في اليوم التالي، لم يعمل وليد في المزرعة إلا لوقت قصير، و قضى بقية النهار معنا .. و في العصر، قبيل مغادرة سامر، خرجنا جميعا إلى المزرعة نتجول مثنى مثنى ! و ليد و الحسناء في المقدمة، نتبعهما أنا و سامر على بعد عدة أمتار، يتبعنا العجوز و أم أروى على مبعدة... و سيري خلفهما جعلني أعود لممارسة جولات عيني الاستطلاعية بل التدقيقية التفتيشية على أقل حركة تصدر من أي منهما... عادت البغيضة لتشبيك ذراعيهما ببعضهما البعض ! يا إلهي ! هل أركض نحوهما و أقف جدارا بينهما؟ قلت مخاطبة سامر : " دعنا نسرع " قال متعجبا : " لم ؟ " اخترعت أي سبب ، و لا سبب ! " أريد أن أعطي شيئا لأروى " " أي شيء ؟؟ " نظرت من حولي، فوجدت مجموعة من الزهور الجميلة الملونة، أسرعت باقتطاف بعضها و قلت : " هذه ، فهي ملونة مثلها و تصلح طوقا على شعرها الذهبي ! " و ناديتها مباشرة ! التفت كل من وليد و أروى استجابة لندائي، فحثثت السير إليهما حتى إذا ما بلغتهما قلت و أنا أرسم ابتسامة مفتعلة على شفتي : " انظري يا أروى ! هذه الورود تشبهك ! " أروى بدت مستغربة من مقولتي، ثم ابتسمت و شكرتني بعفوية ! قلت : " اصنعي منها تاجا لشعرك ! ستبدين لوحة مذهلة ! " أورى ابتسمت ثانية، و كررت شكرها و إن علاها بعض الشك ! التفت إلى وليد و قلت : " أليس كذلك يا وليد ؟؟ " وليد قال : " بلى ، بالتأكيد " بالتأكيد ؟؟ بالتأكيد يا وليد ؟؟ أنا بالتأكيد سأفقأ عينيك ! أخذت أورى بعض الورود، و تركت في يدي البعض الآخر...ثم استدارا ليتابعا طريقهما... وقفت أنا على الجمر المتقد.. ازداد اشتعالا و احتراقا.. و أرمقهما بنظرات حادة خطره و هما يبتعدان... و ربما ذبلت الورود التي في يدي من شدة حرارتي ! شعرت بشيء يلمس كتفي فاستدرت بسرعة ، كان سامر... سامر أوقف يده معلقة في الهواء.. لا أعرف لماذا ؟ ربما لأنها احترقت من ملامستي ؟؟ لكني لمحت عينيه تركزان في الساعة... قال : " يجب أن أذهب الآن.." أعدت النظر إليهما ، ثم إليه.. ثم إلى الثنائي الأخير الذي يقترب منا، العجوز و أخته...ثم عدت أنظر إلى سامر : " الآن ؟ " " نعم ، قبل حلول الظلام " نظرت بيأس نحو الورود التي بين يدي.. و لأنها أصبحت تمثّل أروى في نظري، كدت أرميها و أدوسها من الغيظ.. إلا أن سامر أخذها من بين أصابعي و قال : " هذه تصلح لك أنت ِ .. أنت فقط " رواية انت لي وانا لك كامله منتدى غرام
رفعت بصري إليه و أبديت استيائي من جملته، و لما رأى هو ذلك قال : " أو ربما لي أنا ! لمعادلة قبح وجهي ! سأحتفظ بها ذكرى " ابتسمت.. لطالما كان سامر خفيف الظل ، لكنه في الفترة الأخيرة، بعد كل الذي حصل معنا، تغير كثيرا ! قلت : " أنت لست قبيحا يا سامر! هذه الندبة لا تؤثر عليك مطلقا! إنها أجمل من هذه الورود " ابتسم سامر بامتنان: " شكرا ! " عدت أنا فألقيت نظرة على الثنائي المزعج اللئيم، ثم نظرت إلى سامر... سامر كان يشعر بتوتري، و يلحظ انجراف أنظاري نحو وليد و أروى.. و هو شيء لا أملك منع نفسي من الانقياد له ! سامر الآن نظر إلي نظرة جدية كئيبة، أخفت أي أثر وهمي للابتسامة التي كانت على وجهه قبل برهة، و قال : " رغد .. " من نبرته، شعرت بأنه سيقول شيئا مهما.. أصغيت أذني.. و ركزت معه.. قال : " ابتداء ً من اليوم.. اعتبري نفسك حرة طليقة.." دهشت.. أوقفت أنفاسي.. و حملقت به بعيني المفتوحتين لحد الحاجبين ! قال : " بدأت ُ إجراءات انفصالنا.. و تستطيعين الارتباط بمن تريدين متى شئت ِ " مأخوذة بهول المفاجأة و غير مصدقة لما تسمع أذناي.. سامر حررني من رباطنا؟؟ أحقا فعل ذلك؟؟ قلت لا شعوريا : " طلّقتني ؟ " سامر ابتسم بسخرية و قال : " و هل تزوّجتك حتى أطلّقك ؟؟ " و نظر إلى الزهور التي في يده ، ثم قال : " سيتعين على وليد مراجعة الشؤون المدنية لنقل اسمك إلى بطاقته ، باعتباره ولي أمرك الجديد " و سكت برهة ، ثم قرّب الزهور من أنفه و شمها، و تنهّد ، ثم نظر إلي و قال : " أتمنى لك حياة سعيدة ، مليئة بالزهور الجميلة .. الرائعة مثلك " لم أتمالك نفسي، و كادت الدمعة تقفز من عيني لكنني كبتها بصعوبة.. امتدت يده الآن إلى يدي ، فأمسك بي بلطف .. و قال بصوت أجش : " حبيبتي... " و سكت، ثم تابع : " أتسمحين بأن .. أعانقك للمرة الأخيرة ؟؟ " حملقت بعينيه، فرأيت الرجاء الشديد ينبع من بؤبؤيهما... لم أحتمل، انطلقت العبرة المكبوتة من عيني فجأة و هتفت : " سامر ! " و ارتميت في حضنه و أحطته بذراعي .. في عناق حميم.. حقيقي.. طويل.. مليء بالمشاعر و الدموع... و متوّج .. بالورود التي امتزج عبيرها الأخاذ بأنفاس صدرينا الملتهبة.. و محفوف بأنسام الهواء العليلة و أوراق الشجر المتطايرة من حولنا.. و التي حضرت لتشهد آخر لحظات وجودي في قفص سامر.. قبل أن أنطلق في الهواء حرة .. و أحلق في السماء مرفرفة بجناحي .. ميممة وجهي شطر الشجرة الضخمة الطويلة.. التي امتدت جذورها في قلبي منذ الطفولة.. و التي عليها سأعشش و أقيم لآخر العمر، طاردة بعيدا أي فراشة ملوّنة دخيلة تحاول الاقتراب من بيتي، ليبقى وليد.. وليد قلبي.. لي وحدي أنا.. و أنا فقط.. رواية انت لي وانا لك كامله منتدى غرام