اتجاهات السوق
غموض الين - الملاذ الآمن والاقتصاد الياباني
إن إحدى التطورات المدهشة والأكثر إثارة بالنسبة للأزمة المالية والركود الاقتصادي هي استمرار قوة الين الياباني.
لم تمنع عودة الاستقرار النسبي في النظام المالي العالمي الين من الإبقاء على معظم أزمته بفعل التطورات. لقد احتفظت العملة اليابانية على 75% من مكاسبها مقابل الدولار، وبنسبة 65% مقابل اليورو و 60% من الاسترالي و 75% من الجنيه الاسترليني. وبالمقابل فقد احتفظ الدولار فقط بنسبة 47% من مكاسب اليورو، و 33% من تحسن الدولار الاسترالي، و 56% من مكسب الجنيه الاسترليني.
لقد ارتفعت قيمة الين مقابل الدولار بنسبة 21% منذ الفترة التي سبقت انخفاضات الأزمة الأخيرة في اواخر الصيف الماضي، وبنسبة 34% مقابل اليورو و 47% مقابل الاسترالي, و 53% مقابل الجنيه. وقد تحسن الدولار أيضا تحسنا ملحوظا حاصلا على نسبة 23% مقابل اليورو و 39% مقابل الدولار الاسترالي و 32% مقابل الجنيه.
ولطالما استعاد الدولار سابقا الجزء الكبير من مكاسبه فقد بقي محتفظا بالتحسن بنسبة 11% فقط مقابل اليورو و 13% مقابل الاسترالي و 18% مقابل الجنيه. وقد بقي الين على أي حال قويا. إنه لا يزال أقوى بنسبة 16% مقابل الدولار، وأقوى بنسبة 22% مقابل اليورو و 24% مقابل الدولار الاسترالي، و 39% مقابل الجنيه.
إن الدولار والين هما العملتين الرئيسيتين الوحيدتين اللتين تعززا خلال الأزمة، وقد أعطى ذلك وحده الوضع الحقيقي لكل منهما كملاذ آمن للعملة. ولكن كما تراجعت الاختلالات في النظام المالي فقد تراجعت منفعة الدولار كملاذ آمن. إن الأمر ليس كذلك، أو ليس ما يقرب من ذلك بكثير بالنسبة للين. لماذا احتفظت العملة اليابانية بشكل أفضل من نوعية أزمتها المحسنة؟
لقد تم شراء كميات هائلة من الاستثمارات الأمريكية وبشكل رئيسي لسندات الخزانة في ذروة الأزمة من قبل المستثمرين المذعورين. وقد كان الطلب على الدولار لشراء تلك السلع الأمريكية واحدا من القوى الدافعة وراء صعود الدولار. ولكن بما أن حدة الأزمة قد انحسرت، فإن الأموال المودعة في السندات الآمنة القصيرة الأمد، والأموال النقدية والسندات قد غادرت الولايات المتحدة تدريجيا ساعية الى مزيد من الاستثمارات المربحة في أماكن أخرى.
لقد كان التأثير على الدولار سهلا ويمكن التنبؤ به. لقد تم فقدان ما يقرب من نصف مكاسبه خلال الأزمة. لقد كان عرض الأسباب لارتفاع وانخفاض سعر الدولار في الاستجابة للأزمة المالية منطقيا، والتي تم تحديدها بالتوازن بين الحاجة إلى الأمان والكسب، والمخاطر والعوائد.
إذا كان ارتفاع الين مقررا بنفس القدر لتدفق الأموال التي تبحث عن الآمان، فهناك تفسير واحد لتحقيق الاستقرار اللاحق للين والذي قد يكون بأن أصحاب تلك الأموال وجدوا في اليابان بيئة استثمارية ملائمة. لنلقي نظرة على بعض الإمكانيات.
ربما يتوقع المستثمرون أن يتعافى الاقتصاد الياباني في وقت قد يسبق الولايات المتحدة أو أوروبا. لا تزال اليابان هي ثاني اكبر اقتصاد في العالم، وإن مركزها في آسيا وكمورد للصين، وأكبر دولة صناعية للمحفاظة على النمو الاقتصادي القوي، يمكن أن يساعد على استعادة الاقتصاد الياباني. ولكن في الواقع فقد حدث ضعف في آداء الاقتصاد الياباني لأكثر من 15 عاما، وخلال النهضة الاقتصادية في الصين. ان التراجع الياباني هو نتيجة لعوامل داخلية بشكل كبير، بما في ذلك حماية المستهلك والقطاعات الزراعية والسيطرة البيروقراطية والتنظيمية على جزء كبير من الاقتصاد بالاضافة الى الانفاق المحلي الغير المعقول والغير المنتهي والنظام السياسي الباطل الذي كان سببا رئيسيا لمعظم التغييرات التي طرأت.
ثم ربما كان الحزب الديمقراطي اليابانى المنتصر وهل سوف يكون قادرا على انعاش الاقتصاد ودفع البلاد في القرن 21؟
إلا أن وصفات السياسة العامة للحزب الديمقراطى اليابانى لا تعطي الانطباع حول النمو المنظم المسبق, وقد تم تركيز خطط المستهلك على الاقتصاد الياباني. ان الدين العام الياباني هو من أعلى المعدلات في العالم الصناعي وبنسبة 170% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك فإن البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي الياباني، وبالتركيز على الإنفاق الحكومي حسب النظرية الكينزية ومواقفها الغامضة المناهضة للرأسمالية والمناهضة للعولمة يبدو أنه غير ملائما بشكل خاص لاحياء الاقتصاد المستقل الأكبر في العالم والذي يعتمد على الصادرات.
عندما يترافق عدم وضوح السياسات الاقتصادية للحزب الديمقراطى اليابانى مع قلة خبرة مشرعيهم ومعارضة ذوي الخبرة والتي حصنت البيروقراطيين بشكل حقيقي في ادارة الاقتصاد الياباني فان الوعد من أجل الإصلاح والترميم يصبح أكثر تعقيدا. ومن الصعب جدا أن نستشف جانبا إيجابيا للين من سياسات الحزب الديمقراطى اليابانى ذاتها أو من تحركات الين في أسواق العملات على مدى الأشهر القليلة الماضية، حيث ان فوز الحزب الديمقراطى اليابانى اصبح شبه مؤكد.
إذا لم تكن آفاق الاقتصاد الياباني محصنة لدعم الين فهل سيتم دعم العملة من قبل دورها المزعوم باعتباره كتجارة بالنيابة عن اليوان الصيني؟
عندما ضربت الأزمة المالية حكومة بكين فقد انتهت القيمة المدارة لليوان، حيث كانت ثابتة مقابل الدولار منذ الخريف الماضي. لقد كان من المفترض أن يلعب الين دورا بديلا عن العملة الصينية ليحافظ التجار على مراكز الشراء في الين كبديل لعدم توفر اليوان. ولطالما كان صحيحا هو تصادف نهاية قيمة اليوان وظهور قوة الين، فإنه من المرجح أن تكون العملات البديلة لليوان هي الدولار الاسترالي والنيوزيلندي، والتي كانت تتحرك بقوة إلى الأعلى والمرتبطة إلى حد كبير في نجاح الحوافز الاقتصادية الصينية.
إذا كان الين القوي ليس نذيرا اقتصاديا لانعاش اليابان واذا كانت نوعية بديله اليوان محدودة، فإن الأسباب المتبقية وراء وضعية ملاذه الآمن تصبح أكثر أهمية وأكثر إثارة للاهتمام.
إن فكرة الين بوصفه ملاذ آمن للعملة يمكن أن تعزى إلى عاملين. إن الاحتمال الأول للضعف الياباني هو منخفض جدا، وعندما يرتبط بتاريخ اليابان الحديث من الانكماش فان السندات اليابانية توفر للمستثمر سلامة الأموال واستقرار العملة. وهذا هو أيضا مركز ضعيف للدولار وإلى الذي أصدره الحكومة الاتحادية في الولايات المتحدة. إن كلا العملتين سجلتا أرقاما مرتفعة للغاية في ظل الأزمة المالية.
إن العامل الثاني ينطبق فقط على الين ويمكن أن يطلق عليه الاختيار التجريبي. وبأي حكم مقياسي كان فإن الين هو خيار غير عادي بالنسبة إلى الملاذ الآمن للعملة. وبعيدا عن وحدة النظام السياسي الياباني، فإن معظم العوامل الاقتصادية الأخرى وسعر الفائدة سوف تبدو ضدها. لقد قام الاقتصاد الياباني بأداء مخيب للآمال على مدى السنوات ال 15 الماضية واليابان هي واحدة من الأقدم والأكثر سرعة في التناقص السكاني في العالم. وإمكانات نموها الاقتصادي، تبدو محدودة جدا.
لكن الأزمة المالية لعبت دورا أقوى من الاقتصادات المقارنة. وإن الإنهيار في أسعار الفائدة عبر العالم أدى الى تدمير الأساس المنطقي لأجور تبيت الصفقات. وكانت النتيجة هي تعزيز الين بشكل كبير لان الصفقة المصاحبة لبيع تقاطعات الين كانت شراء مرعب للين مقابل الدولار الامريكى. وطالما عادت أجور تبييت الصفقات الى اليابان واختفت مراكز المضاربة في تقاطعات الين مع سقوف الائتمان لصناديق التحوط فإنه قد تم شراء الين على نطاق واسع ولكن فقط لإغلاق المراكز القائمة. وبعبارة أخرى, وطالما كانت القروض ومراكز الصفقات مغطاة فإنه لن يكون هناك مراكز للمضاربة بشكل أقل بكثير مقابل الين والذي يمكن العثور عليه في السوق العادية.
لم تكن معادلة ارتفاع الين مع الاضطراب المالي بسبب القوة الكامنة والأمن في الاقتصاد الياباني ولكن بسبب أوهام الأسواق حول أجور تبييت الصفقات والتمويل بالين. ولم يرتفع الين بسبب سعي المتعاملين وراء سلامة الاستثمارات اليابانية. لقد ارتفع الين بسبب أسواق العملات التي كانت مغمورة في حلحلة أجور تبييت الصفقات وتمويل مراكز الين.
ولكن من وجهة النظر التجريبية فإن تقييم الين الياباني تزامن تماما مع تفاقم الأزمة المالية. لقد بدا من المؤكد أن السعي الى الين هو ملاذ آمن للعملة. ومنذ أن تم تعزيز الين، فقد كان في الواقع إن لم يكن في المنطق الاقتصادي، هو الملاذ الآمن للعملة.
إن قوة الين، وبعبارة أخرى، قد ازدهرت في مناسبة من غياب العقل. وإن القوة الهائلة لتخفيض أجور تبييت الصفقات أدى إلى ارتفاع الين الى وضعه الحالي. ولكن تلك القوى كانت باتجاه واحد، وهو شراء الين لإغلاق البيع ولكن ليس لفتح مراكز شراء جديدة.
لم يكن الين في الحقيقة هو الملاذ الآمن للعملة خلال الأزمة المالية. ولم يعد الين مع انتهاء الازمة الى مستويات التداول ما قبل الأزمة. وإن الدليل الموجود على أن هناك عدد قليل من تدفقات الملاذ الآمن في الين هو بسيط؛ ولم يبقى هناك شيئا في اليابان لاضعاف الين.
لقد بقي الملاذ الآمن الحقيقي خلال الأزمة في الولايات المتحدة، والتدفقات التي دخلت خلال الأزمة حتى الآن أعطت الكثير من ذلك. لقد كان الدولار مدعوما بالتدفقات وضعيفا بعدم وجودهم. إن الافتقار إلى الخطوة الثانية لليابان والين تعني أن القوى التي دفعت بالين الى الأعلى في الخريف الماضي لم تكن تبحث عن الأمان في السندات اليابانية. لقد كان الين ملاذا آمنا فقط من خلال التداول الافتراضي لتقاطعات الين.
منقول