جرى الحب في العصر الجاهلي مجرى الدم في الجسد، ذلك أنه كان والحرب يشكلان فضاء الحياة ونبضها، فيما كانت القصيدة إلا تجسيداً لها، وتعبيراً أسمى عن انغماس البدوي فيها إلى أبعد تفاصيلها .
والمرأة موضوع الحب، لم تكن في الشعر الجاهلي بمنأى عن موضوع الحرب، بل كانت شريكة للفارس العربي فيها، ولم يكن من الغريب ذهاب النساء إلى الحرب لإعطاء الفوارس حافزاً يجعل من الاستماتة مرادفاً للهوى .
يقول عمر بن كلثوم :
على آثارنا بيض كـرامنحاذرأن تفارق أو تهونا
أخذن على بعولتهن عهداًإذا لاقوا فوارس معلمينا
الغزل الفاحش في العصر الجاهلي أليس من تجليات الفروسية ذلك الحضور المتوهج للمرأة جسداً وروحاً في ثنايا القصيدة الجاهلية ... قصيدة امرئ القيس، أو طرفة أو عنترة أو الأعشى أو غيرهم ... ولا نرى أدل على ذلك التمازج بين تجربتي الحب والحرب من هذين البيتين لعنترة، مخاطباً حبيبته عبلة :
أحبكِ يا ظلومُ فأنت عنـديمكان الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان روحـيخشيت عليك بادرة الطعـان
وقد كان امرئ القيس رائداً لشعر المغامرات، بالغ في تصويره للمخاطر والعشق والحب :
سموت إليها بعدمـا نـام أهلهـاسمو حباب الماء حالاً على حـال
فقالت : سباك الله إنـك فاضحـيألست ترى السمار والناس أحوالي
فقلت : يميـن الله أبـرح قاعـداًوإن قطّعوا رأسي لديك وأوصالي
حلفـت لهـا بالله حلفـة فاجـرلناموا فما إن من حديث ولا صال
فلما تنازعنا الحديـث وأسمحـتهصرت بغصن ذي شماريخ ميـال
وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامهـاورضت فذلـت صعبـة أي إذلال
شرح المفردات :
الصالي : مصطلي النار
شماريخ : جمع شمروخ وهو غضن دقيق ينبت في أعلى الغصن الغليظ .
الغزل الفاحش في العصر الجاهلي