• 6:00 صباحاً




تفسير سورة النور من الاية 35 الى 40

إضافة رد
أدوات الموضوع
عضو فـعّـال
تاريخ التسجيل: May 2013
المشاركات: 1,679
معدل تقييم المستوى: 12
**ماريا** is on a distinguished road
12 - 06 - 2013, 02:02 AM
  #1
**ماريا** غير متواجد حالياً  
افتراضي تفسير سورة النور من الاية 35 الى 40
سورة النور: الآيات (35-40) [عذراً, فقط الأعضاء يمكنهم مشاهدة الروابط ] [عذراً, فقط الأعضاء يمكنهم مشاهدة الروابط ] [عذراً, فقط الأعضاء يمكنهم مشاهدة الروابط ] 21/ 04/ 2010 اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

{ اللهُ نُور السَّماوات والأرْض } أي الظاهر فيهن كظهور النور وإظهاره غيره في الظلمة، بإيجادهن وإيجاد ما فيهن، والتصرف في الكل والإبقاء والإفناء، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب والهداية لمن فيهما إلى صلاح الدين والمعاش، ولولا فعله ذلك كن مظلمات ظلمة حسية وعقلية، كعدم الشمس نحوها، وكالجهل والجور، أو المعنى ذو نور السماوات والأرض ونورهن هو الحق والهدى كما قيل: نور السماوات والأرض هاديهما، أي هادى من فيهما، وقد قال الله عز وجل:{ يخرجهم من الظلمات إلى النور }[البقرة: 257] أي من الباطل إلى الحق، وقال: " يهدى الله لنوره من يشاء " وأضاف النور إلى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه وإضاءته، كأنهن أضأن به إضاءة حسية مالية لهن.

{ مثل نُوره } بمعناه المذكور، وعن ابن عباس: النور هنا القرآن، وذلك كقوله عز وجل:{ وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً }[النساء: 174] وقيل محمد صلى الله عليه وسلم { كمشكاة } كنور مشكاة، أي النور الذي فيها، وضوء المشكاة أقوى لأنه يجتمع منعكساً، بخلاف الضوء في بسيط من الأرض، وذلك تشبيه للمعقول بالمحسوس، وهي فسحة في نحو حائط غير نافذة، وهو عربي أصله مشكوة، قلبت الواو ألفاً لتحركها بعد فتحة، وقيل: حبشي عرب، وقيل: رومي عرب وفي الآية تشبيه الأعلى بالأدنى، قال أبو تمام يمدح المأمون:



تفسير سورة النور من الاية 35 الى 40

إقدام عمرو في سماحة حاتم ...... في حلم أحنف في ذكاء إياس

فقيل له: إن الخليفة فوق من مثلته بهم فقال:

لا تنكروا ضربي له من دونه ....... مثلا شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ............. مثلا من المشكاة والنبراس

ومن ذلك قوله تعالى:{ كأنهن الياقوت والمرجان }[الرحمن: 58].

{ فيها مصْباحٌ } سراح كبير، وقيل فتيلة { المصْباحُ } المذكور { في زْجاجةٍ } صافية زهراء { الزجاجة } المذكورة { كأنَّها كوكبٌ دُرىٌّ } منسب إلى الدرة الصافية المنيرة، أو إلى الدري بهمزة قلبت ياء وأدغمت فيها الياء من الدرء بمعنى الدفع، يدفع الظلمة، ولكن فعيل بضم الفاء وكسر العين مشدد، وإسكان الياء قليل، ورد منه ذرية وسرية وعلية، ومريق لحب العصفر والفرس السمين، ومريخ لما في داخل القرن، وقيل أصله دروء كسبوح، قلبت الضمة كسرة للثقل، قالوا وياء لهمزة ياء، وكذا قيل في ذرية وسرية، قلبت الضمة كسرة، فالواو ياء والهمزة ياء، وكذا قيل في ذرية وسرية، قلبت الضمة كسرة، الإخفاء، فضم شذوذاً كما قيل في ذرية، نسب إلى الذر إذ خرجوا من آدم كالذر وضم شذوذاً.

{ يوقدُ } أي المصباح فالجملة خبر ثان للمصباح، أو حال أو مفعول، أو مستأنفة { من شَجرةٍ } من زيت شجرة بواسطته فتيلة { مباركة } كثر الله فيها المنافع، وأنبتها في الأرض التي بارك فيها للعالمين، وبارك فيها سبعون نبياً منهم إبراهيم عليهم السلام { زيتونةٍ } شجرة الزيت بدل من شجرة، أو عطف بيان منها على جوازه في النكرات، قال صلى الله عليه وسلم: " ايتدموا بالزيت وادّهنوا به فانه من شجرة مباركة " قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بأكل الزيت والإدهان به، والسعوط، ويقول: " إنه من شجرة مباركة " وعنه صلى الله عليه وسلم: " يأكل الخبز به " وعنه: " أنه مصحة من البواسير " وروي أنه أكل لسان شاة مطبوخاً بالشعير وفيه الزيت والتوابل.

{ لا شرقيةٍ } عطف على محذوف، أو متوسطة لا شرقية وقيل: مجموع لا، ومدخولها نعت شجرة، ظهر الأعراب فيما بعدها، وقيل: هي اسم بمعنى غير مضاف لما بعده نعت للشجرة، أي غير شرقية { ولا غربية } فهي متوسطة في البستان ضاحية للشمس، لا تحجب عنها، وذلك أجود وأكثر لزيتها، وقيل: ليست من شجر الغرب، ولا من شجر الشرق، بل من شجر وسط الأرض وهو الشام، وزيته أجود زيت، وقيل ليست في موضع تصيبه الشمس خاصة، ولا موضع يصيبه الظل خاصة، بل في موضع يصيبانه، تصيبه الشمس عند طلوعها وعند غروبها، فهي شرقية وغربية، وقيل في وسط البستان، وقيل: من شجر الجنة لا في الدنيا، وما في الدنيا غربي أو شرقي لا بد، أي لا في شرق الأرض ولا في غربها.

{ يكاد زيتُها يضيء ولو لَمْ تَمْسَسْه نارٌ } لشدة صفائه، الواو الداخلة على لو وأن الوصلتين عاطفة على محذوف مقابل لما بعدهما، ولو كان لا يذكر، ولا بأس أن تقول لنا معطوف عليه محذوف أبداً، وهو هذا الباب، أي لو مسته نار، ولو لم تمسسه نار، ويقال ترتب الجزاء على المعطوف عليه، يغنى عن ذكره، حتى إن ذكره كالتكرار، ولا وجه لجعلها مالية، لأنه لا خارج للشرط يقيد به فضلا عن أن تكون حالية، وليست حالية مؤكدة لصاحبها، أو عاملها، وقولهم واو الاستئناف وواو الاعتراض، لأن الاعتراض ليس من معاني الحروف، ولا الاستئناف كما زعموا، ولا يصح جعل الجملتين حالا كما قيل، لأن الشرطية تعطل ذلك.

{ نورٌ على نُور } أي هو نور عظيم ثابت، على نور عظيم، والمراد النور المذكور في قوله تعالى: { الله نور السماوات والأرض } والمعنى نور مضاعف من غير تحديد، ومعنى الاستعلاء بعلى الصحبة والترادف بلا غاية { يهدى اللهُ } هداية توفيق، لا هداية بيان فقط { لنوره مَنْ يشَاءُ } هدايته بالتوفيق وإخلاص العمل { ويضربُ الله الأمثال للنَّاس } من شأنه في القرآن ضرب الأمثال، أي وضعها للأفهام، لأن فيها دخلا عظيماً في الإرشاد، كما برز في المعنى المعقول في صورة المحسوس، لا يخفى أن دلائل الله كالقرآن، كالنور في الوضوح والإيضاح { والله بكل شيء عليمٌ } من كل من يستحق الهداية التوفيقية، ومن لا يستحقها، وما يعقل وما يحس، وما يظهر وما يبطن.

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

{ في بيوتٍ أذنَ الله أن تُرفَع ويُذكر فيها اسمُه يسبِّح له فيها بالغُدو والآصال رجالٌ } في بيوت نعت لمشكاةٍ، أو من باب الاشتغال، والاشتغال أبداً من باب التوكيد، أي يسبح في بيوت، والشاغل ها من قوله: { فيها } كقولك: في الدار جلست فيها، وبزيد مررت به، وذلك من تأكيد الحدث، وإن أريد تأكيد غيره جعلنا في بيوت متعلقاً بيسبح المذكور، وفيها توكيداً لقوله: { في بيوت } وفي المثال تعلق بزيد بمررت المذكور، ونجعل به تأكيداً لزيد، ولا يعترض بأن الضمير ضعيف لا يؤكد الأقوى، لأنا نقول باب التوكيد أوسع، يصدق بذكر أدنى شيء، يستغنى عنه، بل التوكيد والمؤكد الجار والمجرور لا المجرور وحده، ولا تتوهم أن الحرف ومجروره بدل من الحرف ومجروره، بل تأكيد، كقولك: في الدار في الدار، وبزيد بزيد، لأن الضمير بمنزلة مرجعه، ولا تقلد ما يخالف ذلك، ويبعد تعليقه بيوقد.

والمراد ببيوت بيوت مخصوصة، وهي المساجد الإسلامية في الأمم السالفة، وهذه الأمة ومقابلها مساجد الكفر وبيوت السكنى ونحوها، لا خصوص موضع السجود، من القدس والمسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد قباء، ومعنى { أذن الله أن ترفع } أمر بتعظيمها كصيانتها من دخول الجنب والحائض، والنفساء والأقلف، والسكران بمحرم، وعن مسهم إياها، ولو من خارج، واستنادهم عليها من خارج، ودخول الصبيان والمجانين، وإدخال الميت، قال صلى الله عليه وسلم: " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها في الجمع ".

وقيل: رفعها بناءها كقوله تعالى:{ بناها * رفع سَمكها فسواها }[النازعات: 27 - 28] وقال عز وجل:{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت }[البقرة: 127] ولا يسرف في تزيين المسجد بالنقش، وليس ذلك من رفعه المأمور به، ومن الإسراف نقش جامع قرطبة بالذهب مكتوباً به القرآن كله في سواريه، وهي نحو تسعمائة سارية من الرخام الفائق، وإنفاق الوليد بن عبد الملك في عمارة جامع دمشق مثل خراج الشام ثلاث مرات، وروي أن سليمان بالغ في تزيين بيت المقدس وعمارته، وأقام في عمارته كذا وكذا ألف رجل سبع سنين، ووضع آجره من الكبريت الأحمر على رأس قبة الصخرة، تغزل النساء في ضوءها ليلا على اثنى عشر ميلا، وفعل النبي ليس إسرافاً، وليس إسرافاً بناء عثمان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالساج، وكذا بالغ عمر بن عبد العزيز في تزيينه ونقشه، ولم ينههما أحد.

وعنه صلى الله عليه وسلم: " ما ساء قوم قط إلاَّ زخرفوا مساجدهم " وعن ابن عباس: أمرنا أن نبنى المساجد جماء، وجاءت الأنصار بمال فقالوا: يا رسول الله زين به مسجدك، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الزينة والتصاوير للكنائس والبيع بيضوا مساجد الله تعالى " ومن شأن المسجد أن يعمر صفة الأول حتى يفرغ، ثم الثاني وهكذا، وإذا دخل رجل قصد يمين المحراب من الصف الأول، والثاني يساره، والثالث مقابله، والرابع حيث شاء، ولا يجزى عمارة في موضع من غير الصف الأول عن موضع في الصف الأول، فإذا كان في اليمين أَحد في غير الأول، وجاء آخر قصد اليمين من الأول، لأن المعتبر في التقديم هو الأول، حتى يتم في صلاة الصف، وإن كانت فيه محاريب اعتبر الذي يصلى فيه الإمام في الحال.

وقال صلى الله عليه وسلم: " من رأيتموه ينشد شعراً في المسجد فقولوا له فض الله تعالى فاك ثلاث مرات، ومن رأيتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا وجدتها ثلاث مرات " ويستثنى شعر العلم والحكمة، والوعظ والمدح النبوي، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا وجد أحدكم القملة في المسجد فليصرها في ثوبه حتى يخرجها " ويمنع من دخول ذى البصل والثوم والكراث والبخر والصنان في المساجد، واتخاذها طريقاً، والمكث فيها، أو المرور بلا ركعتين، ومن تعظيمها تقديم اليمنى دخولا، واليسرى خروجاً.

قال بعض الصحابة، إذا طلع شيء من الصدر أو نزل من الرأس، ولم يبزقه في الأرض، ولا في ثوبه، بل بلعه احتراماً للمسجد أدخل الله في جوفه الشفاء، وأخرج منه الداء، وهل له البصاق في الصلاة في أرض المسجد يساراً وتحت قدمه؟ قيل نعم، ويصلح ذلك بعد السلام، وقيل لا إلا في ثوبه، وعن أبى هريرة مرفوعاً: إن لم يجد موضعاً في المسجد فليبصق في ثوبه وليحكه، والغدو مصدر بمعنى الزمان، والآصال جمع أصل بمعنى أصيل كعنق وأعناق، أو جمع أصيل كشريف وأشراف، على خلاف القياس، والغدو من أول النهار إلى الزوال، والأصل من الزوال إلى الصبح، وعن ابن عباس: الغدو وقت الضحا، وأن صلاة الضحا من هذه الآية، وخص الرجال بالذكر، لأنهم أحق بعمارة المساجد، قال صلى الله عليه وسلم: " مساجد نسائكم قعر بيوتهن ".

{ لا تلهِيهم تجارة } معاوضة بأي وجه { ولا بيْعٌ } تخصيص بعد تعميم أو التجارة المعاوضة بالربح والبيع المعاوضة مطلقاً، فهو تعميم بعد تخصيص أَو التجارة الشراء لأنه مبدأ لها، أَو التجارة الجلب، فلا تخصيص ولا تعميم، وفي الآية مدح لمن يجمع العبادة والكسب، ويجوز أن يكون المعنى من لا يتجر ولا يبيع، فضلاً عن أن يلهيهم ذلك كاهل الصفة، والأول أولى، لأنه ظاهر العبارة، وأهله الفاعلون له أكثر، وهو قول الحسن البصري، إذ قال: كانوا يتجرون ولا تلهيهم تجارة عن ذكر الله تعالى قلت: بل الآية تشملهما بمعنى أنها إما أن تكون ولا تشغلهم، وإما أن لا تكون.

{ عنْ ذكر الله } بتلاوة القرآن وغيرها { وإقام الصلاة } في أول وقتها بالطهارة والخشوع والإخلاص، والأصل أقوام نقلت فتحة الواو إلى القاف فحذفت للساكن بعدها، ولم تعوض التاء عنها لقيام الإضافة مقامها، وقيل: بجواز ترك التاء، ولو بلا إضافة { وإيتاء الزكاة } جزءاً من المال مخصوص من الحبوب الست، والنقد والأنعام لبلوغ النصاب، فطاعتهم لا تختص بالمسجد، وذكرت الزكاة على عادة الله عز وجل في قرنها بالصلاة، وكذا خوفهم لا يختص به.

{ يخافونَ } أينما كانوا { يوماً } هول يوم أو عذاب يوم، والجملة نعت رجال أو حال من الهاء { تتقلبُ فيه القُلوبُ والأبصارُ } نعت يوماً، وهو يوم القيامة، تضطرب فيه القلوب والأبصار، بتوقع النجاة، وخوف الهلاك، والنظر يمينا وشمالاً إذ لا يدرون من أين يؤتون، ولا في أي يد يعطون كتبهم، وبعلم ما لم يعلموا مشاهدة وروية ما لم يروا{ وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر }[الأحزاب: 10] وكأنه قيل تتقلب فيه القلوب ببلوغها إلى الحناجر، والأبصار بالشخوص والزرقة أَو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفر والإبصار إلى العيان بعد إنكاره للطغيان{ فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد }[ق: 22].

لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)

{ ليجزيهم الله } متعلق بيسبح، أو بعلم يعلم تلك الأفعال أي يعملون ذلك ليجزيهم الله { أحسن ما عملوا } ولا يتعلق بيخافون، لأن الخوف غير اختياري، فلا يعلل بذلك إلا على معنى فعل مقدماته، أو تجعل اللام للعاقبة إذا علقت به، وما اسم أو مصدرية، أي أحسن جزاء الأعمال التي عملوها، أو جزاء أعمال عملوها أو جزاء عملهم، وذلك هو الحسنة على ما نووا وعشر إلى سبعمائة وأكثر على ما عملوا، والنية عمل أيضا بالقلب.

{ ويزيدهم من فضله } ما لا يعلمه إلا الله، ولم يخطر ببال أحد لا في مقابله أعمالهم، وقد علموا أن لله زيادة، وقد عملوا لها، لكن لا يعلمون حقيقتها، أو علموا بعضا دون بعض، وقد رجوها، قال الله تعالى:{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة }[يونس: 26] وقال تعالى: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ".

{ والله يرزق من يشاء بغير حساب } أي يرزقهم، وأظهر في موضع الإضمار إعلاما بأنه يعطيهم على أعمالهم فضلاً منه لا استحقاقاً بها، كما روي أنه يحاسبهم على نعمة حتى يتضح لهم أن عبادتهم لم تفِ بها، فيخبر هو أنى أُعطيكم فضلا منى، ومن قارب فراغ عمره، ويريد أن يستدرك ما فاته فليشتغل بالأذكار الجامعة، فتصير بقية عمره، القصيرة طويلة، مثل أن يقول: سبحان الله عدد الحصى، أو سبحان الله عدد ذرات الأجسام والأعراض، وكذا من فاته كثرة الصيام والقيام، يشتغل بكثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، فإنه إن فعل في جميع عمره كل طاعة، ثم صلى عليه صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة على كل ما عمله في جميع عمره من الطاعات، لأنك تصلى على قدر وسلك، وهو يصلى على حسب ربوبيته، فكيف صلوات، ومن صلى عليه صلاة واحدة كفاه الله تعالى هم الدنيا والآخرة.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)

{ والَّذين كَفَروا أعمالهُمْ } ما يعملونه مما هو طاعة شرعية، وما يدعونه عبادة، وليس عبادة كفك العاني، وسقاية الحاج، وعمارة البيت وإغاثة الملهوف، وقرى الضيف، وكلطخ البيت بدم الذبائح التي يتقربون بها، ودخول البيوت من غير أبوابها إذا أحرموا، وقولهم: لبيك اللهم لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك.

{ كسرابٍ } من سرب الماء بمعنى جريانه، لأنه بخار رقيق يصعد من قيعان الأرض تصيبه الشمس فيرى من بعيد كأنه ماء سارب، أي جار أو ما ترقرق من الهواء وقت شدة الحر في الفيفاء المنبسطة، أو شعاع يرى نصف النهار وقت شدة الحر { بقيعةٍ } في أرض مستوية منبسطة، لا في هوائها فقط نعت سراب { يحسبُه } يظنه، وقيل: الظن أن يخطر الشيئان الجائزان، أو الأشياء الجائزات في القلب، ويرجح أحدهما أو إحداهن، والحسبان الحكم بواحد دون خطور الآخر، دون أن يصل درجة العلم، ويطلق أيضاً على معنى دعوى وصولها.

{ الظّمآن } العطشان { ماء } وكذا الريان يحسبه ماء، إلا أنه خص الظمآن لأنه المتشوف للماء، والجملة نعت آخر { حتَّى إذا جاءه } أي جاء الظمآن الماء المحسوب أو السراب { لم يجدهُ } أي لم يجد ما حسبه ماء هو السراب { شيئاً } محسوساً ولا معقولا فضلاً عن أن يكون ماء، ولو كان في نفس الأمر شيئاً، وهو البخار المتصعد مثلاً، ألا ترى أنه يرى من بعيد فلا بد أن له أصلا، كما أن للحلقة الحاصلة من إدارة الشعلة بسرعة أصلاً، وهو الشعلة.

{ ووجَد الله } مقدور الله، وهو الإهلاك { عنْدَه } عند السراب، أي يجد حساب الله عند السراب { فوفَّاه حِسابه } أعطاه حساب عمله كاملاً، فيعذب العذاب المتوقف عليه كاملاً، ولا يثابون على ما ظنوه من الأعمال نافعاً، وعبادة في الجملة لا يوم القيامة، لأنه لا يؤمن به، ولكن إذا بعث طمع أن ينفعه ذلك، أو فرض أنه إن صحت القيامة نفعني فيها ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ومثل ذلك في المؤمن قوله تعالى:{ يجد الله غفوراً رحيماً }[النساء: 110] أي يجد مغفرته ورحمته، وقيل نزلت الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية، كان يترهب في الجاهلية، ويلبس المسوح، ولما جاء الإسلام كفر به.

روت صحابة أن الكفار يبعثون يوم القيامة وردا عطاشا، فيقولون أين الماء فيمثل لهم السراب في الساهرة، فيحسبونه ماء فينطلقون إليه، فيجدون الله تعالى عنده، فيوفيهم حسابه، تجرهم الزبانية إلى النار، وتسقيهم الحميم والغساق، والكلام استعارة تمثيلية { والله سريعُ الحساب } لا يشغله حساب عن حساب.

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)

{ أو كظلمات } أو لتقسيم أعمالهم أو للتنويع أو للتخيير، وجه التقسيم أن حسناتهم بعضه كسراب، وهو ما كان طاعة لا تنفعهم لشركهن، وكذا لا ينفعهم ما ليس طاعة، وبعضها كظلمات وهو المعصية التي تقربوا بها إلى الله عز وجل، أو أعمالهم مطلقاً كالسراب في الآخرة لعدم النفع، لقوله: { ووجد الله } الخ، وكالظلمات في الدنيا لخلوها من نور الحق لقوله: { ومن لم يجعل الله } الخ أو شبهها بالسراب في الدنيا حال الموت، وبالظلمات في القيامة، كما روي: " الظلم ظلمات " والتقسيم باعتبار الوقتين، ووجه التنويع أن بعضا كسراب، وبعضا كظلمات ولا عقاب على ما هو حسنة، ووجه التخيير على جوازه في غير الطلب أنك إن شبهتها بالسراب أصبت، أو بالظلمات أصبت، نحو: زيد وعمر كلاهما محتاج، تكريم زيداً أو تكريم عمراً.

{ في بحر لُّجِّيٍّ } ذي لج، واللج معظم ماء البحر، وكذا اللجة، والأول أولى، لأن الأصل عدم الحذف، ولو اتحد المعنى وفي النسب إلى اللجة حذف التاء، ولو كان قياسياً شهيراً { يغشاه موجٌ } يغشى هذا البحر جزء منه متحرك، فالمغشي أكثر البحر، والغاشي بعضه وهو الموج { من فوْقِه } فوق الموج { مَوجٌ } آخر مبتدأ أو خبر، والجملة نعت موج أو من فوقه نعت، وموج فاعل لقوله: " من فوقه " والمراد تعدد الأمواج، ويجوز أن يكون الموج بالمعنى المصدري فالمغشي كل البحر { من فَوقه } أي فوق هذا الموج الثاني { سَحابٌ } ساتر لضوء النجوم والقمر، كأنها بلغت السحاب.

{ ظلماتٌ } هي ظلمات، أو ذلك ظلمات { بعضها فوق بعضٍ } كقوله تعالى:{ نور على نُور }[النور: 35] { إذا أخْرج يَده } من ثيابه أو من حيث هي إلى جهة السماء قرب عينيه { لَم يَكَد يراهَا } لم يقرب أن يراها، فضلاً عن أن يراها فليس يكاد زائدة وجملة، إذا وشرطها وجوابها نعت ظلمات، وإنما الممنوع أن يكون خبرا أو حالا أو صلة أو نعتا أداة الشرط، والشرط أو كلاهما مع الجواب الذي هو أمر أو نهى، أو نحوهما، والرابط محذوف، أي إذا أخرج فيها يده، ونفى كاد نفى، وإثباتها إثبات، والنفي في الماضي لا يوجب الإثبات في المستقبل، وكذا العكس، وإذا استعمل لم يكد يكون مع أنه كان، فمعناه أنه وقع بعد ما بعد من الوقوع، وذلك إن كان دليل الوقوع ولو قيل هنا: المراد لم يرها إلا بعد امتناع شديد لقيل أي دليل على ذلك، وشرط الرؤية أن يكون الرائي في ضوء أو يكون مرئية مضيئا ككوكب، وكنار في بعيد وأنت في ظلمة، وأما عدم رؤية النجوم نهاراً فلذهاب ضوئها بضوء الشمس عنا، ولو كانت نهاراً على حالها ليلا.

{ ومَن لَم يجْعَل الله له نُوراً } هدى { فماله منْ نُور } هدى من أحد له، أو من لم يكن له هدى في الدنيا، فهو يوم القيامة في ظلمه، أو من لم ينوره الله يوم القيامة بعفوه لتوفيقه في الدنيا، فلا نور له يوم القيامة، أي لا رحمة له.



تفسير سورة النور من الاية 35 الى 40

التوقيع

توقيع
رد مع اقتباس


إضافة رد



جديد مواضيع القسم الاسلامي


06:00 AM