بسم الله الرحمن الرحيم
]
صورة زيتية تمثل وصول الموريسكيين المهجرين إلى ميناء وهران
"الموريسكيون" أو "الموريسكوس" بالقشتالية هم الأسبان المسلمون وأحفادهم (المُدجنين) ممن ظلوا بإسبانيا بعد سقوط مملكة غرناطة 1492م، وتعرضوا للتنصير القسري؛ بمقتضى مرسوم ملكي مؤرّخ في 14 فيفري،1502 ، 6شعبان 907 هـ. (راجع د. صلاح فضل: ملحمة المغازي الموريسكية: دراسة في الأدب الشعبي المُقارن، مؤسسة مختار للنشر بالقاهرة، 1992، ص:12-13).
الموريسكيون.. و"رد الاعتبار":
بعد قرون على طردهم من الأندلس، تحرك البرلمان الإسباني مؤخرا لكي يعيد فتح أبرز صفحات تاريخ إسبانيا قتامة، ليخفف من وطأته التي تطارد الذاكرة الإسبانية إلي اليوم. وضع الحزب الاشتراكي أمام لجنة الخارجية في البرلمان الأسباني مشروع قانون ينص على "رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين الذين طُردوا بشكل جماعي" في أبشع المشاهد التي يندى لها جبين الإنسانية، لما تخلل ذلك الطرد من أعمال القتل والتنكيل والاغتصاب والإغراق في مياه البحر، التي ذهب ضحيتها عشرات المئات منهم.
لقد كان طرح مثل هذه المشاريع بقوانين ـ حتى وقت قريب ـ أحد "محظورات" السياسة الإسبانية. لكن الآن يعد تعبيرا عن قدرة الأسبان على فتح دهاليز ماضيهم المتنوع (نحو الهنود الحمر في الأمريكيتين، ومسلمي الأندلس، والحرب الأهلية الخ) والتخلص من العقد تجاههم. لقد جاء المشروع في سياق سلسلة من المبادرات التي أقدمت عليها الحكومة، التي يقودها الحزب الاشتراكي نفسه صاحب المشروع، ومن بينها "قانون الذاكرة" الذي أعاد فتح ملف الحرب الأهلية الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، وكذا القانون المتعلق بالرموز السياسية التي ترجع إلى مرحلة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والذي تم بموجبه إلغاء العديد من تماثيل الجنرال السابق في ساحات بعض المدن الإسبانية.
ينص مشروع القانون المشار إليه على:" رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين، الموجودين في المغرب بخاصة (أكثر من 4 ملايين بالمغرب من أصل 35 مليونا حسب إحصاء 2007، موزعين على عدد من مدن الشمال المغربي)، وفي بعض البلدان المغاربية (تونس والجزائر)، وهناك البعض الآخر في بلدان المشرق. ويوصي بتقوية العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مع الموريسكيين المغاربة، لكنه لا يذهب إلى حد مطالبة الدولة بالاعتذار الرسمي عن تلك الجريمة، أو تعويض أحفاد المطرودين اليوم مقابل ممتلكات أجدادهم التي سلبت منهم، أو تمكينهم من الحصول على الجنسية الإسبانية". ويرى بعض المسئولين عن المنظمات الحقوقية والمدنية الإسلامية في إسبانيا أن المشروع، وإن كان يساويهم باليهود السفارديم (الشرقيين) الذين طردوا من الأندلس قبل خمسة قرون بعد صدور قانون بهذا الشأن عام 1992، إلا أنه "لا يشير إلى ضرورة اعتذار إسبانيا للمسلمين مثلما اعتذرت لليهود الأسبان قبل 17 عاما". لكنهم يأملون أن يكون هذا المشروع خطوة أولى في الطريق الصحيح، كونه: "أعترف بأن الإسلام شكل جزءا من الهوية الإسبانية".
بنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا.
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا.
لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛ أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!.
وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا. (ابن زيدون).
جاءت هذه الخطوة أيضا في سياق التحركات التي يقوم بها أحفاد الموريسكيين في المغرب وخارجه، للتذكير بالتزامات إسبانيا الحديثة تجاههم. فقد عقد الموريسكيون المغاربة في عام 2002 أول مؤتمر من نوعه حول هذا الموضوع بمدينة شفشاون، طالبوا فيه إسبانيا بالاعتذار لهم، كما دعوا إلى الاهتمام بأوضاعهم التي رأوا أنها تشكل جزءا من تاريخ إسبانيا. وهاهي رئيسة المجلس الإقليمي لغرناطة: تعتذر لأحفاد الموريسكيين الأندلسيين، وتدعو لتأسيس معهد ملكي للدراسات الموريسكية بشفشاون معقل هجرات المورسكيين.
كما يأتي بعد أن بات العديد من المؤرخين المختصين، من الأسبان وغيرهم، يدرسون ـ بموضوعية تاريخيةـ تلك المرحلة بالنقد والتحليل سعياً لمحو "الصورة السلبية" التي علقت بالذهنية الجماعية للأسبان عن الموريسكيين. كما يعتبرون أن هؤلاء المسلمين الأسبان الذين طردوا قبل 400 عاما لم يكونوا غرباء عن البلاد، بل كانوا أسبانا اعتنقوا الإسلام، بل إن شريحة واسعة منهم لم تكن تعرف حتى اللغة العربية، وذلك ردا على دعاوي :"إن الموريسكيين هم عرب ومسلمون جاؤوا مستعمرين لإسبانيا من خارجها وتم إرجاعهم من حيث أتوا بطردهم" .
صورة لواجهة قصر الحمراء في الأندلس (إسبانيا)
رحلة "الهجرة، والتهجير":
قبيل سقوط دولة الإسلام في الأندلس كانت الهجرة إلى بلد مسلم تعد في كثير من الأحوال هي الحل الأنسب، فقد رأى نبلاء غرناطة أن الأمور في بلدهم تسير من سيئ إلى أسوأ. وأن دولة الإسلام منهارة لا محالة. بدأ الناس في الهجرة ، وكانت لتلك الهجرة نتائج ملموسة، سواء على الذين هاجروا، أو على بعض البلاد التي هاجروا إليها. رحل الأندلسيون إلى تركيا ومصر وشمال إفريقيا وأوربا، بل وأمريكا التي كانت قد تم اكتشافها منذ قليل.
لم تكن هجرة الأندلسيين ذات أثر بارز فى بلد كمصر، فالمهاجرون قد استقروا فيها وصاهروا أهلها، وبعد فترة قصيرة لم يعد من الممكن التمييز بين المصري والأندلسي (عبد الرحيم عبد الرحمن: الأندلسيون في مصر، من واقع ملفات المحاكم الشرعية، مؤسسة التميمى للبحث العلمي، بزغوان، تونس). كذلك كان الوضع في بلد كتركيا.
لكن في شمال إفريقيا كان الوضع متميزا، فقد أقام المهاجرون في قرى ومدن خاصة بهم، شيدوها على غرار مدنهم التي هاجروا/ طردوا منها. كما ظلوا يتحدثون الإسبانية فيما بينهم، ولم يندمجوا في المجتمعات المغربية إلا بعد زمن طويل.كان لهجرة الأندلسيين نتائج ملموسة على المغرب العربي ، فقد نقل الأندلسيون إلى شمال إفريقيا ثقافتهم الخاصة بهم.
كانت إعادة تأسيس مدينة "تطوان" بطابعها الغرناطي الخالص على يد "المنظرى"، وهو نبيل غرناطى، هي أولى ثمار الهجرة الأندلسية إلى المغرب. ولما وصل الغرناطيون إلى شمال إفريقيا أعادوا هيكلة العمل البحري الذي تحول فى بعض الأحيان إلى وسيلة لكسب العيش. إن اشتغالهم، البرى والبحري، قد جعل من "تطوان" قبلة للمسلمين المضطهدين في أوربا.
كانت هجرة نبلاء غرناطة المسلمين إلى شمال إفريقيا سببا في وضع حد للتوسع البرتغالي على حساب بلاد المغرب العربي، وقد استطاع المغاربة –بمعاونة الغرناطيين المنفيين- تحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه بمفردهم. فالنصر على البرتغال فى معركة القصر الكبير عام 1578 إنما ترجع أسبابه الرئيسة إلى معاونة الأندلسيين. إن الأندلسيين –بالإضافة إلى تقديم المحاربين الشجعان للجيوش المغربية- كان من بينهم الوزراء ذوى الرأي، والصناع المهرة والجنود والتجار، هذا إلى جانب المسائل الفقهية التي أثارها الوافدون الجدد إلى المغرب، وقيامهم بترجمة العلوم الدينية. كل ذلك أسهم في أن يلمع بريق الأندلس في الشمال المغربي. لكن أن الصراعات الأهلية بين الغرناطيين أدت إلى ضياع نفوذهم في الشمال المغربي، كما أدت في السابق إلى ضياع دولتهم في إسبانيا بسقوط غرناطة الإسلامية.
تاريخ الموريسكيين: شريط أحداث
- في يوم الجمعة 23 من محرم سنة 897 هـ الموافق لـ 25 من نوفمبر سنة 1491 قام أبو عبد الله أخر ملوك بني نصر بإمضاء اتفاقية يتنازل فيها عن عرش مملكة غرناطة وعن جميع حقوقه فيها غير أنّه حاول انتزاع بعض الامتيازات لرعاياه ولمسلمي ما كان يعرف بالأندلس. ومن بين ما جاء في هذه الاتفاقية:
"أنّ للمُرُشْ أن يحتفظوا بدينهم وممتلكاتهم. أن يخضع المُرش لمحاكمة قضاتهم حسب أحكام قانونهم وليس عليهم ارتداء علامات تشير لكونهم مُرش كما هو حال عباءة اليهود. ليس عليهم دفع ضرائب للملكين المسيحيين تزيد على ما كانوا يدفعونه. لهم أن يحتفظوا بجميع أسلحتهم ماعدا ذخائر البارود. يحترم كل مسيحي يصبح مر ولا يعامل كمرتد. أن الملكين لن يعينا عاملا إلى من كان يحترم المرش ويعاملهم بحب إن أخلّ في شيء فإنه يغير على الفور ويعاقب. للمرش حق التصرف في تربيتهم وتربية أبنائهم"(راجع د. صلاح فضل: ملحمة المغازي الموريسكية: دراسة في الأدب الشعبي المُقارن، مؤسسة مختار للنشر بالقاهرة، 1992، ص:23). لكن ما إن استلم ملكي الكاثوليك غرناطة حتى شرعا في تنصير أهلها، وعهدوا هِداية (المُدَجّنين) إلى العقيدة المسيحية إلى القس هيرناندو دي تالابيرا أول أساقفة غرناطة. وانصبّ هذا الأخير على هذه المهمة فتعلم العربية. لكن بعد مضي عدد من السنوات قام ملوك الكاثوليك باستصدار مرسوم يجبر المسلمين واليهود على إمّا التنصّر أو الرّحيل قسراً، وتم إنشاء محاكم التفتيش بعد ذلك.
مخطوطة مكتوبة بالالخميادو.. لغة المورسكيين، حروف عربية، ولغة أعجمية.