أثار انخراط عدد من رجال الأعمال من مختلف الأحزاب، لاسيما المنتمين للتيارات الدينية فى الحياة السياسية، جدلا واسعا حول ضرورة سن قانون لمنع تعارض المصالح، خاصة بعد أن شهدت حكومة الدكتور أحمد نظيف السابقة نموذجا صارخا فى تعارض المصالح فى العديد من المناصب الوزارية والحكومية على جميع المستويات.
وربما دفع بزوغ اسم رجل الأعمال خيرت الشاطر مرشح جماعة الإخوان المسلمين للانتخابات الرئاسية، الذى تم استبعاده من معترك السباق، العديد من الأحزاب إلى طرح مشروع قانون "منع تعارض المصالح" فى محاولة لدرء الشبهات عن رجال الأعمال الذين يخوضون غمار العمل السياسى أو للحيلولة دون عودة بعض النماذج السابقة فى حكومات ما قبل الثورة.
الدكتور محمد جودة، المتحدث باسم اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة، أكد فى تصريحات لـ"المصرى اليوم"، أن الحزب يعكف بمساعدة مجموعة من القانونيين على وضع مشروع قانون يمنع تعارض المصالح وينظم دخول وخروج رجال الأعمال فى الحياة العامة، معتمدا فى ذلك على التجربة الكندية.
وقال "جودة" إن الحزب يؤمن بمنع تزاوج المال والسلطة وعدم تكرار التجربة الفاسدة السابقة، مشيرا إلى أنه لا يمكن منع أى إنسان لديه أعمال من ممارسة العمل السياسى، لأننا بذلك نحرم المجتمع من خبرات ومزايا ونجعل الأمر حكرا على موظفى الدولة.
وتابع أن مشروع القانون يوجب أن يقدم رجل الأعمال المرشح لمنصب عام إقرارا مفصلا بذمته المالية، شاملا كل ممتلكاته وإعلانه للكافة، كما أنه يجب ألا يدير عمله فترة تواجده بالمنصب وألا تدخل شركاته حتى بعد تخليه عن إدارتها فى معاملات حكومية، مؤكدا أن مفتاح منع التعارض يكمن فى إعلاء قيم الإفصاح والشفافية.
من جانبه قال الدكتور زياد بهاء الدين، عضو مجلس الشعب والأمين العام للمبادرة المصرية لـ"الوقاية من الفساد" التى أعدت أول مشروع قانون لحظر تعارض مصالح المسؤولين فى الدولة، إنه لا علم له بمشروع القانون الذى يعده حزب الحرية والعدالة حاليا.
وقال بهاء الدين: "يبدو أن الجماعة تريد أن تقوم بأمور كثيرة حتى تظهر بدور المهتم بكل شؤون البلاد".
وأضاف: "سأتقدم للجنة المقترحات والشكاوى خلال وقت قصير بالمشروع الذى أعدته المبادرة، مضافا إليه بعض المواد التى تعزز عملية منع تعارض المصالح فى منصب رئيس الجمهورية، بعد أن تقدم مرشحون من عالم البزنس لشغل المنصب، وهو الأمر الذى لم يكن متصورا من قبل.
وأوضح أن هذا المشروع يميل إلى المنهج الأمريكى الذى ينص على عمل ما يسمى بالصندوق الأسود يودع فيه من يتولى منصباً تنفيذياً أو نيابياً كل أمواله واستثماراته لتديرها له لجنة خاصة لا يعرف هو عنها شيئا وتقدم تقريرا دوريا له بنتيجة إدارة الاستثمار، مشيرا إلى أنه تم عمل بعض التعديلات فى هذا النهج ليلائم الوضع فى مصر.
وأضاف أن المبادرة اقترحت أيضا الاستفادة من النظام الإنجليزى الذى يعتمد على الشفافية والإعلان عن المصلحة المتعارضة قبل اتخاذ أى موقف أو قرار أو إبداء الرأى فى أى مشروعات أو قرارات مطروحة على البرلمان.
ويحدد مشروع القانون الذى أعدته المبادرة المصرية للوقاية من الفساد، مفهوم وحالات تعارض المصالح لموظفى الدولة، وينص على تشكيل لجنة للوقاية من الفساد يقدم إليها المسؤول الحكومى إقرارا بذمته المالية خلال أسبوع من تولى منصبه ويجدد سنويا وتقوم اللجنة بنشر المعلومات الواردة إليه عبر موقعها الإلكترونى.
كما نص المشروع على حظر تعيين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء فى عضوية مجالس إدارات الشركات الخاصة، بينما يسمح لباقى المسؤولين بشرط ألا تكون خاضعة لرقابته، كما لا يجوز للمسؤول الحكومى طوال فترة عمله أن يشترى أسهما وحصصا فى شركات أو أنشطة تجارية، إلا فى حالتين حددهما المشروع ويكون الشراء بالسعر العادل، كما منعه من تقديم أى خدمات استشارية سواء مدفوعه الأجر أو غير ذلك.
وحدد مشروع القانون أحكاما للفترة التالية لترك العمل بحيث يحظر عليه بعد ترك منصبه العمل لدى القطاع الخاص قبل مرور ٦ أشهر على الأقل، وخاصة لو كان شركة تابعة أو مرتبطة بعمله الحكومى السابق كما يحظر عليه خلال المدة الاستثمار فى مجالات كانت تابعة له بشكل مباشر.
وقال كامل مجدى صالح، عضو المبادرة المصرية للوقاية من الفساد، إن وضعية منصب رئيس الجمهورية لها بعد خاص، فترشيح رجل بزنس لمنصب الرئيس محفوف بالمخاطر حتى لو تم وضع كل القيود القانونية الممكنة، فما الذى يضمن ألا تستفيد شركاته استفادة غير مباشرة عند تعاملها مع شركات محلية أو أجنبية مجاملة لرئيس الدولة حتى لو تنازل عن إدارتها. وأشار "صالح" إلى أن أى إجراءات للإفصاح أو الشفافية ستكون من الصعوبة عمليا ألا يكون رجل الأعمال محايدا ومستقلا فى قرارات تتعلق بنطاق عمله. وفى هذا السياق، شدد المستشار هشام رجب، نائب رئيس محكمة الاستئناف سابقا، على أن حظر تعارض المصالح كان يجب أن يصدر بعد انضمام مصر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام ٢٠٠٣، إلا أن الحكومات السابقة أدارت له ظهره، أو قد يكون ذلك مع بروز نجم رجل الأعمال أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل ورئيس لجنة الخطة والموازنة، الذى يمثل نموذجا واضحا لمبدأ تعارض المصالح، وقد يرجع إلى كون الحزب اعتمد فى فترته الأخيرة على تمويلات من رجال الأعمال.
أما طارق توفيق، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، فقال رغم أننى أمثل طبقة البزنس إلا أننى أرى أنه من المضر جدا أن يتولى رجل أعمال منصب رئيس الجمهورية أو رئيس وزارة فى ظل الثقافة السائدة داخل المجتمع التى تعتمد على مبدأ "ألوهية" الحاكم، فحتى إذا تم وضع كل القوانين لمنع تعارض المصالح فإن ثقافة المجاملة وغياب الشفافية والمعلومات ستجعل كل من يمت له بأدنى صلة أو قرابة يستفيد بشكل أو بآخر حتى لو كان دون علمه. فقال: "لا ننكر أن تواجد رجال أعمال فى حكومة نظيف قاد لحركة إيجابية فى الاقتصاد، ولكن وجود قانون لمنع تعارض المصالح كان سيحد من المحاكمات التى تتم لهم حاليا.
وأضاف أن عدم وجود موقف قانونى موحد لكل تصرف وكثرة الاستثناءات فى القوانين يعطيان أكثر من بديل للقاضى فى اتخاذ حكمه وما ينحاز إليه.
عودة "البيزنس" للسلطة تشعل سباقاً حزبياً على طرح قوانين "تعارض المصالح"
المواضيع المتشابهه 
