• 11:43 صباحاً




بحث عن ظروف الموقف القرائي

إضافة رد
عضو فـعّـال
تاريخ التسجيل: Jan 2014
المشاركات: 1,416
معدل تقييم المستوى: 12
إشراق is on a distinguished road
08 - 05 - 2014, 06:22 AM
  #1
إشراق غير متواجد حالياً  
افتراضي بحث عن ظروف الموقف القرائي
بمناسبة فوز كتابه «المقامات والتلقي» بالجائزة الأولى في مسابقة وزارة الإعلام الناقد البحريني نادر كاظم:

القراءة تنطوي على موقف من التراث ومن الآخر ومن الذات

تصغير الخطتكبير الخط
مدينة عيسى - حسام أبوأصبع

أعلنت وزارة الإعلام حديثا فوز الناقد البحريني الشاب نادر كاظم بالجائزة الأولى في مسابقة الكتاب البحريني المتميز - فرع النقد - للعام الجاري 2004م عن كتابه «المقامات والتلقي، بحث في أنماط التلقي لمقامات الهمداني في النقد العربي الحديث». وكتاب المقامات والتلقي من الكتب الرصينة التي صدرت العام الماضي 2003م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ضمن مشروع النشر المشترك بين وزارة الإعلام البحرينية والدار، وهو يمثل تراسلا لافتا مع الدراسات المعنية بجماليات التلقي ونقد استجابة القارئ، وقد قرأ كاظم في كتابه كيف تم التعامل مع نص المقامات لبديع الزمان الهمداني في النقد العربي الحديث.
ووقف في كتابه على طرائف ولطائف جمة، وهو بحث مكتنز وشائق. عن الكتاب وبعض مفصلياته كانت لنا هذه الوقفات.
بداية، لماذا المقامات تحديدا كنموذج قرائي؟ وما الذي يجعل المقامات نصا مغريا منذ انبثاقه كشكل أدبي متفرد حتى يومنا ليستقبل كل هذه القراءات؟ وهل السر يكمن في النص نفسه أم في أنماط تلقيه؟
- المقامات واحدة من النصوص المؤسسة في الأدب العربي الوسيط، وقد قدر لها أن تحرك الكثير من القراءات المتباينة بشأنها، ثم إن الميزة التي تنفرد بها مقامات بديع الزمان الهمداني، أنها نص ذو طبيعة مزدوجة، بمعنى أنه نص من إنتاج فرد اسمه أحمد بن الحسين والمعروف ببديع الزمان الهمداني، وهو في الوقت ذاته نص تحوّل إلى نص جامع، أي إلى نوع أدبي ونمط من الإنتاج النصوصي، فهو بمثابة القوانين التي تحكم النوع، وتوّلد مزيدا من النصوص/ المقامات، وهذا ما يميز المقامات عن الشعر الجاهلي مثلا، والحقيقة أن النمط الكتابي الوحيد الذي ينافس الشعر الجاهلي في الثقافة العربية هو المقامات، إلا أن الفارق بينهما أن المقامات محتفظة بالطبيعة المزدوجة، في حين اختفت هذه الطبيعة من الشعر الجاهلي الذي أصبح ديوان العرب والمعبّر الأقوى عن وجدانهم الجمعي. ولا أخفي عنك هنا أني قبل التفكير في المقامات كنت فكرت في دراسة أنماط التلقي للشعر الجاهلي، وكنت شرعت في التخطيط لهذا المشروع، إلا أني عدلت عن هذه الفكرة إلى دراسة أنماط التلقي لمقامات بديع الزمان، وكنت مقتنعا بأن هذا النص إشكالي، وإلا ما قدر له أن يثير كل هذه القراءات والتأويلات المتعارضة، هذا من جهة. من جهة أخرى يمكنني القول إن جملة القراءات التي تناولت المقامات إنما كانت تقرأه كنص من التراث، ومن هنا فإن الموقف من التراث ينعكس على الموقف من النص، فإحياء المقامات قرين إحياء التراث، ونبذها هو - بدرجة ما - نبذ للتراث، وتأصيلها قرين تأصيل التراث، وكأن المقارب لأنماط التلقي لمقامات الهمداني يقارب في الحقيقة أنماط التلقي للتراث جملة. وهذا ما يجعلني أذهب إلى القول إن الموقف من المقامات ينطوي على موقف من التراث، ومن حدود هذا التراث، بمعنى أين يبدأ هذا التراث وأين ينتهي، والذي يجعل من المقامات عينة اختبار جيدة لقياس هذا الموضوع هو أن صاحبها من أصل فارسي، فإذا كان التراث - في وقت ما - من الرحابة ليتسع للعربي كما الفارسي والتركي والحبشي والأعراق الأخرى التي انصهرت في هذه الثقافة بفضل الإسلام، فإنه في سياق آخر أصبح ضيقا ومحصورا في حدود العربي وإنتاجه «الأصيل» الذي لم يخالطه شيء من الثقافات الأخرى، وفي هذا السياق ظهرت الاتهامات وجرت عملية التصفية والغربلة لمن هو عربي من حيث الأصل، ولمن هو دخيل على هذه الثقافة، فتم استبعاد الهمداني وأبي نواس وبشار وابن الرومي وسيبويه وأبي علي الفارسي وآخرين كثر، لا لشيء غير أنهم من أصل غير عربي. والحقيقة أن هذا الموقف يعكس فهما معينا لـ «الهوية الثقافية» وحدود امتدادها. وهذا بالذات هو الذي جعل النقلة في دراستي اللاحقة ممكنة، فالانتقال من دراسة أنماط التلقي للمقامات إلى دراسة تمثيلات الآخر في المتخيل العربي الوسيط إنما وجد سنده في هذا المفصل تحديدا. وهذا ما يجعلني أقول إن القراءة ليست حدثا جماليا فحسب، بل هي حدث ثقافي ينطوي على موقف من الآخر ومن الذات معا.
صنفت أنماط التلقي العربي للمقامات في العصر الحديث إلى ثلاثة أصناف بحسب المتون التي اشتغلت عليها وهي: التلقي الإيحائي، التلقي الاستبعادي، والتلقي التأصيلي، فهل هذا التصنيف قبلي أم تم بعد فحص القراءات المختلفة؟ وكيف استطعت التوصل إلى صيغة معينة لفض الاشتباكات والتداخلات بين هذا النمط أو ذاك، إذ إن الخطوط الفاصلة بين هذا النمط أو ذاك لا تبدو واضحة تماما في بعض النماذج؟
- من المؤكد أن مسألة التصنيف مسألة معقدة، وهي جزء أساسي من الجهاد التأويلي في الكتاب، وهو لم يكن قبليا، بل جاء بعد فحص المتن القرائي المتشكل حول مقامات بديع الزمان، وينبغي أن أضيف هنا بأن التصنيف في حد ذاته لم يكن هدفا في الكتاب، فلم يكن همي في الكتاب أن أتقصى كل القراءات بهدف تصنيفها وتحديد ما إذا كانت تنتمي إلى نمط التلقي الإحيائي أو الاستبعادي أو التأصيلي، بل كان الهدف هو فحص المتن القرائي واستخلاص الاستراتيجيات والأدوات والمفاهيم والأعراف القرائية التي كانت تحكم اختيارات القراءة وتحدد مسارها ونتائجها وموقفها من النص المقروء، وهذه تحديدا هي المعايير التي كوّنت نمط التلقي في كل مرحلة، أقصد نمط التلقي بوصفه تعبيرا عن حال من التلقي الجماعي المشترك الذي يقارب ما بين قراءات تصدر عن أفق تاريخي واحد، وتحركها هواجس أيديولوجية متشابهة، كما أنها تشترك في مجموعة من الافتراضات والاستراتيجيات والأدوات والمصطلحات، وهو كذلك ما يسمح لهذه القراءات بالوصول إلى نتائج متقاربة، وتأويل متشابه. ولا أخفي عنك أنني واجهت صعوبة في حل مسألة تكوين النمط/ النموذج القرائي، فالنمط يتألف من مجموعة قراءات، وهذه القراءات ليست متطابقة في كل شيء بالضرورة، غير أن النمط ينبني على استخلاص القواسم المشتركة بين هذه القراءات، وهذا يعني أن ثمة قراءات تكون سابقة لأوانها كقراءة روحي الخالدي، وهناك أيضا قراءات تأتي في غير أوانها كشأن قراءات كثيرة تصدر اليوم بهاجس إحيائي أو استبعادي أو تأصيلي، والقصد أن اللحظة التي ينفرط فيها عقد القراءة الجماعية المقبولة والمُصدّق عليها جماعيا هي اللحظة التي يتوارى فيها النمط ليحلّ محله نمط آخر، وهكذا دواليك، فتاريخ التلقي هو دوما تاريخ التغيرات والتقلبات. وبناء على هذا فإني في الكتاب أميّز بين ضربين من القراءة وصورتين للنمط، فالنمط بوصفه نسقا تزامنيا يولّد نوعا من القراءة أسميتهم القراء الأكفاء - وأقصد الكفاءة بالمعنى الذي يستخدمها حونثان كولر في «الشعرية البنيوية» - أي القراء الذين يتمثلون لحظتهم التاريخية خير تمثل فهم بهذا المعنى قراء نمطيون. أما النمط بوصفه نسقا تعاقبيا فإنه يولّد نوعا مختلفا من القراء أسميتهم القراء الأقوياء - وأقصد القوة بالمعنى الذي يستخدمها هارولد بلوم في «قلق التأثير» و«خارطة للقراءة المغلوطة» - أي القراء الذين لا يستجيبون لهيمنة التلقي الجماعي، فيبدعون من هذه المقاومة قراءتهم الخاصة التي تكون مقدمة لتشكل نمطا جديدا من أنماط التلقي. وعليه فالتصنيف لم يكن هما في هذا الكتاب، فالاهتمام انصب على قراءة متن هذين النوعين من القراءة، وعلى هاتين الصورتين من صور النمط.
بحث عن ظروف الموقف القرائي
العلاقة التي تحكم القارئ/ الناقد كما تقر بذلك أدبيات جماليات التلقي تبقى في النهاية علاقة جمالية محكومة بسياق وظرف تاريخي محدد، فهل وجدت تغيرا تاريخيا معينا، وحدثا مهما أسهم فيما سميّته بمراحل الكسر والتعديل والتحطيم والتصحيح في تلقي المقامات؟
- التلقي بوصفه حدثا تاريخيا ثقافيا - وليس جماليا فحسب - يفرض على الباحث أن يكون يقظا تجاه العلاقة بين نمط التلقي والسياق التاريخي والثقافي، فالتلقي محكوم بلحظته التاريخية، وقد سبق للناقد الألماني هانز روبرت ياوس أن تحدث عن مفهوم المنعطف التاريخي وأهميته في تغيير أنماط التلقي، إلا أنه ينبغي التنبيه إلى أن العلاقة بين التلقي والأفق التاريخي ليست ذات اتجاه واحد من الأخير إلى الأول، فالتلقي بحد ذاته حدث، وهو لهذا يمتلك القدرة على التأثير. ومع هذا فإن مناقشتي لأنماط التلقي لم تركز على هذا النوع من العلاقة، بل كان اهتمامي يتركز على إكراهات الأفق التاريخي الذي يحمل أبناءه على رؤية جانب والعمى عن جانب آخر، أي الأفق التاريخي الذي يحدد المفكر فيه والحاضر أمام الوعي، ويحدد كذلك اللامفكر فيه والمسكوت عنه. والتعاقب الذي يحصل لأنماط التلقي كثيرا ما يظهر في صورة تحويل اللامفكر فيه - في نمط سابق - إلى مفكر فيه في النمط اللاحق. وعملية التحول هذه عملية معقدة، وليس تبسيطها في صورة سبب ونتيجة هو الحل الأنجع لها.
لقد حدثت تحولات في أنماط تلقي المقامات وخصوصا في العصر الحديث، وكأنك ألمحت إلى أن أحد أسباب التغيير في جزء منه يعود إلى ذات مشروخة، وهوية منقوصة، وإلى محاولة ردّ الاعتبار إلى الذات العربية الكسيرة، ولكن ألا تعتقد أن ردّ الاعتبار هذا تم بوسائل وأدوات الآخر، وطرائق تفكيره، واستراتيجيات مقارباته، وأحيانا بلغته هو؟... ألا يوجد تناقض في المسألة؟
- أنت تشير هنا إلى التلقي التأصيلي الذي سعى إلى إعادة الاعتبار إلى المقامات والتراث بصورة أعم، غير أن الحقيقة هي أن الآخر كان حاضرا منذ البداية في كل هذه الأنماط التي درستها في هذا الكتاب، وهناك من يرى أن التلقي الإحيائي هو رد فعل على الاصطدام بالآخر الغربي في أواخر القرن الثامن عشر، والتلقي الاستبعادي هو أيضا نبذ للمقامات باعتماد مفاهيم الأدب العصري أي الأدب التصويري (الواقعية) والأدب التعبيري (الرومانسية)، وكلاهما من إنتاج الآخر. ومؤدى هذا الكلام أن الآخر حاضر في أنماط التلقي مرة في صورة رد الفعل، وأخرى في صورة المحفز، وثالثة في صورة الرفض والمواجهة والتصدي. أما الإشكالية التي تشير إليها في السؤال فهي حرية بالانتباه حقا، وقد أشرت إلى ذلك في الكتاب حين تحدثت عن مأزق التلقي التأصيلي، وهي التفكير في الأدب القديم بمفاهيم الأدب العصري الحديث، فهذا التلقي كان يستبطن نفورا من المقامات لا يبلغ في حدته مبلغ التلقي الاستبعادي، إلا أنه كان يشعر بحرج في قراءة نص مسجوع وكثيف كنص المقامات، وهذا تحديدا هو الذي يجعلني أقول إن هذه القراءة لم تكن تصوّب نظرها نحو نص المقامات بالضرورة، فالاشتباك في القراءة ليس بين النص والقارئ فحسب، بل ثمة اشتباك أكثر أهمية هو الذي يجري بين القارئ السابق والقارئ اللاحق، فهذا الأخير يقرأ النص بالأدوات والمفاهيم التي طوّرها القارئ السابق، وربما بتطوير أدوات ومفاهيم لا تجد مشروعيتها إلا على قاعدة المعارضة لما سبق. القراءة المثلى قراءة مستحيلة، أن يكون القارئ والنص ولا شيء قبل ذلك ولا بعده هذا تحديدا هو المطلب الذي لا يتأتى لأي قارئ مهما بلغت قوته، نحن نسعى تجاهه لكن من دون جدوى... أن أكون أنا والنص ولا ثالث لنا حتى الشيطان أمر ليس من الممكنات... الخلوة بهذا المعنى مستحيلة!
بحسب وجهة نظركم... ما أهمية أن توجد في ثقافتنا العربية قراءات وافية لأنماط التلقي لمختلف النصوص، وما الحدود الكشفية التي من الممكن أن تؤمنها مثل هذه القراءات في الوقت الذي تلمع في أفق هذه المسألة ثنائية قبلية مغرية، هي الانبهار بالآخر/ الاعتداد بالنفس؟
- لكل نصّ خصوصيته،، ولكل نصّ أنماط تلقيه الخاصة به المختلفة باختلاف الظروف والسياقات، والمؤمل من وراء القراءة الوافية لأنماط التلقي لمختلف النصوص أن نحدد في نهاية المطاف «تاريخ التلقي» العربي للنصوص، وهو التاريخ الذي ينطوي على تاريخ الموقف العربي من الذات والآخر والانقطاع أو الاتصال، هذا كخطوة أولى، أما الخطوة الثانية فهي المضي في مشروع تكوين الوعي النقدي في هذه الثقافة، فالتلقي يتضمن القول بنسبية الحقائق وتغيّرها وتقلبها وارتهانها لسياقها التاريخي وأفقها الثقافي، ليس ثمة - في نظرية التلقي - جواهر ثابتة باقية، كل شيء هو عرضة للتغيّر والتحول. وهو الموقف الذي ينبغي المضي فيه إلى أبعد من مستوى قراءة النصوص بالمعنى التقليدي، فثنائية القارئ والنص حاضرة بقوة في التفكير الفلسفي، فالذات تقوم مقام القارئ والوجود يقوم مقام النص، ومتوسطات القراءة تقوم مقام الحُجُب التي تمنع الوجود من أن ينكشف صريحا واضحا أمام الوعي. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى هايدغر وغادامير. ومن هذا الطرف النقيض من مواقف تقوم أساسا على الإيمان بلا تاريخية الظواهر وإطلاقيتها، أعني الانبهار بالآخر والاعتداد بالذات، وأتذكر أن تودوروف في «نحن والآخرون» قال كلمة مهمة في سياق حديثنا هذا، كان يقول إن من يؤمن بالحقيقة المطلقة وبكونية قيمه الخاصة يكون قاسيا تجاه الآخرين... الانبهار بالآخر لا يكون إلا عن قناعة بكونية قيم هذا الآخر وأنها تقدمية ومتحضرة ومستنيرة و... وفي المقابل فإن الاعتداد بالذات إلى حد نفي الآخر وإقصائه لا يكون إلا عن إيمان بقيم تراها الذات كونية ومطلقة.
ما أبرز نقاط العمى التي وجدتها حاضرة بقوة في الأنماط القرائية الثلاثة؟ وما نتائج القراءة التي توصلت إليها في سرِّ بقاء هذا النص وخلوده من وجهة نظرك؟
- قلت في إجابة سابقة إن تاريخية التلقي تفترض محدودية الرؤية بالضرورة، أي أن التلقي يكون محكوما بأفقه الثقافي ولحظته التاريخية، وباستخدام مصطلحات غادامير نقول إن التلقي متحيّز بالضرورة في حدود المكان والزمان والظروف التي يظهر فيها. وهذا التحيّز شرط لإنسانيتنا كذوات تاريخية، وهذا تحديدا ما يميّز الإنسان عن الإله المفارق المتعالي. أقول إن هذا التحيّز يقتضي أن يكون بصر القراءة محدودا بالضرورة في المساحات التي تتكشف أمام عين القارئ، فيما تبقى مناطق عمى في كل نمط من أنماط التلقي. وقد حاولت مقاربة تاريخ التلقي بوصفه - كما قلت سلفا - تاريخا من التحول من اللامفكر فيه والعمى إلى المفكر فيه والبصيرة، وبهذا المعنى فإن لكل نمط من أنماط التلقي نقاط عماه، كما أن له كشوفاته وبصيرته، أما العمى المشترك الذي يجمع بين كل أنماط التلقي فهو العمى عن تحيّزات القراءات وارتهانها بلحظتها التاريخية المحددة، أي العمى عن تاريخية القراءة والتلقي، أي ارتهان القراءة ونتائجها باللحظة التاريخية التي ظهرت فيها، والتي جعلتها ممكنة أصلا، وينبغي أن نسأل أنفسنا: لِمَ لَمْ يظهر نمط التلقي التأصيلي مثلا قبل قرن من ظهوره؟ الإجابة عن هكذا سؤال تفترض أن التاريخ مجموعة ممكنات وأن الماضي هو ما تحقق من هذه الممكنات، وأن أي نمط من أنماط التلقي إنما هو ممكن من بين ممكنات عدة، لكن الذي يحصل أن القارئ الذي يكون ابن لحظته يتوهم أنه يطل على موضوع قراءته من شرفة تؤهله لمعاينة واضحة وجلية ومطلقة، وأنه سيقول الكلمة الفصل في هذا الموضوع، ولكن بمرور الزمن وتعاقب الأنماط نكتشف أن القراءة لم تكن تعاين النص من عل، بل هي متورطة في سياقاتها، ومحدودة بحدود هذه السياقات وما تتيحه من احتمالات. العمى الآخر المترتب على هذا العمى الأهم هو العمى عما أسميه «المتوسطات القرائية» وهي جملة المواقف والمفاهيم والقراءات التي تقع بين القارئ والنص والمقروء. إن القارئ لا يبدأ من درجة الصفر في القراءة، وهو لا يقوم بتعرف بكر على النصر، فكل نص مقروء - ومقروء هنا خبر لكل وليس نعتا للنص - وعلى رغم وضوح هذه المقولة، فإنها - وهنا تكمن المفارقة - غائبة عن غالبية القراءات، فكل قراءة تتوهم أنها تقرأ نصا لم يُقرأ من قبل، وأن المسافة والحُجُب قد زالت بينها وبين النص، والحاصل أن شرط القراءة هو أن تكون القراءة لاحقة بالضرورة... فعلا متأخرا دائما
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 643 - الخميس 10 يونيو 2004م الموافق 21 ربيع الثاني 1425هـ
بحث عن ظروف الموقف القرائي

التوقيع

signature
رد مع اقتباس


إضافة رد

أدوات الموضوع


جديد مواضيع استراحة بورصات

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أول سفير في الإسلام نص الفهم القرائي عرض بور بوينت لغتي سادس الفصل الأول مطور mahmoudsss استراحة بورصات 0 12 - 09 - 2012 06:40 PM


11:43 AM