان من طرف اللسان، والحروف الستة تخرج من الحلق، وليس بينهما تقارب أو تجانس يستوجب الإدغام أو الإخفاء فتعين الإظهار.
ـــــــ
1 سورة الأنعام: 26.
2 سورة الليل: 5.
3 سورة إبراهيم: 1.
4 سورة الأنعام: 26.
5 سورة الحشر: 9.
6 سورة التوبة: 109.
7 سورة النحل: 5.
8 سورة العلق: 2.
9 سورة المائدة: 54.
10 سورة الحجر: 82.
11 سورة المجادلة: 22.
12 سورة البقرة: 209.
13 سورة الإسراء: 51.
14 سورة الحاقة: 36.
15 سورة البقرة: 59.
16 سورة المائدة: 3.
17 سورة ق: 33.
18 سورة الحج: 63.
(1/55)
حَقِيقَتُهُ:
وحقيقة الإظهار أن تنطق النون الساكنة أو التنوين نطقًا واضحًا من غير غنة كاملة1 ثم تنطق بحرف الإظهار من غير فصل ولا سَكْت بينهما.
مَرَاتِبُهُ:
ومراتب الإظهار ثلاثة:
1- عليا، عند الهمزة والهاء.
2- وسطى، عند العين والحاء.
3- دنيا، عند الغين والخاء.
يقول الشيخ سليمان الجمزوري في متن التُّحْفَةِ:
للنونِ إنْ تَسْكُنْ وللتنوينِ ... أَرْبعُ أحكامٍ فخذْ تبْييني
فالأوَّلُ الإظهارُ قبلَ أحرفِ ... للحلقِ ستٌّ رُتِّبَتْ فلتَعْرِفِ
همزٌ فهاءٌ ثم عينٌ حاءُ ... مُهْمَلتانِ ثم غينٌ خاءُ
ـــــــ
1 أي: من غير غنة ظاهرة؛ لأن أصل الغنة هو الذي يبقى في النون الْمُظْهرة لأنها صفة لازمة لها، وسيأتي الكلام على مراتب الغنة مفصلا عند حكم النون والميم المشددتين.
(1/56)
أسئلة:
1- عرِّف الإظهار لغةً واصطلاحًا، واذكر حروفه.
2- ما المراد بالحرف المظهر؟
3- ما وجه تسميته إظهارًا حلقيًّا؟
4- ما سبب الإظهار الحلقي؟
5- بَيِّنْ حقيقةَ الإظهار، واذكر مراتبه.
6- مَثِّلْ لكل حرف من حروف الإظهار بمثالين أحدهما للنون والآخر للتنوين.
7- اقرأ من أول سورة الغاشية إلى قوله تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} ثم استخرج الكلمات التي فيها إظهار حلقي.
(1/56)
الحكم الثاني الإدغام
مدخل
...
الحكم الثاني: الإدغام
تعريفُهُ:
الإدغام لغةً: إدخال الشيء في الشيء، تقول: أدغمت اللِّجامَ في فم الفرس، أي أدخلته فيه.
واصطلاحًا: إدخال حرف ساكن في حرف متحرك بحيث يصيران حرفًا واحدًا مشددًا، وقد عرفه ابن الجزري بقوله: النطق بالحرفين حرفًا كالثاني مشددًا.
حروفُهُ:
وحروف الإدغام ستة، مجموعة في كلمة: يَرْمُلُون، وهي الياء والراء والميم واللام والواو والنون.
أقسامُهُ:
ينقسم الإدغام إلى قسمين:
1- إدغام بغنة، 2- إدغام بغير غنة.
أما الإدغام بغنة: فله أربعة أحرف مجموعة في كلمة: ينمو، وهي الياء والنون والميم والواو فإذا وقع حرف منها بعد النون الساكنة -بشرط أن تكون النون في آخر الكلمة الأولى وحرف الإدغام في أول الكلمة التالية- أو بعد التنوين -ولا يكون إلا من كلمتين- أو بعد نون ملحقة بالتنوين في قوله تعالى: {وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} 1 خاصة، وَجَبَ الإدغام مع الغنة إلا في موضعين وهما: {يس، وَالْقُرْآنِ} ، {ن والقَلَمِ} فالحكم فيها الإظهار على خلاف القاعدة مراعاة للرِّواية عن حفص، فالنون فيهما ملحقة بالإظهار المطلق الآتي ذكره.
ـــــــ
1 سورة يوسف: 32. وهي نون توكيد خفيفة اتصلت بالفعل المضارع.
(1/57)
أما إذا وقع حرف الإدغام بعد النون الساكنة في كلمة واحدة وجب الإظهار ويسمى إظهارًا مطلقًا لعدم تقييده بحلقي أو شفوي أو قمري، ولا يكون إلا عند الياء والواو، ولم يقعا في القرآن إلا في أربعة مواضع: {الدُّنْيَا} 1، {بُنْيَانٌ} 2، {صِنْوَانٌ} 3، {قِنْوَانٌ} 4، وسبب ظهور النون عندهم لئلا تلتبس بالمضاعف لو أدغمت، وكذا المحافظة على وضوح المعنى إذا لو أدغمت لصار خفيًّا.
وأما في {يس} ، {ن} فسبب الإظهار فيهما مراعاة للانفصال الحكمي؛ لأن النون فيهما وإن اتصلت بما بعدها لفظًا في حالة الوصل فهي منفصلة حكمًا، وذلك لأن كلا من "يس، ن"، اسم للسورة التي بدئت بها، والنون فيهما حرف هجاء لا حرف مبنى، وما كان كذلك فحقه الفصل عما بعده فيظهر في الوصل كظهوره في الوقف.
وأما {طسم} أول الشعراء والقصص فرواية حفص فيها: إدغام النون في الميم، وكان حقها الإظهار؛ لاجتماع النون والميم في كلمة واحدة، وقد قال بعض العلماء: وجه الإدغام في طسم هو مراعاة للاتصال اللَّفظي ليتأتى معه التخفيف بالإدغام، ولعدم صحة الوقف عليها؛ لأنها جزء كلمة، والوقف لا يكون إلا على تمام الكلمة5، والعبرة في ذلك كله بالرواية.
ـــــــ
1 سورة الملك: 5.
2 سورة الصف: 4.
3 سورة الرعد: 4.
4 سورة الأنعام: 99.
5 انظر: كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم" للشيخ الحصري، ص159.
(1/58)
نموذج من أمثلة الإدغام بغنة:
وأما الإدغام بغير غنة: فله حرفان وهما: اللام والراء، فإذا وقع حرف منهما بعد النون الساكنة من كلمتين أو بعد التنوين -ولا يكون إلا كذلك- وجب الإدغام بغير غنة إلا في نون {مَنْ رَاقٍ} 9 لما فيها من وجوب السَّكْت المانع من الإدغام.
ووجه حذف الغنة في هذا القسم المبالغة في التخفيف لما في بقائها من الثِّقَل.
نموذج من أمثلة الإدغام بغير غنة:
ـــــــ
1 سورة النساء: 13.
2 سورة الغاشية: 2.
3 سورة المائدة: 24.
4 سورة الإنسان: 2.
5 سورة الطارق: 7.
6 سورة البينة: 2.
7 سورة الرعد: 11.
8 سورة البلد: 3.
9 سورة القيامة: 27.
10 سورة الجن: 5.
11 سورة البلد: 6.
12 سورة النساء: 64.
13 سورة الحاقة: 21.
(1/59)
أنواع الإدغام من حيث الكمال أوالنقصان:
الإدغام نوعان:
1- إدغام كامل. 2- إدغام ناقص.
والإدغام الكامل:
هو ذَهَابُ ذَاتِ الحرف وصفته معًا، ويكون عند اللام والراء لكمال التشديد فيهما باتفاق العلماء، وَعَلَامَتُهُ: وضع الشَّدة على المدغم فيه.
والإدغام الناقص:
هو ذهاب ذات الحرف وإبقاء صفته وهي الغنة التي تكون مانعة من كمال التشديد؛ وذلك عند الحروف الأربعة الباقية حيث تشبه الإطباق في "أحطت".
وقيل: الإدغام الكامل يكون عند أربعة أحرف، وهي اللام والراء والنون والميم1، واحتج أصحاب هذا الرأي بأن الغنة الموجودة عند ملاقاة النون والميم ليست غنة النون الساكنة أو التنوين وإنما هي غنة النون والميم المدغم فيهما؛ لأن الغنة صفة ملازمة لهما.
وعلى هذا جرى العمل في ضبط المصاحف بوضع شدَّة على هذه الحروف الأربعة، وتَعْرِيَةِ الواو والياء منها، وقد اتفق العلماء على أن غنة الإدغام في الواو والياء هي غنة المدغم وهو النون الساكنة والتنوين، وغنة الإدغام في النون هي غنة المدغم فيه وأما في الميم فقد اختلفوا، فذهب بعضهم إلى أنها غنة المدغم، وذهب الجمهور إلى أنها غنة المدغم فيه، وهو الصحيح؛ لأن النون الساكنة والتنوين يقلبان ميماً عند إدغامهما في الميم.
أسبابُ الإدغامِ:
أما أسباب الإدغام عامة فثلاثة:
1- التماثل، 2- التجانس، 3- التقارب.
فالتماثل بالنسبة للنون، والتقارب بالنسبة لبقية الحروف الخمسة، هذا على مذهب الخليل بن أحمد الذي يعتبر المخارج سبعة عشر، وكذا مذهب سيبويه الذي يعتبر المخارج ستة عشر، أما على مذهب الفَرَّاء الذي يعتبر المخارج أربعة عشر فالتَّماثُل مع النون
ـــــــ
1 انظر: "العميد في علم التجويد" ص25، وانظر: "إتحاف فضلاء البشر" ص32 حيث قال: إن مقتضى كلام الجعبري أن الإدغام يكون كاملا إذا كانت الغنة للمدغم فيه لا للمدغم.
(1/60)
والتقارب مع الميم والياء والواو والتجانس مع اللام والراء حيث يعتبر اللام والنون والراء تخرج من مخرج واحد وهو طرف اللسان.
فائدةُ الإدغامِ:
أما فائدة الإدغام فهي: التخفيف؛ لأن المدغم والمدغم فيه ينطق بهما حرفًا واحدًا مشددًا.
تَتِمَّةٌ:
إن كان الحرفان متماثلين أدغم الأول في الثاني ولا زيادة على ذلك مثل: {مِنْ نِعْمَةٍ} 1 وإن كانا متقاربين أو متجانسين قُلِبَ الأول حرفًا مماثلا للثاني ثم أدغم فيه، كأن تقلب النون ميمًا ثم تدغم في الميم بعدها في مثل: {مِنْ مَاءٍ} 2، وكأن تقلب النون لامًا ثم تدغم في اللام بعدها في مثل: {مِنْ لَدُنْهُ} 3 وما قيل في النون يقال في التنوين4.
وإلى حكم الإدغام وأقسامه يشير الْجَمْزُوري في التُّحْفَة بقوله:
والثانِ إدغامٌ بستةٍ أَتَتْ ... في يَرْمُلُون عندهم قد ثَبَتَتْ
لكنَّها قِسْمَانِ قسمٌ يُدْغَمَا ... فيهِ بِغُنَّةٍ بِيَنمُو عُلِمَا
إلا إذا كَانَا بِكِلْمةٍ فلا ... تُدْغِمْ كدُنْيَا ثم صِنْوَانٍ تَلا
والثانِ إدغامٌ بغيرِ غُنَّةْ ... في اللَّام والرَّا ثُمَّ كَرِّرَنَّهْ
ـــــــ
1 سورة الليل: 19.
2 سورة الطارق: 6.
3 سورة الكهف: 2.
4 انظر: "أحكام قراءة القرآن الكريم" للشيخ محمود الحصري، ص157.
(1/61)
أسئلة:
1- عرِّف الإدغام لغةً واصطلاحًا ثم بَيِّنْ كم حرفًا له؟
2- اذكر أقسام الإدغام وحروف كل قسم.
3- ما شرط الإدغام؟ ومتى يتعين الإظهار المطلق؟ وفي كم كلمة وقع في القرآن؟ وما العلة في إظهار النون في كلماته؟ ولم سمي إظهارًا مطلقًا؟
4- بَيِّنْ الإدغام الكامل وحروفه، والإدغام الناقص وحروف موضحًا الخلاف الموجود، ثم بين على أي الآراء ضُبِطَ المصحف الشريف؟
5- اذكر أسباب الإدغام، ثم بَيِّنْ فائدته.
6- استخرج الإدغام بغنة والإدغام بغير غنة مما يأتي:
{مِنْ مَالِ اللَّهِ} 1، {أَنْ لَنْ يَقْدِر} 2، {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ} 3، {مِنْ نِعْمَةٍ} 4، {مِنْ رَبِّهِمْ} 5، {فَمَنْ يَعْمَلْ} 6، {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} 7، {مَنْ رَاقٍ} 8، {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} 9، {مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا} 10، {خَيْرٌ وَأَبْقَى} 11.
7- اقرأ من أول سورة البلد إلى قوله تعالى: {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} ثم استخرج الكلمات التي فيها إدغام وبين نوعه.
ـــــــ
1 سورة النور: 33.
2 سورة البلد: 5.
3 سورة الفجر: 23.
4 سورة الليل: 19.
5 سورة النجم: 23.
6 سورة الأنبياء: 94.
7 سورة البقرة: 2.
8 سورة الرعد: 34.
9 سورة النساء: 68.
10 سورة البقرة: 25.
11 سورة الأعلى: 17.
(1/62)
الحكم الثالث الإقلاب
مدخل
...
الحكم الثالث: الإقلاب
تعريفُهُ:
الإقلاب لغةً: تحويلُ الشيء عن وجهه، تقول: قلبت الشيء أي حوَّلْتَهُ عن وجهه.
واصطلاحًا: قلب النون الساكنة أو التنوين ميمًا مخفاة بغنة.
حَرْفُهُ:
الإقلاب له حرف واحد وهو: الباء، فإذا وقعت الباء بعد النون الساكنة سواء من كلمة أو من كلمتين، أو بعد التنوين -ولا يكون إلا من كلمتين- أو بعد نون ملحقة بالتنوين ولا توجد إلا في قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} 1 وَجَبَ الإقلاب، أي: قلب النون الساكنة أو التنوين ميمًا ثم إخفاء هذه الميم مع الغنة.
ولكي يتحقق الإقلاب فلا بد من ثلاثة أمور:
الأول: قلب النون الساكنة أو التنوين ميمًا خالصة لفظًا لا خطًّا.
الثاني: إخفاء هذه الميم عند الباء.
الثالث: إظهار الغنة مع الإخفاء، وهي صفة الميم المقلوبة لا صفة النون والتنوين وعلامتُهُ في الْمُصْحَف: وضع ميم قائمة هكذا "م " فوق النون أو التنوين للدِّلالة عليه.
ولْيُحْتَرَزْ عند التَّلفُّظ بالإقلاب من كَزِّ الشفتين على الميم المقلوبة بل يلزم تسكينها بتلطف من غير ثقل ولا تعسُّف2.
ـــــــ
1 سورة العلق: 15.
2 من "نهاية القول المفيد" بتصرف، ص24.
(1/63)
نموذج من الأمثلة:
وَجْهُ الإِقْلابِ:
النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما لحرف الباء يتعذر الإظهار والإدغام؛ لثقل في النطق، وذلك لما بين النون والتنوين وبين الباء من اختلاف في المخرج، كما يصعب الإخفاء؛ لأن فيه بعض الثقل أيضًا؛ لما بين المخرجين من عدم التناسب، فتُوصِّل إليه بقلب النون أو التنوين ميمًا؛ ليسهل الإخفاء؛ وذلك لمشاركتها للباء في المخرج وفي صفات الجهر والاستفال والانفتاح والإذلاق، ومشاركتها للنون في الغنة والجهر والتوسط والاستفال والانفتاح والإذلاق أي في جميع الصفات.
وإلى حكم الإقلاب يشير الشيخ الجمزوري بقوله:
والثَّالثُ الإقلابُ عند الباءِ ... ميمًا بِغُنَّةٍ مع الإخفاءِ
ـــــــ
1 سورة البقرة: 31.
2 سورة الليل: 8.
3 سورة الحج: 61.
(1/64)
أسئلة:
1- عرِّف الإقلاب لغةً واصطلاحًا، واذكر حرفه.
2- ما المراد بالحرف المنقلب؟
3- ما وجه الإقلاب؟
4- لم قلبت النون والتنوين ميمًا دون سائر الحروف؟
مَثِّلْ للإقلاب بثلاثة أمثلة: أحدها للنون من كلمة، والثاني للنون من كلمتين، والثالث للتنوين.
6- استخرج حكم الإقلاب من الآيات الآتية:
قال الله تعالى:
1- {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 1.
2- {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} 2.
3- {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} 3.
ـــــــ
1 سورة المرسلات، الآية: 43.
2 سورة الليل، الآية: 8.
3 سورة الهمزة، الآية: 4.
(1/65)
الحكم الرابع الإخفاء
مدخل
...
الحكم الرابع: الإخفاء
تعريفُهُ:
الإخفاء لغةً: السِّتر، يقال: أخفيت الكتاب أي سترته عن الأعين.
واصطلاحًا: النطق بالحرف بصفة بين الإظهار والإدغام عاريًا عن التشديد مع بقاء الغنة.
حروفُهُ:
حروف الإخفاء خمسة عشر حرفًا وهي الباقية من أحرف الهجاء بعد أحرف الإظهار والإدغام والإقلاب وقد جمعها الشيخ الجمزوري في أوائل هذا البيت:
صِفْ ذا ثَنَا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَمَا ... دُمْ طَيِّبًا زِدْ في تُقًي ضَعْ ظَالِمًا
فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الخمسة عشر بعد النون الساكنة من كلمة أو من كلمتين أو بعد التنوين وجب الإخفاء، ويسمى إخفاء حقيقيًّا؛ لتحقق الإخفاء فيهما أكثر من غيرهما، ولاتفاق العلماء على تسميته كذلك1.
سببُهُ:
اعلم أن سبب الإخفاء هو أن النون الساكنة والتنوين لم يقرب مخرجهما من مخرج الحروف المذكورة كقربه من مخرج حروف الإدغام فيدغما، ولم يبعد مخرجهما عن مخرج هذه الأحرف كبعده عن مخرج حروف الإظهار فيظهرا، فلما عُدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب للإظهار أُعْطِيَا حكمًا متوسطًا بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء، وليعلم أنه لا عمل للسان حالة الإخفاء؛ لأن النون والتنوين يخرجان حينئذٍ من الخيشوم كما سيأتي.
ـــــــ
1 انظر: "العميد في علم التجويد" ص40.
(1/66)
كيفيتُهُ:
وكيفية الإخفاء أن ينطق بالنون الساكنة والتنوين غير مظهرين إظهارًا محضًا، ولا مدغمين إدغامًا محضًا بل بحالة متوسطة بين الإظهار والإدغام، عاريين عن التشديد مع بقاء الغنة فيهما1.
وليحترز من إلصاق اللسان فوق الثنايا العليا عند إخفاء النون، وطريق2 الخلاص من ذلك هو بُعْدُ اللسان قليلا عن الثنايا العليا عند النطق بالإخفاء.
والفرقُ بينَ الإخفاء والإدغامِ:
أولا: أن الإخفاء لا تشديد معه مطلقًا بخلاف الإدغام ففيه تشديد.
ثانيًا: أن إخفاء الحرف يكون عند غيره وأما إدغامه فيكون في غيره.
ثالثًا: أن الإخفاء يأتي من كلمة ومن كلمتين، وأما الإدغام فلا يكون إلا من كلمتين كما سبق.
مراتبُهُ:
اعلم أن حروف الإخفاء على ثلاث مراتب، والإخفاء على ثلاث مراتب أيضًا3. أما مراتب حروف الإخفاء فهي:
1- أقربها مخرجًا إلى النون ثلاثة أحرف وهي: الطاء والدال والتاء.
2- أبعدها مخرجًا من النون حرفان وهما: القاف والكاف.
3- أوسطها عند الأحرف العشرة الباقية فهي متوسطة في القرب والبعد
ـــــــ
1 من كتاب "أحكام القرآن الكريم" ص168.
2 من كتاب "إتحاف فضلاء البشر" ص33، بتصرف.
3 من كتاب "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص125.
(1/67)
وأما مراتب الإخفاء فهي ثلاثة أيضًا:
1- أعلاها عند الطاء والدال والتاء؛ لقرب مخرج النون من مخرج هذه الحروف فيكون الإخفاء قريبًا من الإدغام.
2- أدناها عند القاف والكاف؛ لبعد مخرج النون عن مخرج هذين الحرفين فيكون الإخفاء قريبًا من الإظهار.
3- أوسطها عند الأحرف العشرة الباقية؛ لعدم قربها منها جدًّا، ولا بعدها عنها جدًّا فيكون الإخفاء متوسطًا بينهما.
نموذج من الأمثلة:
ـــــــ
1 سورة آل عمران: 160.
2 سورة الحجر: 26.
3 سورة القمر: 19.
4 سورة الرعد: 7.
5 سورة البقرة: 255.
6 سورة ق: 44.
7 سورة الإنسان: 19.
8 سورة القارعة: 6.
9 سورة التكوير: 21.
10 سورة الأعراف: 135.
11 سورة البقرة: 184.
12 سورة الانفطار: 11.
13 سورة طه: 80.
14 سورة الحجرات: 6.
15 سورة يوسف: 18.
16 سورة عبس: 22.
17 سورة يوسف: 99.
18 سورة المزمل: 15.
19 سورة الشعراء: 227.
20 سورة البقرة: 191.
21 سورة البينة: 3.
22 سورة البقرة: 106.
23 سورة المؤمنون: 12.
24 سورة التحريم: 5.
(1/68)
وإلى حكم الإخفاء يشير الشيخ الجمزوري في التُّحْفَة بقوله:
والرَّابعُ الإخفاءُ عند الفَاضِلِ ... منَ الحروفِ واجِبٌ للفاضِلِ
في خمسةٍ من بَعْدِ عَشْرٍ رَمْزُهَا ... في كِلْمِ هذا البيتِ قدْ ضَمَّنْتُها
صِفْ ذا ثَنَا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قدْ سَما ... دُمْ طيِّبًا زِدْ في تُقًى ضَعْ ظَالِما
ـــــــ
1 سورة البقرة: 22.
2 سورة آل عمران: 97.
3 سورة الأنعام: 99.
4 سورة الأنبياء: 63.
5 سورة البقرة: 172.
6 سورة الإنسان: 21.
7 سورة الدُّخَان: 3.
8 سورة الشمس: 9.
9 سورة الكهف: 40.
10 سورة النساء: 71.
11 سورة يُوسُف: 38.
12 سورة مريم: 27.
13 سورة المائدة: 91.
14 سورة آل عمران: 120.
15 سورة النَّحل: 14.
16 سورة الواقعة: 29.
17 سورة الغاشية: 6.
18 سورة المؤمنون: 106.
19 سورة النمل: 14.
20 سورة الكهف: 87.
21 سورة سبأ: 18.
(1/69)
كما أشار الشيخ إبراهيم على شحاتة صاحب كتاب "لآلئ البيان"1 إلى الأحكام الأربعة بقوله:
عند حروف الحلق أظهرنهما ... وعند يرملون أدغمنهما
من كلمتين مع غن دون رل ... ون مع يس بالإظهار حل
وعند باء ميما اقلبنهما ... وعند باقيهن أخفينهما
وقارب الإظهار عند أولى ... كم قر والإدغام دومًا تلوطى
ووسط صدق سما زاه ثنا ... ظل جليلا ضف شريفًا ذا فنًّا
ـــــــ
1 كتاب "لآلئ البيان في تجويد القرآن" وهو من تأليف شيخي وأستاذي الذي درست عليه علم التجويد في معهد القراءات بالأزهر الشريف، فضيلة الشيخ إبراهيم علي شحاتة السمنودي -حفظه الله- ولقد كان ولا يزال من كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان والعرفان في علم التجويد والقراءات، وله مؤلفات عديدة منها المطبوع:
أ- لآلئ البيان في تجويد القرآن.
ب- ملخص لآلئ البيان السابق ذكره.
ج- حلُّ العسير من أوجهِ التَّكْبيرِ.
د- اشترك في كتاب "تنقيح فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم" مع شيوخنا الأفاضل: الشيخ عبد العزيز الزَّيَّات، والشيخ عامر السيد عثمان، وأما الكتب المحفوظة فهي كثيرة، أرجو من الله أن يوفقه إلى طبعها حتى يعمَّ بها النفع وقد بارك الله لشيخي الجليل في عمره فهو لا يزال على قيد الحياة أرجو من الله الكريم أن يمتعه بكامل الصحة والعافية وأن ينفع به المسلمين، إنه نعم المولى ونعم النصير.
(1/70)
أسئلة:
1- عرِّف الإخفاء الحقيقي لغة واصطلاحًا، واذكر حروفه.
2- ما المراد بالحرف الْمُخْفَى؟ ولم سمِّي إخفاء حقيقيًّا؟
3- اذكر سبب الإخفاء، وكيفيته.
4- ما الفرق بين الإخفاء والإدغام؟
5- بين مراتب حروف الإخفاء، وكذا مراتب الإخفاء نفسه.
6- مَثِّلْ للإخفاء الحقيقي بستة أمثلة: اثنين للنون من كلمة، واثنين للنون من كلمتين، واثنين للتنوين.
7- اقرأ السور الآتية وبَيِّنْ أمثلة الإخفاء الحقيقي فيها: الشرح، العلق، الزلزلة.
(1/70)
حكم النون والميم المشددتين
مدخل
...
حكمُ النونِ والميمِ المشدَّدَتين:
الحرف المشدد أصله مكون من حرفين: الأول منهما ساكن والثاني متحرك فيدغم الحرف الساكن في الحرف المتحرك بحيث يصيران حرفًا واحدًا كالثاني مشددًا.
والنون والميم المشددتان إما أن يكونا متوسطتين أو متطرفتين، وإما أن يكونا في اسم أو فعل أو حرف.
نموذج من الأمثلة:
فإذا وقعت النون والميم مشددتين، وجب إظهار الغنة فيهما حال النطق بهما وهذا هو حكمهما ويسمى كل منهما حرف غنة مشددًا، أو حرفًا أَغَن مشددًا.
ـــــــ
1 سورة النساء: 120.
2 سورة الكوثر: 3.
3 سورة الأنبياء: 92.
4 سورة التكاثر: 4.
(1/71)
الغنة:
تعريفُ الْغُنَّةِ:
الغنة لغة: صوت له رنين في الخيشوم.
واصطلاحًا: صوت لذيذ مركب في جسم النون والميم لا عمل للسان فيه.
(1/71)
قيل: إنه شبيهٌ بصوت الغزالة إذا ضاع ولدها1.
مَخْرَجُهَا: الغنة تخرج من الخيشوم وهو أعلى الأنف وأقصاه من الداخل.
مِقْدَارُهَا: مقدار الغنة حركتان بحركة الأُصبع قبضًا أو بسطًا.
كيفيةُ النُّطقِ بِهَا: هي تابعة لما بعدها تفخيمًا وترقيقًا فإن كان ما بعدها حرف استعلاء فُخِّمت مثل: {يَنْطِقُونَ} 2 وإن كان ما بعدها حرف استفال رُقِّقَت مثل: {مَا نَنْسَخْ} 3.
وقد أشار صاحب "لآلئ البيان" إلى كيفية النطق بها فقال:
....................... وتتبع الألف ... ما قبلها والعكس في الغن ألف
مَرَاتِبُهَا: مراتب الغنة خمسة على المشهور:
1- أكملها في المشدد والمدغم كامل التشديد.
2- ثم المدغم ناقص التشديد.
3- ثم الْمُخْفى ويدخل فيه الإقلاب.
4- ثم الساكن المظهر.
5- ثم المتحرك.
والواقع أنها لا تظهر إلا في المراتب الثلاث الأُوَل وهي: المشدد والمدغم والمخفى، حيث تبلغ درجة الكمال فيهم، أما في حالتي الساكن المظهر والمتحرك فالثابت فيها أصلها لا كمالها.
وليعلم أن المراد بالمدغم كامل التشديد هو ما وضع على المدغم فيه شدة.
والغنة في حالة الكمال توجد فيما يأتي:
1- النون الساكنة والتنوين في حالات: الإدغام بغنة، والإقلاب، والإخفاء.
2- النون والميم المشددتين.
3- الميم الساكنة في حالتي: الإخفاء، الإدغام.
وقد يَسْأل سائل كيف تثبت الغنة في الساكن المظهر والمتحرك؟
ـــــــ
1 من كتاب "نهاية القول المفيد" ص59.
2 سورة الأنبياء: 63.
3 سورة البقرة: 106.
(1/72)
والجواب: أنهم استدلوا على ثبوت الغنة في الساكن المظهر والمتحرك حيث يتعذر النطق بالنون والميم المظهرتين أو المحركتين إذا انسد مخرج الغنة وهو الخيشوم1.
وقد أشار صاحب التُّحْفَة إلى حكم الغنة بقوله:
وغُنَّ ميمًا ثم نونًا شُدِّدا ... وسمِّ كلا حرف غنةٍ بدا
كما أشار صاحب "لآلئ البيان" إلى حكم الغنة ومراتبها بقوله:
وغن في نون وميم باديا ... إن شددا فأُدغما فأُخفيا
فأُظهِرا فحُركا وقُدِّرتْ ... بألف لا فيهما كما ثبتْ
ـــــــ
1 انظر: كتاب "العميد في علم التجويد" ص4.
(1/73)
أسئلة:
1- ما حكم النون والميم المشددتين؟ وبم يسمى كل منهما؟
2- ما هي الغنة لغةً واصطلاحًا؟ وما مخرجها؟ وما مقدارها؟ وما كيفية أدائها؟
3- ما مراتب الغنة؟ وفي أي هذه المراتب تبلغ درجة الكمال؟
4- أين توجد الغنة في حالة كمالها؟
5- بم استدلوا على ثبوت الغنة في الساكن المظهر والمتحرك؟
6- استخرج النون والميم المشددتين من الآيات الآتية:
قال تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 1، {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ} 2، {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} 3، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} 4، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 5.
ـــــــ
1 سورة الطارق: 4.
2 سورة التكاثر: 8.
3 سورة الهمزة: 3.
4 سورة القارعة: 8، 9.
5 سورة الكوثر: 1.
(1/73)
أحكام الميم الساكنة
مدخل
...
أحكامُ الميمِ السَّاكنةِ:
الميم الساكنة هي التي لا حركة لها، وهي تقع قبل أحرف الهجاء جميعها ما عدا حروف المد الثلاثة؛ وذلك خشية التقاء الساكنين وهو ما لا يمكن النطق به.
ولها قبل أحرف الهجاء ثلاثة أحكام:
1- الإخفاء، 2- الإدغام، 3- الإظهار.
وقد تقدم تعريف كل من الثلاثة عند ذكر أحكام النون الساكنة والتنوين.
(1/74)
الحكم الأول: الإخفاء الشفوي
وله حرف واحد وهو "الباء" فإذا وقعت بعد الميم الساكنة -ولا يكون ذلك إلا في كلمتين- جَازَ الإخفاء ويسمى إخفاء شفويًّا ولا بد معه من الغنة.
نموذج من الأمثلة:
ـــــــ
1 سورة آل عمران: 101.
2 سورة الأعراف: 45.
3 سورة الملك: 12.
(1/74)
وجهُ تسميتِهِ بالإخفاءِ الشفويِّ:
أما تسميته إخفاء؛ فلإخفاء الميم الساكنة عند ملاقاتها للباء؛ للتجانس الذي بينهما حيث يتحِدَان في المخرج ويشتركان في أغلب الصفات. والإخفاء في هذه الحالة يؤدي إلى سهولة النطق.
وأما تسميته شفويًّا؛ فلأن الميم والباء يخرجان من الشفتين، وهذا الحكم على القول المختار لأهل الأداء، وذهب جماعة إلى الإظهار، ولكنه خلاف الأولى وذلك للإجماع على إخفائها عند القلب.
تَنْبِيهٌ:
قال في نهاية القول المفيد: اعلم أن الإخفاء على قسمين: إخفاء حركة، وإخفاء حرف1.
فإخفاء الحركة بمعنى تبعيضها كما في قوله تعالى: {لا تَأْمَنَّا} بسورة يُوسُف. حيث يروى فيها عن الإمام حفص روايتان: الأُولى الرَّومُ: وهو الإتيان بثلثي الحركة، والثانية الإشْمَامُ: وهو ضم الشفتين بعد إسكان الحرف، والإشارة هنا إلى الرواية الأولى، وهي الروم الذي يعبر عنه بعضهم بالاختلاس.
وأما إخفاءُ الحرفِ فعلى نوعينِ:
أحدهما: تبعيض الحرف وستر ذاته في الجملة كما في الميم الساكنة قبل الباء أصليةً أو مقلوبةً عن النون الساكنة أو التنوين.
ثانيهما: إعدام ذات الحرف بالكلية وإبقاء صفته التي هي الغنة، وذلك في إخفاء النون الساكنة والتنوين عند الحروف الخمسة عشر المتقدمة. انتهى.
ـــــــ
1 انظر: "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص127، بتصرف.
(1/75)
الحكم الثاني: إدغام المتماثلين الصغير
وله حرف واحد وهو "الميم" فإذا وقعت الميم المتحركة بعد الميم الساكنة وجب الإدغام ويسمى إدغام متماثلين صغيرًا، ولا بد معه من الغنة أيضًا.
نموذج من الأمثلة:
وجهُ تسميتِهِ إدغام متماثلين صغيرًا:
أما تسميته إدغامًا فلإدغام الميم الساكنة في الميم المتحركة.
وأما تسميته بالمتماثلين فلكونه مؤلفًا من حرفين متحدين في المخرج والصفة أدغم الأول في الثاني منهما.
وأما تسميته بالصغير4؛ فلأن الأول منهما ساكن، والثاني متحرك، وهذا هو سبب الإدغام.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 91.
2 سورة النحل: 57.
3 سورة التوبة: 109.
4 الإدغام الصغير لا يحتاج إلا إلى عمل واحد وهو إدخال الحرف الساكن في الحرف المتحرك بحيث يصيران حرفًا واحدًا، أما الإدغام الكبير وهو خاص بالحرفين المتحركين في رواية السوسي عن الإمام أبي عمرو، وهو في المتماثلين يحتاج إلى عملين: إسكان الحرف الأول ثم إدغامه في الثاني نحو: "سلككم" في المدثر، وأما في المتقاربين والمتجانسين فيحتاج إلى أعمال ثلاثة: قلب الحرف الأول من جنس الثاني ثم إسكانه فإدغامه نحو: {النُّفُوسِ زُوّجَتْ} بالتكوير.
(1/76)
الحكم الثالث: الإظهار الشفوي
وله الستة والعشرون حرفًا الباقية من أحرف الهجاء بعد إسقاط الباء والميم من الحروف الثمانية والعشرين التي تقع بعد الميم الساكنة، فإذا وقع حرف منها بعد الميم الساكنة في كلمة أو في كلمتين وجب الإظهار ويسمى إظهارًا شفويًّا.
وجهُ تسميتِهِ بالإظهارِ الشفويِّ:
أما تسميته إظهارًا فلإظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها للحروف الستة والعشرين.
وأما تسميته شفويًّا؛ فلأن الميم الساكنة وهي الحرف المظهر تخرج من الشَّفَتين، وإنما نسب الإظهار إليها ولم ينسب إلى مخرج الحروف الستة والعشرين التي تظهر الميم عندها؛ لأنها لم تنحصر في مخرج معين حتى ينسب الإظهار إليه فبعضها يخرج من الحلق، وبعضها من اللسان، وبعضها من الشَّفَتين، ومن أجل هذا نسب إلى مخرج الحرف المظهر لضبطه وانحصاره.
وهذا بخلاف الإظهار الحلقي فإنه نسب إلى مخرج الحروف التي تظهر عندها النون والتنوين؛ نظرًا لانحصارها في مخرج معين وهو الحلق1.
سببُ الإظهارِ الشفويِّ:
سبب إظهار الميم عند ملاقاتها للستة والعشرين حرفًا هو بُعْدُ مخرج الميم عن مخرج أكثر هذه الأحرف.
ويلاحظ عند وقوع الواو أو الفاء بعد الميم الساكنة وجوب إظهار الميم إظهارًا شفويًّا شديدًا حتى لا يتوهم إخفاؤها عندهما كما تخفى عند الباء، وذلك لاتحاد مخرجها مع الواو وقرب مخرجها من الفاء.
ـــــــ
1 من كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم" للحصري، ص183، بتصرف.
(1/77)
وإلى ذلك يحذر الشيخ الجمزوري في التُحْفَة بقوله:
واحْذَرْ لَدَى وَاوٍ وفَا أنْ تَخْتَفي ... لِقُرْبِها والاتِّحادِ فاعْرِفِ
وحروف الإظهار الشفوي على قسمين:
1- قسم يقع بعد الميم من كلمتين فقط.
2- قسم يقع بعدها من كلمة ومن كلمتين1.
أمثلة القسم الأول:
وعدد حروفه ثمانية وهي:
ـــــــ
1 انظر: كتاب "العميد في علم التجويد" ص44.
2 سورة نوح: 12.
3 سورة آل عمران: 110.
4 سورة الطور: 21.
5 سورة البقرة: 23.
6 سورة البقرة: 51.
7 سورة المعارج: 30.
8 سورة الملك: 24.
9 سورة النمل: 60.
(1/78)
أمثلة القسم الثاني:
وعدد حروفه ثمانية عشر حرفًا وهي:
ـــــــ
1 سورة النور: 39.
2 سورة يس: 60.
3 سورة الحِجْر: 63.
4 سورة البقرة: 184.
5 سورة محمد: 38.
6 سورة هود: 65.
7 سورة البقرة: 276.
8 سورة البقرة: 214.
9 سورة الإسراء: 6.
10 سورة الكافرون: 6.
11 سورة البقرة: 275.
12 سورة مريم: 62.
13 سورة آل عمران: 41.
14 سورة التوبة: 124.
15 سورة طه: 108.
16 سورة النبأ: 9.
17 سورة الإنسان: 2.
18 سورة مريم: 89.
19 سورة الحجر: 65.
20 سورة طه: 92.
21 سورة سبأ: 16.
22 سورة طه: 77.
23 سورة محمد: 15.
24 سورة الإسراء: 5.
25 سورة الرعد: 17.
26 سورة سبأ: 19.
27 سورة القلم: 45.
28 سورة الطور: 24.
29 سورة القيامة: 37.
30 سورة الأعراف: 97.
31 سورة الروم: 44.
32 سورة الطور: 35.
33 سورة الصف: 11.
34 سورة الأنعام: 157.
35 سورة البقرة: 18.
36 سورة الأعراف: 174.
(1/79)
وإلى هذه الأحكام الثلاثة يشير صاحب التُّحفة بقوله:
والْمِيمُ إن تَسْكُنْ تَجي قبل الهِجَا ... لا أَلِفٍ لَيِّنَةٍ لِذي الحِجَا
أحكامُهَا ثلاثةٌ لمنْ ضَبَطْ ... إخفاءٌ ادغامٌ وإظهارٌ فَقَطْ
فالأوَّلُ الإخفَاءُ عند البَاءِ ... وسمِّهِ الشَّفْويَّ للقُرَّاءِ
والثانِ إِدغامٌ بمثلِهَا أَتى ... وسَمِّ إدغامًا صغيرًا يا فَتى
والثَّالثُ الإظهارُ في البقيَّةْ ... من أحْرفٍ وسمِّها شَفْويَّةْ
واحذر لدى واوٍ وفا أن تختفِي ... لقربها والاتحادِ فاعرِفِ
كما يشير إليها صاحب "لآلئ البيان" بقوله:
وأخفِ أحرى عند با وأدغما ... في الميمِ والإظهارُ مع سواهما
(1/80)
نموذج من الأسئلة:
1- ما هي الميم الساكنة؟ وما أحكامها؟
2- ما هي الحروف التي لا تقع بعد الميم الساكنة؟ ولماذا؟
3- كم حرفًا للإخفاء الشفوي؟ ولم سمي إخفاء شفويًّا؟ ثم مَثِّلْ له بمثالين.
4- كم حرفًا لإدغام المتماثلين الصغير؟ ولم سمي كذلك؟ ثم مَثِّلْ له بمثالين.
5- كم حروف الإظهار الشفوي؟ وما وجه تسميته إظهارًا شفويًّا؟ وما سببه؟
ثم مَثِّلْ له بأربعة أمثلة.
6- ممَّ حذر صاحب التُّحفة عند وقوع الواو والفاء بعد الميم الساكنة؟ وما حكمها عندهما؟
7- اذكر حكم الميم الساكنة فيما يأتي:
{وَهُمْ سَالِمُونَ} 1، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} 2، {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} 3، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} 4، {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} 5، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ} 6، {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} 7، {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 8، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} 9، {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ} 10، {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 11، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 12
8- اقرأ سورة المعارج، واستخرج منها أحكام الميم الساكنة.
ـــــــ
1 سورة القلم: 43.
2 سورة البقرة: 150.
3 سورة البقرة: 273.
4 سورة البقرة: 187.
5 سورة غافر: 16.
6 سورة البقرة: 151.
7 سورة البقرة: 151.
8 سورة البقرة: 25.
9 سورة البقرة: 249.
10 سورة البقرة: 15.
11 سورة المائدة: 48.
12 سورة الفاتحة: 7.
(1/81)
حكم اللامات السواكن
مدخل
...
حكمُ اللاماتِ السَّواكنِ:
اللامات السواكن تنحصر في خمسة أنواع وهي:
1- لام التعريف أي: لام "أل".
2- لام الفعل.
3- لام الحرف.
4- لام الاسم.
5- لام الأمر.
وفيما يلي أحكام كل منها بالتفصيل:
(1/82)
أولا: حكم لام "أل":
وهي اللام المعروفة بلام التعريف الدَّاخلة على الأسماء، وتكون زائدة عن بنية الكلمة دائمًا سواء أمكن استقامة الكلمة بدونها مثل: {الْأَرْضِ} 1 أم لم يمكن مثل: {الَّذِينَ} 2 فزيادة "أل" في مثلها لازمة بمعنى أنه لا يمكن أن تفارق الكلمة التي فيها، وهذا النوع حكمه وجوب الإدغام إذا أتى بعدها لام مثل: {الَّذِي} 3، {الَّتِي} 4، {وَالَّذَانِ} 5، {الَّذَيْنِ} 6، {الَّذِينَ} 7، {اللَّائِي} 8، {اللَّاتِي} 9، ووجوب الإظهار إذا أتي بعدها ياء أو همز في {وَالْيَسَعَ} 10، {الْآنَ} 11، وهي في ذلك كله لا تفارق الكلمة12.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 22.
2 سورة البقرة: 25.
3 سورة البقرة: 120.
4 سورة يوسُف: 23.
5 سورة النساء: 16.
6 سورة فصلت: 29.
7 تقدمت.
8 سورة المجادلة: 2.
9 سورة يوسُف: 50.
10 سورة الأنعام: 86.
11 سورة يوسف: 51.
12 من كتاب "الجديد في أحكام التجويد" "ج: 2، ص14" بتصرف.
(1/82)
أما "أل" التي يمكن استقامة الكلمة بدونها فلها قبل أحرف الهجاء حالتان:
1- حالة الإظهار. 2- حالة الإدغام.
أما حالة الإظهار:
فتسمى "أل" فيها باللام القمرية وتختص بأربعة عشر حرفًا مجموعة في قول الشيخ الجمزوري: "ابْغِ حَجَّكَ وّخَفْ عَقِيمَهُ"، وهي:
الهمزة والباء والغين والحاء والجيم والكاف والواو والخاء والفاء والعين والقاف والياء والميم والهاء.
فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة عشر بعد لام "أل" وجب إظهارها ويسمى إظهارًا قمريًا، وتسمى اللام باللام القمرية وعلامة ذلك ظهور السكون على اللام.
ووجه تسميته بالإظهار القمري: فعلى طريقة التشبيه؛ حيث شبهت اللام بالنَّجم والحروف الأربعة عشر بالقمر بجامع ظهوركل مع الآخر وعدم خفائه معه1.
وسبب إظهار اللام مع هذه الحروف هو التباعد بين مخرج اللام ومخرج هذه الحروف الأربعة عشر.
ـــــــ
1 انظر: "العميد في علم التجويد" ص51.
(1/83)
نموذج من الأمثلة:
وأما حالة الإدغام:
فتسمى "أل" فيها باللام الشمسية، وهي تختص بالأربعة عشر حرفا الباقية من أحرف الهجاء - وقد جمعها صاحب التحفة في أوائل كلم هذا البيت:
طِبْ ثم صِلْ رَحِماً تفُزْ ضِفْ ذَا نِعَمْ ... دعْ سوءَ ظّنٍ زُرْ شريفاً للكرمْ
وهي الطاء والثاء والصاد والراء والتاء والضاد والذال والنون والدال والسين و الظاء والزاي والشين واللام.
ـــــــ
1 سورة الحجرات: 14.
2 سورة الإسراء: 1.
3 سورة المعارج: 14.
4 سورة الحاقة: 1.
5 سورة القلم: 17.
6 سورة البقرة: 2.
7 سورة البروج: 14.
8 سورة التحريم: 3.
9 سورة الفجر: 1.
10 سورة البقرة: 255.
11 سورة القمر: 1.
12 سورة المائدة: 3.
13 سورة الحشر: 24.
14 سورة آل عمران: 73.
(1/84)
فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة عشر بعد لام "أل" وجب إدغامها ويسمى إدغامًا شمسيًّا وتسمى اللام باللام الشمسية وعلامة ذلك خلو اللام من السكون ووضع شدة على الحرف الذي بعدها.
ووجه تسميته بالإدغام الشمسي: فعلى طريقة التشبيه حيث شبهت اللام بالنجم والحروف الأربعة عشر بالشمس بجامع خفاء كل عند الآخر وعدم ظهوره معه1.
وسبب إدغام اللام في هذه الحروف هو التماثل مع اللام والتقارب مع باقي الحروف.
نموذج من الأمثلة:
ـــــــ
1 من كتاب "العميد في علم التجويد"، ص53.
2 سورة الأعراف: 157.
3 سورة البقرة: 22.
4 سورة البقرة: 238.
5 سورة الرحمن: 1.
6 سورة التوبة: 112.
7 سورة الضحى: 1.
8 سورة الأحزاب: 35.
9 سورة الملك: 15.
10 سورة الإنسان: 1.
11 سورة الحشر: 23.
12 سورة الفتح: 6.
13 سورة التين: 1.
14 سورة الشمس: 1.
15 سورة البقرة: 7.
(1/85)
فَائدةٌ :
لقد جاء ضمن الأمثلة السابقة لفظ الجلالة: "الله"، وتصريفه كالآتي:
الأصل فيه "إله" دخلت عليه أل فصار: الإله، ثم حذفت الهمزة الثانية للتخفيف فصار "ال- له" ثم أدغمت لام "أل" في اللام الثانية للتماثل فصار: الله، ثم فخِّمت اللام للتعظيم بعد الفتح والضم دون الكسر لمناسبته للترقيق فصار: "الله"1.
ـــــــ
1 من كتاب "العميد في علم التجويد" ص53.
(1/86)
ثانيًا: حكم لام الفعل
وهي اللام الساكنة الواقعة في فعل سواء كان ماضيًا أو مضارعًا أو أمرًا، وفي كل إما متوسطة أو متطرفة، فالماضي مثل: {الْتَقَى} 1، {أَنْزَلْنَاهُ} 2، والمضارع مثل: {يَلْتَقِطْهُ} 3، {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} 4، والأمر مثل: {وَأَلْقِ} 5، {وَتَوَكَّلْ} 6.
ولها قبل أحرف الهجاء حالتان:
1- حالة إدغام. 2- حالة إظهار.
أما حالة الإدغام: فتدغم لام الفعل مطلقًا إذا وقع بعدها لامٌ أو راءٌ مثل: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ} 7، {وَقُلْ رَبِّ} 8، {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} 9.
وسبب الإدغام التماثل بالنسبة إلى اللام، والتقارب بالنسبة إلى الراء.
وأما حالة الإظهار: فتظهر لام الفعل مطلقًا إذا وقع بعدها حرف من الحروف الستة والعشرين حرفًا الباقية كالأمثلة التي تقدمت.
وقد يسأل سائل لِمَ لَمْ تدغم لام الفعل في النون في نحو: {قُلْ نَعَمْ} 10 للتقارب الذي بينهما كما أدغمت في الراء للسبب نفسه؟
ـــــــ
1 سورة آل عمران: 155.
2 سورة إبراهيم: 1.
3 سورة يوسف: 10.
4 سورة الكهف: 75.
5 سورة طه: 69.
6 سورة الشعراء: 217.
7 سورة الشورى: 23.
8 سورة طه: 114.
9 سورة نوح: 12.
10 سورة الصافات: 18.
(1/86)
والجواب:
أن النون الساكنة إذا وقع بعدها لام يجب إدغامها فيها بغير غنة ولا يصح أن يدغم في النون شيء مما أدغمت هي فيه؛ خشية زوال الألفة بين النون وأخواتها من حروف "يرملون".
وقد يَرِدُ اعتراض على ذلك بأن لام "أل" تدغم في النون في نحو: "النَّاسِ"1 فلماذا لا تدغم لام الفعل في النون كذلك؟
والجواب:
أن لام "أل" مع النون كثيرة الوقوع في القرآن، فهي أحوج إلى الإدغام تسهيلا للنطق بخلاف لام الفعل قبل النون فهي قليلة الوقوع في القرآن، وإظهارها ليس فيه مشقة2، والعمدة في ذلك كله هو السماع والنقل.
ـــــــ
1 سورة الناس: 1.
2 من كتاب "العميد" بتصرف، ص56.
(1/87)
ثالثًا: حكمُ لامِ الحرفِ
وهي اللام الواقعة في حرف وذلك في "هل، بل" فقط ولا توجد غيرهما في القرآن.
وحكم "بل" وجوب الإظهار نحو: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} 1، ما لم يقع بعدها لام أو راء فتدغم في اللام للتماثل مثل: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} 2، وفي الراء للتقارب مثل: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 3، ويستثنى منها: {بَلْ رَانَ} 4 وذلك لوجوب السكت عليها، والسكت يمنع الإدغام.
وأما حكم "هل" فيجب إظهار لامها دائمًا نحو: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا} 5، إلا إذا وقع بعدها لام فتدغم فيها للتماثل مثل: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} 6 أما وقوع الراء بعدها فلم يوجد في القرآن.
ـــــــ
1 سورة الدخان: 9.
2 سورة ص: 8.
3 سورة النساء: 158.
4 سورة المطففين: 14.
5 سورة التوبة: 52.
6 سورة النازعات: 18.
(1/87)
رابعًا: حكمُ لامِ الاسمِ
وهي اللام الواقعة في كلمة فيها إحدى علامات الاسم أو تقبل إحداها، وتكون دائمًا متوسطة وأصلية: أي من بنية الكلمة مثل: {أَلْسِنَتِكُمْ} 1 {وَأَلْوَانِكُمْ} 2، {سَلْسَبِيلاً} 3، {سُلْطَانٌ} 4. وحكمها وجوب الإظهار مطلقًا.
ـــــــ
1، 2 سورة الروم: 22.
3 سورة الإنسان: 18.
4 سورة الحجر: 42.
(1/88)
خامسًا: حكمُ لامِ الأمرِ
وهي اللام الساكنة الزائدة عن بنية الكلمة والتي تدخل على الفعل المضارع فتحوله إلى صيغة الأمر وذلك بشرط أن تكون مسبوقة بثم أو الواو أو الفاء، ومثال المسبوقة بثم نحو: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} ، ومثال المسبوقة بالواو نحو: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} 1 ومثال المسبوقة بالفاء نحو: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} 2.
وحكمها: وجوب الإظهار مطلقًا كلام الاسم.
فإن قيلك لِمَ أدغمت اللام في نحو: {التَّائِبُونَ} 3 ولم تدغم في نحو: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ} 4؟
فالجواب :
أن اللام في: {التَّائِبُونَ} لام تعريف وهي كثيرة الوقوع في القرآن بعكس لام الأمر فهي قليلة، وإظهارها ليس فيه مشقة كما سبق التنويه على مثل ذلك عند لام الفعل.
"تنبيه":
اعلم أن الحروف الهجائية التي تقع بعد اللامات السواكن عددها ثمانية وعشرون حرفا بعد إسقاط حروف المد الثلاثة شأنها شأن النون الساكنة والتنوين،
ـــــــ
1 سورة الحج: 29.
2 سورة الحج: 15.
3 سورة التوبة: 112.
4 سورة النساء: 102.
(1/88)
والميم الساكنة وذلك خشية التقاء الساكنين كما سبق التنويه عنه.
وقد أشار صاحب التُّحْفة إلى النوعين الأوَّلين بقوله:
للامِ أل حالانِ قبلَ الأحرفِ ... أولاهما إظهارُها فلتَعْرِفِ
قبلَ ارْبع معْ عَشْرَةٍ خُذْ عِلْمَهُ ... من ابغ حَجَّك وخَفْ عَقيمهُ
ثانيهما إدغامُها في أربعِ ... وعشرةٍ أيضًا ورمزَها فَعِي
طِبْ ثمَّ صِلْ رحمًا تفزْ ضِفْ ذا نِعمْ ... دعْ سُوءَ ظَنٍّ زُرْ شريفًا للكَرمْ
والَّلامَ الُاولَى سمِّها قمْرِيَّةْ ... والَّلامَ الُاخْرى سمِّها شمسيَّةْ
وأَظهرنَّ لامَ فعلٍ مُطلقًا ... في نحو قلْ نعم وقلْنا والْتقى
وقد أشار صاحب لآلئ البيان في ملخصة إلى الأحكام الخمسة فقال:
ألْ في ابغ حجك وخف عقيمهُ ... أظهر وكن في غيرها مدغمه
واللامَ من فعلٍ وحرفٍ أظهرا ... لا قل وبل فأدغمنهما برا
ومعهما في اللامِ هل وأظهرا ... في اسم لامِ الأمر أيضًا قررا
(1/89)
أسئلة:
1- اذكر أنواع اللامات السواكن.
2- اذكر ضابط لام "أل"، ثم بين هل هي من نفس الكلمة أم لا؟
3- كم حالة للام "أل" قبل أحرف الهجاء؟
4- كم حرفًا يختص باللام القمرية؟ وما حكمها عند هذه الأحرف؟
5- ما وجه تسميته إظهارًا قمريًّا؟ وما سببه؟، مثِّل لكل حرف بمثالين.
6- كم حرفًا يختص باللام الشمسية؟ وما حكمها عند هذه الأحرف؟
7- ما وجه تسميته إدغاما شمسيًّا؟ وما سببه؟ مثِّل لكل حرف بمثالين، ثم بَيِّن تصريف لفظ الجلالة.
8- ما هي لام الفعل؟ وكم حالة لها قبل أحرف الهجاء؟ مع التمثيل لما تذكر.
(1/89)
9- اذكر سبب إدغام لام الفعل في اللام والراء، وإظهارها عند النون في نحو "قل نعم"1.
10- عرِّف لام الحرف واذكر حكمها بالتفصيل مع التمثيل لما تذكر.
11- عرِّف كلًّا من لام الاسم ولام الأمر، واذكر حكم كلٍ مع التمثيل.
12- لماذا أدغمت لام التعريف في نحو: {التَّائِبُونَ} 2 وأظهرت لام الأمر في نحو: {فَلْتَقُمْ} 3.
13- اقرأ من أول سورة الملك إلى قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} ثم استخرج ما في الآيات من اللامات السواكن مبينًا نوع كل منها وحكمها.
14- بيِّن نوع كل لام ساكنة فيما يأتي، ثم اذكر حكمها:
{سُلْطَانٍ} 4 ، {هَلْ أَتَى} 5، {الرَّحْمَنُ} 6، {وَقُلْ رَّبِّ} 7، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} 8، {الْقَيُّومُ} 9، {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ} 10، {يَلْهَثْ ذَلِكَ} 11، {بَل لا تُكْرِمُونَ} 12، {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} 13، {فَقُلْ هَلْ لَكَ} 14، {وَرَتَّلْنَاهُ} 15.
ـــــــ
1 سورة الصافات: 18.
2 سورة التوبة: 112.
3 سورة النساء: 102.
4 سورة الصافات: 156.
5 سورة الإنسان: 1.
6 سورة الرحمن: 1.
7 سورة طه: 114.
8 سورة النور: 22.
9 سورة البقرة: 255.
10 سورة النساء: 155.
11 سورة الأعراف: 176.
12 سورة الفجر: 17.
13 سورة المزمل: 8.
14 سورة النازعات: 18.
15 سورة الفرقان: 32.
(1/90)
المد والقصر
مدخل
...
الْمَدُّ والْقَصْرُ:
الأصل في هذا الباب ما ثبت عن قتادة -رضي الله عنه- أنه قال: سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن قراءة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ فقال: كان يمدُّ مدًّا1.
كما روي عنه بلفظ آخر يقول: سألت أنسًا كيف كانت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ قال: كان يَمُدُّ صوتَه مدًّا2.
وهذا الخبر عام في كل أنواع المد.
والمدُّ معناه لغةً: الزيادة، ومنه قوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} 3 أي يزيدكم.
واصطلاحًا: إطالة الصوت بحرف المد أو اللِّين عند وجود السبب.
وضدُّه القَصْرُ:
والقصر لغة: الحبس والمنع، ومنه قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} 4 أي محبوسات فيها، وقوله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} 5 أي
ـــــــ
1 أخرجه البخاري، في كتاب فضائل القرآن، باب مدِّ القراءة. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، "ج: 9، ص90، ح: 5045".
2 أخرجه النسائي "ج: 2/ 179".
3 سورة نوح: 12.
4 سورة الرحمن: 72.
5 سورة الرحمن: 56.
(1/91)
مانعات طرفهن من النظر إلا على أزواجهن.
واصطلاحًا: إثبات حرف المد أو اللين من غير زيادة فيه لعدم وجود السبب.
وحقيقة المد: هو تحققه بأي مقدار ولو حركتين، وحقيقة القصر: هو عدم المد مطلقًا، ولكن المصطلح عليه في علم التجويد كما يستفاد من تعريفي المد والقصر السابقين أن القصر هو مقدار حركتين، والمد ما زاد على ذلك1.
حروفُ المدِّ بشروطِهَا:
وحروف المد ثلاثة، ويطلق عليها حروف مدٍّ ولينٍ، وسميت حروف مد؛ لامتداد الصوت بها، وحروف لين لخروجها بسهولة وعدم كُلْفَة، وهي:
1- الألف ولا تكون إلا ساكنة، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا.
2- الواو الساكنة بشرط ضم ما قبلها.
3- الياء الساكنة بشرط كسر ما قبلها.
وهي مجموعة في لفظ "واي"، ويجمع أمثلتها بشروطها كلمة: {نُوحِيهَا} 2، فإن فقدت الواو والياء شرطيهما بأن سكنتا وانفتح ما قبلهما كانتا حرفي لين فقط مثل: "الْبَيْتِ، خوف"3. فإن أطلقنا حرف المد فهو شامل للمد واللين، وإذا قيدنا الحرف باللين فهو خاص به.
وتلخص من ذلك: أن الألف لا تكون إلا حرف مد ولين، وأما الواو والياء فلهما ثلاثة أحوال:
1- أن تكونا حرف مد ولين، وهذا إذا سكنتا وضم ما قبل الواو، وكسر ما قبل الياء.
ـــــــ
1 انظر: "العميد في علم التجويد" ص97.
2 سورة هود: 49.
3 سورة قريش: 3، 4.
(1/92)
2- أن تكونا حرفي لين فقط، وهذا إذا سكنتا وانفتح ما قبلهما كما سبق.
3- أن تكونا حرفي علة فقط، وذلك إذا تحركتا بأي حركة كانت، وأمثلة ذلك غير خافية.
وقد أشار صاحب التُّحفة إلى حروف المد واللِّين فقال:
حروفُه ثلاثةٌ فَعِيهَا ... من لَفْظِ "واي" وهْيَ في نوحيها
والكسرُ قبل اليَا وقبل الواوِ ضَمْ ... شرطٌ وفتح قبل ألف يلتزم
واللِّين منها اليا وواو سُكِّنا ... إن انفتاح قبل كلٍّ أُعلنا
أقسامُ المدِّ:
المد قسمان:
1- مد أصلي، 2- مد فرعي.
(1/93)
المد الأصلي:
يسمى بالمد الطبيعي: هو الذي لا تقوم ذات حرف المد إلا به، ولا تستقيم الكلمة إلا بوجوده، ويكفي فيه وجود أحد حروف المد الثلاثة وليس قبلها همز أو بعدها همز أو سكون.
ومقدارُ مدِّهِ: حركتان والحركة بمقدار قبض الأصبع أو بسطه بحالة متوسطة ليست بسرعة ولا بتأنٍّ1.
سببُ تسميتِهِ أصليًّا:
يسمى مدًّا أصليًّا لأصالته بالنسبة إلى غيره من المدود؛ وذلك لثبوته على حالة واحدة وهي مد حركتان فقط، ولأن ذات الحرف لا تقوم إلا به، ولعدم توقفه على سبب من الأسباب التي ستذكر عند الكلام على المد الفرعي.
ويسمى أيضًا طبيعيًّا؛ لأن صاحب الطبيعة السليمة لا يزيده ولا ينقصه عن حركتين.
ـــــــ
1 انظر: "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص133.
(1/93)
أَنْوَاعُهً:
المد الأصلي يأتي على ثلاثة أنواع:
الأول: أن يكون حرف المد ثابتًا وصلا ووقفًا سواء كان متوسطًا مثل:
{مَالِكِ} 1، {يُوصِيكُمْ} 2 ، {بِيَمِينِهِ} 3، أو متطرفًا مثل: {وَضُحَاهَا} 4، {قَالُوا} 5، {وَأُمْلِي} 6 ، وسواء كان ثابتًا في الرسم أو محذوفًا كما مُثِّل.
ومن هذا النوع أيضًا الحروف الهجائية الخمسة الواقعة في فواتح السور، وجاءت على حرفين ثانيهما حرف مد، وقد جمعها صاحب التُّحفة في قوله "حَيٌ طَهُرَ" مثل: الحاء من "حم" أول الحواميم وسيأتي الكلام عليها بالتفصيل.
الثاني: أن يكون حرف المد ثابتًا في الوقف دون الوصل، وذلك في الألفات المبدلة من التنوين المنصوب مثل: {عَلِيمًا حَكِيمًا} 7، في حالة الوقف.
وكذلك الألفات التي عليها سكون مستطيل في مثل: {أَنَا نَذِيرٌ} 8 ، {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 9 {الظُّنُونَاْ} {الرَّسُولا} {السَّبِيلا} بالأحزاب10 {كَانَتْ قَوَارِيرَ} 11 وذلك في حالة الوقف.
وكذلك المدود التي تحذف في حالة الوصل خشية التقاء الساكنين وتثبت في الوقف، مثال الألف: {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ} 12، ومثال الياء: {وَمَا فِي الأَرْضِ} 13، ومثال الواو: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ} 14.
ـــــــ
1سورة الفاتحة: 4.
2 سورة النساء: 11.
3 سورة الانشقاق: 7.
4 سورة الشمس: 1.
5 سورة المدثر: 43.
6 سورة القلم: 45.
7 سورة الأحزاب: 1.
8 سورة الملك: 26.
9 سورة الكهف: 38.
10 الآيات: 10، 66، 67.
11 سورة الإنسان: 15.
12 سورة النمل: 15.
13 سورة طه: 6.
14 سورة الإسراء: 110.
(1/94)
الثالث: أن يكون حرف المد ثابتًا في الوصل دون الوقف مثل: {إِنَّهُ هُوَ} 1، {بِهِ بَصِيرًا} 2 وهذا النوع من المد الأصلي يطلق عليه مدُّ الصِّلة وهو خاص بهاء الضمير التي سوف يأتي الكلام عليها، وعلامته: واو صغيرة بعد الهاء المضمومة وياء صغيرة بعد الهاء المكسوة.
ـــــــ
1 سورة الإسراء: 1.
2 سورة الانشقاق: 15.
(1/95)
المدُّ الفرعيُّ:
فهو المدُّ الزائد على المد الأصلي لسبب من الأسباب.
أسبابُهُ:
أسباب المد الفرعي اثنان:
1- الهمزة. 2- السكون.
ويسمى كل منهما سببًا لفظيًّا؛ لأنه علة لزيادة مقدار المد الفرعي عن المد الطبيعي1.
أنواعُهُ:
أنواع المد الفرعي خمسة:
1- المد المتصل.
2- المد المنفصل.
3- المد البدل وهذه الأنواع الثلاثة سببها الهمز.
4- المد العارض للسكون.
5- المد اللازم، وهذان النوعان سببهما السكون.
أحكامُهُ:
أحكامُ المدِّ الفرعيِّ ثلاثةٌ:
1- الوجوب، 2- الجواز، 3- اللزوم.
فالوجوب: خاص بالمد المتصل فقط.
ـــــــ
1 وهناك سبب آخر يعرف: بالسبب المعنوي، ويقصد به المبالغة في النفي مثل مدِّ التعظيم في نحو: "لا إله إلا الله" "بسورة محمد: 19" على قصر المنفصل وهذا لا يجوز لحفص من طريق الشاطبية، وإنما يجوز له من طريق طَيِّبَة النَّشْر.
(1/95)
والجواز: خاص بالمد المنفصل، والمد العارض للسكون، والمد البدل.
واللُّزوم: خاص بالمد اللازم فقط.
وإنما كان المتصل واجبًا؛ لوجوب مدِّه زيادة عن المد الطبيعي اتفاقًا عند جميع القراء، وكان المنفصل والعارض للسكون والبدل حكم كل منها الجواز وذلك لجواز مدها وقصرها، وكان اللازم لازمًا للزوم مده حالة واحدة وهو ست حركات كما سيأتي.
وفيما يلي الكلام على كل نوع من هذه الأنواع الخمسة منفردًا.
(1/96)
المدُّ المتَّصلُ:
تعريفُهُ: هو أن يقع بعد حرف المد هَمْزٌ متصل به في كلمة واحدة.
أمثلتُهُ: مثال الألف: {جَاءَ} 1، مثال الواو: {قُرُوءٍ} 2، مثال الياء {هَنِيئًا} 3.
حكمُهُ: وجوب مده زيادة على مقدار المد الطبيعي اتفاقًا، ولقد حكى الإمام ابن الجزري في النَّشر قوله: "تتبعت قصر المتصل فلم أجده في قراءة صحيحية ولا شاذة" ثم يقول: "بل رأيت النص بمدِّه" وذكر حديث ابن مسعود حينما كان يُقرئ رجلا فقرأ الرجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 4 مرسلة -أي مقصورة- فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أقرأنيها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فمدَّها ثم قال ابن الجزري: هذا حديث جليل حجة ونص في هذا الباب، رجال إسناده ثقات5.
ـــــــ
1 سورة النصر: 1.
2 سورة البقرة: 228.
3 سورة النساء: 4.
4 سورة التوبة: 60.
5 انظر: كتاب "النشر" للإمام ابن الجزري بتحقيق الدكتور: محمد سالم محيسن، "ج: 1، ص424" ولقد سبق تخريج هذا الحديث ص37.
(1/96)
وجهُ تسميتِه متصلًا: سمِّي مدًّا متصلا؛ لاتصال سببه وهو الهمز بحرف المد في كلمة واحدة كالأمثلة السابقة.
مقدارُ مدِّهِ: يمدُّ أربع حركات أو خمسًا -وصلا ووقفًا- ويزاد ست حركات في الوقف إذا كانت همزته متطرفة.
والمتصلُ المتطرفُ الهمزِ يأتي على ثلاثة أنواع، وقد أشار العلامة المحقق صاحب "لآلئ البيان" إلى هذه الأنواع الثلاثة والأوجه الجائزة في كل نوع حالة انفرداه بقوله:
وزاد في كالماء ستا إن يقف ... والرفع أَشْمِمْ مطلقًا كما عرف
ورُمْهُ مع جرٍّ بما به وصل ... ففي انفراده ثلاثة تحل
وتلك في نصب وخمسة بجر ... وأوجه الرفع ثمانٍ تعتبر
وفيما يلي بيان الأنواع الثلاثة بالتفصيل:
النوع الأول: المفتوح الهمز سواء كانت فتحة إعراب مثل: {وَالسَّمَاءَ} 1، أو فتحة بناء مثل: {جَاءَ} 2 فإذا وقفنا عليه ففيه ثلاثة أوجه: المد أربع حركات أو خمس أو ست مع السكون الْمَحْضِ أو الخالص.
النوع الثاني: المكسور الهمز سواء كانت كسرة إعراب مثل: {وَالسَّمَاءِ} 3، أو كسرة بناء مثل: {هَؤُلاءِ} 4 فإذا وقفنا عليه ففيه خمسة أوجه: المد أربع حركات أو خمس مع السكون المحض، ومثلها مع الرَّوْم؛ لأنه يوصل بهذين الوجهين والروم كالوصل، ثم المد ست حركات مع السكون المحض فقط.
النوع الثالث: المضموم الهمز سواء كانت ضمة إعراب مثل: {السُّفَهَاءُ} 5، أو ضمة بناء مثل: {وَيَا سَمَاءُ} 6، فإذا وقفنا على مثل ذلك ففيه ثمانية أوجه: المد أربع حركات أو خمس أو ست مع السكون المجرد، ومثلها مع الإشمام، ثم المد أربع حركات أو خمس مع الرَّوم فقط7.
ـــــــ
1 سورة الذاريات: 47.
2 سورة النصر: 1.
3 سورةالشمس: 5.
4 سورة البقرة: 31.
5 سورة البقرة: 142.
6 سورة هود: 44.
7 يجدر بنا أن نشير هنا إلى تعريف كل من الرَّوم والإشْمَام.
فالرَّوم: هو الإتيان ببعض الحركة بصوت خفي يسمعه القريب دون البعيد، ويكون في المجرور والمرفوع.
والإشمام: هو ضم الشَّفَتين بُعَيدَ إسكانِ الحرف بحيث يراه المبصر دون الأعمى، ويكون في المرفوع فقط، وسيأتي الكلام عليهما بالتفصيل في باب: الوقف على أواخر الكلم.
(1/97)
المدُّ المنفصلِ وقصره:
تعريفُهُ: هو أن يقع بعد حرف المد همز منفصل عنه في كلمة أخرى.
أمثلتُهُ: مثال الألف: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 1، ومثال الواو: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} 2 ومثال الياء: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} 3.
حُكْمُهُ: جواز مدِّه وقصره، إلا أن رواية القصر لحفص ليست من طريق كتاب الشاطبية الذي نلتزم به في كتابنا هذا، وإنما هو من طريق طَيِّبَة النَّشْر في القراءات العشر وعلى هذا فلا يجوز للقارئ أن يقرأ بقصر المنفصل إلا إذا كان على دِرَايَة بالأحكام المترتبة عليه حتى لا يحصل خَلْط أو تركيب في الطرق عند التلاوة.
وجهُ تسميتِهِ منفصلا: سمِّي مدًّا منفصلا؛ لانفصال السبب وهو الهمز عن حرف المد كل منهما في كلمة.
مقدارُ مدِّهِ: يمد أربع حركات أو خمسًا.
تنبيهان:
الأول: ذكرنا أن المتصل والمنفصل يمدُّ كل منهما أربع حركات أو خمسًا،
ـــــــ
1 سورة الكوثر: 1.
2 سورة التحريم: 6.
3 سورة الذاريات: 21.
(1/98)
وهذان الوجهان قُرئ بهما لحفص من طريق الشاطبية إلا أن المد خمس حركات يعرف بأنه من زيادات القصيد، بمعنى أن صاحب التيسير الذي هو أصل الشاطبية ذكره عن عاصم، ولكن المد أربع حركات هو المقدم في الأداء؛ لأن الإمام الشاطبي كان يأخذ به ولم يذكر في قصيدته غيره، ويقول صاحب "غيث النفع" أن هذا هو الذي ينبغي الأخذ به للأمن معه من التخليط وعدم الضبط1، كما يشير صاحب "لآلئ البيان" إلى أنه الوجه الأعدل بقوله:
قد مُدَّ فصل وما يتصل ... خمسًا وأربعًا وهذا أعدل
الثاني: ذكرنا أن المد المنفصل حكمه الجواز لجواز قصره ومده، وقلنا بأن القصر ليس من طريق الشاطبية وإنما من طريق طيبة النشر، ولما كان القارئ كثيرًا ما يحتاج إلى قصر المنفصل في قراءته لتناسبه مع مرتبه الحدر كان من الواجب عليه أن يعرف الأحكام المترتبة عليه؛ لكي يراعيها عند القراءة، وقد اخترت أقرب الطرق في ذلك وهو طريق: روضة الحفاظ، للإمام الشريف أبي إسماعيل موسى بن الحسين بن إسماعيل بن موسى المعدل، وفيما يلي الأحكام المترتبة على القصر من طريقه:
1- يتعين الإتيان بالبسملة في أجزاء السورة دون تركها الجائز من الشاطبية وذلك للتبرك.
2- وجوب توسط المتصل أي مده أربع حركات فقط.
3- ترك السكت قبل الهمز في "أل" و"شيء" والمفصول والموصول.
4- عدم المد للتعظيم في لا إله إلا الله.
5- عدم التكبير بين السورتين من آخر الضحى إلى آخر الناس.
6- عدم الغنة في النون الساكنة قبل اللام والراء.
ـــــــ
1 انظر: "غيث النفع في القراءات السبع" عند الكلام على حكم قصر المنفصل في قوله تعالى: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} بالبقرة.
(1/99)
7- وجوب إبدال همزة الوصل ألفًا ومدها ست حركات في {ءَالئَنَ} موضعي يونس و {ءَالذَّكَرَينِ} موضعي الأنعام، و {ءَالله} بيونُس والنمل، وسيأتي الكلام عليهم في المد اللازم.
8- وجوب الإشمام في: {تَأْمَنَّا} بيُوسف.
9- وجوب الإدغام في: {يَلْهَثْ ذَلِكَ} بالأعراف.
10- وجوب الإدغام في: {ارْكَبْ مَعَنَا} بهود.
11- وجوب الإدغام التام في: {نَخْلُقْكُمْ} بالمرسلات.
12- ترك السَّكت على: {عِوَجًا} ، {مَرْقَدِنَا} ، {مَنْ رَاقٍ} ، {بَلْ رَانَ} .
13- وجوب قصر "عين" في موضعي مريم والشورى.
14- وجوب التفخيم في الراء {فِرْقٍ} بالشعراء.
15- وجوب حذف الياء من {ءَاتَانِ} بالنمل في حالة الوقف.
16- وجوب حذف الألف من {سَلاسِلًا} بالدهر في حالة الوقف أيضًا.
17- وجوب قراءة {الْمُصَيْطِرُون } بالطور بالسين فقط.
18- جواز قراءة: {مُصَيْطِر } بالغاشية بالسين أو الصاد.
19- جواز قراءة: {يَبْصُط} في المواضع الأول بالبقرة وكذا {بَصْطَةً} بالأعراف بالسين أو الصاد.
20- جواز قراءة: {يَس } ، {ن} بالإدغام أو الإظهار.
21- جواز قراءة: {ضِعْف } بالرُّوم في مواضعها الثلاثة بالفتح أو الضم إلا أنه يلاحظ إذا قرأنا بوجه الإظهار في {يَس} ، {ن} يتعين عليه الصاد فقط في : {مُصَيْطِر } والسين فقط في {يَبْصُط} ، {بَصْطَةً} والفتح فقط في ضاد {ضْعَف } بالرُّوم. وهذا ما رواه الفيل عن عمرو بن الصباح عن حفص وأما إذا قرأنا بوجه الإدغام في {يَس} ، {ن} فيتعين السين فقط في {مُصَيْطِر} والصاد فقط في {يَبْصُط} ، {بَصْطَةً} والضم فقط في ضاد ضعف بالرُّوم وهذا ما رواه زرعان عن عمرو بن الصباح
(1/100)
عن حفص.
وإلى هذه الأحكام يشير العلامة المحقق الشيخ إبراهيم على شحاتة السمنودي في رسالته المخطوطة: "بهجة اللِّحاظ بما لحفص من روضة الحفاظ" فيقول بعد براعة الاستهلال:
وبعد فهذا ما رواه معدل ... بروضته الفيحاء من طيّب النشر
بإسناده عن حفص الحبر من تلا ... على عاصم وهو المكنى أبا بكر
ففي البدء بالأجزاء ليس مُخيَّرًا ... لبسملة بل للتبرك مستقرى
ومتصلا وسط وما انفصل اقصرن ... ولا سكت قبل الهمز من طرق القصر
وما مد للتعظيم منها ولم يجئ ... بها وجه تكبير ولا غنة تسري
وفي موضعي آلان آلذكرين مع ... ءالله أبدلها مع المد ذي الوفر
وأشمم بتأمنا ويلهثْ فأدغمن ... مع اركب ونخلقكم أتم ولا تزر
وبل ران من راق ومرقدنا كذا ... له عوجا لا سكت في الأربع الغر
وبالقصر قُلْ في عين شورى ومريم ... وفخم بفرق وهو في آية البحر
وآتانِ نمل فاحذف الياء واقفا ... كذا الألف واحذ من سلاسل بالدهر
وبالسين لا بالصاد قل أم هم المصيْـ ... طرون وبالوجهين في فرده النكر
وفي يبصط الأولى وفي الخلق بصطة ... ويا سين نونٍ ضُعف روم كذا أجر
ولكن مع الإظهار صادُ مصيطر ... وفي بصطةً سينٌ كذا يبصط البكر
وفتح لدى ضُعفٍ عن الفيل وارد ... وبالعكس عن زرعان والكل عن عمرو
(1/101)
المدُّ البدَلِ:
تعريفُهُ: هو أن يتقدم الهمز على حرف المد في كلمة وليس بعد حرف المد همز أو سكون.
أمثلتُهُ: مثال الألف نحو: {ءامِنُوا} 1، مثال الياء نحو: {إِيمَانًا} 2، ومثال الواو نحو: {أُوتُوا} 3.
ـــــــ
1، 2 سورة التوبة: 124.
3 سورة البقرة: 144.
(1/101)
حُكْمُهُ: جواز مده وقصره إلا أن حفصًا ليس له فيه إلا القصر.
مقدارُ مدِّهِ: يمد حركتين فقط كالمد الطبيعي.
وجهُ تسميتهِ بدلا: سمي مد بدل لأن حرف المد فيه مبدل من الهمز غالبا إذ أصل كل بدل هو اجتماع همزتين في كلمة: أولاهما متحركة والأخرى ساكنة فتبدل الهمزة الثانية حرف مد من جنس حركة الأولى تخفيفًا، وإلى هذا يشير الإمام الشاطبي يقول:
وإبدال أخرى الهمزتين لكلهم ... إذا سكنت عزم كآدم أو هلا
فإن كانت الهمزة الأولى مفتوحة أبدلت الثانية ألفًا نحو: {ءَامِنُوا} إذ أصلها {ءَأْمنوا} ، وإن كانت الهمزة الأولى مكسورة أبدلت الثانية ياء نحو: {إِيْمَانًا} إذ أصلها {إِأْمانًا} ، وإن كانت الهمزة الأولى مضمومة أبدلت الثانية واوًا نحو: {أُوتُوا} إذ أصلها {أُأْتوا} .
وتسميته بمد البدل إنما باعتبار الغالب والكثير فيه؛ لأن من أمثلته ما لا يكون حرف المد فيه بدلا من الهمزة نحو: {قُرءَان} 1، {إسْرَاءِيل} 2، {مسْئُولا} 3 وهذا يعتبر شبيهًا بالبدل؛ لأن حرف المد في مثل ذلك أصلي وليس مبدلاً من الهمزة.
ولقد اشتُرِط في التعريف أن لا يقع بعد حرف المد همز أو سكون؛ لكي يخرج نحو: {ءآمِيْنَ} 4 فهو مد لازم، نحو: {برءآؤاْ} فهو مد متصل، ونحو: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ} 6 فهو مد منفصل، ونحو: {مَآبٍ} 7 عند الوقف فهو مد عارض للسكون، وقد ألغي مد البدل في مثل هذا كله؛ لأن هذه المدود تعتبر أقوى منه رتبة فقدمت عليه كما سيأتي التنبيه على ذلك عند الكلام على مراتب المدود8.
ـــــــ
1 الإسراء: 78.
2 البقرة: 40.
3 الإسراء: 34.
4 المائدة: 2.
5 الْمُمْتَحنة: 4.
6 يوسُف: 16.
7 الرَّعد: 29.
8 فائدة: اعلم أن مد البدل له أربع حالات: أ- ثبوته وقفًا ووصلا نحو: {ءامنوا} [البقرة: 9]. ب- ثبوته وصلا لا وقفًا نحو: {مَآبٍ} [الرعد: 29]، ج- ثبوته وقفًا لا وصلا نحو: {دُعَاء } [البقرة: 171].
د- ثبوته عند الابتداء فقط وذلك نحو ما يأتي: {ائْذَنْ لِي } [بالتوبة: 49]، {اؤْتُمِن } [بالبقرة: 283]، {ائْت } [بيونس: 15] و[الشعراء: 10]، {ائْتِنَا } [بالأنعام: 71] و[الأعراف: 77] و[الأنفال: 32] و[العنكبوت: 29]، {ائْتِيَا } [بفصلت: 11]، {ائْتُوا } [بطه: 64] و[الجاثية: 25]، {ائْتُونِي } [بيونس: 79] و[يوسف: 50، 54، 59] و[الأحقاف: 4]. وهذه الكلمات السبع اجتمع في كل منها همزتان الأولى همزة وصل والثانية همزة قطع، فإذا وصلت الكلمة بما قبلها حذفت همزة الوصل وبقيت همزة القطع ساكنة، أما إذا ابتدئ بها فحينئذ تثبت همزة الوصل وتُبدل همزة القطع حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فإن كان ثالث الفعل مضمومًا ضمًّا لازمًا بُدئ بهمزة الوصل مضمومة مثل "أوتمن"، وإن كان ثالث الفعل مفتوحًا مثل "ايذن لي" أو مكسورًا مثل "ايتنا" أو مضمومًا ضمًّا عارضًا مثل "ايتوا" بدئ بها في ذلك كله مكسورة، وسيأتي حكم ذلك في باب: همزة الوصل.
(1/102)
المدُّ العارضِ للسُّكونِ:
تعريفُهُ: هو أن يقع بعد حرف المد أو حرف اللِّين ساكن عارض لأجل الوقف.
أمثلتُهُ: {الرَّحْمَنُ} 1، {الْعَالَمِينَ} 2، {الْمُفْلِحُونَ} 3، {الْبَيْتِ} 4، {خَوفٍ} 5
حُكْمُهُ: جواز قصره ومدِّه.
مقدارُ مدِّهِ:
يجوز فيه ثلاثة أوجه: القصر حركتان، والتوسط أربع حركات والإشباع ست. وبيان ذلك أن القصر حركتان نظرًا لعروض السكون فلا يعتد به لأن الوقف يجوز فيه التقاء الساكنين مطلقًا، ونظرًا لحالة الوصل إذ يصير مدًّا طبيعيًّا، وهذا الوجه يستحب في القراءة مع مرتبة الْحَدْرِ.
ووجه التوسط لمراعاة اجتماع الساكنين مع ملاحظة كونه عارضًا فحطَّ عن الأصل وأصبح لا هو معدوم مطلقًا حتى يكون كالمد الطبيعي، ولا هو موجود دائمًا حتى يكون أصليًّا فيمد ست حركات كاللازم، وملاحظة عروضه جعلته في مرتبة متوسطة، وهذا الوجه يستحب في القراءة مع مرتبة التدوير.
ووجه الإشباع فلشبهه حينئذ بالمد اللازم حيث يلتقي فيه ساكنان فيلزم المد الطويل للتخلص من التقاء الساكنين، وهذا الوجه في القراءة يستحب مع مرتبة
ـــــــ
1 الفاتحة: 1.
2 الفاتحة: 2.
3 البقرة: 5.
4 قريش: 3.
5 قريش: 4.
(1/103)
الترتيل1 علمًا بأن أي وجه من الثلاثة جائز على أي مرتبة من مراتب القراءة.
وجهُ تسميتِهِ عارضًا: سمي عارضًا لعروض السكون لأجل الوقف؛ لأنه لو وصل لصار مدًّا طبيعيًّا.
والمد العارض للسكون ثلاثة أنواع: المنصوب والمجرور والمرفوع.
النوع الأول: المنصوب ونعني به الذي آخره فتحه سواء كانت فتحة إعراب نحو: {الْمُسْتَقِيمَ} 2 أو فتحة بناء نحو: {الْعَالَمِينَ} ففيه ثلاثة أوجه: القصر حركتان، والتوسط أربع حركات، والإشباع ست. كلها مع السكون المحض أي الخالص من الرَّوم والإشْمَام.
النوع الثاني: المجرور ونعني به الذي آخره كسرة سواء كانت كسرة إعراب نحو: {الرَّحِيمِ} 3، أو كسرة بناء نحو: {هَذَانِ خَصْمَانِ} 4 ففيه أربعة أوجه، الثلاثة المتقدمة في المنصوب أعني: القصر والتوسط والإشباع مع السكون المحض، ثم الرَّوم مع القصر؛ لأن الرَّوم كالوصل فلا يكون إلا مع القصر.
النوع الثالث: المرفوع ونعني به الذي آخره ضمة سواء كانت ضمة إعراب نحو: {نَسْتَعِينُ} 5 أو ضمة بناء نحو: {يَا إِبْرَاهِيمُ} 6 ففيه سبعة أوجه وهي: الثلاثة المتقدمة مع السكون المحض، ومثلها مع الإشمام، والوجه السابع الرَّوم مع القصر.
فتلخص من ذلك أن الإشمام خاص بما آخره ضمة والغرض منه الإشارة إلى حركة الحرف الموقوف عليه بأنها ضمة، وأن الروم خاص بما آخره كسرة أو ضمة والغرض منه الإشارة إلى حركة الحرف الموقوف عليه كذلك.
ـــــــ
1 من كتاب "القول المفيد في علم التجويد" ص141، بتصرف
2 الفاتحة: 6.
3 الفاتحة: 1.
4 الحج: 19.
5 الفاتحة: 5.
6 مريم: 46.
(1/104)
وإن كان السكون العارض قبله حرف لِين مثل: {خَوْفٍ} 1، {بيْت} 2، {شَيء} 3، {سُوْء} 4، فإنه يأخذ الأوجه السابقة حيثما أتى إلا أنهم اختلفوا في وجه القَصْرِ فبعض العلماء يقول بأن المراد بالقصر المد حركتين إجراء له مجرى المد العارض للسكون واعتبار حرف اللِّين كحرف المد عند الوقف على ما بعده تسهيلا للنطق، وهكذا قال صاحب العميد5، وأكثر شرَّاح الشاطبية يقولون في معنى قول الإمام الشاطبي "وعنهم سقوط المد فيه" أن المراد به القصر حركتين كالمد العارض للسكون.
والبعض الآخر من العلماء يقول بأن المراد بالقصر حذف المد مطلقًا بحيث يكون النطق بحرفي اللِّين عند الوقف كالنطق بهما حالة الوصل إجراء لهما مجرى الحروف الصحيحة6.
كما اختلفوا في وجه الرَّوم فأكثرهم يقول: بأن الروم يأتي مع القَصْر الذي هو عدم المد أصالة لأن حرف اللِّين في حالة الوصل لم يكن فيه مدٌّ مطلقًا عكس المد العارض للسكون الذي يكون في الوصل مدًّا طبيعيًّا كما سبق بيانه.
وبعضهم يقول: بأن الروم يأتي مع القصر الذي هو بمعنى مد ما، وقدَّروه بأنه دون المد الطبيعي وقد أورد ذلك العلامة الضبَّاع في كتابه "الإضاءة في أصول القراءة"، وذكر بأن ممن قال بهذا الرأي الدَّاني ومكي إذ قالا: "في حرفي اللين من المد بعض ما في حروف المد"، وكذلك الجعبري قال: "واللِّين لا يخلو من أيسر مد فيمد بقدر الطبع"7 وعلى هذا فالرَّوم فيه يكون على مثل ذلك ولا يضبط هذا إلا بالمشافهة.
ـــــــ
1 قريش: 4.
2 آل عمران: 96.
3 البقرة: 178.
4 مريم: 28.
5 انظر: كتاب "العميد في علم التجويد" ص122، 123.
6 انظر: كتاب "أحكام القرآن الكريم" للحصري، ص175.
7 انظر: "الإضاءة في أصول القراءة" للعلامة الضَّبَّاع، ص19، 20، 21.
(1/105)
وأما إن كان المد العارض للسكون قبله همزة نحو: {إِسْرَائِيلَ} 1، {مَآبِ} 2، {لَرَءُوفٌ} 3 فإنه يجوز فيه الأوجه السابقة أيضًا يعنى أن المفتوح مثل: {إِسْرَائِيلَ} فيه عند الوقف ثلاثة أوجه: القصر والتوسط والإشباع مع السكون المحض، وأن المكسور مثل: {مَآبٍ} فيه عند الوقف أربعة أوجه: الثلاثة المتقدمة مع السكون المحض، ثم الرَّوم مع القَصْر، وأن المضموم مثل: {لَرَءُوفٌ} فيه عند الوقف سبعة أوجه: الثلاثة المتقدمة مع السكون المحض، ومثلها مع الإشمام -فتصير ستة- ثم الرَّوم مع القصر، فيكون المجموع سبعة أوجه.
ـــــــ
1 البقرة: 40.
2 الرعد: 29.
3 البقرة: 143.
(1/106)
المد اللازم
مدخل
...
المدُّ اللَّازِمُ:
تعريفُهُ: هو أن يأتي بعد حرف المد أو اللِّين ساكن لازم وصلا ووقفًا سواء كان ذلك في كلمة أو حرف.
أمثلتُهُ: {الْحَاقَّةُ} 1، {ءَآلئَنَ} 2، {الم} 3، {كهيعص} 4.
حكمُهُ: لزوم مدِّه مدًّا متساويًا اتفاقًا وصلا ووقفًا.
مقدارُ مدِّهِ: يمد ست حركات دائمًا إلا في لفظ "عين" أول مريم والشورى ففيه وجهان: الإشباع والتَّوسط وذلك لوقوع السكون الأصلي فيه بعد حرف لين ولم يوجد غيره في القرآن، والإشباع هو المقدم في الأداء، وكذا حرف ميم من: {الم} أول آل عمران في حالة الوصل فقد روي فيه وجهان:
الأول: المد ست حركات استصحابًا للأصل.
الثاني: القصر حركتان اعتدادًا بحركة الميم العارضة وهي الفتحة التي أتى بها للتخلص من التقاء الساكنين، وإنما أُوثرت الفتحة هنا على الكسرة التي هي الأصل
ـــــــ
1 الحاقة: 1.
2 يونُس: 51.
3 البقرة: 1.
4 مريم: 1.
(1/106)
في التخلص وذلك لكون الفتحة وسيلة إلى تفخيم لفظ الجلالة، وإنما قصد تفخيمه ليتلاءم مع تفخيم معناه، أما في حالة الوقف فيتعين فيه المد ست حركات فقط1.
وجهُ تسميتِهِ لازمًا: سمي مدًّا لازمًا للزوم مده ست حركات من غير تفاوت، وأيضًا للزوم سببه وهو السكون وصلا ووقفًا.
أقسامُهُ: ينقسم المد اللازم إجمالا إلى قسمين:
الأول: المد اللازم الكلمي وهو أن يقع السكون الأصلي بعد حرف المد في كلمة مثل: {الطَّامَّةُ} 2.
الثاني: المد اللازم الحرفي وهو أن يقع السكون الأصلي بعد حرف المد في حرف من أحرف الهجاء مثل: {ن} 3 وينقسم تفصيلا إلى أربعة أقسام:
1- مد لازم كلمي مخفف. 2- مد لازم كلمي مثقل.
3- مد لازم حرفي مخفف. 4- مد لازم حرفي مثقل.
ـــــــ
1 من "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص138 بتصرف.
2 سورة النازعات: 34.
3 أول سورة القلم: 1.
(1/107)
القسم الأول: المد اللازم الكلمي المخفف
تعريفُهُ: هو أن يأتي بعد حرف المد سكون أصلي في كلمة خاليًا من التشديد.
أمثلتُهُ: {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} 1، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} 2 بموضعي يونس وليس في القرآن غيرهما.
وجهُ تسميتِهِ كلميًّا: لوقوع السكون الأصلي بعد حرف المد في كلمة واحدة.
وجهُ تسميتِهِ مخففًا: لخفة النطق به نظرًا إلى خلِّوه من التشديد والغنة.
ـــــــ
1 سورة يونس: 51.
2 سورة يونس: 91.
(1/107)
القسم الثاني: المد اللازم الكلمي المثقل
تعريفُهُ: هو أن يأتي بعد حرف المد سكون في كلمة بشرط كونه مشددًا.
أمثلتُهُ: الألف مثل: {الْحَاقَّةُ} 1، والواو مثل: {أَتُحَاجُّونِّي} 2، ولم يأتِ في القرآن مثال للياء3.
وجهُ تسميتِهِ كلميًّا: سمي كلميًّا لوقوع السكون الأصلي بعد حرف المد في كلمة.
وجهُ تسميتِهِ مثقلا: سمِّي مثقلا؛ لثقل النطق به نظرًا إلى كون سكونه فيه تشديد.
تنبيهات:
الأول: لقد أشرنا في تعريف المد اللازم الكلمي أن يأتي بعد حرف المد سكون أصلي في كلمة؛ وذلك ليخرج ما إذا كان حرف المد آخر كلمة، والسكون في أول الكلمة التالية، فإنه يحذف منه حرف المد عند النطق به نحو: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} 4، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} 5، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} 6، وهذا يعتبر من النوع الثاني للمد الأصلي الذي يثبت فيه حرف المد وقفًا ويحذف وصلا، وقد سبقت الإشارة إليه.
الثاني: في القرآن الكريم ثلاث كلمات في ستة مواضع تمدُّ مدًّا مشبعًا ست حركات، ويجوز فيها أيضًا التسهيل7 مع القصر وهي: {آلذَّكَرَيْنِ} 8 معًا
ـــــــ
1 أول الحاقة: 1، 2، 3.
2 سورة الأنعام: 80.
3 من كتاب "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص137.
4 سورة التكوير: 1.
5 سورة البقرة: 116.
6 سورة الحج: 35.
7 التسهيل: هو أن ننطق بالهمزة الثانية بين الهمزة والألف فلا هي همزة خالصة ولا هي ألف خالصة وهذا لا يعرف إلا بالأخذ من أفواه المشايخ.
8 الآيتان: 143، 144.
(1/108)
بالأنعام، {آلْآنَ} 1 معًا بيونُس، {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } 2 بها أيضًا، {آللَّهُ خَيْرٌ} 3 بالنمل وقد أشار المحقق ابن الجزري إلى ذلك بقوله:
وهمز وصل من كآلله أذن ... أبدل لكل أو فسهل واقصرن
الثالث: المد اللازم الكلمي المثقل المتطرف الموقوف عليه ليس فيه سوى الإشباع؛ تغليبًا لأقوى السببين وهو السكون المدغم بعد حرف المد وإلغاء للأضعف4، وهو السكون العارض. وعليه فإذا وقف على المنصوب منه نحو: {صَوَافَّ} 5 فبالسكون المجرد فقط، وعلى المجرور نحو: {غَيْرَ مُضَارٍّ} 6 فبالسكون المجرد فقط ثم بالرَّوم، وعلى المرفوع نحو: {وَلا جَانٌّ} 7 فبالسكون المجرد ثم بالرَّوم ثم بالإشمام وكلها مع الإشباع وقد أشار إلى ذلك صاحب لآلئ البيان بقوله:
سَكِّنهُ إن تَقفْ وأشمِمْ رافعًا ... ورُمْه مع جرٍ بمدٍ مشبعًا
ـــــــ
1 الآيتان: 51، 91.
2 الآية: 59.
3 الآية: 59.
4 من كتاب "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص142.
5 سورة الحج: 36.
6 سورة النساء: 12.
7 سورة الرحمن: 39.
(1/109)
القسم الثالث: المد اللازم الحرفي المخفف
تعريفُهُ: هو أن يأتي بعد حرف المد سكون أصلي في حرف من أحرف الهجاء خاليًا من التشديد.
أمثلتُهُ: {ن وَالْقَلَمِ} 1، {ق وَالْقُرْآنِ} 2، والميم من {الم} 3
وجهُ تسميتِهِ حرفيًّا: سمي حرفيًّا لوقوع السكون الأصلي بعد حرف المد في حرف من أحرف الهجاء الواقعة في فواتح السور.
وجهُ تسميتِهِ مخففًا: سمِّي مخففًا لخفة النطق به نظرًا إلى خلِّوه من التشديد والغنة.
ـــــــ
1 سورة القلم: 1.
2 سورة ق: 1.
3 سورة البقرة: 1.
(1/109)
القسم الرابع: المدُّ اللازمُ الحرفيُّ المثقلُ
تعريفُهُ: هو أن يأتي بعد حرف المد سكون أصلي في حرف من أحرف الهجاء بشرط أن يكون فيه تشديد.
أمثلتُهُ: اللام من {الم} 1، {المص} 2، {المر} 3 والسين من {طسم} 4.
وجهُ تسميتِهِ حرفيًّا: سمي حرفيًّا؛ لوقوع السكون الأصلي بعد حرف المد في حرف من أحرف الهجاء الواقعة في فواتح السور.
وجهُ تسميتِهِ مثقلا: سمي مثقلا؛ لثقل النطق به نظرًا إلى كون سكونه فيه تشديد
تنبيهٌ:
المد اللازم الحرفي ضابطه أن يوجد في حرف في فواتح السور هجاؤه على ثلاثة أحرف وسطها حرف مد، والحرف الثالث مبني على السكون، وهذا يوجد في ثمانية أحرف أشار إليها صاحب التُّحفة بقوله: "يجمعها حروف كم عسل نقص" منها سبعة تمد مدًّا مشبعًا بلا خلاف -وصلا ووقفًا- إلا حرف "ميم" أول آل عمران في حالة الوصل فقد سبق حكمه عند الكلام على مقدار المد اللازم، أما الحرف الثامن فهو "عين" فاتحة مريم والشورى وقد سبق حكمه أيضًا.
والْحَاصِلُ: أن أحرف الهجاء الواقعة في فواتح السور: أربعة عشر حرفًا مجموعة في قول صاحب التُّحفة:
ويجمع الفواتح الأربع عشر ... صله سحيرًا من قطعك ذا اشتهر
ـــــــ
1 سورة آل عمران: 1.
2 سورة الأعراف: 1.
3 سورة الرعد: 1.
4 سورة الشعراء: 1.
(1/110)
وهي على أربعة أقسام:
القسم الأول: ما كان هجاؤه على ثلاثة أحرف وسطها حرف مد وله سبعة أحرف مجموعة في "كم عسل نقص" باستثناء حرف "عين" وهذا القسم يمد مدًّا مشبعًا مقداره ست حركات كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
القسم الثاني: ما كان هجاؤه على ثلاثة أحرف وسطها حرف لين وهو حرف "عين" من فاتحة مريم والشورى وقلنا بأنه يجوزم فيه الإشباع والتوسط.
القسم الثالث: ما كان هجاؤه على حرفين ثانيهما حرف مد، وحروفه خمسة مجموعة في لفظ: "حيٌّ طَهُرَ" وهذا القسم يمد مدًّا طبيعيًّا فقط.
القسم الرابع: ما كان هجاؤه على ثلاثة أحرف ليس في وسطها حرف مد وله حرف واحد وهو: "ألف" وهذا ليس فيه مد أصلا.
فائدةٌ:
الحروف الهجائية وقعت في فواتح تسع وعشرين سورة وهي على خمسة أنواع.
الأول: آحادية وذلك في ثلاث سور هي: "ص، ق، ن".
الثاني: ثنائية وهي في تسع سور: " {طه} ، {طس} " أول النمل، " {يس} ، {حم} " في سورها الست.
الثالث: ثلاثية وذلك في ثلاث عشرة سورة: {الم} أول البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة، {الر} أول يونُس وهود ويوسُف وإبراهيم والحجر، {طسم} أول الشعراء والقصص.
الرابع: رباعية وذلك في سورتين: {المص} أول الأعراف، {المر} أول الرعد.
الخامس: خماسية وذلك في سورتين: {كهيعص} أول مريم، {حم عسق} أول الشورى.
(1/111)
مراتبُ المدودِ:
تتفاوت مراتب المدود تبعًا لتفاوت أسبابها من حيث القوة والضعف، فإذا كان السبب قويًّا كان المد قويًّا، وإذا كان السبب ضعيفًا كان المد ضعيفًا، والمراتب خمسة وهي:
1- المد اللازم.
2- المد المتصل.
3- المد العارض للسكون.
4- المد المنفصل.
5- المد البدل.
ويجمع المراتب الخمس العلامة الشيخ إبراهيم شحاتة السمنودي -حفظه الله- في قوله:
أقوى المدود لازم فما اتصل ... فعارض فذو انفصال فبدل
وإنما كان المد اللازم أقوى هذه المدود جميعًا؛ لأصالة سببه وهو السكون الثابت وصلا ووقفًا، ولاجتماعه معه في كلمة واحدة أو في حرف، وللزوم مده حالة واحدة وهي ست حركات.
وأما المتصل فكان في المرتبة الثانية لأصالة سببه وهو الهمز، ولاجتماعه معه في كلمة واحدة غير أنه مختلف في مقدار مدِّه.
وأما العارض للسكون فكان في المرتبة الثالثة؛ لاجتماع سببه -وهو السكون- معه في كلمة واحدة غير أن السكون فيه عارض، ومقدار مدِّه مختلف فيه بين المد والتوسط والقصر.
وأما المنفصل فكان في المرتبة الرابعة؛ لانفصال سببه عنه وهو الهمز، ولأنه مختلف أيضًا في مقدار مدِّه.
وأما البدل فكان في المرتبة الأخيرة؛ لأن المدود السابقة جميعها يقع سببها بعدها بينما سبب مد البدل متقدم عليه، كما أن المدود السابقة كلها أصلية ولم تبدل من شيء آخر بخلاف مد البدل فهو مبدل من الهمز غالبًا1.
ـــــــ
1 من كتاب "العميد في علم التجويد" ص102، 103، بتصرف.
(1/112)
تنبيهاتٌ:
الأول: حكم اجتماع سببين من أسباب المد
إذ اجتمع سببان من أسباب المد أحدهما قوي والآخر ضعيف عمل بالقوي وألغي الضعيف مثال ذلك قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ} 1 فالهمزة الأولى جاء بعدها واو مدّ وهذا يعتبر من قبيل مد البدل، والهمزة الثانية تقدمها واو مد وهذا يعتبر من قبيل المد المنفصل، ولما كان المد المنفصل أقوى من المد البدل اعتبر المد منفصلا؛ لأنه الأقوى وألغي البدل؛ لأنه الأضعف.
وإلى هذا يشير العلامة المحقق الشيخ إبراهيم شحاتة السمنودي بقوله:
وسببًا مد إذا ما وجدا ... فإن أقوى السببين انفردا
ـــــــ
1 سورة يوسف: 16.
(1/113)
الثاني: حكم اجتماع مدين من نوع واحد
إذا اجتمع مدَّان من نوع واحد كمنفصلين أو متصلين أو عارضين فتجب التسوية بينهما، ولا يجوز زيادة أحدهما أو نقصه عن الآخر، مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} 1 فإذا مدَدْت المنفصل الأول أربع حركات وجب مدّ الثاني أربعًا فقط وإذا مددته خمسًا وجب مد الثاني خمسًا كذلك، وهكذا في بقية أنواع المدود، وإلى ذلك يشير المحقق ابن الجزري بقوله:
واللَّفْظُ في نظِيرِهِ كَمِثْلِهِ
ـــــــ
1 سورة البقرة: 4.
(1/113)
الثالث: حكم اجتماع المتصل والمنفصل
إذا التقى مدَّان أحدهما متصل والآخر منفصل، سواء تقدم المتصل نحو: قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} 1 أم تأخر نحو قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} 2
ففيهما لحفص وجهان إذا مدَدْنا الأول أربع حركات مددنا الثاني أربع حركات أيضًا فقط، وإذا مددنا الأول خمس حركات مددنا الثاني خمس حركات أيضًا فقط.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 34.
2 سورة البقرة: 13.
(1/113)
الرابع: حكم اجتماع المتصل المتطرف الهمز الموقوف عليه مع متصل آخر أو منفصل
...
الرابع: حكم اجتماع المتصل والمتطرف الهمز الموقوف عليه مع متصل آخر أو منفصل
سبق أن عرفنا الأوجه الجائزة في المد المتصل، المتطرف الهمز، الموقوف عليه حالة انفراده وذلك عند الكلام على المد المتصل.
أما إذا اجتمع معه متصل آخر أو منفصل أو هما معًا فتختلف الأوجه الجائزة فيه عن حالة انفراده وله في ذلك ثلاث صور:
الصورة الأولى:
إذا كانت همزته مفتوحة سواء كانت فتحة إعراب أو بناء نحو قوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1 ونحو قوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} 2 جاز فيه أربعة أوجه وهي:
إذا مدَدْنا المتصل الأول أو المنفصل أو هما معًا أربع حركات يجوز لنا في المتصل الوقوف عليه، المتطرف الهمز، وَجْهَانِ: المد أربع حركات أو ست مع السكون المجرد، وإذا مددنا ما قبله خمس حركات مددناه خمس حركات أو ستًّا مع السكون المجرد أيضًا، فهذان وجهان يضمان إلى الوجهين السابقين فيكون المجموع أربعة.
الصورة الثانية:
إذا كانت همزته مكسورة سواء كانت كسرة إعراب أو بناء نحو قوله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} 3، ونحو قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ} 4 وقوله تعالى: {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} 5 جاز فيه ستة أوجه بيانها كالآتي:
إذا مددنا المتصل الأول أو المنفصل أو هما معًا أربع حركات يجوز لنا في المتصل الموقوف عليه، المتطرف الهمز، ثلاثة أوجه وهي: المد أربع حركات أو ست مع
ـــــــ
1 سورة النساء: 43.
2 سورة البقرة: 255.
3 سورة البقرة: 177.
4 سورة النحل: 89.
5 سورة البقرة: 31.
(1/114)
السكون المجرد، ثم المد أربع حركات مع الرَّوم، وإذا مددنا ما قبله خمس حركات مددناه خمس حركات أو ستًّا مع السكون المجرد، ثم المد خمس حركات مع الرَّوم، فهذه ثلاثة تضم إلى الثلاثة السابقة فيكون المجموع ستة أوجه.
الصورة الثالثة:
إذا كانت همزته مضمومة سواء كانت ضمة إعراب أو بناء نحو قوله سبحانه: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} 1، وقوله جلَّ وعلا: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} 2 وقوله عزَّ من قائل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} 3 جاز فيه عشرة أوجه وإليك بيانها.
إذا مددنا المتصل الأول أو المنفصل أو هما معًا أربع حركات يجوز لنا في المتصل الموقوف عليه، المتطرف الهمز، خمسة أوجه وهي: المد أربع حركات أو ست مع السكون المجرد ومثلها مع الإشمام، ثم المد أربع حركات مع الرَّوم، إذا مددنا ما قبله خمس حركات مددناه خمس حركات أو ستًّا مع السكون المجرد ومثلها مع الإشمام، ثم المد خمس حركات مع الرَّوم فهذه خمسة تضم إلى الخمسة السابقة فيكون المجموع عشرة أوجه.
وإلى هذه الصور يشير العلامة المحقق الشيخ إبراهيم شحاتة السمنودي -حفظه الله- في لآلئ البيان بقوله:
وفي اجتماعه بذي انفصال ... أو جمعه مع وصل ذي اتصال
أربعة نصبًا وستة بجر ... وعشرة في حالة الرفع تَقَر
ـــــــ
1 سورة آل عمران: 26.
2 سورة البقرة: 13.
3 سورة يوسف: 110.
(1/115)
الخامس: حكم اجتماع المتصل مع العارض للسكون
...
الخامس : حكم اجتماع المد المتصل مع العارض للسكون
إذا اجتمع المد المتصل مع المد العارض للسكون كما في قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1 فإذا قرأنا المتصل بالمد أربع حركات جاز لنا في العارض للسكون ثلاثة أوجه: القصر والتوسط والإشباع، وإذا قرأنا المتصل بالمد
ـــــــ
1 سورة البقرة: 5.
(1/115)
خمس حركات جاز لنا في العارض للسكون ثلاثة أوجه: القصر والتوسط والإشباع فيكون مجموع الوجوه ستة.
وهكذا الحال إذا اجتمع المد المنفصل مع المد العارض للسكون كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1 ففيها نفس الأوجه الستة السابقة وهي : مد المنفصل أربعًا، عليه ثلاثة العارض للسكون، ومد المنفصل خمسًا عليه ثلاثة العارض أيضًا، وعلى هذا يكون مجموع الوجوه ستة.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 25.
(1/116)
السادس: حكم اجتماع العارض للسكون واللين
سبق أن عرفنا أن المد العارض للسكون الموقوف عليه، وكذا مد اللِّين الملحق به يجوز في كل منهما حالة الانفراد ثلاثة أوجه: القصر والتوسط والإشباع.
وأما في حالة اجتماعهما كأن وقفنا على كل من "الظالمين، البيت" في قوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ} 1 ففيها ستة أوجه وهي: قَصْر "الظالمين" يتعين عليه قصر في "البيت"، وتوسط "الظالمين" يجوز عليه في "البيت" التوسط والقصر، وأما الإشباع في "الظالمين" فيجوز عليه في "البيت" الإشباع والتوسط والقصر فيكون مجموع الوجوه ستة، وإلى ذلك يشير بعضهم بقوله:
وكل من أشبع نحو الدين ... ثلاثة تجري بوقف اللِّين
ومن يرى قصرًا فبالقصر اقتصر ... ومن يوسطْهُ يوسط أو قصر
وأما إذا تقدم اللِّين على العارض للسكون كأن وقفنا على: {لا رَيْبَ} ، {الْمُتَّقِينَ} من قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} 2 جاز فيهما أيضًا ستة أوجه بيانها كالآتي:
ـــــــ
1 سورة البقرة: 124، 125.
2 سورة البقرة: 2.
(1/116)
القصر في "لا ريب" يجوز عليه في "المتقين" ثلاثة العارض، وهي القصر والتوسط والإشباع ثم التوسط في "لا ريب" يجوز عليه في "المتقين" التوسط والإشباع، وأما الإشباع في "لا ريب" فيتعين عليه في "المتقين" الإشباع فقط فيكون مجموع الوجوه ستة أيضًا وإلى هذه الستة أشار بعضهم بقوله:
وكل من قصر حرف اللين ... ثلاثة تجري بنحو الدين
وإن توسطه فوسط أشبعا ... ون تمدُّه مُشبعًا
فتلخص من ذلك أن مد اللِّين والعارض للسكون إذا اجتمعا ووُقِف على كل منهما جاز فيهما ستة أوجه سواء تقدم اللِّين أو تأخر1، وقد أشار إلى هاتين الصورتين العلامة المحقق صاحب لآلئ البيان بقوله:
عارض مد وقف لين إن تلا ... فسوِّ أو زد في الأخير ما علا
وسوِّ حال العكس أو زد ما نزل ... بالمحض.......................
ـــــــ
1 من كتاب "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص144، بتصرف هذا في حالة إذا كانا منصوبين، أما في غير المنصوبين فيلاحظ الرَّوم والإشمام حيث تزيد الوجوه ولم نتعرض لذكرها اختصارًا.
(1/117)
ألقابُ الْمُدُودِ:
لقد ذكر بعض علماء التجويد ألقابًا كثيرة لأنواع من المدود وهي جميعها لا تخرج عن الأنواع التي ذكرناها من أنواع المدين: الأصلي والفرعي، وسوف نكتفي بذكر أهم هذه الألقاب بالنسبة لرواية حفص فنقول:
أولا: مد الصِّلة
وذلك عند صلة هاء الضمير التي يكنى بها عن المفرد الغائب فالمضمومة توصل بواو، والمكسورة توصل بياء، وهي نوع من أنواع المد الأصلي.
وقد ذكر العلامة الضَّبَّاع في كتاب "الإضاءة" أن مد الصلة هو اللاحق لميم الجمع عند من قرأها بالصلة وصلا1.
ثانيًا: مد التمكين
وهو مَدَّة لطيفة مقدارها حركتان يؤتى بها وجوبًا للفصل
ـــــــ
1 من كتاب "الإضاءة في أصول القراءة" ص26 بتصرف.
(1/117)
بين الواوين في نحو: {آمَنُوا وَعَمِلُوا} 1، أو الياءين في نحو: {فِي يَوْمَيْنِ} 2 حذرًا من الإدغام أو الإسقاط وهو يعتبر من أنواع المد الطبيعي3.
وقال بعضهم: هو كل ياءين: أولاهما مشددة مكسورة والثانية ساكنة نحو: {حُيِّيتُمْ} 4، {النَّبِيِّينَ} 5 وسمِّي مد تمكين؛ لأنه يخرج متمكنًا بسبب الشدة، وعلى القولين فهو نوع من أنواع المد الأصلي6.
ثالثًا: مد العوض
وهو يكون عند الوقف على التنوين المنصوب نحو: {أَفْوَاجًا} 7 فيقرأ ألفًا عوضًا عن التنوين8.
وقال العلامة الضبَّاع في كتاب الإضاءة: هو اللاحق لهاء الكناية المسبوقة بفعل حذف آخره للجازم نحو: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} 9، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} 10، وحكمه المد بقدر المنفصل إذا وقع بعد الهاء همز، ويقدر الطبيعي إذا لم يأتِ بعدها همز11.
رابعًا: مد التعظيم:
وذلك في نحو: {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ} 12 عند من يقصر المنفصل لهذا المعنى، وهو لا يجوز لحفص إلا من طريق الطَّيِّبَة، ويقال له أيضًا مد المبالغة، فقد ذكر ابن الجزري في النَّشر قول ابن مِهْرَان في كتاب "الْمَدَّات" قال: إنما سمِّي مد المبالغة؛ لأنه طلب للمبالغة في نفي الألوهية عما سوى الله سبحانه13.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 25.
2 سورة فصلت: 12.
3 من كتاب "الإضاءة في أصول القراءة" ص24.
4 سورة النساء: 86.
5 سورة البقرة: 61.
6 من كتاب "حق التلاوة" لحسني شيخ عثمان، ص78.
7 سورة النصر: 2.
8 من كتاب "حق التلاوة" ص78.
9 سورة آل عمران: 75.
10 سورة النساء: 115.
11 انظر: "الإضاءة في أصول القراءة" ص26.
12 سورة الأنبياء: 87.
13 انظر: النشر "ج: 1، ص458، 459" تحقيق د/ محمد سالم محيسن بتصرف.
(1/118)
خامسًا: مد الفرق
وهوعبارة عن الألف التي يؤتى بها بدلا من همزة الوصل في: {آلذَّكَرَيْنِ} 1، {آللَّهُ} 2، {آلْآنَ} 3، حالة الإبدال بالمد الطويل، وسمِّي بذلك للفرق بين الاستفهام والخبر4، وهو من أقسام المد اللازم الكلمي المثقل أوالمخفف.
ـــــــ
1 سورة الأنعام: 143، 144.
2 سورة يونس: 59، سورة النمل: 59.
3 سورة يونس: 51، 91.
4 من كتاب "الإضاءة" ص24 بتصرف.
(1/119)
قال صاحب التُّحْفَة:
أَقْسَامُ الْمَدِّ:
والمد أصليٌّ وفرعيُّ لهُ ... وسَمِّ أولا طبيعيًّا وهو
ما لاتوقفٌ له على سببْ ... ولا بدونه الحروف تجتلبْ
بل أي حرفٍ غير همز أو سكون ... جا بعد مد فالطبيعيَّ يكون
والآخرُ الفرعيُّ موقوف على ... سببٍ كهمزٍ أو سكونٍ مُسْجَلا
حروفه ثلاثة فَعِيهَا ... من لفظِ وايٍ وَهْيَ في نوحيها
والكسر قبل اليا وقبل الواو ضم ... شرط وفتح قبل ألف يُلتزم
واللِّين منها اليا وواو سُكِّنا ... إن انفتاحٌ قبلَ كلٍّ أُعلِنَا
أحكامُ المدِّ:
للمدِّ أحكامٌ ثلاثةٌ تدومْ ... وهي الوجوب والجواز واللُّزومْ
فواجب إن جاء همز بعد مدْ ... في كلمة وذا بمتصلٍ يُعَدْ
وجائز مدٌّ وقصرٌ إن فُصِلْ ... كل بكلمة وهذا المنفصلْ
ومثل ذا إن عرض السكون ... وقفًا كتعلمون نستعين
أو قدم الهمز على المد وذا ... بدل كآمنوا وإيمانًا خذا
ولازم إن السكون أصلا ... وصلا ووقفًا بعد مد طولا
أقسامُ المدِّ اللازمِ:
أقسام لازم لديهم أربعة ... وتلك كلميٌّ وحرفيٌّ معهْ
كلاهما مخففٌ مثقلُ ... فهذه أربعةٌ تُفَصَّلُ
فإن بكلمة سكونٌ اجتمعْ ... مع حرف مد فهو كلميٌّ وقعْ
أو في ثلاثيّ الحروفِ وجدا ... والمد وسْطه فحرفيٌّ بدا
كلاهما مثقل إن أُدغما ... مخفف كلٌّ إذا لم يُدغما
واللازمُ الحرفيُّ أول السور ... وجوده في ثمانٍ انحصرْ
(1/120)
يجمعها حروف كم عسلْ نقصْ ... وعينْ ذو وجهين والطول أخص
وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف ... فمدُّه مدًّا طبيعيًّا أُلِفْ
وذاك أيضًا في فواتحِ السُّورْ ... في لفظِ حي طاهر قد انحصرْ
ويجمع فواتح الأربع عشرْ ... صِلْهُ سُحَيرًا من قَطَعَك ذا اشْتَهَرْ
وقال صاحب لآلئ البيان:
أقسامُ المدِّ:
والمد الأصلي وفرعي جلا ... وسمِّ بالمد الطبيعي الأوَّلا
وهو ما لم يكُ بعد حرف مد ... حرف مسكن أو الهمز ورد
وذاك كلمي وحرفي جرى ... كأتجادلونني طه ورا
أما الأخيرُ فهو موقوفٌ على ... همزٍ أو السكونٍ مطلقًا جلا
حروفُه في لفظِ واي جمعت ... ومع شروطِها بنوحيها أتتْ
أحكامُ المدِّ:
فواجب مع سبقه إن يتصل ... بهمزة وجائز إن ينفصل
أو إن عليه همزة تقدمت ... أو عارض السكون للوقف ثبت
واللِّين ملحقٌ به إذا وقف ... ولكن الطول بقلة وصف
ولازم إن ساكن جا بعد مد ... وقفًا ووصلا وبست يعتمد
وإن طَرَا تحريكُهُ فاشبعا ... واقصر وعين امدد وسطه معًا
وإن بحرف جاء فالحرفي ... وإن بكلمة فذا الكلمي
مثقلا حيث كل شددا ... مخففان حيث لم يشددا
(1/121)
نموذج من الأسئلة:
1- عرف المد والقصر لغة واصطلاحًا، وبَيِّن حقيقة كل منهما وما اصطلح عليه علماء التجويد في مقدار كل منهما.
2- ما حروف المد؟ وما شروطها؟ ومتى تكون الواو والياء حرفي لين أو حرفي علة؟
3- اذكر أقسام المد، وبين ما هو المد الأصلي؟ وما مقدار مدِّه؟ وما وجه تسميته أصليًّا وطبيعيًّا؟ وما أنواعه؟ مع التمثيل لكل نوع بمثال.
4- ما هو المد الفرعي؟ وما أسبابه؟ وما وجه تسميتها أسبابًا؟ وما أنواعه؟ وما أحكامه؟ وما هي الأنواع التي تختص بكل حكم؟
5- عرف المدَّ المتصل، واذكر حكمه ومقدار مدِّه ووجه تسميته متصلا مع التمثيل له بثلاثة أمثلة.
6- اذكر الأوجه الجائزة في المد المتصل المتطرف الهمز الموقوف عليه سواء كانت همزته مفتوحة أم مكسورة أم مضمومة.
7- عرف المد المنفصل، واذكر حكمه، ومقدار مده، ووجه تسميته منفصلا ثم مَثِّلْ له بثلاثة أمثلة.
8 عرف المد العارض للسكون، واذكر حكمه، ومقدار مدِّه، ووجه تسميته عارضًا مع التمثيل له بثلاثة أمثلة.
9 ما وجه كل من القصر والتوسط والإشباع في العارض، وعلى أي مرتبة من مراتب القراءة يستحب كل وجه من هذه الثلاثة؟
10 اذكر الأوجه الجائزة في المد العارض للسكون بأنواعه الثلاثة مع التمثيل لما تذكر.
11 عرف مدَّ البدل، واذكر حكمه، ومقدار مده، ووجه تسميته بدلا، ثم مَثِّلْ له بثلاثة أمثلة.
12- هل يعتبر المد في: "ءآمِّين، برءآؤا، مئاب" إذا وقف على الأخير من باب المد البدل؟ اذكر حكمها بالتفصيل مع التعليل.
(1/122)
13- عرِّف المد اللازم، واذكر حكمه، ومقداره مدِّه، ووجه تسميته لازمًا، ثم بين أقسامه إجمالا وتفصيلا مع التمثيل لكل قسم.
14- لماذا اشترط في تعريف المد اللازم الكلمي أن يقع بعد حرف المد سكون أصلي في كلمة؟
15- ما الأوجه الجائزة في كل من: {آلذَّكَرَيْنِ} ، {آلآنَ} ، {آللَّهُ} ؟
16- كم عدد الحروف الهجائية الواقعة في فواتح السور؟ وما أقسامها؟ وما حكم كل قسم؟
17- اذكر مراتب المدود، وبَيِّن لماذا كان كل منها في مرتبته.
18- إذا اجتمع مدَّان من نوع واحد في آية واحدة فما مقدار مدِّ كل منها؟
19- إذا اجتمع سببان من أسباب المد أحدهما قوي والآخر ضعيف في مدٍّ واحد فما الحكم؟ وما ضابط ذلك من النَّظْمِ؟
20- بَيِّنْ نوع كل مدٍّ مما تحته خط في الآية الآتية، واذكرحكمه، وسببه، ومقدار مدِّه:
ـــــــ
1 سورة البقرة، الآية: 255.
(1/123)
مخارج الحروف
معنى المخرج وفائدته
...
مخارجُ الحروفِ:
المخارج:
جمع مَخْرَج على وزن مَفْعَل، بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء.
والمخرج لغةً: محلُّ الخروج.
واصطلاحًا: اسم لموضع خروج الحرف وتمييزه عن غيره، كمَدْخَل اسم لموضع الدُّخول، ومَرْقَد اسم لموضع الرُّقود.
معنى المخرج وفائدته:
المخارج للحرف بمثابة الموازين تعرف بها مقاديرها فتتميز عن بعضها.
(1/124)
معنى الحرف والطريقة لمعرفة مخرجه
...
معنى الحرف والطريفة لمعرفة مخرجه:
والحرف لغةً:
الطَّرَف.
واصطلاحًا: صوت اعتمد على مخرج مُحَقَّقٍ أو مقدَّر.
فالمخرج المحقق: هو الذي يعتمد على جزء معين من أجزاء الفم كالحلق أو اللسان.
والمخرج المقدَّر: هو الذي لا يعتمد على شيء من أجزاء الفم كمخرج الألف حيث تخرج من الجوف.
طريقةُ معرفةِ مخرجِ الحرفِ:
والطريقة لمعرفة مخرج أي حرف من الحروف أن تنطق به ساكنًا أو مشددًا، ثم تُدْخل عليه همزة الوصل محركةً بأي حركة كانت؛ فحيث انقطع الصوت فهو مخرجه المحقق، ولمعرفة مخرج حروف المد ادْخِلْ على أي حرف منها حرفًا محركًا بحركة مناسبة له ثم اصْغِ إليه، تجد أنه ينتهي بانتهاء الهواء الخارج من جوف الفم، وبذلك يتضح لك أن مخرجها مقدر، وباقي أحرف الهجاء مخرجها محقق.
(1/124)
تقسيم الحروفُ الهجائيةِ:
الحروف الهجائية قسمان: أصلية وفرعية1.
فالأصلية: تسعة وعشرون حرفًا على المشهور، أولها الألف، وآخرها الياء.
والفرعية: هي التي تخرج من مخرجين أو تَتَرَدَّدُ بين حرفين أو صفتين وعددها ثمانية:
1- الهمزة الْمُسَهَّلَة بَيْنَ بَينَ: أي التي ينطق بها بين الهمزة والألف نحو:
{أَأَعْجَمِيٌّ} 2، أو بَينَ الهمزة والياء نحو: {أءِنك} 3، أو بين الهمزة والواو نحو {أءُنْزِل} 4 عند غير حفص فيهما.
2- الألف الْمُمَالَة: أي التي ينطق بها مائلة إلى الياء وهي لحفص خاصة في كلمة {مَجْرَاهَا} 5 بسورة هود.
3- الصاد الْمُشَمَّة صوتَ الزَّاي: نحو {الصِّرَاط} 6 في قراءة حمزة فينطق بها مخلوطة بصوت الزاي.
4- الياء المشمة صوت الواو: نحو {قِيلَ} 7 في قراءة الكسائي وهشام فينطق بها مخلوطة بصوت الواو.
5- الألف المفخمة: ذلك إذا وقعت الألف بعد حرف مفخم فإنها تتبعه في التفخيم مع أن الأصل فيه الترقيق نحو: {الطَّامَّة} 8.
ـــــــ
1 من كتاب "نهاية القول المفيد في علم التجويد" بتصرف، ص28، 29، 30.
2 سورة فصلت: 44.
3 سورة يوسف: 90.
4 سورة ص: 8.
5 سورة هود: 41.
6 سورة الفاتحة: 6.
7 سورة البقرة: 11.
8 سورة النازعات: 34.
(1/125)
6- اللام المفخمة: وذلك في لفظ الجلالة إذا وقع قبلها ضم أو فتح مثل: {عَبْدُ اللَّه} 1، {قَالَ اللَّهُ} 2، علمًا بأن الأصل في اللام الترقيق3.
7- النون المخفاة: حيث تختلط بالحرف الذي بعدها مثل: {يَنكُثُونَ} 4.
8- الميم المخفاة: وهي مثل النون وكلاهما إذا أُخْفِيَا صارا حرفين ناقصين مثل: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} 5.
ـــــــ
1 سورة مريم: 30.
2 سورة المائدة: 116.
3 فالألف واللام في حالة تفخيمهما يعتبران فرعًا من المرقق.
4 سورة الأعراف: 135.
5 سورة البقرة: 33.
(1/126)
أقسام المخارج
مدخل
...
أقسامُ المخارجِ:
المخارج قسمان:
1- مخارج عامة، 2- مخارج خاصة.
فالمخارج العامة:
هي المشتملة على مخرج فأكثر وتنحصر في خمسة:
1- الجوف، 2- الحلق، 3- اللسان، 4- الشَّفتان، 5 الخَيشُوم.
والمخارج الخاصة:
هي المحددة التي لا تشتمل إلا على مخرج واحد، وقد اختلف فيها العلماء، فمنهم من عدَّها سبعة عشر مخرجًا منحصرة في خمسة مخارج عامة كما سبق، وهو مذهب الخليل بن أحمد، واختاره الإمام ابن الجزري فجعل للجوف مخرجًا واحدًا، وللحلق ثلاثة، وللسان عشرة، وللشفتين اثنين، وللخيشوم واحدًا.
ومنهم من عدَّها ستة عشر مخرجًا منحصرة في أربعة مخارج عامة، وذلك بأن أَسْقَطَ مخرج الجوف، وفرَّق حروفه فجعل مخرج الألف من أقصى الحلق كالهمزة، ومخرج الياء المدِّيَّة كغير المدية من وسط اللسان، ومخرج الواو المدية كغير المدية من الشفتين، وهذا مذهب سيبويه ومن تبِعه، واختاره الإمام الشاطبي .
(1/126)
ومنهم من عدَّها أربعة عشر مخرجًا بأن أسقط مخرج الجوف ووزَّع حروفه كالمذهب السابق، ثم جعل مخرج اللام والنون والراء مخرجًا واحًدا وهو طَرَفُ اللسان وهذا مذهب الفَرَّاء وأصحابه.
والمشهور الذي عليه العمل هو المذهب الأول وإليه يشير ابن الجزري بقوله:
مخارجُ الحروفِ سبعةَ عشرْ ... على الذي يختارُه منِ اختبرْ
وفيما يلي بيانها مفصَّلة:
(1/127)
المخرج الأول من المخارج العامة الْجَوفُ:
ومعناه لغة: الخلاء. واصطلاحًا: الخلاء الواقع داخل الحلق والفم وتخرج منه ثلاثة أحرف وهي حروف المد:
1- الألف نحو: {قَالَ} 1،
2- الواو المدية نحو: {يَقُولُ} 2،
3- الياء المدية نحو: {قِيلَ} 3، وتسمى هذه الأحرف جوفية؛ لأنها من الجوف، وتسمى مدية؛ لامتداد الصوت في يُسْرعند النطق بها، وتسمى كذلك هوائية؛ لأنها تنتهي بانقطاع هواء الفم، وتسمى أيضًا حروف عِلَّة لتأوُّه العليل -أي المريض- بها4.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 30.
2 سورة البقرة: 8.
3 سورة البقرة: 11.
4 انظر: "العميد في علم التجويد، ص62".
(1/127)
المخرجُ الثاني منَ المخارجِ العامَّةِ الحلق:
وفيه ثلاثة مخارج تخرج منها ستة أحرف وهي:
1- أقصى الحلق: أي أبعده مما يلي الصدر ويخرج منه: الهمزة فالهاء.
2- وسط الحلق: وهو ما بين أقصاه وأدناه ويخرج منه: العين والحاء.
3- أدنى الحلق: أي أقربه مما يلي الفم ويخرج منه: الغين والخاء.
(1/128)
المخرجُ الثالثُ من المخارجِ العامَّةِ اللسان:
وفيه عشرة مخارج تخرج منها ثمانية عشرة حرفًا وهي:
1- أقصى اللسان من فوق -أي أبعده مما يلي الحلق- مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى ويخرج منه: القاف.
2- أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، ويخرج منه: الكاف، إلا أن مخرجها أسفل من مخرج القاف، قريب من وسط اللسان.
وربَّ سائل يسأل: لِمَ جعل أقصى اللسان مخرجين لحرفين، ولم يجعل مخرجًا واحدًا كأقصى الحلق؟
ويجاب: بأن هناك فرقًا بين أقصى اللسان، وأقصى الحلق، وذلك لأن أقصى اللسان فيه طُولٌ، وبين موضعي القاف والكاف بُعْد؛ ولذا اعتبر كل من الموضعين مخرجًا خاصًّا لحرف خاص، بخلاف أقصى الحلق ففيه قِصَر، وبين موضعي الهمزة والهاء قُرب شديد ولذا اعتبر أقصى الحلق
(1/128)
مخرجًا واحدًا لحرفين1.
3- وسط اللسان مع ما يحاذية من الحنك الأعلى، ويخرج منه: الجيم فالشين فالياء غيرُ المدِّيَّة.
4- إحدى حافتي اللسان مما يلي الأضراس العليا اليسرى أو اليمنى، ويخرج منه الضاد، وخروجه من اليسرى أسهل وأكثر استعمالا، ومن اليمنى أصعب وأقل استعمالا، ومن الجانبين معًا أعز وأعسر، وبالجملة فالضاد أصعب الحروف وأشدها على اللسان، ولا توجد في لغة غير العربية؛ ولذلك تسمَّى لغة الضاد.
5- أدنى حافة اللسان إلى منتهاها مع ما يحاذيها من اللَّثَة العليا ويخرج منه: اللام.
6- طرف اللسان تحت مخرج اللام قليلا مع ما يليه من لَثَة الأسنان العليا ويخرج منه: النون المظهرة والمتحركة، وقيدنا النون بالمظهرة؛ لأن النون المخفاة عبارة عن غنّة مخرجها الخيشوم، وهي من الحروف الفرعية2.
7- طرف اللسان قريب إلى ظهره قليلا بعد مخرج النون، ويخرج منه الراء والمراد من ظهر اللسان: ظهره مما يلي رأسه، وظهره أي صفحته التي تلي الحنك الأعلى3.
8- طرف اللسان مع ما بين الثنايا العليا والسفلى، قريب إلى أطراف الثنايا السفلى غير أنه يوجد انفراج قليل بينهما، ويخرج منه: الصاد والزاي والسين.
9- ظهر طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا ويخرج منه: الطاء والدال والتاء.
10- ظهر طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا، ويخرج منه: الظاء والذال والثاء.
ـــــــ
1 من "نهاية القول المفيد" بتصرف، ص34.
2 انظر: "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص35.
3 انظر: المرجع السابق، ص35.
(1/129)
المخرجُ الرابعُ من المخارجِ العامَّةِ الشَّفتان:
وفيهما مخرجان:
الأول: بطن الشَّفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا ويخرج منه حرف: الفاء.
الثاني: ما بين الشفتين معًا ويخرج منه ثلاثة أحرف وهي: الباء والميم والواو، مع انطباق عند الباء والميم وانفراج قليل عند الواو المدية.
(1/130)
المخرجُ الخامسُ من المخارجِ العامَّةِ الخيشوم:
الخيشوم هو أقصى الأنف من الداخل وفيه مخرج واحد تخرج منه: الغنة، وقد سبق الكلام عليها باستيفاء عند أحكام النون والميم المشددتين فارجع إليه إن شئت.
فائدةٌ:
اعلم أن حروف الهجاء عند أحكام النون الساكنة والتنوين، يكون عددها ثمانية وعشرين حرفًا فقط؛ فللإظهار ستة، وللإدغام ستة، وللإقلاب واحد.
وللإخفاء خمسة عشر، أما حروف المد الثلاثة فلا تقع بعد النون الساكنة والتنوين
(1/130)
مطلقًا خشية التقاء الساكنين.
وكذا الحكم عند الميم الساكنة واللامات السواكن، يكون عدد الحروف الهجائية ثمانية وعشرين حرفًا أيضًا لهذا السبب.
أما عند مخارج الحروف فيكون عددها واحدًا وثلاثين حرفًا. فالجوف يخرج منه ثلاثة أحرف، والحلق ستة، واللسان ثمانية عشر، والشفتان أربعة.
وكذا عند صفات الحروف يكون عددها واحدًا وثلاثين حرفًا أيضًا وسنُبَيِّنُها فيما بعد.
(1/131)
ألقابُ الحروفِ:
للحروف ألقاب عشرة بحسب المواضع التي تخرج منها، اصطلح عليها علماء التجويد واشتهرت بذلك عندهم وهي:
"حَلْقيَّة، لَهَوِيَّة، شَجَريَّة، أسَلية، نَطْعِيَّة، لَثَوِيَّة، ذَلَقِيَّة، شفَهِيَّة، جَوفِيَّة، هوائية" وفيما يلي بيانها بالتفصيل:
1- الحروف الحَلْقِيَّة: وهي ستة الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، وسميت بذلك لخروجها من الحلق.
2- الحروف اللَّهَوِية: وهما حرفان: القاف والكاف، ولقبا بذلك؛ لخروجهما من قرب اللَّهَاة؛ وهي اللَّحْمَة المدلَّاة في أقصى سقف الحلق.
3- الحروف الشَّجَريَّة: وهي ثلاثة الجيم والشين والياء، ولقبت بذلك لخروجها من شَجَر الفم أي منفتح ما بين اللحيين، هذا ما قاله أكثر علماء التجويد، وقد ذكر صاحب لآلئ البيان أن حرف الضاد يلقب أيضًا بأنه من الحروف الشَّجرية1 وأشار إلى ذلك بقوله:
ـــــــ
1 قال الإمام ابن الجزري في "النشر" أن الخليل بن أحمد قال: بأنها شجرية والشجرة عنده مفرج الفم، انظر: النشر، ج: 1، ص287.
(1/131)
والجيم والشين وياء لقبت ... مع ضادها شجرية كما ثبت
وبذلك تكون الحروف الشجرية أربعة.
4- الحروف الأسَلِيَّة: وهي ثلاثة الصاد والزاي والسين، ولقبت بذلك لخروجها من أسلة اللسان أي من طرفه.
5- الحروف النّطَعية: وهي ثلاثة الطاء والدال والتاء، ولقبت بذلك لخروجها من قرب نطع الفم أي من غاره؛ وهو الجزء الأمامي من الحنك الأعلى.
6- الحروف اللَّثَوِيَّة: وهي ثلاثة الظاء والذال والثاء، ولقبت بذلك لقرب مخرجها من اللثة؛ وهي اللحم الذي ينبت فيه الأسنان.
7- الحروف الذَّلَقِيَّة: وهي ثلاثة اللام والراء والنون، ولقبت بذلك لخروجها من ذَلَق اللسان أي طرفه.
8- الحروف الشَّفَهِيَّة: وهي أربعة الفاء والواو والباء والميم، ولقبت بذلك لخروج الفاء من بطن الشفة السفلى، وخروج الباقي من الشفتين معًا.
9- الحروف الجوفية: وهي حروف المد الثلاثة، ولقبت بذلك لخروجها من الجوف.
10- الحروف الهوائية: وهي نفس الحروف الجوفية السابق ذكرها، ولكنها لقبت بذلك أيضًا؛ لأن خروجها ينتهي بانقطاع هواء الفم.
وإلى هذه الألقاب العشرة يشير صاحب "لآلئ البيان" بقوله:
وأحرفُ المدِّ إلى الجوفِ انتمتْ ... وهكذا إلى الهواءِ نُسِبَتْ
وأحرفُ الحلقِ أتتْ حلقيةْ ... والقافُ والكافُ معًا لهويةْ
والجيمُ والشينُ وياءٌ لقبتْ ... مع ضادِها شجريةً كما ثبتْ
واللامُ والنونُ ورَا ذلقيةْ ... والطاءُ والدالُ وتا نطْعِيَّةْ
وأحرفُ الصفيرِ قل أسليةْ ... والظاءُ والذالُ وثا لثويةْ
(1/132)
والفا وميم با وواو سمِّيتْ ... شفويةً فتلك عشرةٌ أتتْ
وأشار الإمام ابن الجزري إلى المخارج السبعة عشر فقال:
مخارجُ الحروفِ سبعةَ عشرْ ... على الذي يختاره من اختبرْ
فألف الجوف وأختاها وهي ... حروف مد للهواء تنتهي
ثم لأقصى الحلق همز هاء ... ثم لوسطه فعين حاء
أدناه غين خاؤها والقاف ... أقصى اللسان فوق ثم الكاف
أسفل والوسْط فجيم الشين يا ... والضاد من حافته إذ وليا
الأضراس من أيسر أو يمناها ... واللام أدناها لمنتهاها
والنون من طرفه تحت اجعلوا ... والرا يدانيه لظهر أدخل
والطاء والدال وتا منه ومن ... عليا الثنايا والصفير مستكن
منه ومن فوق الثنايا السفلى ... والظاء والذال وثا للعليا
من طرفيهما ومن بطن الشفة ... مع أطراف الثنايا المشرفةْ
للشفتين الواو باء ميم ... وغنة مخرجها الخيشوم
(1/133)
جدول بمخارج الحروف العامة والخاصة
...
(1/134)
رسم كروكي لمخارج الحروف:
(1/135)
أسئلة:
1- عرِّف كلًّا من المخرج والحرف لغة واصطلاحًا.
2- اذكر الفرق بين المخرج المحقق والمخرج المقدر.
3- بَيِّن كيف تعرف مخرج أي حرف من الحروف الهجائية.
4- اذكر أربعة أحرف من الحروف الفرعية مع بيان حقيقة الحرف الفرعي.
5- اذكر عدد المخارج العامة.
6- وضح مذاهب العلماء في عدد المخارج الخاصة.
7- كم مخرجًا للحلق وما حروف كل منها؟ وبم تلقب هذه الحروف؟
8- ما هو الجوف؟ وما حروفه؟ وبم تسمى؟ وما وجه هذه التسمية؟
9- كم مخرجًا للشفتين؟ وما حروفها؟ وبم تلقب؟
10- اذكر مخرج كل حرف من الحروف الآتية:
الهمزة، الجيم، اللام، الظاء، الفاء، الألف.
(1/136)
صفات الحروف
مدخل
...
صفاتُ الحروفِ:
الصفات جمع صفة. وهي لغة: ما قام بالشيء من المعاني كالعِلم والسواد والبياض، وليس المقصود الصفة بمعنى النعت كما أراده النحويون، أو ما يرجع إليها عن طريق المعنى نحو: شبه أو مثل، بل المقصود بالصفة المعاني الحسية أو المعنوية.
واصطلاحًا: كيفية ثابتة للحرف عند النطق به، مِنْ جهر واستعلاء وقلقلة ونحو ذلك.
والصفات تعتبر بمثابة المعايير للحروف فتُمَيِّز بينها حتى يُعرف القوي من الضعيف وخاصة تلك التي تخرج من مخرج واحد كالطاء والتاء، فلولا الإطباق والقلقلة في الطاء لما استطعت أن تميز بينهما.
فببيان الصفة تُعْرَف كيفيةُ الحرف عند النطق به من سليم الطبع كجري الصوت وعدمه1.
فوائدُ الصفاتِ:
اعلم أن للصفات ثلاث فوائد2:
الأولى: تمييز الحروف المشتركة في المخرج.
الثانية: معرفة القوي من الضعيف؛ ليعلم ما يجوز إدغامه وما لا يجوز، فإن ما له قوة ومزيَّة عن غيره لا يجوز أن يدغم في ذلك الغير؛ لئلا تذهب تلك المزيَّة.
الثالثة: تحسين لفظ الحروف مختلفة المخارج.
ـــــــ
1 انظر: "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص41.
2 المرجع السابق، ص42.
(1/137)
اختلافُ العلماءِ في عددِ الصِّفاتِ:
لقد اختلف العلماء في عدد الصفات: فذهب ابن الجزري ومن تبعه إلى أنها ثماني عشرة صفة، وعدَّها بعضهم عشرين، وزادها بعضهم حتى أوصلها إلى أربع وأربعين صفة إلى غير ذلك من الأقوال، وقد اخترنا المذهب المشهور وهو أن عدد الصفات عشرون صفة.
تقسيمُ الصفاتِ:
تنقسم الصفات إلى قسمين:
1- ذاتية، 2- عَرَضِيَّة.
فالذاتية: هي الصفة الملازمة للحرف بمعنى أنها لا تفارقه أبدًا كلقلقة والشِّدة.
والعَرَضِيَّة: وهي الصفة التي تلحق الحرف أحيانًا وتفارقه أحيانًا أخرى كالتفخيم والترقيق، وقد أشار صاحب لآلئ البيان إلى الصفات العارضة بقوله:
إظهار إدغام وقلب وكذا ... إخفا وتفخيم ورق أخذا
والمد والقصر مع التحرك ... وأيضًا السكون والسكت حكي
والكلام هنا على الصفات الذاتية وهي قسمان:
1- قسم له ضد، 2- قسم لا ضد له.
فالقسم الأول: وهو الذي له ضد فعدد صفاته إحدى عشرة صفة وهي: الجهر ضده الهمس، والرِّخاوة وضدها الشِّدة وبينهما صفة التَّوسط ويقال لها الْبَينِيَّة أيضًا، والاستفال وضده الاستعلاء، والانفتاح وضده والإطباق، والإصمات وضده الإذلاق.
والقسم الثاني: هو الذي لا ضد له وعدد صفاته تسع وهي: الصفير، القلقلة، اللِّين، الانحراف، التَّكرير، التَّفَشِّي، الاستطالة، الخفاء، الغُنَّة.
وفيما يلي بيان هذه الصفات تفصيلا:
(1/138)
أولا: الصفات التي لها ضد
1- الهمس:
ومعناه لغة: الخفاء. واصطلاحًا: جريان النَّفَس عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على مخرجه وحروف صفة الهمس عشرة، جمعها الإمام ابن الجزري في قوله: فحثَّه شخصٌ سَكَت، وهي الفاء، والحاء، والثاء، والهاء، والشين، والخاء، والصاد، والسين، والكاف، والتاء.
وبعض هذه الحروف أقوى من بعض في الهمس، فأعلاها الصاد؛ لما فيها من استعلاء وإطباق وصفير وكلها من صفات القوة، ويليها الخاء؛ لأن فيها استعلاء ويلي الخاء الكاف والتاء؛ لما فيهما من الشدة وهي من صفات القوة أيضًا، وأضعف هذه الحروف هي الهاء والفاء والحاء والثاء إذا ليس فيها صفة قوة مطلقًا.
والأمثلة بالنسبة لحروف كل صفة من الصفات سهلة ومعروفة وقد تركتها اختصارًا.
وتظهر الصفة حالة النطق بالحرف إذا كان ساكنًا أو مشددًا بصفة خاصة، وكذا إذا كان متحركًا، أما حروف المد فحسب شروطها.
2- الجهر:
وهو ضد الهمس
ومعناه لغة: الظهور والإعلان. واصطلاحًا: انحباس جري النفس عند النطق بالحرف؛ لقوة الاعتماد على مخرجه.
وحوفُهُ: الهمزة، والباء، والجيم، والدال، والذال، والراء، والزاي، والضاد، والطاء، والظاء، والعين، والغين، والقاف، واللام، والميم، والنون، والواو، والياء، والألف، والواو المدِّيَّة، والياء المدية.
(1/139)
وبعض هذه الحروف أقوى من بعض في الجهر، وذلك على قدر ما في الحرف من صفات القوة، فالطاء أقوى من الدال وإن اشتركتا في صفة الجهر إلا أن الطاء تنفرد بالإطباق والاستعلاء وهكذا.
3- الشِّدة:
ومعناها لغة: القوة. واصطلاحًا: انحباس جري الصوت عند النطق بالحرف؛لكمال قوة الاعتماد على مخرجه.
وحروف الشدة ثمانية جمعها الإمام ابن الجزري في قوله: أَجِدُ قَطٍ بَكَتْ، وهي: الهمزة، الجيم، والدال، والقاف، والطاء، والباء، والكاف، والتاء.
وهذه الحروف مختلفة أيضًا في القوة فإن كان مع الشدة جهر وإطباق فذلك غاية القوة كالطاء.
تنبيهٌ:
بقدر ما يوجد في الحرف من صفات قوية تكون قوته، وعلى قدر ما يوجد فيه من صفات الضعف يكون ضعفه.
4- التَّوَسُّط:
ومعناه لغة: الاعتدال. واصطلاحًا: اعتدال الصوت عند النطق بالحرف.
وحروف التوسط خمسة، جمعها الإمام ابن الجزري في قوله: لِنْ عُمَر، وهي: اللام، والنون، والعين، والميم، والراء.
ويسميها بعضهم البَينِِيَّة؛ وذلك لعدم كمال انحباس الصوت كانحباسه في حروف
(1/140)
الشدة، وعدم كمال جريانه كما في حروف الرِّخاوة بل حالة متوسطة بين كمال انحباس الصوت وكمال جريانه.
5- الرِّخاوة:
وهي ضد الشدة والتوسط.
ومعناها لغة: اللِّين. واصطلاحًا: جريان الصوت عند النطق بالحرف؛ لضعف الاعتماد على مخرجه.
وحروفها: ثمانية عشر حرفًا الباقية بعد حروف الشدة والتوسط وهي: الثاء، والحاء، والخاء، والذال، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والظاء، والغين، والفاء، والهاء، والواو، والياء، والألف، والواو المدِّيَّة، والياء المدية.
فالحروف الهجائية مقسمة بين هذه الصفات الثلاث فما كان من حروف: أَجِدُ قَط بَكَتْ، سمِّي شديدًا، وما كان من حروف: لن عمر، سمي متوسطًا أو بَينِيًّا، وما لم يكن منها سمي رخويًّا.
6- الاستعلاء:
ومعناه لغة: العلو والارتفاع. واصطلاحًا: ارتفاع جزء كبير من اللسان عند النطق بأغلب حروفه إلى الحنك الأعلى.
وحروف صفة الاستعلاء سبعة، جمعها الإمام ابن الجزري في قوله: خُصَّ ضَغْط قَظْ، وهي الخاء، والصاد، والضاد، والغين، والطاء، والقاف، والظاء ، وهذه الحروف السبعة هي التي تفخم قولا واحدًا، وارتفاع معظم اللسان يكون عند النطق بالطاء، والصاد والضاد والظاء، ثم يكون أقل عند القاف، ثم يضعف عند الخاء والغين.
وقيل: سُمِّيَت مستعليةً؛ لخروج صوتها من جهة العلو وكل ما حل في عالٍ فهو مستعلٍ، وقال الْمَرعشي: إن المعتبر في الاستعلاء استعلاء أقصى اللسان سواء استعلى معه بقية اللسان أو لا. ا.هـ، من "نهاية القول المفيد" ص49.
(1/141)
7- الاستفال:
وهو ضد الاستعلاء.
ومعناه لغة: الانخفاض. واصطلاحًا: انخفاض اللسان إلى قاع الفم عند النطق بأغلب حروفه.
وحروفُهُ: أربعة وعشرون حرفًا الباقية من أحرف الهجاء بعد حروف الاستعلاء وهي: الهمزة، والباء، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء، والدال، الذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والعين، والفاء، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والياء، والألف، والواو المدية، والياء المدية.
وهذه الحروف حكمها الترقيق قولا واحدًا إلا الألف واللام والراء فسيأتي الكلام عليها، وهي في حالة التفخيم تشبه الحروف المستعلية.
8- الإطباق:
ومعناه لغة: الإلصاق. واصطلاحًا: إطباق اللسان على الحنك الأعلى عند النطق بحروفه بحيث ينحصر الصوت بينهما.
وحروفُهُ: أربعة وهي الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، إلا أن هناك تفاوتًا بين حروفه، فالطاء أقواها درجة في الإطباق يليها الضاد فالصاد، أما الظاء فهي أضعفهم إطباقًا.
9- الانفتاح:
وهو ضد الإطباق.
ومعناه لغة: الافتراق. واصطلاحًا: تجافي اللسان عن الحنك الأعلى ليخرج الريح عند النطق بأغلب حروفه.
(1/142)
وحروفُهُ: سبعة وعشرون حرفًا الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الإطباق وهي: الهمزة، والباء، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء، والخاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والعين، والغين، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والياء، والألف، والواو المدِّيَّة، والياء المدِّيَّة .
10- الإذلاق:
ومعناه لغة: حدة اللسان وبلاغته وطلاقته وقيل الطرف.
واصطلاحًا: خفَّة الحرف وسرعة النطق به؛ لخروجه من ذَلَقِ اللسان أي طرفه أو من طرف إحدى الشَّفتين أو منهما معًا.
وحروفُهُ: ستة جمعها ابن الجزري في قوله: فِرَّمِنْ لُبٍّ، وهي : الفاء، والراء، والميم، والنون، واللام، والباء، وسمِّيت مذلقة؛ لخروج بعضها من ذلق اللسان وهي: الراء، والنون، واللام، وبعضها من ذلق الشَّفَة وهي: الباء، والفاء، والميم.
11- الإصمات:
وهو ضد الإذلاق.
ومعناه لغة: المنع تقول: صَمَتَ عن الكلام أي منع نفسه منه.
واصطلاحًا: ثقل الحرف وعدم سرعة النطق به؛ لخروجه بعيدًا عن ذَلَقَ اللسان والشَّفَة، وهذا التعريف يتعارض مع الواو؛ لخروجها من الشفتين ولكنها وصفت بالإصمات؛ لأن فيها بعض الثقل حيث تخرج من الشفتين1 مع انفراج بينهما بعكس الفاء والباء والميم فهي أخف الحروف وأسهلها.
ـــــــ
1 من كتاب "العميد في علم التجويد" ص74، بتصرف.
(1/143)
وحروفُ الإصماتِ: خمسة وعشرون حرفًا الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الإذلاق وهي:
الهمزة، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء، والخاء، والدال، والذال، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والعين، والغين، والقاف، والكاف، والهاء، والواو، والياء، والألف، والواو المدية، والياء المدية.
وقيل: سميت هذه الحروف مُصْمَتة؛ لأنها ممنوعة من الانفراد أصولا في الكلمات الرباعية والخماسية بمعنى أن كل كلمة على أربعة أحرف أو خمسة أصولا لا بد أن يكون فيها مع الحروف المصمتة حرف من الحروف المذلقة، ولذلك قالوا: إن "عسجد" -اسم للذهب- أعجمي لكونه رباعيًّا وليس فيه حرف من الحروف المذلقة1.
وبذلك ينتهي الكلام على الصفات التي لها ضد، وليعلم أن كل حرف من حروف الهجاء لا بد وأن يأخذ منها خمس صفات.
ـــــــ
1 انظر نهاية القول المفيد في علم التجويد ص52.
(1/144)
ثانيًا: الصفات التي لا ضد لها
والصفات التي لا ضد لها عددها تسع، كما تقدم وفيما يلي بيانها منفصلة:
1- الصفير:
ومعناه لغة: صوت يشبه صوت الطائر.
واصطلاحًا: صوت زائد يخرج من بين الثنايا وطرف اللسان عند النطق بأحد حروفه.
وحروفُ الصَّفيرِ: ثلاثة: الصاد، والزاي، والسين، فالصاد تشبه صوت الأَوَزِّ والزاي تشبه صوت النَّحل، والسين تشبه صوت الجراد، قاله صاحب كتاب "نهاية القول
(1/144)
المفيد في علم التجويد" ص53، وأقواها الصاد؛ لما فيها من استعلاء وإطباق وصفير، ثم يليها الزاي لما فيها من جهر، ثم السين وهي أضعفها؛ لكونها مهموسة، والهمس الخفاء كما تقدم، وعلى هذا فينبغي لك أن تظهر صفير السين أكثر من الزاي، وتظهر الزاي أكثر من الصاد1.
2- القلقلة:
ومعناها لغة: الاضطراب.
واصطلاحًا: اضطراب الصوت عند النطق بالحرف حتى يسمع له نبرة قوية.
وحروفُ القلقلةِ: خمسة جمعها الإمام ابن الجزري في قوله: قُطْبٌ جَدَّ، وتنقسم القلقلة بالنسبة لحروفها إلى ثلاثة أقسام:
أعلى وهو في الطاء، وأوسط وهو في الجيم، وأدنى وهو في الثلاثة الباقية2.
ومراتبُهَا أربعةٌ:
أقواها عند الساكن الموقوف عليه المشدد مثل: الحقّ، يليه الساكن الموقوف عليه غير المشدد مثل: خلاق، ثم يلي هذا الساكن الموصول مثل: خلقنا، وفي هذه المراتب الثلاث نجد أن القلقلة قد بلغت صفة الكمال، أما المرتبة الرابعة وهي في الْمُحَرَّك مثل: المتقِين، فلا يوجد فيه من القلقلة إلا أصلها فقط مثل: الغنة في النون والميم المظهرتين والمحركتين، فالثابت فيهما أصلها لا كمالها كما تقدم.
كيفيتُهَا:
وأما كيفية القلقلة فقد اختلف العلماء فيها، فقيل: إنها أقرب إلى الفتح مطلقًا، وهو الأرجح، وقيل: إنها تابعة لما قبلها، فإن كان ما قبلها مفتوحًا نحو: أقرب، كانت قريبة إلى الفتح، وإن كان ما قبلها مكسورا نحو: اقْرأ، كانت قريبة إلى الكسر، وإن كان ما قبلها مضمومًا نحو: اقتْلوا، كانت قريبة إلى الضم.
ـــــــ
1 من "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص53، بتصرف.
2 انظر: المرجع السابق، ص54.
(1/145)
وإلى ذلك يشير الشيخ إبراهيم شحاتة في "التُّحْفَة السمنودية في تجويد الكلمات القرآنية" بقوله:
قلقلة قطب جد وقربت ... لفتح مخرجٍ على الأولى ثبت
كبيرة حيث لدى الوقف أتت ... أكبر حيث عند وقف شددت
3- اللِّين:
ومعناه لغة: السهولة. واصطلاحًا: إخراج الحرف من مخرجه بسهولة وعدم كُلْفَة على اللسان.
وحرفَاهُ: اثنان وهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما مثل: خَوْف، بَيْت.
4- الانحراف:
ومعناه لغة: الميل والعدول. واصطلاحًا: الميل بالحرف بعد خروجه من مخرجه عند النطق به حتى يتصل بمخرج آخر.
وحرفَاهُ: اثنان وهما اللام والراء، ووصفا بالانحراف؛ لأنهما انحرفا عن مخرجهما حتى اتصلا بمخرج غيرهما، فاللام فيها انحراف إلى طرف اللسان، والراء فيها انحراف أيضًا إلى ظهر اللسان وميل قليل إلى جهة اللام1.
5- التكرير:
ومعناه لغة: الإعادة. واصطلاحًا: ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحرف، وحرف التكرير هو الراء.
ـــــــ
1 انظر: "نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص56.
(1/146)
والتكرير صفة ملازمة لحرف الراء بمعنى أنها قابلة لها فيجب التحرز عنها؛ لأن الغرض من معرفة هذه الصفة تركها، بمعنى: عدم المبالغة فيها، وأكثر ما يظهر التكرير إذا كانت الراء مشددة نحو: كرة، مرة، فالواجب على القارئ أن يخفي هذا التكرير ولا يظهره لقول الإمام ابن الجزري: وأخفِ تكريرًا إذا تشدد.
وليس معنى إخفاء التكرير إعدام ارتعاد رأس اللسان بالكلية؛ لأن ذلك يؤدي إلى حصر الصوت بين رأس اللسان واللَّثة كما في حرف الطاء وهذا خطأ لا يجوز، وإنما يرتعد رأس اللسان ارتعادة واحدة خفيفة حتى لا تنعدم الصفة.
وطريق الخلاص من هذا أن يلصق القارئ ظهر لسانه بأعلى حنكه بحيث لا يرتعد رأس اللسان كثيرًا1.
6- التفشي:
ومعناه لغة: الانتشار وقيل الاتساع2.
واصطلاحًا: انتشار خروج الريح بين اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف. وحرف التفشي هو الشين.
وسمِّيت الشين متفشية؛ لانتشار الريح في الفم عند النطق بها حتى تتصل بمخرج الظاء.
7- الاستطالة:
ومعناه لغة: الامتداد.
واصطلاحًا: امتداد الصوت من أول إحدى حافتي اللسان إلى آخرها.
ـــــــ
1 من كتاب "نهاية القول المفيد في علم التجويد" بتصرف، ص57.
2 يقال: تَفَشَّت القرحة بمعنى: اتسعت، قاله صاحب "نهاية القول المفيد" ص57 حكاية عن صاحب القاموس.
(1/147)
وحرف الاستطالة: هو الضاد.
وسمِّيت الضاد مستطيلة؛ لاستطالة مخرجها حتى تتصل بمخرج اللام، والحرف المستطيل يمتد الصوت به ولكن لم يبلغ قدر الحرف الممدود، وذلك لأن المستطيل يجري في مخرجه، والممدود يجري في ذاته؛ حيث إن مخرجه مقدر.
والفرق بينهما أن الحرف المستطيل يجري الصوت في مخرجه بقدر طوله ولم يتجاوزه حيث إن الحرف لا يتجاوز مخرجه المحقق.
أما الحرف الممدود فليس له مخرج محقق، وإنما مخرجه مقدر كما عرفت، فيجري الصوت في ذاته، ولا ينقطع إلا بانقطاع الهواء1.
8- الخفاء:
ومعناه لغة: الاستتار.
واصطلاحًا: خفاء صوت الحرف عند النطق به.
وحروف صفة الخفاء أربعة: حروف المد الثلاثة والهاء، ويجمعها كلمة: هاوي. أما خفاء حروف المد فلِسَعَة مخرجها، أما خفاء الهاء؛ فلأن صفاتها كلها ضعيفة ومن أجل هذا قويت بالصلة2، قال صاحب لآلئ البيان: والهاء مع حروف مد للخفا.
9- الغنة:
ومعناها لغة: صوت له رنين في الخيشوم.
واصطلاحًا: صوت لذيذ مركب في جسم النون والميم في كل الأحوال.
ـــــــ
1 من "نهاية القول المفيد" بتصرف، ص58.
2 من المرجع السابق، ص66.
(1/148)
وحروفُ صفةِ الغنةِ: اثنان وهما الميم والنون1.
وقد سبق الكلام على الغنة ومخرجها ومقدارها وكيفيتها ومراتبها عند الكلام على حكم النون والميم والمشددتين فارجع إليه إن شئت.
وعلى هذا إذا أردت أن تعرف صفات أي حرف من حروف الهجاء فابحث عنه أولا في الصفات التي لها ضد بحيث تبدأ بصفتي الهمس والجهر، فإن وجد في حروف الهمس والجهر، فإن وجد في حروف الهمس وهي: فحثه شخص سكت، فهو مهموس، وإلا فهو مجهور، ثم تنتقل إلى صفات الشدة والتوسط والرِّخاوة، فإن وجد في حروف الشدة وهي: أجد قط بكت، فهو شديد، وإن وجد في حروف التوسط وهي: لن عمر، فهو متوسط وإلا فهو رخوي، ثم تنتقل إلى صفتي الاستعلاء والاستفال، فإن وجد في حروف الاستعلاء فهو مستعلٍ وإلا فهو مستفِل، ثم تنتقل إلى صفتي الإطباق والانفتاح فإن وجد في حروف الإطباق وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، فهو مطبق وإلا فهو منفتح، ثم تنتقل إلى صفتي الإذلاق والإصمات فإن وجد في حروف الإذلاق وهي: فرَّ من لب، فهو مذلق وإلا فهو مصمت، وإلى هنا يكون الحرف قد تمَّ له خمس صفات.
ثم تنتقل إلى الصفات التسع التي لا ضد لها وابحث عنه فيها فإذا وجد له صفة منها كانت الصفة السادسة بالإضافة إلى الصفات الخمس السابقة ولا يكون ذلك إلا في الحروف التسعة عشر الآتية:
الصاد، الزاي، السين، القاف، الطاء، الباء، الجيم، الدال، الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما، اللام، الشين، الضاد، الهاء، حروف المد الثلاثة، الميم، النون.
ـــــــ
1 قال صاحب لآلئ البيان:
وغن في ميم ونون باديا ... إن شددا فأدغما فأخفيا
فأظهرا فحركا وقدرت ... بألف لا فيهما كما ثبت
(1/149)
فهذه الأحرف لكل منها ست صفات، ولا يوجد حرف له سبع صفات إلا الراء.
وخلاصة ذلك أن أي حرف من حروف الهجاء لا تقل صفاته عن خمس ولا تزيد عن سبع وتسهيلا لذلك إليك جدولا للحروف الهجائية أبدؤها بالحروف التي لها خمس صفات فقط، ثم التي لها ست، ثم التي لها سبع.
الحروف ذات الصفات الخمس:
(1/150)
الحروف ذات الصفات الست:
الحرف الوحيد ذو الصفات السبع:
(1/151)
تنبيهٌ:
إذا أمعنت النظر في الجداول السابقة تبين لك أن هناك بعض الحروف متحدة في الصفات وإليك بيانها:
1- التاء والكاف، 2- الثاء والحاء،
3- الجيم والدال، 4- الذال، والواو والياء المتحركتان.
5- الميم والنون، 6- الواو والياء اللينتان،
7- حروف المد الثلاثة.
(1/152)
تقسيمُ الصِّفاتِ إلى قويةٍ وضعيفةٍ:
تنقسم الصفات إلى قسمين: صفات قوية، وصفات ضعيفة.
الصفاتُ القويةُ: إحدى عشرة صفة وهي:
1- الجهر، 2- الشدة، 3- الاستعلاء، 4- الإطباق، 5- الصفير، 6- القلقلة، 7- الانحرف، 8- التكرير، 9- التفشي، 10- الاستطالة، 11- الغنة.
والصفات الضعيفة: ست صفات وهي:
1- الهمس، 2- الرَِّخاوة، 3- الاستفال، 4- الانفتاح، 5- اللِّين، 6- الخفاء.
وهناك صفات لا توصف بقوة ولا بضعف وهي ثلاثة:
1- الإذلاق، 2- الإصمات، 30- التوسط "البينِيَّة".
وإلى ذلك يشير صاحب لآلئ البيان بقوله:
ضعيفها همس ورخو وخفا ... لين انفتاح واستفال عرفا
وما سواها وصفه بالقوة ... لا الذلق والإصمات والبَينِيَّة
(1/152)
تقسيمُ حروفِ الهجاءِ إلى قويةٍ وضعيفةٍ:
اعلم أن الحروف الهجائية تنقسم من حيث القوة والضعف إلى خمسة أقسام:
1- قوية، 2- أقوى، 3- ضعيفة، 4- أضعف، 5- متوسطة.
فالحروفُ القويةُ:
هي التي يكون فيها صفات القوة أكثر من صفات الضعف، وعددها ثمانية، وهي: الباء، الجيم، الدال، الراء، الصاد، الضاد، الظاء، القاف.
وأما الحرفُ الأقوى: فهو الذي يكون جميع صفاته قوية، وذلك لا يوجد إلا في حرف واحد وهو: الطاء، فقط.
والحروفُ الضعيفةُ:
هي التي يكون فيها صفات الضعف أكثرمن صفات القوة، وعددها عشرة وهي: التاء، الخاء، الذال، الزاي، السين، الشين، العين، الكاف، الواو والياء المتحركتان أو اللَّيِّنَتان.
وأما الحرفُ الأضعفُ: فهو الذي يكون جميع صفاته ضعيفة أو تكون الغالبية العظمى من صفاته ضعفية بحيث تصل إلى الأربع، وصفة واحدة قوية، ومخرجه مقدر.
أما الذي جميه صفاته ضعيفة فأربعة أحرف وهي: الثاء، الحاء، الفاء، الهاء.
وأما الذي فيه صفة واحدة من صفات القوة وأربع صفات من صفات الضعف
(1/153)
فثلاثة أحرف وهي: حروف المد الثلاثة، وهي التي مخرجها مقدر. وعلى ذلك يكون مجموع الحروف الأضعف سبعة.
والحروفُ المتوسطةُ:
هي التي تساوت فيها صفات القوة وصفات الضعف وعددها خمسة، وهي: الهمزة، الغين، اللام، الميم، النون.
وإلى هذه التقاسيم كلها يشير صاحب لآلئ البيان فيقول:
قوي أحرف الهجاء ضادُ ... با قاف جيمٌ دالُ ظا را صادُ
والطاء أقوى والضعيفُ سينُ ... ذالٌ وزايٌ تا وعينٌ شينُ
كذلك حرفا اللين خاءٌ كا فها ... والمد مع فحثه أضعفها
والوسط همز غين معَ لامٍ أَتتْ ... والميم والنون فخمسًا قُسِّمتْ
قال ابن الجزري في مقدمته مشيرًا إلى صفات الحروف:
صفاتُها جهرٌ ورخوٌ مستفلْ ... منفتح مُصْمتةٌ والضدَّ قلْ
مهموسُها فحثَّه شخصٌ سكتْ ... شديدُها لفظُ أَِجدْ قطٍ بكتْ
وبَيْنَ رخوٍ والشديد لِنْ عُمَرْ ... وسبعُ عُلوٍّ خُصَّ صَغْطٍ قِظْ حصرْ
وصادُ ضادٌ طاءُ ظاءٌ مُطْبقةْ ... وفرَّ من لُبّ الحروفِ المذلقةْ
صفيرها صادٌ وزايٌ سينُ ... قلقلةٌ قطبُ جدٍّ واللِّينُ
واوٌ وياءٌ سكنا وانفتحا ... قبلهما والانحرفُ صُحِّحَا
في اللام والرا وبتكريرٍ جُعِلْ ... وللتَّفَشِّي والشينُ ضادًا استَطِلْ
(1/154)
تنبيه هام
...
تنبيهٌ مهمٌ:
في الفَرْقِ بين نطقِ حرفي الضادِ والظاءِ.
إن بعض الناس ينطقون الضاد ظاء علمًا بأن هناك فرقًا بين الحرفين من ناحيتي المخرج والصفة: فمخرج الضاد من إحدى حافتي اللسان مع ما يليها من الأضراس العليا -كما تقدم ذكره في الكلام على المخارج- والظاء تخرج من ظهر طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليان وهذا فارق كبير بينهما.
وأما من ناحية الصفة فهما يشتركان في خمس صفات وهي: الجهر، والرِّخاوة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، وتنفرد الضاد بصفة الاستطالة.
وعلى هذا يتضح الفرق جليًّا بين الحرفين من ناحيتي المخرج والصفة ولولا هذا الفرق لكانت إحداهما عين الأخرى في النطق1.
ومن ثم يجب على القارئ أن يُميِّز بينهما بحيث ينطق الضاد مستطيلة فيظهر امتداد الصوت عند ضغط حافة اللسان على ما يليها من الأضراس العليا.
وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن الجزري بقوله:
والضاد باستطالة ومخرج ... ميز من الظاء...........
كما قال في التمهيد: "اعلم أن حرف الضاد ليس في الحروف حرف يعسر على اللسان غيره، وقَلَّ من يحسنه، فمنهم من يخرجه ظاء وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى؛ لمخالفته المعنى الذي أراده الله، إذ لو قلنا في: الضالين، الظالين -بالظاء- لكان معناه الدائمين، وهذا خلاف مراد الله تعالى؛ لأن الضلال بالضاد هو ضد الهدى، والظلول بالظاء هو الصيرورة كقوله: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} 2 وشبهه فمثال
ـــــــ
1 من كتاب "نهاية القول المفيد في علم التجويد" بتصرف، ص60.
2 سورة النحل: 58.
(1/155)
الذي يجعل الضاد ظاء في هذا وشبهه كالذي يبدل السين صادًا في نحو قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} 1، أو يبدل الصاد سينًا في نحو قوله تعالى: {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} 2 فالأول من السر والثاني من الإصرار. انتهى بتصرف واختصار3.
ومن أجل هذا يجب الاحتراز من تغيير مخرج الحرف الحقيقي؛ لأن ذلك لحن جَلِيٌّ لا يجوز للقارئ أن يفعله حتى لا يغير المعنى الذي أراده الله سبحانه وتعالى.
ـــــــ
1 سورة الأنبياء: 3.
2 سورة نوح: 7.
3 انظر: "نهاية القول المفيد" ص75.
(1/156)
أسئلة:
1- عرِّف الصفة لغة واصطلاحًا، ثم اذكر فوائد الصفات، والفرق بينها وبين المخارج.
2- بَيِّنْ اختلاف العلماء في عدد الصفات.
3- عرِّف الصفات الذاتية والصفات العَرَضيَّة مع التمثيل لكل منهما.
4- اذكر أقسام الصفات الذاتية من حيث الضدية وعدمها مع ذكر عدد صفات كل قسم.
5- عرِّف الهمس لغة اصطلاحًا وبيِّن حروفه.
6- عرِّف القلقلة لغة واصطلاحًا واذكر حروفها، وبيِّن مراتبها وكيفيتها.
7- اذكر الطريقة التي يعرف بها عدد صفات أي حرف من الحروف الهجائية.
8- بماذا تقدر قوة الحرف وضعفه؟
9- اذكر حرفين من الحروف التي تتحد في جميع الصفات.
10- اذكر صفات كل حرف مما يأتي: الباء، السين، الطاء، اللام، الهاء.
11- اذكر الفرق بين نطق حرفي الضاد والظاء.
(1/156)
التفخيم والترقيق
مدخل
...
التَّفخيمُ والتَّرقيقُ:
التفخيم لغة: التسمين.
واصطلاحًا: هو عبارة عن سمن يدخل على صوت الحرف عند النطق به فيمتلئ الفم بصداه، والتفخيم والتسمين والتغليظ كلها ألفاظ مترادفة بمعنى واحد.
والترقيق لغة: التنحيف.
واصطلاحًا: هو عبارة عن نحول يدخل على صوت الحرف عند النطق به فلا يمتلئ الفم بصداه. وعلى هذا فالحروف الهجائية ثلاثة أقسام:
1- قسم مفخم دائمًا، 2- وقسم مرقق دائمًا 3- وقسم مرقق في بعض الأحوال مفخم في بعضها الآخر. وإلي بيانها بالتفصيل:
(1/157)
القسم الأول: الحروف التي تفخم دائما
ما يفخم دائمًا: وذلك في أحرف الاستعلاء السبعة المجموعة في قول الإمام ابن الجزري: خص ضغط قظ، وهذه الحروف تتفاوت قوة وضعفًا تبعًا لما تتصف به من صفات قوية أو ضعيفة، لذا تجد أحرف الإطباق الأربعة أقوى حروف الاستعلاء تفخيمًا وفيها يقول الإمام ابن الجزري:
وحرفُ الاستعلاءِ فَخِّمْ واخصصا ... الإطباقَ أقوى نحو قال والعصا
أي: واخصصا حروف الإطباق بتفخيم أقوى.
وترتيب هذه الأحرف السبعة من حيث القوة والضعف كما يلي:

التوقيع

اجمل القلوب قلب يخشى الله
وأعذب الكلام ذكر الله
وأطهر حب الحب في الله
رد مع اقتباس

عضو الماسي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 37,798
معدل تقييم المستوى: 52
محمد حمدى ناصف is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب رائع=غاية المريد في علم التجويد= الجزء1
2#
16 - 11 - 2017, 06:58 AM
جزاكم الله خيرا

ودى واحترامى



سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
بعدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته
محمد حمدى ناصف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس


إضافة رد



جديد مواضيع القسم الاسلامي


10:09 PM