كنت ُ مجنونة، لكنني لم أتمالك نفسي بعدما رأيت وليد يقف أمامي... بطوله و عرضه و شحمه.. جسده و أطرافه... و عينيه و أنفه المعقوف أيضا ... كأن سنينا قد انقضت مذ رأيته آخر مرة ، ينصرف من هذه الشقة جريحا مكسور الخاطر ... اندفعت إليه بجنون... و أي جنون ! ظللت أراقبه و هو يولّي .. حتى اختفى عن ناظري.. و بقيت محدّقة في الموضع الذي كان كتفاه العريضان يظهران عنده قبل اختفائه، و كأنني لازلت أبصر الكتفين أمامي ! " رغد ! " نادتني دانة ، فحررت أنظاري من ذلك الموضع و التفت إليها... و رأيتها تحدّق بي و علامات غريبة على وجهها... أنا ابتسمت .. لقد قرّت عيني برؤية وليد قلبي.. و لأنه هنا ...، فقط لأنه هنا ، فإن هذا يعطيني أكبر سبب في الحياة لأبتسم ! لا أعرف لم كانت نظرة دانة غريبة.. ممزوجة بالأسى و القلق.. قلت : " ما بك ؟ " " لا ... لا شيء " " سأغسل وجهي و أوافيكن... " و أسرعت قاصدة الحمّام ... طائرة كالحمامة ! بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة المجلس...مرتدية حجابي ، إذ أنني سأبقى لأتفرج على العريسين و لمياء - شقيقة نوار - تلتقط الصور لهما.. جميعهن كن يجلسن في أماكنهن كما تركتهن قبل قليل، نظرن إلي ّ جميعا حالما دخلت.. فابتسمت في وجوههن... فجأة لمحت وجها غريبا في غير موقعه ! وجه أروى الحسناء ! دُهشت و علاني التعجب ! وقفت هي مبتسمة و قائلة : " مرحبا رغد ! كيف حالك ؟ و كيف صحتك ؟؟ " " أروى ! " " مفاجأة أليس كذلك ؟؟ " اقتربت منها و صافحتها و الدهشة تتملكني...و نظرت في أوجه الأخريات بحثا عن وجه أم أروى ... أو حتى وجه العجوز ! قلت : " أهلا بك ِ ! أحضرت ِ بمفردك ؟؟ " ابتسمت و قالت : " مع وليد " مع من ؟؟ مع وليد ؟؟ ماذا تقصد هذه الفتاة ؟؟ " مع وليد ؟؟ " ازدادت ابتسامتها اتساعا و حمرة وجنتيها حمرة و بريق عينيها بريقا ... و التفتت نحو دانة ثم نحوي و قالت : " ألم تخبرك ِ دانة ؟؟ " التفت نحو دانة و أنا في غاية الدهشة و القلق.. و رميتها بنظرات متسائلة حائرة.. دانة أيضا نظرت إلي بنفس القلق.. ثم قالت : " إنها ... إنها و وليد... " و لم تتم... نظرت إلى أروى ، فسمعتها تقول متمة جملة دانة ، تلك الجملة التي قضت علي و أرسلتني للهلاك فورا : " ارتبطنا .. البارحة " عفوا ؟؟ عفوا ؟؟ فأنا ما عدت أسمع جيدا من هول ما سمعت أذناي مؤخرا ! ماذا تقول هذه الفتاة ؟؟ " ماذا ؟؟ " و رأيتها تبتسم و تقول : " مفاجأة ! أ ليس كذلك ؟؟ " نظرت إلى دانة لتسعفني ... دانة أنقذيني مما تهذي به هذه ... ما الذي تقوله فلغتها غريبة.. و شكلها غريب.. و وجودها في هذا المكان غريب أيضا... دانة نظرت إلي بحزن ، لا ... بل بشفقة ، ثم أرسلت أنظارها إلى الأرض... غير صحيح ! غير ممكن .. مستحيل ... لا لن أصدّق ... " أنت و .. وليد ماذا ؟؟ ار... تبطـ.. ـتما ؟؟ " " نعم ، البارحة .. و جئت ُ معه كي أبارك للعريسين زواجهما.." خطوة إلى الوراء، ثم خطوة أخرى.. يقترب الباب مني، ثم ينفتح.. ثم أرى نفسي أخرج عبره.. ثم أرى الجدران تتمايل.. و السقف يهوي.. و الأرض تقترب مني.. و الدنيا تظلم.. تظلم.. تظلم..و يختفي كل شيء... " سامر .. تعال بسرعة" هتاف شخص ٌ ما.. يدوي في رأسي.. أيدي أشخاص ما تمسك بي.. أذرع أشخاص ما تحملني.. و تضعني فوق شيء ما.. مريح و واسع.. أكفف تضرب وجهي.. أصوات تناديني.. صياح.. دموع.. لا ليست دموع.. إنها قطرات من الماء ترش على وجهي.. أفتح عيني.. فأرى الصورة غير واضحة.. كل شيء مما حولي يتمايل و يتداخل ببعضه البعض.. الوجوه، الأيدي.. السقف.. الجدران.. أغمض عيني بشدة.. أحرّك يدي و أضعها فوق عيني ّ .. لا أتحمل النور المتسلل عبر جفنيّ .. أشعر بدوار.. سأتقيأ.. ابتعدوا.. ابتعدوا... رواية انت لي الصفحة 39 منتدى سيدتي
~ ~ ~ ~ ~ عندما استردّت رغد وعيها كاملا، كان ذلك بعد بضع دقائق من حضورنا إلى الممر و رؤيتنا لها مرمية على الأرض... كنا قد سمعنا صوت ارتطام ، شيء ما بالأرض أو الجدران ، ثم سمعنا صوت دانة تهتف : " سامر ..تعال بسرعة" قفزنا نحن الاثنان، أنا و سامر هو يهرول و أنا أهرول خلفه تلقائيا حتى وصلنا إلى هناك.. دانة كانت ترفع رأس رغد على رجلها و تضرب وجهها محاولة إيقاظها.. و رغد كانت مغشي عليها... أسرعنا إليها ، و مددت أنا يدي و انتشلتها عن الأرض بسرعة و نقلتها إلى سريرها و جميعنا نهتف " رغد.. أفيقي... " صرخت : " ماذا حدث لها ؟؟ " دانة أسرعت نحو دورة المياه، و عادت بمنديل مبلل عصرته فوق وجه رغد، و التي كانت تفتح عينيها و تغمضهما مرارا... استردت رغد وعيها و أخذت تجول ببصرها فيما حولها.. و تنظر إلينا واحدا عقب الآخر... قال سامر : " سلامتك حبيبتي... هل تأذيت ؟؟ " قالت دانة : " أأنت على ما يرام رغد ؟؟ " قلت أنا : " ما ذا حدث صغيرتي ؟؟ " نظرت رغد إلي نظرة غريبة.. ثم جلست و صاحت : " سأتقيأ " بعدما هدأت من نوبة التقيؤ ، وضعت رأسها على صدر سامر و طوقته بذراعيها و أخذت تبكي ... سامر أخذ يمسح على رأسها المغطى بالحجاب... و يتمتم : " يكفي حبيبتي، اهدئي أرجوك.. فداك أي شيء..." قلت : " صغيرتي ؟؟ " رغد غمرت وجهها في صدر سامر... مبللة ملابسه بالدموع.. " صغيرتي ..؟؟ " " دعوني وحدي.. دعوني وحدي .. " و أجهشت بكاء شديدا... لم أعزم الحراك و لم استطعه، إلا أن دانة قالت لي : " لنخرج وليد " قلت بقلق : " ماذا حدث يا دانة ؟؟ " قالت : " قلت لك... إنها مريضة! هذه المرة الثالثة التي يغشى عليها فيها منذ الأمس... " صعقني هذا النبأ.. قلت مخاطبا رغد: " رغد هل أنت بخير..؟؟ " لم تلتف إلي ، بل غاصت برأسها أكثر و أكثر في صدر سامر و قالت : " دعوني وحدي... دعوني وحدي.." يد دانة الآن أمسكت بيدي ، و حثّتني على السير إلى الخارج، ثم أغلقت الباب... حاولت التحدث معها إلا أنها اعترضت حديثي قائلة : " سوف أعود لأطمئن ضيفاتي.. وليد استدع نوّار ... " و انصرفت... بقيت واقفا عند باب غرفة رغد غير قادر على التزحزح خطوة واحدة.. ماذا حل ّ بصغيرتي ؟؟ و لماذا تتشبث بسامر بهذا الشكل ؟؟ هل صحتها في خطر؟ هل عدلت عن فك ارتباطها به ؟ ماذا يحدث من حولي..؟؟ لحظات و إذا بي أرى دانة تظهر من جديد " وليد أ لم تتحرك بعد ! هيا استدعه " " حسنا.. " و عدت إلى صالة الرجال، و رأيتهم أيضا متوترين يتساءلون عما حدث، طمأنتهم و استدعيت العريس و قدته إلى مجلس النساء.. حيث قامت والدته أو إحدى شقيقاته بالتقاط الصور التذكارية لهن مع العريسين... أروى كانت بالداخل أيضا.. عدت إلى بقية الضيوف و أنا مشغول البال .. بالكاد ابتسم ابتسامة مفتعلة في وجه من ينظر إلي... فيما بعد، جاء نوّار و قال : " سننطلق إلى الفندق الآن.." و كان من المفروض أن يسير موكب العريسين إلى أحد الفنادق الراقية، حيث سيقضي العريسان ليلتهما قبل السفر يوم الغد مع بقية أفراد عائلة العريس إلى البلدة المجاورة و من ثم يستقلون طائرة راحلين إلى الخارج... سامر كان من المفترض أن يقود هذا الموكب.. ذهبت إلى غرفة رغد.. و طرقت الباب.. " سامر.. العريسان يودان الذهاب الآن.." فتح الباب، و خرج سامر.. ينظر إلي بنظرة ريب .. قلت: " كيف رغد؟؟ " قال بجمود : " أفضل قليلا" أردت ُ أن أدخل للاطمئنان عليها، لكن سامر كان يقف سادا الباب.. حائلا دون تقدّمي و تحرجت من استئذانه بالدخول.. قلت : " إنهما يودان الانصراف الآن... " سامر نظر إلي ّ بحيرة .. ثم قال : " أتستطيع مرافقتهما ؟؟ " " أنا ؟؟ " " نعم يا وليد، فرغد لن تتمكن من الذهاب معنا و علي البقاء معها " فزعت، و قلت: " أهي بحالة سيئة؟ " " لا، لكنها لن ترافقنا ، بالتالي سأبقى هنا " " إنني أجهل الطريق.. " " اطلب من أحد أخوته مرافقتكم..." لم تبد لي فكرة حسنة، قلت معترضا: " اذهب أنت يا سامر، و أنا باق هنا مع رغد و أروى..." أقبلت دانة الآن، و سألت عن حال رغد، ثم دخلت إلى غرفتها... رواية انت لي الصفحة 39 منتدى سيدتي